×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن / الدرس(6) القاعدة العاشرة : في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

القاعدة العاشرة : في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم يدعوهم إلى الإسلام، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليهتدي من قصد الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند . وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام . فإن محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي صلى الله عليه وسلم وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإن الحق إذا اتضح علم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال . ويدعوهم بما يخوفهم من أحداث الأمم وعقوبات الدنيا والآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور، والعواقب الخبيثة، وأنها إنما تقوم على الغفلة والتكذيب لآيات الله الكونية والعلمية بالوقوع تحت سلطان الجهل والتقليد الأعمى للآباء والشيوخ والسادة، ويحذرهم من طاعة هؤلاء الرؤساء، فإنهم رؤساء الشر، ودعاة النار، وأنهم لابد أن تتقطع نفوسهم على ما عملوه وقدموه حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم وموالاتهم ستتبدل بغضا وعداوة . ويدعوهم أيضا بنحو ما يدعوا المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأن المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره واجتناب نهيه . ويدعوهم أيضا بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، ويقارن بينها وبين دين الإسلام، ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعين اختياره، ويدعوهم بالتي هي أحسن . فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعدهم بالعقوبات الصوارم، وبين للناس طريقتهم التي كانوا عليها، وأنهم لم يخالفوا الدين جهلا وضلالا أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد . ويبين مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طبع على قلوبهم وختم عليها، وسد عليهم طريق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم وتوليهم الشيطان، وإعراضهم عن الرحمن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم . وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمل وتدبر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم . القاعدة الحادية عشرة :مراعاة دلالة التضمن والمطابقة والالتزام كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها . وهذه القاعدة: من أجل قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد . فإن الذي أنزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تكن الصدور، وبما تضمنه القرآن من المعاني، وما يتبعها وما يتقدمها، وتتوقف هي عليه . ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللوازم في كلام الله لهذا السبب . والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فإذا فهمتها فهما جيدا، ففكر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها . وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرع عنها، وينبني عليها، وأكثر من هذا التفكير وداوم عليه، حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة . فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق، ذلك كله حق ولابد . فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقا ونورا، انفتحت له في القرآن العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية . ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه: منها: في أسماء الله الحسنى +++ الرحمن الرحيم --- فإنها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة، وسعة رحمته . فإذا فهمت أن الرحمة التي لا يشبهها رحمة: هي وصفه الثابت، وأنه أوصل رحمته إلى كل مخلوق، ولم يخل أحد من رحمته طرفة عين: عرفت أن هذا الوصف يدل على كمال حياته، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، لتوقف الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة . ولهذا يعلل الله تعالى كثيرا من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه لأنها من مقتضاها وأثرها . ومنها قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}  +++النساء: 58--- فإذا فهمت أن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها: استدللت بذلك على وجوب حفظ الأمانات، وعدم إضاعتها والتفريط والتعدي فيها، وأنه لا يتم الأداء لأهلها إلا بذلك . وإذا فهمت أن الله أمر بالحكم بين الناس بالعدل، استدللت بذلك على أن كل حاكم بين الناس في الأمور الكبار والصغار، لابد أن يكون عالما بما يحكم به: فإن كان حاكما عاما، فلابد أن يحصل من العلم ما يؤهله إلى ذلك، وإن كان حاكما ببعض الأمور الجزئية كالشقاق بين الزوجين، حيث أمر الله أن نبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، فلا بد أن يكون عارفا بهذا الأمور التي يريد أن يحكم فيها، ويعرف الطريق التي توصله إلى الصواب منها . وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم، وأنه فرض عين في كل أمر يحتاجه العبد، فإن الله أمرنا بأوامر كثيرة ونهانا عن أمور كثيرة . ومن المعلوم أن امتثال أمره واجتناب نهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه، فكيف يتصور أن يمتثل الجاهل الأمر الذي لا يعرفه، أو يتجنب النهي الذي لا يعرفه؟ وكذلك أمره لعباده أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، يتوقف ذلك على العلم بالمعروف والمنكر، ليأمروا بهذا وينهوا عن هذا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يحصل ترك المنهي عنه إلا به فهو واجب . فالعلم بالإيمان والعمل الصالح متقدم على القيام به، والعلم بضد ذلك متقدم على تركه؛ لاستحالة ترك ما لا يعرفه العبد قصدا وتقربا وتعبدا حتى يعرفه ويميزه عن غيره . ومن ذلك الأمر بالجهاد، والحث عليه، من لازم ذلك الأمر بكل ما لا يتم الجهاد إلا به، من تعلم الرمي بكل ما يرمى به، والركوب لكل ما يركب، وعمل آلاته وصناعاته، مع أن ذلك كله داخل دخول مطابقة في قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}  +++لأنفال: 60--- فإنها تتناول كل قوة عقلية وبدنية، وسياسية وصناعية ومالية و نحوها . ومن ذلك أن الله استشهد بأهل العلم على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته، وشهادة ملائكته . وهذا يدل على عدالتهم وأنهم حجة من الله تعالى على من كذب بمنزلة آياته وأدلته . و من ذلك سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماما، يقتضي سؤالهم الله جميع ما تتم به الإمامة في الدين، من علوم و معارف جليلة وأعمال صالحة وأخلاق فاضلة؛ لأن سؤال العبد لربه شيئا سؤال له ولما لا يتم إلا به، كما إذا سأل العبد الله الجنة، واستعاذ به من النار، فإنه يقتضي سؤاله كل ما يقرب إلى هذه و يبعد من هذه . ومن ذلك: أن الله أمر بالصلاح والإصلاح، وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يصلح عمل المفسدين، فيستدل بذلك على أن كل أمر فيه صلاح للعباد في أمر دينهم ودنياهم، وكل أمر يعين على ذلك فإنه داخل في أمر الله وترغيبه، وأن كل فساد وضرر وشر، فإنه داخل في نهيه والتحذير عنه، وأنه يجب تحصيل كل ما يعود إلى الصلاح والإصلاح، بحسب استطاعة العبد، كما قال شعيب عليه السلام {إن أريد إلا الأصلاح ما استطعت}  +++هود: 88--- . ومن ذلك قوله تعالى {وبشر المؤمنين}  +++الأحزاب: 47--- {حرض المؤمنين على القتال}  +++لأنفال:65--- يقتضي الأمر بكل ما لا تتم البشارة إلا به، والأمر بكل ما فيه حث وتحريض على القتال وما يتوقف على ذلك، ويتبعه من الاستعداد والتمرن على أسباب الشجاعة والسعي والقوة المعنوية من التآلف واجتماع الكلمة ونحو ذلك . ومن ذلك الأمر بتبليغ الأحكام الشرعية، والتذكير بها، وتعليمها، فإن كل أمر يحصل به التبليغ وإيصال الأحكام إلى المكلفين يدخل في ذلك، حتى إنه يدخل فيه إذا ثبتت الأحكام الشرعية، ووجدت أسبابها، وكانت تخفى عادة على أكثر الناس، كثبوت الصيام والفطر والحج وغيره بالأهلة إبلاغها بالأصوات والرمي، وإبلاغها بما هو أبلغ من ذلك، كالبرقيات ونحوها . وكذلك يدخل فيه كل ما أعان على إيصال الصوت إلى السامعين، من الآلات الحادثة، فحدوثها لا يقتضي منعها، فكل أمر ينفع الناس فإن القرآن لا يمنعه، بل يدل عليه لمن أحسن الاستدلال والانتفاع به . وهذا من آيات القرآن وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئا منه، فإنه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلا، أو يرد بما لا تهتدي إليه العقول . وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتمنعه فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك، فإنه مهما توسعت الاختراعات وعظمت الصناعات، وتبحرت المعارف الطبيعية، وظهر للناس فى هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن ولله الحمد لا يخبر بإحالته، بل نجد بعض الآيات فيها إجمال أو إرشادات تدل عليه . وقد ذكرنا شيئا من ذلك في غير هذا الموضع . والله أعلم وأحكم وبالله التوفيق .

المشاهدات:2342
القاعدة العاشرة : في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم
يدعوهم إلى الإسلام، والإيمان بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليهتدي منْ قصد الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند .
وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام .
فإن محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإن الحق إذا اتضح علم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال .
ويدعوهم بما يخوفهم من أحداث الأمم وعقوبات الدنيا والآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور، والعواقب الخبيثة، وأنها إنما تقوم على الغفلة والتكذيب لآيات الله الكونية والعلمية بالوقوع تحت سلطان الجهل والتقليد الأعمى للآباء والشيوخ والسادة، ويحذرهم من طاعة هؤلاء الرؤساء، فإنهم رؤساء الشر، ودعاة النار، وأنهم لابد أن تتقطع نفوسهم على ما عملوه وقدموه حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم وموالاتهم ستتبدل بغضا وعداوة .
ويدعوهم أيضاً بنحو ما يدعوا المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأن المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره واجتناب نهيه .
ويدعوهم أيضاً بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، ويقارن بينها وبين دين الإسلام، ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعين اختياره، ويدعوهم بالتي هي أحسن . فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعدهم بالعقوبات الصوارم، وبين للناس طريقتهم التي كانوا عليها، وأنهم لم يخالفوا الدين جهلاً وضلالاً أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد .
ويبين مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طبع على قلوبهم وختم عليها، وسد عليهم طريق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم وتوليهم الشيطان، وإعراضهم عن الرحمن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم .
وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمل وتدبر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم .
القاعدة الحادية عشرة :مراعاة دلالة التضمن والمطابقة والالتزام
كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها .
وهذه القاعدة: من أجل قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد . فإن الذي أنزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تكن الصدور، وبما تضمنه القرآن من المعاني، وما يتبعها وما يتقدمها، وتتوقف هي عليه .
ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللوازم في كلام الله لهذا السبب .
والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فإذا فهمتها فهماً جيداً، ففكر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها . وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرع عنها، وينبني عليها، وأكثر من هذا التفكير وداوم عليه، حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة . فإن القرآن حق، ولازم الحق حق،
وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق، ذلك كله حق ولابد .
فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقاً ونوراً، انفتحت له في القرآن العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية .
ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه:
منها: في أسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم فإنها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة، وسعة رحمته .
فإذا فهمت أن الرحمة التي لا يشبهها رحمة: هي وصفه الثابت، وأنه أوصل رحمته إلى كل مخلوق، ولم يخل أحد من رحمته طرفة عين: عرفت أن هذا الوصف يدل على كمال حياته، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، لتوقف الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة . ولهذا يعلل الله تعالى كثيراً من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه لأنها من مقتضاها وأثرها .
ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}  النساء: 58 فإذا فهمت أن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها: استدللت بذلك على وجوب حفظ الأمانات، وعدم إضاعتها والتفريط والتعدي فيها، وأنه لا يتم الأداء لأهلها إلا بذلك .
وإذا فهمت أن الله أمر بالحكم بين الناس بالعدل، استدللت بذلك على أن كل حاكم بين الناس في الأمور الكبار والصغار، لابد أن يكون عالماً بما يحكم به: فإن كان حاكماً عاماً، فلابد أن يحصل من العلم ما يؤهله إلى ذلك، وإن كان حاكماً ببعض الأمور الجزئية كالشقاق بين الزوجين، حيث أمر الله أن نبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فلا بد أن يكون عارفاً بهذا الأمور التي يريد أن يحكم فيها، ويعرف الطريق التي توصله إلى الصواب منها .
وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم، وأنه فرض عين في كل أمر يحتاجه العبد، فإن الله أمرنا بأوامر كثيرة ونهانا عن أمور كثيرة .
ومن المعلوم أن امتثال أمره واجتناب نهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه، فكيف يتصور أن يمتثل الجاهل الأمرَ الذي لا يعرفه، أو يتجنب النهي الذي لا يعرفه؟
وكذلك أمره لعباده أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، يتوقف ذلك على العلم بالمعروف والمنكر، ليأمروا بهذا وينهَوْا عن هذا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يحصل ترك المنهي عنه إلا به فهو واجب .
فالعلم بالإيمان والعمل الصالح متقدم على القيام به، والعلم بضد ذلك متقدم على تركه؛ لاستحالة ترك ما لا يعرفه العبد قصداً وتقرباً وتعبداً حتى يعرفه ويميزه عن غيره .
ومن ذلك الأمر بالجهاد، والحث عليه، من لازم ذلك الأمر بكل ما لا يتم الجهاد إلا به، من تعلم الرمي بكل ما يرمى به، والركوب لكل ما يُركب، وعمل آلاته وصناعاته، مع أن ذلك كله داخل دخولَ مطابقة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}  لأنفال: 60 فإنها تتناول كل قوة عقلية وبدنية، وسياسية وصناعية ومالية و نحوها .
ومن ذلك أن الله استشهد بأهل العلم على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته، وشهادة ملائكته . وهذا يدل على عدالتهم وأنهم حجة من الله تعالى على من كذب بمنزلة آياته وأدلته .
و من ذلك سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماما، يقتضي سؤالهم اللهَ جميع ما تتم به الإمامة في الدين، من علوم و معارف جليلة وأعمال صالحة وأخلاق فاضلة؛ لأن سؤال العبد لربه شيئا سؤال له ولما لا يتم إلا به، كما إذا سأل العبد اللهَ الجنة، واستعاذ به من النار، فإنه يقتضي سؤاله كل ما يقرب إلى هذه و يبعِّد من هذه .
ومن ذلك: أن الله أمر بالصلاح والإصلاح، وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يُصلح عمل المفسدين، فيُسْتدل بذلك على أن كل أمر فيه صلاح للعباد في أمر دينهم ودنياهم، وكل أمر يعين على ذلك فإنه داخل في أمر الله وترغيبه، وأن كل فساد وضرر وشر، فإنه داخل في نهيه والتحذير عنه، وأنه يجب تحصيل كل ما يعود إلى الصلاح والإصلاح، بحسب استطاعة العبد، كما قال شعيب ـ عليه السلام ـ {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} 
هود: 88 .
ومن ذلك قوله تعالى {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}  الأحزاب: 47 {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}  لأنفال:65 يقتضي الأمر بكل ما لا تتم البشارة إلا به، والأمر بكل ما فيه حث وتحريض على القتال وما يتوقف على ذلك، ويتبعه من الاستعداد والتمرن على أسباب الشجاعة والسعي والقوة المعنوية من التآلف واجتماع الكلمة ونحو ذلك .
ومن ذلك الأمر بتبليغ الأحكام الشرعية، والتذكير بها، وتعليمها، فإن كل أمر يحصل به التبليغ وإيصال الأحكام إلى المكلفين يدخل في ذلك، حتى إنه يدخل فيه إذا ثبتت الأحكام الشرعية، وَوُجدت أسبابها، وكانت تخفى عادة على أكثر الناس، كثبوت الصيام والفطر والحج وغيره بالأهلة إبلاغها بالأصوات والرمي، وإبلاغها بما هو أبلغ من ذلك، كالبرقيات ونحوها .
وكذلك يدخل فيه كل ما أعان على إيصال الصوت إلى السامعين، من الآلات الحادثة، فحدوثها لا يقتضي منعها، فكل أمر ينفع الناس فإن القرآن لا يمنعه، بل يدل عليه لمن أحسن الاستدلال والانتفاع به .
وهذا من آيات القرآن وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئاً منه، فإنه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلاً، أو يرد بما لا تهتدي إليه العقول .
وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتمنعه فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك، فإنه مهما توسعت الاختراعات وعظمت الصناعات، وتبحرت المعارف الطبيعية، وظهر للناس فى هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن ـ ولله الحمد ـ لا يخبر بإحالته، بل نجد بعض الآيات فيها إجمال أو إرشادات تدل عليه .
وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في غير هذا الموضع . والله أعلم وأحكم وبالله التوفيق .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93806 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89673 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف