اتَّفَقَ العُلَماءُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكاةِ إِلَى الابْنِ ، وَلا إِلَى الأَبِ ، إِذا كانا مِمَّنْ تَلْزَمُ المزَكِّي نَفَقَتُهُما لأَنَّها وِقايَةٌ لمالِهِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنَّ يُعْطِيَهُما ما شاءَ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ أَوْ غَيْرِها . وَالمرادُ بِهذا الحَدِيثِ عِنْدَهُمْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ .
وَاخْتَلَفُوا في دَفْعِ الزَّكاةِ إِلَى سائِرِ القَراباتِ المحْتاجِينَ الَّذِينَ لا تَلْزَمُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ ، فَرُوِىَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ عَطاءٍ ، وَالقاسِمِ ، وَسَعِيدِ بْنِ المسَيِّبِ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ، وَقالُوا : هِيَ لَهُمْ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ .
وَقالَ ابْنُ المسَيِّبِ : أَوْلَى النَّاسِ بِزَكاةِ مالِي يَتِيمِي وَمَنْ كانَ مِنِّي.
وَرَوىَ مُطَرِّفٌ عَنْ مالِكٍ أَنَّهُ لا بَأْسَ أَنْ يُعْطَىَ قَرابَتَهُ مِنْ زَكاتِهِ إِذا لَمْ يُعْطِ مَنْ يَعُولُ ، فَقالَ : رَأَيْتُ مالِكًا يُعْطِي قَرابَتَهُ مِنْ زَكاتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ .
وَقالَ الحَسَنُ البِصْرِيُّ وَطاوُسٍ : لا يُعْطِي ذَوِي قَرابَتِهِ مِنَ الزَّكاةِ شَيْئًا .
وَذَكَرَ ابْنُ الموَّازِ ، عَنْ مالِكٍ أَنَّهُ كَرِهِ أَنْ يَخُصَّ قَرابَتَهُ بِزَكاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُمْ . قالَ المهَلِّبُ : وَفِيهِ أَنَّ لِلابْنِ أَنْ يُخاصِمَ أَباهُ ، وَلَيْسَ بِعُقُوقٍ إِذا كانَ ذَلِكَ في حَقٍّ ، عَلَى أَنَّ مالِكًا قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ ، وَلَمْ َيَجْعَلْهُ مِنْ بابِ البِرِّ .
وَفِيهِ : أَنَّ ما خَرَجَ إِلَى الابْنِ مِنْ مالِ الأَبِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ ، أَوِ الصِّلَةِ أَوِ الهِبَةِ للهِ ، وَحازَهُ الابْنُ أَنَّهُ لا رُجُوعَ لِلأَبِ فِيهِ ، بِخِلافِ الهِبَةِ الَّتِي لِلأَبِ أَنْ يَعْتَصِرِها وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الصَّدَقَةَ وَكُلُّ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ للهِ تَعالَى ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَها" [شَرْحُ ابْنِ بَطَّالٍ(3/423)].