×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان / الدرس(5) استدلال أهل السنة أنه لا يخلد في النار أهل التوحيد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 وقوله {جنات عدن يدخلونها} مما يستدل به أهل السنة على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد . وأما دخول كثير من أهل الكبائر النار فهذا مما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تواترت بخروجهم من النار وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وإخراج من يخرج من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره . فمن قال : إن أهل الكبائر مخلدون في النار وتأول الآية على أن السابقين هم الذين يدخلونها وأن المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها كما تأوله من المعتزلة فهو مقابل بتأويل المرجئة الذين لا يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر النار ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جميعهم الجنة من غير عذاب وكلاهما مخالف للسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع سلف الأمة وأئمتها . وقد دل على فساد قول " الطائفتين " قول الله تعالى في آيتين من كتابه وهو قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فأخبر تعالى أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه لمن يشاء ولا يجوز أن يراد بذلك التائب كما يقوله من يقوله من المعتزلة لأن الشرك يغفره الله لمن تاب وما دون الشرك يغفره الله أيضا للتائب فلا تعلق بالمشيئة ؛ ولهذا لما ذكر المغفرة للتائبين قال تعالى : {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} . فهنا عمم المغفرة وأطلقها فإن الله يغفر للعبد أي ذنب تاب منه فمن تاب من الشرك غفر الله له ومن تاب من الكبائر غفر الله له وأي ذنب تاب العبد منه غفر الله له . ففي آية التوبة عمم وأطلق وفي تلك الآية خصص وعلق فخص الشرك بأنه لا يغفره وعلق ما سواه على المشيئة ومن الشرك التعطيل للخالق وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل مذنب . ونبه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل الخالق أو يجوز ألا يعذب بذنب فإنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر البعض دون البعض ولو كان كل ظالم لنفسه مغفورا له بلا توبة ولا حسنات ماحية لم يعلق ذلك بالمشيئة . وقوله تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} دليل على أنه يغفر البعض دون البعض فبطل النفي والوقف العام . فصل : وإذا كان " أولياء الله عز وجل " هم المؤمنون المتقون . والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله بحسب ذلك كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والنفاق كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك . وأصل الإيمان والتقوى : الإيمان برسل الله وجماع ذلك : الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاءوا به فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة ؛ فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة . قال الله تعالى : {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال تعالى {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال تعالى عن أهل النار {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} {قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} فأخبر أنه كلما ألقي في النار فوج أقروا بأنهم جاءهم النذير فكذبوه فدل ذلك على أنه لا يلقى فيها فوج إلا من كذب النذير . وقال تعالى في خطابه لإبليس {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} فأخبر أنه يملؤها بإبليس ومن اتبعه ؛ فإذا ملئت بهم لم يدخلها غيرهم . فعلم أنه لا يدخل النار إلا من تبع الشيطان وهذا يدل على أنه لا يدخلها من لا ذنب له فإنه ممن لم يتبع الشيطان ولم يكن مذنبا وما تقدم يدل على أنه لا يدخلها إلا من قامت عليه الحجة بالرسل . فصل : ومن الناس من يؤمن بالرسل إيمانا مجملا وأما الإيمان المفصل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك فيؤمن بما بلغه عن الرسل وما لم يبلغه لم يعرفه ولو بلغه لآمن به ؛ ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به مع إيمانه وتقواه فهو من أولياء الله تعالى له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وما لم تقم عليه الحجة فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته والإيمان المفصل به فلا يعذبه على تركه ؛ لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك فمن علم بما جاء به الرسل وآمن به إيمانا مفصلا وعمل به فهو أكمل إيمانا وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلا ولم يعمل به ؛ وكلاهما ولي لله تعالى . والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم . قال تبارك وتعالى : {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} . فبين الله سبحانه وتعالى أنه يمد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة من عطائه وأن عطاءه ما كان محظورا من بر ولا فاجر ثم قال تعالى : {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} . فبين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا وقد بين تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين فقال تعالى : {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} وقال تعالى : {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان} وفي الصحيحين عن أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر} . وقد قال الله تعالى : {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} وقال تعالى : {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} {درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} وقال تعالى : {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين} {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون} {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم} {خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} وقال تعالى : {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} وقال تعالى : {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} .

المشاهدات:3204
 وَقَوْلُهُ {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ . وَأَمَّا دُخُولُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ النَّارَ فَهَذَا مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ وَشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِر وَإِخْرَاجِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ . فَمَنْ قَالَ : إنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّ السَّابِقِينَ هُمْ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا وَأَنَّ الْمُقْتَصِدَ أَوْ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ لَا يَدْخُلُهَا كَمَا تَأَوَّلَهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ مُقَابَلٌ بِتَأْوِيلِ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ لَا يَقْطَعُونَ بِدُخُولِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ النَّارَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ قَدْ يَدْخُلُ جَمِيعُهُمْ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ وَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا . وَقَدْ دَلَّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ " الطَّائِفَتَيْنِ " قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ التَّائِبُ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الشِّرْكَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ تَابَ وَمَا دُونُ الشِّرْكِ يَغْفِرُهُ اللَّهُ أَيْضًا لِلتَّائِبِ فَلَا تَعَلُّقَ بِالْمَشِيئَةِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْمَغْفِرَةَ لِلتَّائِبِينَ قَالَ تَعَالَى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . فَهُنَا عَمَّمَ الْمَغْفِرَةَ وَأَطْلَقَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلْعَبْدِ أَيَّ ذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ فَمَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْكِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَيُّ ذَنْبٍ تَابَ الْعَبْدُ مِنْهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ . فَفِي آيَةِ التَّوْبَةِ عَمَّمَ وَأَطْلَقَ وَفِي تِلْكَ الْآيَةِ خَصَّصَ وَعَلَّقَ فَخَصَّ الشِّرْكَ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ وَعَلَّقَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَمِنْ الشِّرْكِ التَّعْطِيلُ لِلْخَالِقِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَجْزِمُ بِالْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ مُذْنِبٍ . وَنَبَّهَ بِالشِّرْكِ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَتَعْطِيلِ الْخَالِقِ أَوْ يَجُوزُ أَلَّا يُعَذَّبَ بِذَنْبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ ظَالِمٍ لِنَفْسِهِ مَغْفُورًا لَهُ بِلَا تَوْبَةٍ وَلَا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ لَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِالْمَشِيئَةِ . وقَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَغْفِرُ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَبَطَلَ النَّفْيُ وَالْوَقْفُ الْعَامُّ .
فَصْلٌ :
وَإِذَا كَانَ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ . وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ . وَأَصْلُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى : الْإِيمَانُ بِرُسُلِ اللَّهِ وَجِمَاعُ ذَلِكَ : الْإِيمَانُ بِخَاتَمِ الرُّسُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْإِيمَانُ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَصْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ هُوَ الْكُفْرُ بِالرُّسُلِ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وَقَالَ تَعَالَى {إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إنْ أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَوْجٌ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ جَاءَهُمْ النَّذِيرُ فَكَذَّبُوهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُلْقَى فِيهَا فَوْجٌ إلَّا مَنْ كَذَّبَ النَّذِيرَ . وَقَالَ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ لإبليس {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا بإبليس وَمَنْ اتَّبَعَهُ ؛ فَإِذَا مُلِئَتْ بِهِمْ لَمْ يَدْخُلْهَا غَيْرُهُمْ . فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إلَّا مَنْ تَبِعَ الشَّيْطَانَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْ الشَّيْطَانَ وَلَمْ يَكُنْ مُذْنِبًا وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالرُّسُلِ .
فَصْلٌ :
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالرُّسُلِ إيمَانًا مُجْمَلًا وَأَمَّا الْإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ فَيَكُونُ قَدْ بَلَغَهُ كَثِيرٌ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ بَعْضُ ذَلِكَ فَيُؤْمِنُ بِمَا بَلَغَهُ عَنْ الرُّسُلِ وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَآمَنَ بِهِ ؛ وَلَكِنْ آمَنَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إيمَانًا مُجْمَلًا فَهَذَا إذَا عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهِ مَعَ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَمَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ مَعْرِفَتَهُ وَالْإِيمَانُ الْمُفَصَّلُ بِهِ فَلَا يُعَذِّبُهُ عَلَى تَرْكِهِ ؛ لَكِنْ يَفُوتُهُ مِنْ كَمَالِ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَآمَنَ بِهِ إيمَانًا مُفَصَّلًا وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ أَكْمَلُ إيمَانًا وَوِلَايَةً لِلَّهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ ؛ وَكِلَاهُمَا وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى . وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَةٌ تَفَاضُلًا عَظِيمًا وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَاتِ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ . قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} . فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ يَمُدُّ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ مِنْ عَطَائِهِ وَأَنَّ عَطَاءَهُ مَا كَانَ مَحْظُورًا مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} . فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ دَرَجَاتِهَا أَكْبَرُ مِنْ دَرَجَاتِ الدُّنْيَا وَقَدْ بَيَّنَ تَفَاضُلَ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَتَفَاضُلِ سَائِرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَن وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ} . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وَقَالَ تَعَالَى : {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وَقَالَ تَعَالَى : {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} وَقَالَ تَعَالَى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94030 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89944 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف