×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان / الدرس(10) كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 فإن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى بل ومشركي العرب فإن جميع هؤلاء يقولون إن الله خلق السموات والأرض وإنه خلق المخلوقات بمشيئته وقدرته وأرسطو ونحوه من المتفلسفة واليونان كانوا يعبدون الكواكب والأصنام وهم لا يعرفون الملائكة والأنبياء وليس في كتب أرسطو ذكر شيء من ذلك وإنما غالب علوم القوم الأمور الطبيعية وأما الأمور الإلهية فكل منهم فيها قليل الصواب كثير الخطأ واليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أعلم بالإلهيات منهم بكثير ؛ ولكن متأخروهم كابن سينا أرادوا أن يلفقوا بين كلام أولئك وبين ما جاءت به الرسل ؛ فأخذوا أشياء من أصول الجهمية والمعتزلة وركبوا مذهبا قد يعتزي إليه متفلسفة أهل الملل ؛ وفيه من الفساد والتناقض ما قد نبهنا على بعضه في غير هذا الموضع . وهؤلاء لما رأوا أمر الرسل كموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قد بهر العالم واعترفوا بأن الناموس الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أعظم ناموس طرق العالم ووجدوا الأنبياء قد ذكروا الملائكة والجن أرادوا أن يجمعوا بين ذلك وبين أقوال سلفهم اليونان الذين هم أبعد الخلق عن معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأولئك قد أثبتوا عقولا عشرة يسمونها " المجردات " " والمفارقات " . وأصل ذلك مأخوذ من مفارقة النفس للبدن وسموا تلك " المفارقات " لمفارقتها المادة وتجردها عنها . وأثبتوا الأفلاك لكل فلك نفسا وأكثرهم جعلوها أعراضا وبعضهم جعلها جواهر . وهذه " المجردات " التي أثبتوها ترجع عند التحقيق إلى أمور موجودة في الأذهان لا في الأعيان كما أثبت أصحاب أفلاطون " الأمثال الأفلاطونية المجردة " أثبتوا هيولى مجردة عن الصورة ومدة وخلاء مجردين وقد اعترف حذاقهم بأن ذلك إنما يتحقق في الأذهان لا في الأعيان ؛ فلما أراد هؤلاء المتأخرون منهم كابن سينا أن يثبت أمر النبوات على أصولهم الفاسدة وزعموا أن النبوة لها خصائص ثلاثة من اتصف بها فهو نبي . الأول : أن تكون له قوة علمية يسمونها القوة القدسية ينال بها من العلم بلا تعلم . الثاني : أن يكون له قوة تخيلية تخيل له ما يعقل في نفسه بحيث يرى في نفسه صورا أو يسمع في نفسه أصواتا كما يراه النائم ويسمعه ولا يكون لها وجود في الخارج وزعموا أن تلك الصور هي ملائكة الله وتلك الأصوات هي كلام الله تعالى . الثالث : أن يكون له قوة فعالة يؤثر بها في هيولى العالم وجعلوا معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق السحرة هي قوى النفس فأقروا من ذلك بما يوافق أصولهم من قلب العصا حية دون انشقاق القمر ونحو ذلك ؛ فإنهم ينكرون وجود هذا . وقد بسطنا الكلام على هؤلاء في مواضع . وبينا أن كلامهم هذا أفسد الكلام وأن هذا الذي جعلوه من الخصائص يحصل ما هو أعظم منه لآحاد العامة ولأتباع الأنبياء وأن الملائكة التي أخبرت بها الرسل أحياء ناطقون أعظم مخلوقات الله وهم كثيرون كما قال تعالى : {وما يعلم جنود ربك إلا هو} وليسوا عشرة وليسوا أعراضا لا سيما وهؤلاء يزعمون أن الصادر الأول هو " العقل الأول " وعنه صدر كل ما دونه و " العقل الفعال العاشر " رب كل ما تحت فلك القمر . وهذا كله يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسل فليس أحد من الملائكة مبدع لكل ما سوى الله . وهؤلاء يزعمون أنه العقل المذكور في حديث يروى " {أن أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل فقال له : أدبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب} " . ويسمونه أيضا " القلم " لما روي " {إن أول ما خلق الله القلم} " الحديث رواه الترمذي . والحديث الذي ذكروه في العقل كذب موضوع عند أهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك أبو حاتم البستي والدارقطني وابن الجوزي وغيرهم . وليس في شيء من دواوين الحديث التي يعتمد عليها ومع هذا فلفظه لو كان ثابتا حجة عليهم ؛ فإن لفظه " {أول ما خلق الله تعالى العقل قال له - ويروى - لما خلق الله العقل قال له} " فمعنى الحديث أنه خاطبه في أول أوقات خلقه ؛ ليس معناه أنه أول المخلوقات و " أول " منصوب على الظرف كما في اللفظ الآخر ( لما وتمام الحديث " {ما خلقت خلقا أكرم علي منك} " فهذا يقتضي أنه خلق قبله غيره ثم قال " {فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب} " فذكر أربعة أنواع من الأعراض وعندهم أن جميع جواهر العالم العلوي والسفلي صدر عن ذلك العقل . فأين هذا من هذا . وسبب غلطهم أن لفظ " العقل " في لغة المسلمين ليس هو لفظ العقل في لغة هؤلاء اليونان فإن " العقل " في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا كما في القرآن {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} ويراد " بالعقل " الغريزة التي جعلها الله تعالى في الإنسان يعقل بها . وأما أولئك ف " العقل " عندهم جوهر قائم بنفسه كالعاقل وليس هذا مطابقا للغة الرسل والقرآن . وعالم الخلق عندهم كما يذكره أبو حامد عالم الأجسام العقل والنفوس فيسميها عالم الأمر وقد يسمى " العقل " عالم الجبروت " والنفوس " عالم الملكوت ؛ و " الأجسام "عالم الملك ويظن من لم يعرف لغة الرسل ولم يعرف معنى الكتاب والسنة أن ما في الكتاب والسنة من ذكر الملك والملكوت والجبروت موافق لهذا وليس الأمر كذلك . وهؤلاء يلبسون على المسلمين تلبيسا كثيرا كإطلاقهم أن " الفلك " محدث : أي معلول مع إنه قديم عندهم والمحدث لا يكون إلا مسبوقا بالعدم ليس في لغة العرب ولا في لغة أحد أنه يسمى القديم الأزلي محدثا والله قد أخبر أنه خالق كل شيء وكل مخلوق فهو محدث وكل محدث كائن بعد أن لم يكن ؛ لكن ناظرهم أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة مناظرة قاصرة لم يعرفوا بها ما أخبرت به الرسل ولا أحكموا فيها قضايا العقول فلا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا وشاركوا أولئك في بعض قضاياهم الفاسدة ونازعوهم في بعض المعقولات الصحيحة فصار قصور هؤلاء في العلوم السمعية والعقلية من أسباب قوة ضلال أولئك كما قد بسط في غير هذا الموضع . وهؤلاء المتفلسفة قد يجعلون " جبريل " هو الخيال الذي يتشكل في نفس النبي صلى الله عليه وسلم والخيال تابع للعقل فجاء الملاحدة الذين شاركوا هؤلاء الملاحدة المتفلسفة وزعموا أنهم " أولياء الله " وأن أولياء الله أفضل من أنبياء الله وأنهم يأخذون عن الله بلا واسطة كابن عربي صاحب " الفتوحات " و " الفصوص " فقال : إنه يأخذ من المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول و " المعدن " عنده هو العقل و " الملك " هو الخيال و " الخيال " تابع للعقل وهو بزعمه يأخذ عن الذي هو أصل الخيال والرسول يأخذ عن الخيال ؛ فلهذا صار عند نفسه فوق النبي ولو كان خاصة النبي ما ذكروه لم يكن هو من جنسه فضلا عن أن يكون فوقه فكيف وما ذكروه يحصل لآحاد المؤمنين والنبوة أمر وراء ذلك فإن ابن عربي وأمثاله وإن ادعوا أنهم من الصوفية فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة ليسوا من صوفية أهل العلم فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة : كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم - رضوان الله عليهم أجمعين . والله سبحانه وتعالى قد وصف الملائكة في كتابه بصفات تباين قول هؤلاء كقوله تعالى : {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}.

المشاهدات:2620
 فَإِنَّ كُفْرَ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَلْ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَرِسْطُو وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْيُونَانِ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَلَيْسَ فِي كُتُبِ أَرِسْطُو ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَالِبُ عُلُومِ الْقَوْمِ الْأُمُورُ الطَّبِيعِيَّةُ وَأَمَّا الْأُمُورُ الْإِلَهِيَّةُ فَكُلٌّ مِنْهُمْ فِيهَا قَلِيلُ الصَّوَابِ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ أَعْلَمُ بِالْإِلَهِيَّاتِ مِنْهُمْ بِكَثِيرِ ؛ وَلَكِنْ مُتَأَخِّرُوهُمْ كَابْنِ سِينَا أَرَادُوا أَنْ يُلَفِّقُوا بَيْنَ كَلَامِ أُولَئِكَ وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ؛ فَأَخَذُوا أَشْيَاءَ مِنْ أُصُولِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَرَكَّبُوا مَذْهَبًا قَدْ يَعْتَزِي إلَيْهِ مُتَفَلْسِفَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ ؛ وَفِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ مَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَؤُلَاءِ لَمَّا رَأَوْا أَمْرَ الرُّسُلِ كَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَهَرَ الْعَالَمَ وَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ النَّامُوسَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ نَامُوسٍ طَرَقَ الْعَالَمَ وَوَجَدُوا الْأَنْبِيَاءَ قَدْ ذَكَرُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَقْوَالِ سَلَفِهِمْ الْيُونَانِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ الْخَلْقِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأُولَئِكَ قَدْ أَثْبَتُوا عُقُولًا عَشَرَةً يُسَمُّونَهَا " الْمُجَرَّدَاتِ " " وَالْمُفَارَقَاتِ " . وَأَصْلُ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ مُفَارَقَةِ النَّفْسِ لِلْبَدَنِ وَسَمَّوْا تِلْكَ " الْمُفَارَقَاتِ " لِمُفَارَقَتِهَا الْمَادَّةَ وَتَجَرُّدِهَا عَنْهَا . وَأَثْبَتُوا الْأَفْلَاكَ لِكُلِّ فَلَكٍ نَفْسًا وَأَكْثَرُهُمْ جَعَلُوهَا أَعْرَاضًا وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهَا جَوَاهِرَ . وَهَذِهِ " الْمُجَرَّدَاتُ " الَّتِي أَثْبَتُوهَا تَرْجِعُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ إلَى أُمُورٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ كَمَا أَثْبَتَ أَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ " الْأَمْثَالَ الأفلاطونية الْمُجَرَّدَةَ " أَثْبَتُوا هَيُولَى مُجَرَّدَةً عَنْ الصُّورَةِ وَمُدَّةً وَخَلَاءً مُجَرَّدَيْنِ وَقَدْ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ ؛ فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا أَنْ يُثْبِتَ أَمْرَ النُّبُوَّاتِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا خَصَائِصُ ثَلَاثَةً مَنْ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيٌّ .
الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عِلْمِيَّةٌ يُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ يَنَالُ بِهَا مِنْ الْعِلْمِ بِلَا تَعَلُّمٍ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ تَخَيُّلِيَّةٌ تُخَيِّلُ لَهُ مَا يَعْقِلُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَرَى فِي نَفْسِهِ صُوَرًا أَوْ يَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا كَمَا يَرَاهُ النَّائِمُ وَيَسْمَعُهُ وَلَا يَكُونُ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ فَعَّالَةٌ يُؤَثِّرُ بِهَا فِي هَيُولَى الْعَالَمِ وَجَعَلُوا مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَارِقِ السَّحَرَةِ هِيَ قُوَى النَّفْسِ فَأَقَرُّوا مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُوَافِقُ أُصُولَهُمْ مِنْ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً دُونَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وُجُودَ هَذَا .
