×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن / الدرس(12) القاعدة السادسة والعشرون : الأحكام في الآيات المقيدة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

القاعدة السادسة والعشرون :الأحكام في الآيات المقيدة الأصل: أن الآيات التي فيها قيود لا تثبت أحكامها إلا بوجود تلك القيود، إلا في آيات يسيرة . وهذه قاعدة لطيفة . فإن الله متى رتب في كتابه حكما على شيء، وقيده بقيد، أو شرط لذلك شرطا، تعلق الحكم به على ذلك الوصف، الذي وصفه الله تعالى . وهذا في القرآن لا حصر له . وإنما المقصود ذكر المستثنى من هذا الأصل الذي يقول كثير من المفسرين - إذا تكلموا عليها -: هذا قيد غير مراد . ففي هذه العبارة نظر؛ فإن كل لفظة في كتاب الله فإن الله أرادها لما فيها من فائدة، وقد تظهر للمخاطب وقد تخفى . وإنما مرادهم بقولهم +++ غير مراد --- ثبوت الحكم لها . فاعلم أن الله تعالى يذكر الأحكام الشرعية من أصول وفروع، ويذكر أعلى حالة لها ليبرزها لعباده، وليظهر لهم حسنها، إن كانت مأمورا بها، أو قبحها إن كانت منهيا عنها . وعند تأمل هذه الآيات التي بهذا الصدد يظهر لك هذا منها عيانا . فمنها قوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به}  +++المؤمنون: 117--- ومن المعلوم أن من دعا مع الله إلها آخر فإنه كافر، وأنه ليس له برهان مطلقا . وإنما قيدها الله بهذا القيد بيانا لشناعة الشرك والمشرك وأن الشرك ليس له دليل شرعي، ولا عقلي قطعا، والمشرك ليس بيده ما يسوغ له شيئا من ذلك . ففائدة هذا القيد: التشنيع البليغ على المشركين من المعاندة ومخالفة البراهين الشرعية والعقلية، وأنه ليس بأيديهم إلا أغراض نفسية ومقاصد سيئة، وأنهم لو التفتوا أدنى التفات لعرفوا أن ما هم عليه لا يستجيزه من له أدنى إيمان ولا معقول . ومنها قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}  +++النساء: 23--- مع أن كونها في حجره أو في غير حجره ليس شرطا لتحريمها، فإنها تحرم مطلقا . ولكن ذكر الله هذا القيد تشنيعا لهذه الحالة، وأنه من القبيح إباحة الربيبة التي هي في حجر الإنسان بمنزلة بنته . فذكر الله المسألة متجلية بثياب قبحها، لينفر عنها ذوي الألباب، مع أن التحريم لم يعلق بمثل هذه الحالة . فالأنثى إما أن تكون مباحة مطلقا، أو محرمة مطلقا، سواء كانت عند الإنسان أم لا . كحالة بقية النساء المحللات والمحرمات . ومنها قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}  +++الإسراء: 31--- و: {من إملاق}  +++الأنعام: 151--- مع أن المعلوم النهي على قتل الأولاد على أي حال . فالفائدة في ذكر هذه الحالة: أنها حالة جامعة للشر كله: كونه قتل بغير حق، وقتل من جبلت النفوس على شدة الشفقة عليه شفقة لا نظير لها، وكون ذلك صادرا عن التسخط لقدر الله، وإساءة الظن بالله . فأولئك الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر والإملاق إنما يقتلونهم تبرما وتسخطا بقدر الله، فهم قد تبرموا بالفقر هذا التبرم، وأساءوا ظنونهم بربهم حيث ظنوا أنهم إن أبقوهم زاد فقرهم، واشتدت فاقتهم، فصار الأمر بالعكس . وأيضا فإنه إذا كان منهيا عن قتلهم في هذه الحال التي دفعهم إليها خشية الفقر وحدوثه، ففي حال سعة الرزق من باب أولى وأحرى . وأيضا ففي هذا: بيان للحالة الموجودة غالبا عندهم، فالتعرض لذكر الأسباب الموجودة في الحادثة يكون أجلى وأوضح للمسائل . وأما قوله تعالى في الرجعة: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا}  +++البقرة: 228--- فمن العلماء من قال: إنه من هذا النوع، وإنه يستحق ردها سواء أراد الإصلاح أم لم يرده، فيكون ذكر هذا القيد حثا على لزوم ما أمر الله به من قصد الإصلاح، وتحريما لردها على وجه المضارة، وإن كان يملك ردها، كقوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}  +++البقرة: 231--- . ومن العلماء من جعل هذا القيد على الأصل العام، وأن الزوج لا يستحق رجعة زوجته في عدتها إلا إذا قصد الإصلاح . فأما إذا قصد ضد ذلك فلا حق له في رجعتها، وهذا هو الصواب . ومنها قوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}  +++البقرة: 283--- مع أن الرهن يصح حضرا وسفرا . ففائدة هذا القيد: أن الله ذكر أعلى الحالات، وأشد الحاجات للرهن، وهي هذه الحالة في السفر، والكاتب مفقود، والرهن مقبوض، فأحوج ما يحتاج الإنسان للرهن في هذه الحالة التي تعذرت فيها التوثيقات إلا بالرهن المقبوض، وكما قاله الناس في قيد السفر فكذلك على الصحيح في قيده بالقبض، وأن قبضه ليس شرطا لصحته، وإنما ذلك للاحتياط وزيادة الاستيثاق، وكذلك فقد الكاتب . ومنها قوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}  +++البقرة: 282--- مع أن الحق يثبت بالرجل والمرأتين ومع وجود الرجلين، ولكن ذكر الله أكمل حالة يحصل بها الحفظ للحقوق، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد مع اليمين، والآية ليس فيها ذلك لهذه الحكمة، وهو أن الآية أرشد الله فيها عباده إلى أعلى حالة يحفظون بها حقوقهم، لتمام راحتهم وحسم اختلافهم ونزاعهم . وأما قوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى}  +++الأعلى:9--- فإنها من أصل هذه القاعدة، ويظن بعض الناس أنها من هذا النوع، وأنه يجب التذكير، نفعت الذكرى أو لم تنفع . ولكن قصر الآية على هذا غلط، فنفع الذكرى إذا كان يحصل بها الخير كله أو بعضه أو يزول بها الشر كله أو بعضه . فأما إذا كان ضرر التذكير أعظم من نفعه فإنه منهي عنه في هذه الحالة، كما نهى الله عن سب آلهة المشركين إذا كان وسيلة لسب الله . وكما ينهى عن الأمر بالمعروف إذا كان يترتب عليه شر أكبر أو فوات خير أكثر من الخير الذي يؤمر به، وكذلك النهي عن المنكر إذا ترتب عليه ما هو أعظم منه من شر أو ضرر . فالتذكير في هذه الحال غير مأمور به بل منهي عنه، وكل هذا من تفصيل قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة}  +++النحل: 125--- فعلم أن هذا قيد مراد ويرتبط الحكم به ثبوتا وانتفاء والله أعلم . ومنها قوله تعالى: {ويقتلون النبيين بغير الحق}  +++البقرة: 61--- مع أنه لا يقع قتلهم إلا بغير الحق . فهذا نظير ما ذكره في الشرك، وأن هذا إنما هو لتشنيع هذه الحالة التي لا شبهة لصاحبها، بل صاحبها أعظم الناس جرما، وأشدهم إساءة . وأما قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}  +++الأنعام: 151--- فليست من هذا النوع وإنما هي من النوع الأول الذي هو الأصل، +++ والحق --- الذي قيدها الله به جاء مفسرا في قوله صلى الله عليه وسلم : ( النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق لجماعة ) . +++ رواه البخاري +++ 6878 --- ومسلم +++ 1676 --- --- ومنها قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا}  +++النساء: 43--- مع أن فقد الماء ليس من شرطه وجود السفر، فإنه إذا فقد جاز التيمم حضرا وسفرا، ولكن ذكر السفر لبيان الحالة التي يغلب أن يفقد فيها الماء، أما الحضر فإنه يندر فيه عدم وجود الماء جدا . ومن هذا السبب ظن بعض العلماء أن السفر وحده مبيح للتيمم وإن كان الماء موجودا، وهذا في غاية الضعف، وهدي الرسول وأصحابه مخالف لهذا القول . ومن ذلك قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}  +++النساء: 101--- مع أن الخوف ليس شرطا لصحة القصر ومشروعيته بالاتفاق . ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا أجاب ( صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته ) ويعني وصدقة الله وإحسانه في كل زمان ومكان لا يتقيد بخوف ولا غيره . ومن العلماء من قال: إن هذا القيد من القسم الأول وأن القصر التام وهو قصر العدد وقصر الأركان والهيئات شرطه اجتماع السفر والخوف كما في الآية، فإن وجد الخوف وحده لم يقصر عدد الصلاة وإنما تقصر هيئاتها وصفاتها . وإن وجد السفر وحده لم تقصر هيئاتها وشروطها وإنما يقصر عددها . ولا ينافي هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم إنما سألوه عن قصر العدد فقط فأجابهم بأن الرخصة فيه عامة في كل الأحوال . وهذا تقرير مليح موافق لظاهر الآية غير مخالف لحديث الرسول فيتعين الأخذ به .

المشاهدات:2931
القاعدة السادسة والعشرون :الأحكام في الآيات المقيدة
الأصل: أن الآيات التي فيها قيود لا تثبت أحكامها إلا بوجود تلك القيود، إلا في آيات يسيرة . وهذه قاعدة لطيفة . فإن الله متى رتب في كتابه حكماً على شيء، وقيده بقيد، أو شرط لذلك
شرطاً، تعلق الحكم به على ذلك الوصف، الذي وصفه الله تعالى .
وهذا في القرآن لا حصر له . وإنما المقصود ذكر المستثنى من هذا الأصل الذي يقول كثير من المفسرين - إذا تكلموا عليها -: هذا قيد غير مراد . ففي هذه العبارة نظر؛ فإن كل لفظة في كتاب الله فإن الله أرادها لما فيها من فائدة، وقد تظهر للمخاطب وقد تخفى . وإنما مرادهم بقولهم غير مراد ثبوت الحكم لها .
فاعلم أن الله تعالى يذكر الأحكام الشرعية من أصول وفروع، ويذكر أعلى حالة لها ليبرزها لعباده، وليظهر لهم حسنها، إن كانت مأموراً بها، أو قبحها إن كانت منهياً عنها .
وعند تأمل هذه الآيات التي بهذا الصدد يظهر لك هذا منها عياناً .
فمنها قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}  المؤمنون: 117 ومن المعلوم أن من دعا مع الله إلهاً آخر فإنه كافر، وأنه ليس له برهان مطلقاً . وإنما قيدها الله بهذا القيد بياناً لشناعة الشرك والمشرك وأن الشرك ليس له دليل شرعي، ولا عقلي قطعاً، والمشرك ليس بيده ما يُسوِّغ له شيئاً من ذلك .
ففائدة هذا القيد: التشنيع البليغ على المشركين من المعاندة ومخالفة البراهين الشرعية والعقلية، وأنه ليس بأيديهم إلا أغراض نفسية ومقاصد سيئة، وأنهم لو التفتوا أدنى التفات لعرفوا أن ما هم عليه لا يستجيزه من له أدنى إيمان ولا معقول .
ومنها قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}  النساء: 23 مع أن كونها في حجره أو في غير حجره ليس شرطاً لتحريمها، فإنها تحرم مطلقاً . ولكن ذكر الله هذا القيد تشنيعاً لهذه الحالة، وأنه من القبيح إباحة الربيبة التي هي في حجر الإنسان بمنزلة بنته . فذكر الله المسألة متجليةً بثياب قبحها، لينفر عنها ذوي الألباب، مع أن التحريم لم يُعلَّق بمثل هذه الحالة . فالأنثى إما أن تكون مباحة مطلقاً، أو محرمة مطلقاً، سواء كانت عند الإنسان أم لا . كحالة بقية النساء المحللات والمحرمات .
ومنها قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}  الإسراء: 31 و: {مِنْ إِمْلاقٍ}  الأنعام: 151 مع أن المعلوم النهي على قتل الأولاد على أي حال . فالفائدة في ذكر هذه الحالة: أنها حالة جامعة للشر كله: كونه قتل بغير حق، وقتل مَنْ جُبلت النفوس على شدة الشفقة عليه شفقةٍ لا نظير لها، وكون ذلك صادراً عن التسخط لقدر الله، وإساءة الظن بالله . فأولئك الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر والإملاق إنما يقتلونهم تبرماً وتسخطاً بقدر الله، فهم قد تبرموا بالفقر هذا التبرم، وأساءوا ظنونهم بربهم حيث ظنوا أنهم إن أبقوهم زاد فقرهم، واشتدت فاقتهم، فصار الأمر بالعكس .
وأيضاً فإنه إذا كان منهياً عن قتلهم في هذه الحال التي دفعهم إليها خشية الفقر وحدوثه، ففي حال سعة الرزق من باب أولى وأحرى .
وأيضاً ففي هذا: بيان للحالة الموجودة غالباً عندهم، فالتعرض لذكر الأسباب الموجودة في الحادثة يكون أجلى وأوضح للمسائل .
وأما قوله تعالى في الرجعة: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً}  البقرة: 228 فمن العلماء من قال: إنه من هذا النوع، وإنه يستحق ردها سواء أراد الإصلاح أم لم يرده، فيكون ذكر هذا القيد حثاً على لزوم ما أمر الله به من قصد الإصلاح، وتحريماً لردها على وجه المضارة، وإن كان يملك ردها، كقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}  البقرة: 231 .
ومن العلماء من جعل هذا القيد على الأصل العام، وأن الزوج لا يستحق رجعة زوجته في عدتها إلا إذا قصد الإصلاح . فأما إذا قصد ضد ذلك فلا حق له في رجعتها، وهذا هو الصواب .
ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}  البقرة: 283 مع أن الرهن يصح حضراً وسفراً . ففائدة هذا القيد: أن الله ذكر أعلى الحالات، وأشد الحاجات للرهن، وهي هذه الحالة في السفر، والكاتب مفقود، والرهن مقبوض، فأحوج ما يحتاج الإنسان للرهن في هذه الحالة التي تعذرت فيها التوثيقات إلا بالرهن المقبوض، وكما قاله الناس في قيد السفر فكذلك على الصحيح في قيده بالقبض، وأن قبضه ليس شرطاً لصحته، وإنما ذلك للاحتياط وزيادة الاستيثاق، وكذلك فقد الكاتب .
ومنها قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}  البقرة: 282 مع أن الحق يثبت بالرجل والمرأتين ومع وجود الرجلين، ولكن ذكر الله أكمل حالة يحصل بها الحفظ للحقوق، بدليل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى بالشاهد الواحد مع اليمين، والآية ليس فيها ذلك لهذه الحكمة، وهو أن الآية أرشد الله فيها عباده إلى أعلى حالة يحفظون بها حقوقهم، لتمام راحتهم وحسم اختلافهم ونزاعهم .
وأما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}  الأعلى:9 فإنها من أصل هذه القاعدة، ويظن بعض الناس أنها من هذا النوع، وأنه يجب التذكير، نفعت الذكرى أو لم تنفع . ولكن قصر الآية على هذا غلط، فنفع الذكرى إذا كان يحصل بها الخير كله أو بعضه أو يزول بها الشر كله أو بعضه . فأما إذا كان ضرر التذكير أعظم من نفعه فإنه منهي عنه في هذه الحالة، كما نهى الله عن سب آلهة المشركين إذا كان وسيلة لسب الله . وكما ينهى عن الأمر بالمعروف إذا كان يترتب عليه شر أكبر أو فوات خير أكثر من الخير الذي يؤمر به، وكذلك النهي عن المنكر إذا ترتب عليه ما هو أعظم منه من شر أو ضرر . فالتذكير في هذه الحال غير مأمور به بل منهي عنه، وكل هذا من تفصيل قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}  النحل: 125 فعُلم أن هذا قيد مراد ويرتبط الحكم به ثبوتاً وانتفاء والله أعلم .
ومنها قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ}  البقرة: 61 مع أنه لا يقع قتلهم إلا بغير الحق . فهذا نظير ما ذكره في الشرك، وأن هذا إنما هو لتشنيع هذه الحالة التي لا شبهة لصاحبها، بل صاحبها أعظم الناس جرماً، وأشدهم إساءة .
وأما قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}  الأنعام: 151 فليست من هذا النوع وإنما هي من النوع الأول الذي هو الأصل، والحق الذي قيّدها الله به جاء مفسَّراً في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق لجماعة ) . رواه البخاري 6878 ومسلم 1676
ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}  النساء: 43 مع أن فقد الماء ليس من شرطه وجود السفر، فإنه إذا فُقد جاز التيمم حضراً وسفراً، ولكن ذكر السفر لبيان الحالة التي يغلب أن يفقد فيها الماء، أما الحضر فإنه يندر فيه عدم وجود الماء جداً .
ومن هذا السبب ظن بعض العلماء أن السفر وحده مبيح للتيمم وإن كان الماء موجوداً، وهذا في غاية الضعف، وهدي الرسول وأصحابه مخالف لهذا القول .
ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}  النساء: 101 مع أن الخوف ليس شرطاً لصحة القصر ومشروعيته بالاتفاق . ولما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا أجاب ( صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته ) ويعني وصدقة الله وإحسانه في كل زمان ومكان لا يتقيد بخوف ولا غيره .
ومن العلماء من قال: إن هذا القيد من القسم الأول وأن القصر التام ـ وهو قصر العدد وقصر الأركان والهيئات ـ شرطه اجتماع السفر والخوف كما في الآية، فإن وجد الخوف وحده لم يقصر عدد الصلاة وإنما تقصر هيئاتها وصفاتها . وإن وجد السفر وحده لم تقصر هيئاتها وشروطها وإنما يقصر عددها . ولا ينافي هذا كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم إنما سألوه عن قصر العدد فقط فأجابهم بأن الرخصة فيه عامة في كل الأحوال .
وهذا تقرير مليح موافق لظاهر الآية غير مخالف لحديث الرسول فيتعين الأخذ به .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93806 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89673 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف