قالَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ في تُحْفَةِ المحْتاجِ (3/384):
فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى المغْرِبَ في بَلَدٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، ثُمَّ سارَ لِبَلَدٍ مُخْتَلِفَةٍ المطَّلِعُ مَعَ الأُولَى، فَوَجَدَ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فِيها، فَهَلْ يَجِبث عَلَيْهِ إِعادَةُ المغْرِبِ، كَما في نَظِيرِهِ مِنَ الصَّوْمِ، أَوْ لا كَما لَوْ صَلَّى الصَبِّيُّ ثُمَّ بَلَغَ في الوَقْتِ لا يَلْزَمُهُ إِعادَةُ الصَّلاةِ ؟ تَرَدَّدَ، وَالأَوَّلُ ما أَفْتَى بِهِ شَيْخُنا الشِّهابُ الرَّمْلِيُّ، وَالثَّانِي هُوَ ما اعْتَمَدَهُ بِخَطِّهِ في هامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. وَيُوَجَّهُ الثَّانِي بِالفَرْقِ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمُ، بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الصَّلاةِ أَنْ تُكَرَّرَ وَتَكْثُرَ، فَلَوْ أَوْجَبْنا الإِعادَةَ كانَ مِظِنَّةَ المشَقَّةِ أَوْ كَثْرَتِها، وَبِأَنَّ مَنْ لازَمَ الصَّوْمَ في المحَلِّ الواحِدَ الاتَّفاقِ فِيهِ في وَقْتِ أَدائِهِ، بِخِلافِ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِها التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ في الأَداءِ.
وَلَوْ عَيَّدَ في بَلَدِهِ وَأَدَّى زَكاةَ الفِطْرِ فِيهِ، ثُمَّ سارَتْ سَفِينَتُهُ لِبَلْدَةٍ أَهْلُها صِيامٌ، وَأَوْجَبْنا عَلَيْهِ الإِمْساكَ مَعَهُمْ ثُمَّ أَصْبَحَ مُعِيدًا مَعَهُمْ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِعادَةُ زكاةِ الفِطْرِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ عَدَمُ اللُّزُومِ...
وَقَوْلُهُ: (وَيُوَجَّهُ الثَّانِي) إِلخ، تَقَدَّمَ في الشَّرْحِ في أَوائِلِ الصَّلاةِ قُبَيْلَ قَوْلِ المصَنِّفِ: (وَيُبادِرُ بِالفائِتِ) ما يُوافِقُهُ، وَنَقَلَ البُجَيْرَمِيُّ عَنْ الزِّيادِيِّ ما يُخالِفُهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ عَدَمُ اللُّزُومِ) تَقَّدَمَّ عَنْ ع ش آنِفاً عَنِ التُّحْفَةِ في أَوَّلِ بابِ المواقِيتِ ما يُؤَيِّدُهُ.
قَوْلُهُ: (لِلمُقابِلِ ) أَيِ: القائِلُ بِوُجُوبِ الإِفْطارِ.
قَوْلُهُ: (بِلا تَوْقِيفٍ) أَيْ: بِلا نَصٍّ مِنَ الشَّارِعِ.
قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ: الصَّوْمُ.
قَوْلُهُ: (في الثَّانِي) أَيْ: أَنَّ ما رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُما أَمَرَ إلخ.
قَوْلُهُ: (كانَ لَهُ مَعْنَى إِلخ ) قَدْ يُقالُ: اعْتِبارُ المطالِعِ في إِلْحاقِ غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ بِأَهْلِها لا تَأْبَى عَنْهُ قَواعِدُ الشَّرْع، بِخِلافِ العَكْسِ الموجِبُ لِصَوْمِ أَحَدٍ وَثَلاثِينَ، فَتَأْبَى عَنْهُ قَواعِدُ الشَّرْعِ، فاحْتاجَ إِلَى التَّوْقِيفِ.
قَوْلُهُ: (في يَوْمِهِ) أَيْ: المخْتَصُّ بِبَلَدِهِ وَهُوَ اليَوْمُ الأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُفْطِرْ إلخ ) وَفِي حَواشِي المغْنِي لمؤَلِّفِهِ: وَلَوْ سافَرَ في اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ صَوْمِهِ إِلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ، أَهْلُها مُفْطِرُونَ كانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِمْ ا هـ وَهَذا هُوَ الموافِقُ لمصَحِّحِ الشَّيْخَيَنِ، أَنَّ العِبْرَةَ في المسافِرِ بِالمحَلِّ المنْتَقِلِ إِلَيْهِ، وَلِذا صَحَّحُوا وُجُوبَ الإِمْساكِ الآتِي. ثُمَّ رَأَيْتُ الفاضِلَ المحَشَّيَ قالَ: قَدْ يُقالُ: هَلَّا جازَ لَهُ الفِطْرُ وَقَضاءُ يَوْمٍ، كَما في قَوْلِهِ الآتِي: (عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا)؛ بِجامِعِ أَنَّهُ صارَ حُكْمُهُ حُكْمَ المنْتَقِلِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كانَ هَذا في الأَوَّلِ، وَذاكَ في الآخِرِ فَلْيُتَأَمَّلْ؛ فَإِنَّ الوَجْهَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُما في جَوازِ الفِطْرِ بَلْ وُجُوبِهِ، وَلا وَجْهَ لِلفَرْقِ بَيْنَهُما، بَلْ يَتَّجِهُ أَنَّهُ لا يَجِبُ قَضاءُ يَوْمٍ أفَطَرَهُ إِذا صامَ مَعَ المنْتَقِلِ إِلَيْهِمْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى ا هـ.