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ . وَبَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا أَفْسَدُ الْكَلَامِ وَأَنَّ هَذَا الَّذِي جَعَلُوهُ مِنْ الْخَصَائِصِ يَحْصُلُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِآحَادِ الْعَامَّةِ وَلِأَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ} وَلَيْسُوا عَشْرَةً وَلَيْسُوا أَعْرَاضًا لَا سِيَّمَا وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الصَّادِرَ الْأَوَّلَ هُوَ " الْعَقْلُ الْأَوَّلُ " وَعَنْهُ صَدَرَ كُلُّ مَا دُونَهُ وَ " الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الْعَاشِرُ " رَبُّ كُلِّ مَا تَحْتَ فَلَكِ الْقَمَرِ . وَهَذَا كُلُّهُ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُبْدِعٌ لِكُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ . وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْعَقْلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى " {أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وَعِزَّتِي مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك فَبِك آخِذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ} " . وَيُسَمُّونَهُ أَيْضًا " الْقَلَمَ " لِمَا رُوِيَ " {إنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ} " الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْعَقْلِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ البستي وَالدَّارَقُطْنِي وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ . وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَمَعَ هَذَا فَلَفْظُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ " {أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ - وَيُرْوَى - لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ} " فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ وَ " أَوَّلُ " مَنْصُوبٍ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ ( لَمَّا وَتَمَامُ الْحَدِيثِ " {مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك} " فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ " {فَبِك آخُذُ وَبِك أُعْطِي وَلَك الثَّوَابُ وَعَلَيْك الْعِقَابُ} " فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ جَوَاهِرِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ صَدَرَ عَنْ ذَلِكَ الْعَقْلِ . فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا . وَسَبَبُ غَلَطِهِمْ أَنَّ لَفْظَ " الْعَقْلِ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ هُوَ لَفْظُ الْعَقْلِ فِي لُغَةِ هَؤُلَاءِ الْيُونَانِ فَإِنَّ " الْعَقْلَ " فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} وَيُرَادُ " بِالْعَقْلِ " الْغَرِيزَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ يَعْقِلُ بِهَا . وَأَمَّا أُولَئِكَ فَ " الْعَقْلُ " عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالْعَاقِلِ وَلَيْسَ هَذَا مُطَابِقًا لِلُغَةِ الرُّسُلِ وَالْقُرْآنِ . وَعَالَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ كَمَا يَذْكُرُهُ أَبُو حَامِدٍ عَالَمُ الْأَجْسَامِ الْعَقْلُ وَالنُّفُوسُ فَيُسَمِّيهَا عَالَمَ الْأَمْرِ وَقَدْ يُسَمَّى " الْعَقْلُ " عَالَمَ الْجَبَرُوتِ " وَالنُّفُوسُ " عَالَمَ الْمَلَكُوتِ ؛ وَ " الْأَجْسَامُ "عَالَمَ الْمَلِكِ وَيَظُنُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُغَةَ الرُّسُلِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ مُوَافِقٌ لِهَذَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ يُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَلْبِيسًا كَثِيرًا كَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ " الْفَلَكَ " مُحْدَثٌ : أَيُّ مَعْلُولٍ مَعَ إنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ وَالْمُحْدَثُ لَا يَكُونُ إلَّا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا فِي لُغَةِ أَحَدٍ أَنَّهُ يُسَمَّى الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُحْدَثًا وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَكُلُّ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لَكِنْ نَاظَرَهُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ مُنَاظَرَةً قَاصِرَةً لَمْ يُعْرَفُوا بِهَا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَلَا أَحْكَمُوا فِيهَا قَضَايَا الْعُقُولِ فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِلْأَعْدَاءِ كَسَرُوا وَشَارَكُوا أُولَئِكَ فِي بَعْضِ قَضَايَاهُمْ الْفَاسِدَةِ وَنَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ الْمَعْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ فَصَارَ قُصُورُ هَؤُلَاءِ فِي الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ قُوَّةِ ضَلَالِ أُولَئِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ قَدْ يَجْعَلُونَ " جِبْرِيلَ " هُوَ الْخَيَالُ الَّذِي يَتَشَكَّلُ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ تَابِعٌ لِلْعَقْلِ فَجَاءَ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ شَارَكُوا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ الْمُتَفَلْسِفَةَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَابْنِ عَرَبِيٍّ صَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ " وَ " الْفُصُوصِ " فَقَالَ : إنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحِي بِهِ إلَى الرَّسُولِ وَ " الْمَعْدِنُ " عِنْدَهُ هُوَ الْعَقْلُ وَ " الْمَلَكُ " هُوَ الْخَيَالُ وَ " الْخَيَالُ " تَابِعٌ لِلْعَقْلِ وَهُوَ بِزَعْمِهِ يَأْخُذُ عَنْ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْخَيَالِ وَالرَّسُولُ يَأْخُذُ عَنْ الْخَيَالِ ؛ فَلِهَذَا صَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَوْقَ النَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ خَاصَّةُ النَّبِيِّ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ فَكَيْفَ وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِآحَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَالنُّبُوَّةُ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مَنَّ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : كالْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي والْجُنَيْد بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَأَمْثَالِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَاتِ تُبَايِنُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنِّي إلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94029 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89940 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف