المقدم:أهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام في حلقتنا هذه لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نسعد أن يكون ضيفنا فيها وضيف حلقات البرنامج هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي وائل ومرحبا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات حياكم الله جميعًا.
المقدم:- حياكم الله فضيلة الشيخ، مستمعينا الكرام أنتم أيضًا يمكنكم أن تشاركونا في هذه الحلقة باستفساراتكم،وأيضًا بأسئلتكم حول موضوع هذه الحلقة والتي سنتحدث فيها حول استجلاب رحمة الله –تبارك وتعالى-، عن الأعمال الصالحة التي تجلب رحمة الله تبارك وتعالى، يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين 0126477117 أو على طريق الهاتف الآخر على الرقم 0126493028 أيضًا يمكنكم أن تشاركونا بإرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس أب على الرقم 0500422121، فضيلة الشيخ سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول "استجلاب رحمة الله تعالى" ما هي الأعمال الصالحة التي تجلب رحمة الله –تبارك وتعالى-؟ وتحدثنا في لقاء سابق عن رحمة الله –تبارك وتعالى-، وأن الله –عز وجل- هو أرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فبرحمة الله –تبارك وتعالى- خلقنا، وبرحمته رزقنا، وبرحمته عافانا وأطعمنا وسقانا وجعلنا من عباده المسلمين، وبرحمة الله –تبارك وتعالى- أيضًا نذكر الجنة عند حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لن يدخلَ أحدٌ منكمُ الجنَّة بعملِه، قيل: ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلّا أن يتغمَّدنِيَ اللَّهُ برحمةٍ منْهُ وفضلٍ»صحيح البخاري (5673)، ومسلم (2816)، سنتحدث ابتداء فضيلة الشيخ كبداية حديث عن الرحمة، ومن ثم ننطلق إلى استجلاب رحمة الله –تبارك وتعالى- والأعمال التي تجلب بها الرحمة.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية للإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يكون ما يستمعون إليه في هذا البرنامج نافعًا لهم في دينهم ودنياهم.
فيما يتعلق بموضوع حلقتنا وهو تحصيل الرحمة، أو طرق ووسائل استجلاب رحمة الله، هذا الموضوع من أهم المهمات التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان، وذلك أن هذا الموضوع يحتاجه كل إنسان، فبرحمة الله تدرك الآمال، وبرحمته تُتوقَّى المخاطر والشرور والآلام، وبرحمته يَسعد الإنسان في الدنيا، وبرحمته -جل في علاه- يفوز بالآخرة، ولهذا من المهم أن يعتني الإنسان بمعرفة الأسباب، ليس ثمة في الكون أحدٌ إلا ويصيبه من رحمة الله تعالى ما يصيبه، فرحمته –جل وعلا- وسِعَت كلُّ شيء، فهو–سبحانه وبحمده- كما أخبر في كتابه ذو رحمة واسعة، قال هذا الوصف في ترغيب عباده في الإقبال عليه، قال تعالى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾الأنعام: 147، قال محمد لهؤلاء المكذبين ربكم ذو رحمة واسعة، طمَّعهم الله برحمته، ثم حذَّرهم من عقابه، فقال:﴿وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾الأنعام: 147، إنها رحمة الله وسعت كل شيء، فليس ثمة شيء إلا وفيه من رحمة الله ومن آثار رحمة الله ما يمكن أن يدركه الإنسان بتأمله ونظره، بل رحمته ظاهرة بادية ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾غافر: 7 إلا أن هذه الرحمة الواسعة التي وَسِعت كلَّ مخلوق وأوسعت كل مخلوق نعمة وفضلًا لها أسباب في إدراكها، ولها مقدمات لابد من تحقيقها حتى يدرك الإنسان ما يؤمل من رحمة الله.
ولهذا الناس أيها الإخوة والأخوات نصيبهم من رحمة الله متفاوت، ما من أحد إلا وقد ناله من رحمة الله، كل الخلق بلا استثناء كلهم يدركون من رحمة الله ما يطيب به معاشهم، لكن هم في هذا التراحم على درجات.
ولِتدركَ عظيم ما عند الله من الرحمة تأمَّل ما ذكره الله –جل وعلا- في سياق بيان عظيم رحمته ﴿قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا﴾الإسراء: 100، يعني الله أكبر الرحمة ليست شيئًا يسيرًا، بل هي عظيمة وجزيلة وكثيرة وكبيرة جُعلت لها خزائن، ولذلك قال: ﴿قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ﴾الإسراء: 100 وذكر هذا في قوله: ﴿خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾الإسراء: 100، يوحي بالعظمة والكثرة والجزالة، وقد يظهر بيان ذلك فيما جاء في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «جَعَل اللهُ -عزَّ وجلَّ- الرَّحمةَ مِئةَ جُزءٍ، فأمسَكَ عندَه تِسعةً وتِسعينَ، وأنزلَ في الأرضِ جُزءًا واحِدًا» وهذا الذي في خزائنه «وأنزلَ في الأرضِ جُزءًا واحِدًا» أي من هذه المائة رحمة جزءًا واحدًا، «فمِن ذلكَ الجزءُ يتراحَمُ الخَلقُ»، فكل التراحم الذي نشهده في الخلق في شتى صنوفهم وأنواعهم وألوانهم وأحوالهم كل هذا تنوع في الرحمة هو من تلك الرحمة يقول –صلى الله عليه وسلم-: «حتّى ترفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عَن ولدِها خَشيةَ أن تُصيبَهُ»صحيح البخاري (6000)، ومسلم (2752)، لترفع رجلها عن ولدها أو قدمها عن ولدها خشية أن تصيبه، هذه الرحمة هي من رحمة الله –عز وجل- التي أنزلها على عباده، فتراحم بها الخلق حتى الحيوان يرحم ابنه، الوحش (وهو وحش) يحنو على ولده ويراعيه ويدافع عنه ويبلغه ما يحتاجه حتى يشبَّ ويقوى، وقد بين النبي –صلى الله عليه وسلم- عن رحمة الله بنا نحن بني آدم في مثال مضروب شاهده –صلى الله عليه وسلم- بين يديه فأخبر به أصحابه، رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- امرأة تطلب صبيًّا لها فَقَدَته فوجدته فأخذته، وجدت هذا الصبي بعد فقده فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته .. هذا المشهد الذي هو من صور الرحمة التي بين الخلق بلَّغه –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أَتَظنُّون أن هذه المرأة ستلقي هذا الولد الذي ضمته إلى بطنها وأرضعته من صدرها، أتظنون أنها تقوى على إلقائه في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، بهذا أجاب الصحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم: «لَله أرحَمُ بعباده مِن هذه بولَدِها»صحيح البخاري (5999)، ومسلم (2754)، رحمة الله بنا أعظم من رحمة أمهاتنا بنا، معلوم أن الأم هي أكبر نموذج يحضر في الذهن عندما تُذكر الرحمة، لما جُبِلت عليه الأم من الرأفة والرحمة والرِّقة والحنوِّ على أولادها حتى بالحيوان وليس في بني آدم كما ذكرت قبل قليل.
يقول –صلى الله عليه وسلم-: «لله أرحم بعباده من هذه يعني المرأة التي رأيتموها تسعى في ولدها ضمَّته إلى بطنها وأرضعته من صدرها، الله أرحم بنا من هذا، بل يا أخي ويا أختي رحمة الله بنا أعظم من رحمتنا بأنفسنا، الله أرحم بنا من أنفسنا، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾النساء: 29، نهى عن أمرين:
أكل المال بالباطل الذي يفضي إلى هلاك الإنسان معنويًّا، وأيضًا نهى عن القتل أن يقتل الإنسان نفسه والاعتداء الحسي على النفس فنهى عن هلاك معنوي وهلاك حسي ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، الله أكبر ما أعظم رحمة الله لمن تأملها وتدبرها! وهذا يشعر ويدل على أن كل ما يتعلق بالمحرمات والمنهيات إنما حرمه الله تعالى رحمة بنا، وليس ذلك لأجل شحِّ تعالى عن ذلك، أو بخل فهو الغني الحميد -جل في علاه-: «يا عِبادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قامُوا في صَعِيدٍ واحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ من ملكي شيئًا»صحيح مسلم (2577) .
فمُلك الله عظيم، وقدره جليل –سبحانه وبحمده-، لا تحيط به العقول، ولا تدركه الأفهام -سبحانه وبحمده- ولا يحيطون به علمًا -جل في علاه-، إنما منع الله تعالى مما منع من المحرمات وأمر بما أمر من الطاعات ليس لحاجة فهو الغني الحميد، وليس لأن هذا ينقصه –سبحانه وبحمده- أو يحتاجه–سبحانه وبحمده-، بل ذلك لمصلحتنا، ذلك من رحمة الله له، ولذلك قال الله تعالى لرسوله في بيان مقصود هذه الرسالة المطهرة الشريفة التي ختم الله بها الرسالات وكل الشرائع على نحو ذلك قال -جل في علاه-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾الأنبياء: 107، فكل هذه الشريعة بما فيها من أحكام، بما فيها من عقائد، بما فيها من أمر، بما فيها من نهي، بكل ما فيها من فرائض وشرائع وحدود وعقائد وأخبار هي رحمة بعباده، هذه الرحمة التي تكلمنا عنها في هذه المقدمة، هي بيد الله -جل في علاه- ما يملكها أحد من الخلق، فإذا أردتها فلا تتوجه في طلبها إلى غيره، فإنه -جل في علاه- قد أخبرك أيها الأخ أيتها الأخت الكريمة في كتابه، فقال: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾فاطر: 2، إذا فتح الله لك هذه الخزائن وصبَّ عليك من رحماته، فإنه لو اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوك عن الرحمة أو يمسكوها عنك لم يتمكنوا، ما يفتح الله للناس من الرحمة فلا ممسك لها ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾فاطر: 2
جل في علاه له الحكمة فيما يفتح، كما له الحكمة فيما يمسك جل في علاه.
ولهذا فلله الفضل، خذ بالأسباب التي تدرِك بها الرحمة، أخي وأختي الله –عز وجل- لما ذكر سعة رحمته بين من الفائزون بالنصيب الأوفى والأعلى منه، أتى ذلك في مواضع عديدة، لكن في سياق ذكر سعة الرحمة، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾الأعراف: 156، فما من أحد من الخلق إلا وتُدركه من رحمة الله ما يدركه، ثم قال تعالى: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾الأعراف: 156، أي سأُثْبِتها وأقضيها ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، هذه الخصلة الأولى ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾، هذه الخصلة الثانية ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾الأعراف: 156 هذه الخصلة الثالثة ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ﴾الأعراف: 157 هذه هي الخصلة الرابعة.
ذكر الله تعالى في هذا السياق أربع خصال من الخصال التي تدرك بها رحمته، وبهذا يُعلم أن نصيب كلِّ واحد منا من رحمة الله –عز وجل- يختلف باختلاف ما معه من أسباب ومقدمات تلك الرحمة، جعل الله تعالى لكل شيء سببًا، ولابد لإدراك المطالب من زهد وعمل، ولابد للنتائج من مقدمات وهذه الجهود المبذولة وهذه الأسباب المقدمة هي أشبه ما يكون ببراهين صدق ودلائل رغبة حقيقية من أصحابها، وإلا فإنها ما يفتحه الله لعباده إذا صدقوا في الإقبال عليه وأتوا بالمقدمات المنتِجة لذلك شيء فوق الخيال، شيء لا تحيط به العقول، يدل لذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعتْ، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ»صحيح البخاري (3244)، ومسلم (2824) أعمالنا مهما كانت حسنة وجليلة فإنها لا تكافِئ تلك الرحمات، وسنُنَبِّه على هذا -إن شاء الله تعالى- في نهاية حديثنا عن أسباب الرحمة، فننتقل إلى ذكر التفصيل في الأسباب التي ستجلب بها رحمة الله –عز وجل-.
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ قبل أن نكمل الحديث عن الأسباب التي يتم بها تحصيل رحمة الله –تبارك وتعالى- اسمح لي أن نذهب إلى فاصل ومِن ثمَّ نكمل الحديث، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل بعدها نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- يمكنكم أن تشاركونا حول هذا الموضوع حول استجلاب رحمة الله –تبارك وتعالى- على هاتفي البرنامج على الرقمين؛ 0126477117 أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم 0126493028كما يمكنكم أن تراسلونا على رقم الواتس أب 0500422121، فاصل قصير بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.
أهلا وسهلا بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، فضيلة الشيخ خالد أهلا وسهلا بك مجددًا في هذه الحلقة.
الشيخ:- حياك الله مرحبًا بك أخي وائل، حياك الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- حياك الله فضيلة الشيخ نريد أن نكمل الحديث وندخل بتفصيل أكثر حول الأسباب الجالبة لرحمة الله –تبارك وتعالى- بعد أن تحدثنا عن رحمة الله –تبارك وتعالى- الواسعة.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، رحمة الله من أعظم ما أخبر الله تعالى عنها في كتابه، ما في سورة في القرآن إلا وذكر الله تعالى فيها رحمته، فكل سورة في القرآن تفتتح بـــ"بسم الله الرحمن الرحيم" عدا سورة براءة، وفيها من ذكر رحمته -جل في علاه- ما هو معروف، فجميع ما في القرآن هو إخبار برحمة الله –سبحانه وبحمده-، هذه الرحمة أخبر الله في كتابه أن لها أسبابًا تُنال بها، وقد ذكرت قبل قليل ما ذكره الله تعالى في سعة رحمته التي لا يخرج عنها أحد من الخلق، فقال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾الأعراف: 156 .
فتضمنه رحمة الله –عز وجل- تقواه –سبحانه وبحمده-، ولذلك جعل الله تعالى التقوى وصيته للأولين والآخرين، قال –سبحانه وبحمده-: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء: 131، فمن رحمة الله بعباده أن أوصاهم بتقواه؛ لأن تقواه -جل في علاه- طريق تحصيل رحمته وهو المعنى العام الواسع الذي ينتظم جميعَ الأسباب، فإن جميع الأسباب تنبثق من هذا السبب الكريم والعنوان العظيم، وهو تقوى الله -جل في علاه-.
ولهذا يا إخواني ويا أخواتي كل الأسباب التي تُنال بها الرحمة هي مُنبثقة من تقواه -سبحانه وبحمده-، هي متفرعة عن تقواه، هي ثمرة تقواه -جل في علاه-، فما هي التقوى التي يدرِك بها العبد رحمة الله؟
التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، هي أن تجعل بينك وبين ما تخاف وقاية تقيك ما تكره، وفي تقوى الله على وجه الخصوص هو أن تجعل بينك وبين وعيده وعذابه وسخطه ما يقيك، وقد أمرنا الله تعالى بتقواه فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران: 102، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾الحشر: 18 .
أكَّد الله تعالى الأمر بالتقوى في مواضع عديدة؛ لأن عنها ينبثق كلُّ خير، ومنها يصدر كل بِرٍّ، وبها يتوقى كل مكروه وشرٍّ، فلهذا ينبغي أن يتحلَّى الإنسان بالتقوى بأن يجعل بينه وبين عذاب الله وقايةً، كيف نجعل بيننا وبين عذاب الله وقاية؟ بسببين رئيسيين:
الأول: أنه أَمَرَ الله تعالى أن نطيعه فيما أمر.
والثاني: أن نترك ما نهى عنه وزجر.
فكل أمر أمرنا الله به بادر إليه مبتغ الفضل عنده -جل في علاه-، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، تؤمِّل ما عنده من الخير وتخاف مما عنده من العذاب، لذلك التقوى هي أن تفعل ما أمرك الله تعالى به على نور من الله وهداية ترجو بذلك ما عند الله من خير وتخاف عقابَه –سبحانه وبحمده-، هذا يسمى بالأمر الكبير الذي يدرك به الإنسان تقوى الله، يحقق به تقوى الله، وقد أخبر الله تعالى عن حصول الرحمة بتقوى الله تعالى فقال:﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾النور: 56 والطاعة هي أن تفعل ما أمرك الله تعالى به، وأن تترك ما نهاك عنه جل في علاه.
كل محرَّم تجنَّبْه وابتعد عنه وخذ الأسباب التي تقيك التورط فيه، وإذا فعلت ذلك فقد اتقيت الله، طبعا الإنسان ليس معصومًا يخطئ لترك واجب، ويخطئ بفعل محرم، لكن الطريق ليس مغلقًا، هذا الطريق مفتوح للتوبة والأوبة والرجوع إليه –سبحانه وتعالى- وبالتوبة تُمحى الخطايا وبالتوبة تغفر السيئات، وبالتوبة يغفر الله الزلات، وقد رُوِي: «والتوبةُ تهدمُ ما كان قبلَها»قال الألباني: لا أعرف له أصلا .
شاع ذلك في بعض نسخ صحيح الإمام مسلم، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «التّائبُ منَ الذَّنبِ كمَن لا ذَنبَ لَهُ»سنن ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني، وقال –صلى الله عليه وسلم-: «وأتبعِ السَّيِّئةَ» وهي الخروج عن الطاعة سواء كان ذلك بترك واجب أو بفعل محرم «وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها»سنن الترمذي (1987)، وقال: هذا حديث حسن صحيح
وأعظم الحسنات الماحية للسيئات صدق التوبة إلى الله –عز وجل-، إن توبته مما تدرك بها رحمته ويحقق بها الإنسان التقوى.
إذًا السبب الأول والأكبر في نيل رحمة الله –عز وجل- هو أن يحقق الإنسان التقوى لله تعالى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأنعام: 155 .
فتنال رحمة الله –عز وجل- بتقواه جل في علاه، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعراف: 63 فكل الرحمة لله –عز وجل- رحمة الله للعبد في الدنيا ورحمته في الآخرة، فيما يتعلق بالسبب الآخر مثل ما ذكرت بقية الأسباب التي سنذكرها هي منبثقة من التقوى،هي ثمرة تقوى الله تعالى فمما تنال به رحمة الله –عز وجل- في اتباع الوحي الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى وهذا كتاب المشار إليه القرآن العظيم﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾الأنعام: 155 كثير الخيرات والبركات ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأنعام: 155 .
فجعل الله تعالى الرحمة مبنية على عملين؛ الاتباع للقرآن، والتقوى، وقد تقدم الكلام عن التقوى، أما اتباع ما أنزل الله تعالى في كتابه اتباعه بأن يجعل إمامًا فيما يتعلق بعقائد فتعتقد ما أخبر الله تعالى به عما أنزل الله تعالى في كتابه، اتباعه بأن يجعل إمامًا يهتدي به فيما يتعلق بالعقائد، فتعتقد ما أخبر الله تعالى به في كتابه فيما يتعلق بربوبيته وأنه رب العالمين لا رب سواه، الخالق الرازق المالك المدبِّر، وأنه -جل في علاه- الإله الذي لا يستحق العبادة غيره، فهو الذي لا إله إلا هو سبحانه والإله الواحد، فلا تصرف جميع العبادات القلبية والقولية والعملية لغيره، فلا يعبد إلا هو، لا يصلى إلا له، ولا يسجد إلا له، ولا يركع إلا له، ولا يزكى إلا له، ولا يصام إلا له، ولا يُحجُّ إلا له، ولا يدعى ولا يستغاث إلا به، ولا يذبح إلا له –سبحانه وبحمده-، وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدًا.
اتباع القرآن يستلزم إثبات ما أخبر الله تعالى به عن نفسه من أسمائه وصفاته، فنؤمن بما أخبر الله تعالى، نؤمن بأنه مستوي على العرش كما أخبر في سبعة مواضع من الكتاب﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾[طه:5]،نؤمن بعلوِّه، نؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته العلا وسائر ما أخبر به –جل وعلا- في كتابه، لا ندخل في ذلك بتأويل وتحريف وتعطيل، بل ولا تكييف ولا تزييف، بل نؤمن به على الوجه اللائق به﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾[الشورى:11]،كل هذا من اتباع القرآن، نتبع القرآن بتصديق أخباره عن الأنبياء السابقين وعن الوقائع السابقة واللاحقة، وعن الوعد والوعيد، نصدق بذلك ونؤمن بأن كل ما أخبر به الله في كتابه حقٌّ على حقيقته، نتبع القرآن أيضًا بالسير على أمره ونهيه، لزوم ما أمر الله تعالى في كتابه، ولزوم ما نهى عنه في تركه في كتابه من المحرمات والمحذورات والممنوعات، هذا من أسباب نيل رحمة الله –عز وجل-، الاتباع من أسباب رحمة الله –عز وجل-، مما يتعلق بالقرآن السماع لكتاب الله –عز وجل-، الاستماع للقرآن أيها الإخوة والأخوات من أعظم الأسباب للبحث عن الرحمة، الاجتماع الذي يكون فيه الإنسان قد أعطى أذنه وأحضر قلبه، أعطى أذنه لكلام ربه، وأحضر قلبه في تدبر آيات الله –عز وجل-، هذا من أعظم أسباب حصول الرحمة، ويا لله كم تلك الرحمات التي تتنزل على الإنسان وهو يسمع كلام الرحمن، رحمات كثيرة ورحمات عظيمة تصلح بها أحواله يصلح بها قلبه، يصلح بها عمله، تصلح به دنياه، تطيب بها آخرته، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعراف: 204 .
أيضًا جاء أن تدركوا الرحمة فقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ تعليل لبيان ما يدركه الإنسان إذا حقق ذلك،﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾،سواء قرئ مباشرة أو قرئ عبر وسائل النقل المباشرة أو عبر التسجيل ﴿فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ﴾أي: ارعوه سمعكم ﴿وَأَنصِتُواْ﴾أي: سماعًا ينقطع به الإنسان عن الانشغال بغير المسموع، عن الانشغال بغير ما يسمعه وجرب وجربي وستجدون من التأثير العظيم الرحمة الحاصلة لكم في استماع القرآن ما لا يدركه خيال﴿لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾[الأعراف:204]، هذا من أسباب نيل رحمة الله –عز وجل-.
من أسباب تحصيل رحمة الله -عز وجل- إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾النور: 56، إقامة الصلاة في الإتيان بالفرائض على وجه كامل، على وجه قائم في أركانها في شروطها وأركانها وواجباتها، وما استطاع من سننها وتوقي مشبوهاتها، كل هذا مما يدرك به الإنسان الرحمة، إذا وقفت بين يدي الله صَبَّ الله عليك من الرحمات ما لا يرد لك على بال، لذلك أطل الصلاة فما دمت في صلاة سألت فانهل من رحمة الله تتابع عليك عطاياه وبه يعلم حظ أولئك الذين هم في صلاتهم خاشعون، هم في صلاتهم دائمون، هم على صلاتهم يحافظون، هم دائموا الصلة برحمة الله المتتابعة التي تتنزل عليهم وتصيب قلوبهم وأعمالهم وظواهرهم وبواطنهم أثناء الصلاة.
فلذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على إقام الصلاة الفرائض ابتداء المكتوبات الخمسة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم ما فتح الله عليه من الرواتب، ما فتح الله عليه من صلاة الليل، صلاة الضحى، النفل المطلق، كل ذلك مما يدرك به الإنسان رحمة الله.
إيتاء الزكاة قال: ﴿وآتوا الزكاة﴾ أي بدل ما وجب عليهم من الأموال من الحق في أموالهم، فيخرجها طيبة بها نفسه يا أخي إذا أخرجت شيئًا لله فأبشر فإن ذلك موجب لرحمة الله، الراحمون يرحمون، وأنت أخرجتها طاعة لله ورحمة بالخلق فأبشر بما يسد كل حاجاتك، ويقيل عثراتك، ويبلغك مأمولاتك، ويقيك مكروهاتك ومخوفاتك، وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون، طاعة الرسول من أسباب رحمة الله، وقد تقدم الحديث عنها قبل قليل.
من أسباب نيل رحمة الله –عز وجل- أن يكثر الإنسان من الاستغفار، أن يلزم أستغفر الله، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم، كل صيغ الاستغفار الزمها؛ فإن الاستغفار من أسباب رحمة لأن الاستغفار ينقي الإنسان، وإذا نقى العبد نفسه من الخطايا والأوزار والآفات تنزل الرحمات أصبح أهلًا ومهيَّأً لتلقي الرحمات التي تطيب بها نفسه، ويصلح به قلبه وعمله وينشرح بها صدره ويسعد بها في دنياه وآخرته.
قال الله تعالى: ﴿لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾النمل: 46،حضٌّ وإغراء بالاستغفار من كل ذنب، أعظم ذلك الشرك بالله، ثم النفاق، ثم البدعة، ثم المعصية كل ذلك مما يُستغفر منه ويُطلب التوبة منه، بل تطلب التوبة من القصور في حق الله وليس فقط في التقصير الذي يندرج تحته الشرك والنفاق والبدعة والمعصية، القصور وهو أننا نعجز عن إيفاء الحق، نحن مما نحتاج إلى أن نستغفر الله تعالى فيه، ولهذا نحن إذا قلنا: السلام عليكم ورحمة الله في صلاتنا كان أول ما يشرع لنا بعد صلاتنا أن نقول: أستغفر الله، أستغفر الله، لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون، هنا يدرك بها الإنسان الوقاية لنفسه من العذاب والعقوبة والوعيد، ويدرك به الإنسان أيضًا الفتوحات والهِبات والعطايا التي يفتحها الله تعالى لعباده.
مما تدرك به رحمة الله –عز وجل- أن يسعى الإنسان في الإصلاح بين إخوانه بين أهل الإسلام، فإن السعي لدي الإصلاح من موجبات الرحمة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الحجرات: 10، فالله تعالى بيَّن أن من خصال المؤمنين السعي في الإصلاح ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الحجرات: 10، فبقدر اشتغال الإنسان بالإصلاح وإذهاب أسباب الفساد مما في العلاقات مما يوجب رحمة الله –عز وجل-.
إن من أعظم ما تدرك به رحمة الرحيم الرحمن -جل في علاه- أن يشتغل الإنسان بالإحسان؛ فإن الإحسان من أعظم ما ينال به الإنسان رحمة العزيز الغفار مما يدرك به رحمة الرحمن جل في علاه.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾الأعراف: 56، التي وسعت كل شيء، والتي خزائنها بيديه -جل في علاه-، قريب والقريب ما أسرع حصولَه، وما أسهل نيله وإدراكه، قال: ﴿قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، اللهم اجعلنا منهم، الإحسان ما هو؟ الإحسان في أعلى درجاته هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فالإحسان مفهوم واسع عام ليس مقصورًا على بذل المال ولا على إعانة المحتاج والملهوف والضعفاء ونحو ذلك، بل هو أوسع من هذا.
الإحسان بالقلب بتخليصه من الشرك وبتخليصه من النفاق والبدعة، وآفات القلوب من الكبر والعُجب، الإحسان في العمل بأن يفعل الإنسان ما أمره الله تعالى به ويترك ما نهاه عنه -جل في علاه- رغبة فيما عنده، إخلاصًا له –سبحانه وبحمده-، الإحسان في القول أن يبحث عن الكلام الطيب الذي يُدخِل به السرور على الناس، فيتوقى السِّباب، ويتوقى الشتائم، ويتوقى اللعن، ثم أمره الله تعالى بذلك في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾البقرة: 83، كل هذا من أوجه الإحسان التي إذا اشتغل بها الإنسان أدرك من رحمة الله –عز وجل- ما وعد به في قوله: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾الأعراف: 56 .
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ قبل أن أكمل هذه المجموعة أيضًا من الأسباب التي تجلب رحمة الله –تبارك وتعالى- وهذه المجموعة من الأعمال الصالحة التي تجلب رحمة الله –تبارك وتعالى- أحد المستمعين الكرام أرسل يقول: كيف نستجلب رحمة الله –تبارك وتعالى- والناس لا يتراحمون فيما بينهم، الناس عاصون لله –عز وجل- يعني ليس الجميع، وإنما بعض الناس يكون عاصيًا لله –تبارك وتعالى-، ويريد رحمة الله –عز وجل- كيف يستجلب رحمة الله –عز وجل- وهو لا يؤدي هذه الأعمال الصالحة لله –تبارك وتعالى-؟
الشيخ:- حدثينا هو بيان الأسباب، وكل مسلم أو كافر، برٌّ أو فاجر، طالح أو فاسد، إنس أو جن أو حيوان إلا وله نصيب من رحمة الله، لكن الرحمة التي تقرُّ بها العيون ويصلح بها الحال، يسعد بها الإنسان في دنياه وفي أخراه هي رحمته –جل وعلا- بمن حقق أسباب الرحمة التي ذكرنا بعضًا منها، فكلما أدرك الإنسان من أسباب الرحمة أدرك رحمة الله –عز وجل- يعني مسألة الحكم على الناس أن الناس أبعد عن أسباب الرحمة يعني الحكم عامٌّ ولكن رحمة الله أوسع من عباده فنوصي أنفسنا ونتواصى جميعًا بأخذ أسباب الرحمة، ومن يتق الله ويصدق في رغبته فيما عنده ييسر الله تعالى له الأسباب.
ما يتعلق بعلاقات الناس لا ريب أن من أعظم أسباب الرحمة أن يكون الإنسان رحيمًا بمن حوله، رحيمًا على وجه العموم وليس فقط في بني الإنسان، بل رحيم بين الإنسان وبين الحيوان وبغيره من مخلوقات الله حتى قد يعجب الإنسان أن الله شرع لنا الرحمة حتى للجن، الجن الذين هم يَصِلُنا منهم الأذى نحن نرحمهم، قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النهي عن الاستنجاء بعظم قال: «طعامُ إخواننا من الجن»صحيح مسلم (450)، النهي عن الاستنجاء بالعظم أنه طعام إخواننا من الجن والرَّوَث طعام دوابهم.
فمن رحمة الله أن ندب إلينا، من رحمة الخلق أنا لا نفسد طعامهم بما يكون من الاستنجاء أو ما أشبه ذلك من التقدير لأطعمتهم، «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»سنن الترمذي (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، هكذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- وحتى رحمة الإنسان الفطرية يؤجر عليها، رحمته بولده، رحمته بمن يحب هي من موجبات رحمة الله –عز وجل-، ويدرك بها الإنسان من الخير والشر.
فلذلك ينبغي أن نشيع الرحمة أن نتراحم فيما بيننا، تتراحم الأسرة في علاقاتها، تبنى على الرحمة كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾الروم: 21 فالآثار المبنية على الرحمة علاقة الرجل بالمرأة، علاقة الأب والأم بأولادهم إذا بنيت على الرحمة، العلاقات الأسرية بالأمهات والآباء والإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال وسائر القرابات إذا بنيت على رحمة سعد الجميع، علاقة الإنسان بجيرانه، علاقة الإنسان بزملائه وأصدقائه، نبنيها على الرحمة.
والله يا إخواني ويا أخواتي لن يخيب من عمر قلبه بالرحمة، ولا يبرر لنفسه ترك الرحمة أن الناس لا يستحقون الرحمة، هل ستتعامل بالرحمة للخلق، تأمل بذلك أن يرحمك الخالق أنت تتعامل بالرحمة مع الخلق تؤمل بذلك أن تنال الأجر والثواب الراحمون يرحمهم الله.
المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن نأخذ الأخ عبد العزيز الشريف معنا على الهاتف في مشاركة هاتفية أخ عبد العزيز أهلًا وسهلًا حياك الله.
المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله عبد العزيز.
المتصل:- حياك الله أستاذ وائل وبارك الله فيكم على ما تقدمون.
المقدم:- حياك الله سريعًا لو تكرمت.
المتصل:- فضيلة الشيخ الرحمة بالمخالف أو العاصي هذه بعض الدول للأسف قد تجد في خطابه تجد فيه الحدة تجاه هذا المذنب وهذا المخالف وهذا العاصي إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُرسل رحمة للعالمين وكان في خطاباته –صلى الله عليه وسلم- متوازنًا مع العاصي والمذنب والمخالف فما هو توجهك بارك الله فيك فيمن أراد أن ينصح مذنبًا أو عاصيًا حتى ينال بذلك فضل الله ورحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ نختم بتعليق على ما ذكر الأخ عبد العزيز لو تكرمت.
الشيخ:- وعندي تعليق بسيط بمناسبة القمة، لو سمحت في آخر الحديث، فيما يتعلق بالرحمة النبي –صلى الله عليه وسلم- أرحم الخلق بأمته –صلى الله عليه وسلم- أرحم الخلق بالناس ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾التوبة: 128 رحمة الله تعالى عظيمة وينبغي أن يستحضر الإنسان أن المعاصي لا توجب العقوبة، بل عقوبة العاصي هي من رحمة الله له؛ لأنها تكفر عنه خطاياه وتصلح حاله وتبعد غيره عن المواقعة في هذه المعاصي «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه»صحيح مسلم (2594) .
النبي –صلى الله عليه وسلم- كان قد أُتي برجل شرب الخمر مرارا وجلد على ذلك، فلعنه أحد الصحابة لكثرة ما يؤتى به فقال: «لا تلعنه فما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله»صحيح البخاري (6780) ، هذا ملحظ من ملاحظ الرحمة، وأن الإنسان يبغي ألا يثرِّب وألا يتهكَّم بل يدعو للعاصي بالرحمة، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ويستعمل فيه ما أمره الله تعالى به من الحقوق والواجبات.
فيما يتعلق بختم الحديث أخي وائل يعني نشهد هذا اليوم لقاء القادة في مجلس التعاون بدعوة من ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، ونسأل الله تعالى أن يكلل مساعيه وأن يجمع شمل هذه القمة على أحسن حال، وأن يوفقهم، وأن يسددهم حق ولاة أمرنا علينا أيها الإخوة والأخوات عظيم، حقهم إضافة إلى طاعتهم والسمع لهم أن ندعو لهم بالتوفيق والسداد، فتوفيقهم وسدادهم هو من الخير لهم وللأمة جمعاء ولذلك أوصي إخواني وأخواتي بأن نخص ولاة أمرنا بالدعاء في صلواتنا وفي مجالسنا وأن نؤكد على أهمية هذا الأمر في جميع المناسبات فإن ذلك من حقوقهم علينا.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفق ولي أمرنا الملك سلمان إلى ما يحب ويرضى وولي عهده إلى كل خير وبر وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين إلى كل خير، وأن يوفق ولاة أمور مجلس التعاون إلى ما فيه خير شعوب هذه الدول وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم: شكر الله لك وكتب أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.