القناعة قد تكون على ثلاثة أوجه:
فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه ، ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة ، وقال الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن على حـالة إلا رضيت بدونها
وقال مالك بن دينار: أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلغته.
وقال بعض الحكماء: الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف.
وقال بعض الأدباء: يا رُبَّ ضيقٍ أفضل من سعة ، وعناء خير من دعة.
والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية ، ويحذف الفضول والزيادة.
وهذه أوسط حال المقتنع...وقال بعض الحكماء: ما فوق الكفاف إسراف.
وقال بعض البلغاء: من رضي بالمقدور قنع بالميسور.
والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح ، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرا ، ولا يطلب ما تعذر وإن كان يسيرا.
وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة ؛ لأنها مشتركة بين رغبة ورهبة ، أما الرغبة فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت ، وأما الرهبة فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت . وفي مثله قال ذو النون ـ رحمة الله عليه ـ : من كانت قناعته سمينة طابت له كل مرقة...
أدب الدنيا والدين للماوردي (227_228)