المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المباشرة والمتجددة من برنامج "الدين والحياة" ، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل ياسر زيدان، ومن الإشراف العام الأستاذ على الثقفي أهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم.
ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلًا بك وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: حياكم الله، ومرحبًا بك.
المقدم: أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ، مستمعينا الكرام يمكنكم أن تشاركونا في هذه الحلقة عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028، أيضًا يمكنكم إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتساب على الرقم 0500422121.
فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول الغش بمفهومه العام، وحول حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّي»صحيح مسلم (101)، سنتحدث عن أثر الغش على الفرد والمجتمع، ومعنى أيضًا قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّي»، من المعلوم أن ديننا الإسلامي حثنا على كل فعل حميد، وعلى كل خلق حميد ودلَّنا عليه، وأيضًا في المقابل حذرنا من كل خلق ذميم.
ابتداء فضيلة الشيخ ونحن نتحدث عن هذا الخلق الذميم ألا وهو الغش نريد أن نتحدث ابتداء عن هذا المفهوم بمفهومه العام، وعن معنى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّي«.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: تحية طيبة لك أخي وائل، والإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، نسأل الله أن يكون لقاء نافعًا مباركًا.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم عل المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
كما تفضلت أخي وائل هذه الشريعة المباركة جاءت بكل فضيلة أمرًا وندبًا وحثًّا وترغيبًا، وجاءت في كل رذيلة نهيًا، وتحذيرًا، وتنفيرًا، هذه الشريعة جاءت تكمل محاسن الأخلاق، فالله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم للناس ليزكيَهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويخرجهم من كل ظلمة إلى كل هداية ونور، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ»مسند أحمد (8952)، قال محققو المسند: صحيح وهذا إسناد قوي، فكل خصلة جميلة حسنة فالشريعة المطهرة جاءت آمرة بها، نادبة إليها من كل وجه.
ما يتعلق بالغش هو من الأخلاق الرذيلة، ومن المسالك المعيبة، ومن السيئات التي لا تستقيم مع صالح الديانة؛ لأن الدين قوامه النصيحة، كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث تميم بن الداري -رضي الله تعالى عنه- قال: «الدِّين النَّصيحة»، قال -صلى الله عليه وسلم-: الدين يشمل العقائد والأعمال فكل الدين في كل أحكامه وشرائعه وفرائضه وعقائده وآدابه وأحكامه في أوامره ونواهيه يدعو إلى النصيحة، والنصيحة مأخوذة من النصح وهي الخلوص، ومن نصح الشيء إذا خلص، والناصح هو الخالص من العسل، والنصيحة كلمة يعبَّر بها عن إرادة الخير للمنصوح، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة تجمع معناه أكمل من هذه الكلمة الجامعة.
ولذلك قال أبو سليمان الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ يعني الخير للمنصوح له، قال صلى الله عليه وسلم لما قال له أصحابه: لمن؟ بعد أن أخبرهم مكررًا مؤكدًا: «الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة قلنا: لمَن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم»صحيح مسلم (55) ، فالنصيحة تكون في معاملة الله، تكون في معاملة ما أنزله من الكتاب الحكيم، في معاملة الرسول الكريم، في معاملة ولاة أمور المسلمين، في معاملة سائر أهل الإسلام عامة المسلمين.
وبالتالي يتبين لنا أن الغش الذي هو ضد النصيحة يدخل في كل هذه المعاملات، فالغش يدخل في معاملة الله، يدخل في معاملة الكتاب الحكيم، يدخل في معاملة الرسول الكريم، يدخل في معاملة ولاة الأمر، يدخل في معاملة عامة المسلمين، وبه يُفهم أن الغش الذي يقابل النصيحة ليس مقصورًا على صورة، ولا محدودًا بمعاملة أو جانب من جوانب التعامل بل هو شامل لكل ما يكون من تعاملات الإنسان مع الله -عز وجل-، وما جاءت به الرسل من الكتب، وما يتعلق بالرسل لأنفسهم صلوات الله وسلامه عليهم، وكذلك ما يتصل بمعاملة الإنسان مع الخلق، مع ولاة الأمر وهم الذين لهم الأمر والنهي، الملوك، والأمراء، والحكام، وكذلك مع عامة المسلمين.
فالنصيحة كما تكون في هذه الأمور كذلك الغش يكون فيها جميعًا. وكون الشريعة جاءت في النهي عن الغش في مناسبات محددة لا يعني أن يكون الغش محصورًا على تلك الصور أو مقصورًا عليها بل تلك صور يجب أن يتحقق فيها النصح، ويتخلص فيها الإنسان من الغش ولكن هذا ليس قصرًا له على تلك الصور دون غيرها.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذر من الغش ببيان خطورته ومنافاته للمسلك القويم، والمسلك الرشيد الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، ولهذا كان التحذير من الغش بالتخلي والبراءة ممن تورط به، وممن عمل به غيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي» وهذا يشمل كل أوجه الخديعة وعدم النصيحة في معاملة الخلق، فالغش ليس من أخلاق أهل الإيمان الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة، ووصفهم الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، وبين أن قوام دينهم لا يكون إلا بالنصح فقال: «الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة»، وبين أن المسلمين فيما يكون بينهم من صلات على نحو البناء، والبناء لا يغش بعضه بعضًا بل يشد بعضه بعضًا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»صحيح البخاري (481)، ومسلم (2585) ، أي يقوي بعضه بعضًا، والغش ليس فيه تقوية بل هو إضعاف وتوهيه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»صحيح البخاري (13)، ومسلم (45) ، وكل هذا يؤكد أن من ركائز أخلاق المؤمن، ومن أصول سجاياه وخصاله أن يكون ناصحًا في معاملته، في معاملته لربه، وفي معاملته للخلق، وأن دخول الغش في شيء من ذلك أي في معاملة الله -عز وجل- أو في معاملة الخلق هو خروج عن خصال أهل الإيمان، وسمات أهل الإسلام، وخصال المتبعين لسيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّي»، ويكفيك تنفيرًا وتحذيرًا وتخويفًا من هذه الخصلة أن يتبرأ منك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمؤمن الذي يحب الله ويحب رسوله هذه الكلمة تملأ قلبه وجلاً وخوفًا أن يتورط في شيء من الغش لأنه يعرف أن الغش عاقبته، ومآله أن يتبرأ منه سيد الورى، وإمام الخلق صلوات الله وسلامه عليه.
لهذا ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر من أن يتورط في شيء من الخصال المتعلقة بالغش القولي أو العملي، الظاهر أو الباطن؛ لأن الغش يكون بالقول، ويكون بالعمل، ويكون بالسر، ويكون بالعلن، فينبغي أن يحذر من ذلك كله.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذلك بل قرنه بأعظم الأذى وهو حمل السلاح، فقال صلى الله عليه وسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»صحيح مسلم (101) ، وهذا تحذير شديد من الغش وليس هذا الحديث واردًا على مناسبة بل قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» هو تنفير وتحذير من هذه الخصلة على وجه الإجمال. وقد جاءت صورة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صور الغش ونبه إلى وجوب تركها، ففي صحيح الإمام مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، قال: «أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ» يعني كومة طعام الصبرة هي الكومة، «فأدْخَلَ يَدَهُ فيها» يعني في هذه الكومة من الطعام، «فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا» يعني وجد في داخل الصبرة رطوبة وبلل، «فقالَ صلى الله عليه وسلم لصاحب الطعام: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟» يعني أيش هذا البلل؟ أيش هذه الرطوبة التي لم تظهر في الخارج؟ إنما وجدتها في داخل الكومة، وهذا يعتبر عيب. «قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ» يعني أصابه المطر، «قالَ له النبي صلى الله عليه وسلم: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ» يعني ليش أخفيته؟ لماذا لم تُبدِه وتظهرْه فتجعله فوق الطعام لكي يراه الناس، يقدم الإنسان على شراء الشيء وهو عارف بحقيقته وما فيه من نقص أو عيب، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي»صحيح مسلم (102) فحذر النبي صلى الله عليه وسلم هذا التحذير الشديد لمن غش بالتبرؤ منه، وثمة تنبيه أيها الإخوة والأخوات إلى مثل هذه الصيغة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهي براءته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن فعل شيئًا من المخالفات كقوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»صحيح البخاري (1294)، ومسلم (103) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس مِـنَّا مَن لَطَم الْخُدُود»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن غَشَّ فليسَ مِنِّا»، قوله فيما ذكرت قبل قليل: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»[سبق]، وما أشبه ذلك من أحاديث البراءة من أصحاب أفعال وأعمال معينة.
هذا بيان وتحذير أن تلك الخصال بها يخرج الإنسان عن مسار سيد الورى صلى الله عليه وسلم، ويخرج بذلك عن الصراط المستقيم بقدر ما معه من تلك الخصال، فقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، براءة ممن ترك النصيحة في معاملة إخوانه، من ترك النصيحة فيما يجب عليه أن ينصح لإخوانه فيه بالصدق والبيان، والغش لا يأخذ صورة واحدة، الغش قد يكون بالإخفاء مثل ما فعل الرجل عندما أخفى رطوبة الطعام، قد يكون بالقول وذلك بالكذب، وقد يكون بالتزوير وهذا بإخفاء الحقيقة وهو في الجملة في كل صوره إخبار بخلاف الواقع إما قولاً أو عملاً، وقد يكون أيضًا بإظهار الشيء على غير حقيقته وهذا فيما إذا كان يزين الشيء ويكسبه بهاء أو جمالاً لا يتصف به فهذا كله مما يدخل في الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فعله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» هو للردع والزجر على الوقوع في مثل ذلك كما يقول الوالد لولده إذا سلك غير سبيله: لست منك ولست مني، وهذا أسلوب واضح في التنفير من هذه الأعمال منه قول الشاعر:
إِذا حاوَلتَ في أَسَدٍ فُجوراً * * * فَإِنّي لَستُ مِنكَ وَلَستَ مِنّي
أي لست قابلاً عملك ولا أنت منسوبًا إلي، وقد اتصفت وتحليت بهذه الخصلة الذميمة، ولهذا عد العلماء كل الأحاديث التي فيها براءة النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب هذه الأعمال عدوها من كبائر الذنوب، وهذا مما ينبغي أن ينبه إليه لأن بعض الناس يستهين بالعمل ويظن أنه مثل هذه الأعمال لا تظهر ولا تؤثر، وليست يعني منقصة لحال الإنسان وإيمانه، وهذا بالتأكيد نقص في الفهم، وإغراء بمواقعة الشر والفساد، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا السياق: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، «ومَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا»، «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»، وما أشبه ذلك كله يدل على أن صاحب هذه الخصال قد نقص إيمانه نقصًا كبيرًا حتى تبرأ منه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مما يدل على أن ذلك الفعل أو ذلك القول الذي تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن تورط فيه أنه من كبائر الذنوب.
ولهذا ينبغي الحذر من ذلك فإن هذا النفي يدل على أن ذلك العمل عظيم، وأنه خطير، وأنه مما ينتفي به عن الإنسان وصف الإيمان الكامل، ويلتحق بأحوال أهل النقص من أصحاب الكبائر.
المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل الحديث حول ما نتحدث به في هذه الحلقة، وهو حول قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وأيضًا أثر الغش على الفرد والمجتمع، وكيف يؤثر بشكل سلبي على ترابط المجتمعات الإسلامية فيما بينها. مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى فابقوا معنا.
المقدم: أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلاً بك مجددًا، حياك الله.
الشيخ: مرحبًا حياك الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات.
المقدم: حياك الله، فضيلة الشيخ، اسمح لي أن نأخذ الأخ عبد العزيز الشريف معنا على الهاتف، ونكمل معك الحديث -بمشيئة الله-، أخ عبد العزيز السلام عليكم حياك الله.
المتصل: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخ وائل كيف حالك؟
المقدم: حياك الله أهلاً وسهلاً.
المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم جميعًا، هل نقول: أن الغش من كبائر الذنوب بمعنى أن الإنسان قد تسوِّل له نفسه مثلاً الغشَّ في الاختبارات مثلاً، الغش في البيع، الغش في الشراء، إذا كان الشخص في قاعة الدراسة وغش ونجح، ثم بعد ذلك التحق بوظيفة من الوظائف، هل نقول: أن هذا الراتب الذي يترتب على هذه الوظيفة مصدره وأساسه حرام؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فضيلة الشيخ يبدو أن الأخ عبد العزيز ذكر نقطة كنا نريد أن نتحدث عنها، وفيها يتعلق بـآثاره، يبدو أننا أجبنا عن موضوع الغش من كبائر الذنوب، ابتداء النقطة الأولى يقول: هل نقول أن الغش هو من كبائر الذنوب أو لا؟
الشيخ: طبعًا من كبائر الذنوب وهي نوع من الغش، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي، والرائش وهو الوسيط بينهما، فالرشوة من كبائر الذنوب، ولا خلاف بين أهل العلم أنها من كبائر الذنوب وهي صورة من صور الغش.
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ أيضًا ذكر نقطة أخرى فيما يتعلق بالغش في الامتحانات وفي قاعات الدراسة، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن هذا الجانب أولاً، ومن ثم ننتقل إلى النقطة الأخرى التي ذكرها وهو يقول: هل يترتب على ما بعد هذا الغش في الامتحانات شيء؟ بمعنى إذا توظف الإنسان من هذه الشهادة التي غش فيها هل يكون مرتبه يعني يدخل فيه الحرام أم لا؟
الشيخ: أخي الكريم فيما يتعلق بالغش ذكرت قبل قليل في بيان حقيقته أن الغش هو ضد النصيحة، الغش هو كذب وتدليس، وخداع، وإظهار للأمر على غير حقيقته، فهذه المعاني ينتظمها الغش ولذلك يفسر العلماء الغش بالاختلاط، خلط الشيء بغيره، خلط الجيد بالرديء، هذه التعريفات التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله عن العلم فيما يتعلق بتعريف الغش هي بيان لمفهومه الواسع، الذي لا يقتصر على صورة من الصور إنما يشمل كل ما يكون من مناحي التعاملات البشرية، لذلك لا نقصر الغش على نمط من أنماط المعاملات أو على حال من الأحوال والأعمال بل هو أوسع من ذلك.
وينبغي أن يعلم أن الشريعة أكدت تحريم الغش بصور مختلفة، يعني جاء النهي عن الغش صريحًا في قوله صلى الله عليه وسلم من «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّي»، و«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، جاء أن الأمر بضد الغش وبيان عظيم منزلته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة»، جاء النهي عن مفردات أعمال هي مندرجة في الغش كنقص الموازين قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾الرحمن:9، خُسر الميزان هو نقصه في الوزن للناس لظلمهم وإنقاصهم حقوقهم، طبعًا هذا قد يكون بخلط المبيع بأشياء ليست منه، قد يكون بعبث بالميزان الذي يوزن به الشيء، له صور كثيرة لكن بالنهاية والمحصلة أنه نوع من الغش، وصورة من صور الغش المحرم، وإن كان لم يذكر الله تعالى في هذا النهي الغش باسمه لكنه ذكر صورته: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾الرحمن:9 .
ومثله قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾المطففين:1-2 أي يأخذون كل ما لهم، ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ﴾المطففين:3 إذا كان عليهم الحق وأعطوه للناس لم يعطوه كاملاً بل قال: ﴿يُخْسِرُونَ﴾المطففين:3 أي ينقصون حقوق الناس، فهذه صورة من صور الغش التي نهت عنها الشريعة، وقد جاء شعيب -عليه السلام- لقومه آمرهم بالتوحيد، وناهيًا لهم عن الشرك، وآمرًا إياهم بأن يقيموا الوزن والكيل والميزان، وألا يبخسوا الناس أشياءهم، فكان جرم قوم شعيب -عليه السلام- أنهم كانوا يطففون الموازين إضافة إلى الخلل في التوحيد والتورط في الشرك، قال الله تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾الأعراف:85، ثم قال وهذا يتعلق بالتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، ثم قال: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾الأعراف:85، فأمرهم بالوفاء بالكيل والميزان ونهاهم عن ظلم الناس ونقص أموالهم بكل وسائل النقص ومنها الغش الذي يصل به الإنسان إلى ما يريد من بخس الناس حقوقهم.
ولهذا إذا فهمنا هذا المعنى العام الذي جاءت الشريعة به، وأن الغش يشمل كل هذه الصور، كل نقص في معاملة الخلق، كل انتقاص للناس في التعامل معهم، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالبيوع، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالحقوق حق الوالد، حق الوالدين، حق الأولاد، حق الزوجات، حق الأقارب، حق الجيران كلها من الأمور التي يمكن أن يتطرق إليها الغش وذلك من طريق خلط الرديء بالجيد، وبخس الناس حقوقهم عن طريق الخداع، والخيانة، وتضييع الأمانة، وما إلى ذلك من رديء الثمار والنتائج المترتبة على تلك الأفعال، الغش يكون في معاملة الوالد لولده.
المقدم: كيف هذا فضيلة الشيخ؟
الشيخ: بأن ينقصه حقه فيما يجب له من التربية الحسنة، من الرعاية الرشيدة التي يحفظه بها من الرذائل، ويمنعه بها مما يفسد عليه دينه ودنياه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التحذير من الغش في هذه الصورة وهي أن يغش الإنسان من له عليه رعاية، وله عليه حق في إقامته على الجادة، ومنعه مما يضره قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً» ومنه الوالد مع ولده، «يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ»بأن يغش ولده فلا يقوِّمه ولا يؤدي الحقوق التي له «إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجنة»صحيح البخاري (7150)، ومسلم (142) ، هذا معنى يغيب عن كثير من الناس ويظن أنه ما فيه غش في معاملة الوالد لولده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فإذا لم يقرب لهم الخير، ولم يحذرهم من الشر، ولم يسهل اهم طريق النجاح في دنياهم، ولم يقم بما يجب عليهم من رعايتهم يكون قد غشهم؛ لأنه نقصهم حقهم، وقد أظهر نفسه بأنه قد أدى الحقوق التي عليه، وهذا مفهوم الغش بالعام الذي يدخل في كل المعاملات.
كذلك الغش يكون في معاملة الولد لوالده بأن يبخسه حقوقه في البر، وفي القيام بشئونه، وفي الإحسان إليه، وبذلك يتورط في الإثم الذي توعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعيدًا عامًّا، وجاءت النصوص بالوعيد الخاص بحق عقوق الوالدين.
الغش يكون بالقول وذلك بالكذب بشهادة الزور، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ» ثم قال: «ألا وقَوْلُ الزُّورِ»صحيح البخاري (2654)، ومسلم (87) وشهادة الزور، يعني القول الكذب والشهادة بالكذب على الحقوق أو في الحقوق لإثباتها أو إسقاطها.
ولهذا كان مما ينبغي للمؤمن أن يفعله في معاملته للخلق النصح لكل مسلم، وقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذا المعنى، ففي حديث جرير بن عبد الله قال: «بَايَعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»صحيح البخاري (57)، ومسلم (56) ، والنصح لكل مسلم مقتضاه أن يبذل له كل ما يعرفه من الخير، ويمنعه ويحبسه عن كل ما يعرفه من الشر.
الغش في الوظائف بأن يتقاضى الإنسان أجرًا على عمل لا يقوم به حق القيام، فتجده مثلاً الموظف يحضر في الدوام من أوله إلى آخره لكن لا يؤدي الأمانة التي كُلِّف بها، فتجده يقصر في إنهاء المعاملات، يقصر في استقبال المراجعين، يقصر في استقبال قضاء حوائج الناس سواء كان من الوظائف التي يباشر فيها الجمهور أو الوظائف التي تخدم من وراء حجب ومكاتب وسواتر، فينبغي أن يتقي الله -عز وجل-، وأن يعرف أنه من الغش أن لا يؤدي الأمانة التي اؤتمن عليها في هذا العمل.
من الغش أيضًا فيما يتعلق بالوظائف ما يتصل بعدم العناية بممتلكات المؤسسات سواء كانت المؤسسات الحكومية أو كانت المؤسسات الخاصة فتجده لا يقيم وزنًا للعُهد التي يستلمها أو المكاتب التي يعطاها، أو المراكب التي يؤتمن عليها بل يقصر فيها ولا يحفظها بناء على أنها ليست له وأنها لجهات عامة إما حكومية أو شركات ومؤسسات في القطاع الخاص، وهذا من الخيانة.
من الخيانة وعدم أداء الأمانة والغش أن يتهرب العامل من العمل بحجج قد يقنع بها الناس ولكن في الحقيقة ليس لتلك الأعذار حقيقةٌ كالذين يأتون مثلاً بأعذار مرضية غير صادقة، إما يشترونها بالمال، وإما أن يحصلونها بالمحاباة أو بغير ذلك من الوسائل وهم يعرفون أنهم لا يستحقون تلك الإجازات، أو تلك الإعفاءات التي ترتبت على هذه الأعذار المزوَّرة والتي تندرج في شهادة الزور، فهي غش للأمانة التي وكِّل بها.
من صور الغش أن يتقلد الإنسان موضعًا ليس له بشهادة مزورة سواء كان ذلك بشراء تلك الشهادات، أو غير ذلك من الطرق والوسائل التي يصل بها إلى أن يتبوأ مكانًا لا يستحقه بناء على شهادة غير مطابقة للواقع، ولا يستحقها سواء كانت شهادة في أصل استحقاق المرتبة كالشهادات التعليمية، أو الشهادات التكميلية التي من خلالها يدرك الترقيات أو يدرك الترفيعات، أو يدرك الزيادة في الأجور أو نحو ذلك.
من الغش أيضًا أن يغش الإنسان في طريق تحصيله لتلك الأعمال سواء كان ذلك بالغش في الاختبارات سواء كانت اختبارات مسابقات على تلك الوظائف، أو كانت اختبارات لنيل شهادات علمية سواء أن كانت شهادات علمية عالية أو شهادات علمية في مراحل التعليم كلها، وينبغي أن يتقي الله تعالى هؤلاء ولو كانوا يعني يقولون: لن نضر غيرنا، فإن بعض الناس يقول: الغش الذي لا تضر فيه غيرك لا يضرك، هذا غير صحيح الغش أضررت به غيرك أو لم تضر به غيرك فهو من المحرمات التي يجب على المؤمن أن يتنزه عنها لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّا«.
المقدم: جميل فضيلة الشيخ، اسمح لي معنا على الهاتف متصلَين كريمين، معنا أبو أحمد من بيش، ومعنا أيضًا أبو سعد، أبو أحمد حياك الله أهلاً وسهلاً.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً، تفضل يا أبا أحمد.
المتصل: عندي سؤالان الله يجزيكم خير. السؤال الأول: نحن نعيش في منطقة في البلاد الله بلانا بدعاء غير الله، وبناء القباب، السؤال الأول: هل يسقط الغش في الذين يبنون الجباب ويدعون لهم العامة، برغم أنهم ناس متجهلون، وناس بعيدين عن العلم؟ والسؤال الثاني: نعرف حكم الناس وهم علماء لكن لا ينهون ولا ينطقون، عندما نتكلم نحن ونقول: يا جماعة الكلام هذا لا يرضاه الله، ولا يرضاه رسوله، يقولون: اصبر على الناس، اصبر على الناس، نقول مثلاً: أصبر على الناس وهم يموتون على تلك الحال؟ الله يجزيك خير.
المقدم: وإياك شكرًا يا أبو أحمد، معنا أيضًا أبو سعد حياك الله يا أبو سعد أهلاً وسهلاً.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ أنا حفظك الله أشكركم من البرنامج والعالمين وفقكم الله لما يحب ويرضى. من باب النصيحة والتناصح أولاً نجدد والله العهد والولاء لولي عهدنا حفظه الله الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد الشاب الواعد والطموح، نرجو ونتمنى أن الله يأخذ باليد ويحقق تلك الرؤية في مصلحة الإسلام والمسلمين ولكن نصيحتي موجهة للشيخ خالد ولا يزعل مني، ولا من والله حملهم الله أمانة هذا العلم من هيئة كبار العلماء ومن غير...
الشيخ: النصيحة يا أخي إذا كانت شخصية فهي أحسن أن تكون مباشرة بالاتصال، يعني الآن تنصحني أنا والعالم كله يسمع فلو كانت النصيحة تخص أحدًا من أهل العلم، وجهها إليه مباشرة بارك الله فيك، حياكم الله.
المقدم: طيب يا أبو سعد شكرًا جزيلاً. الشيخ خالد أبو أحمد من بيش يسأل يقول: هو يعيش في منطقة من بلاده يقول: أنه تبنى فيها القباب، يقول: هل الذين يبنون هذه القباب يدخلون ضمن الغش أم لا؟ يقصد الذين يعملون ربما فيها.
الشيخ: أخي الكريم من صرف الناس عن عباده الله وحده فقد غشهم بالتأكيد، كل من دعا الناس إلى عبادة غير الله أو زين لهم عبادة غير الله -عز وجل- سواء كان ذلك ببناء الأضرحة على القبور، وتشييدها، وتزين الإقبال عليها لا شك أن هذا من أعظم الغش؛ لأنه خيانة لأصل الرسالة، إذًا أصل الرسالة قائمة على عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله وحده لا شريك له لا يمكن أن تقبل أن يتوجه الإنسان إلى دعاء غير الله، وعبادة غير الله بل لابد من عبادة الله وحده لا شريك له.
وهؤلاء الذين يزينون للناس عبادة غير الله -عز وجل- بدعوتهم إلى التعلق بالأموات سواء بدعائهم، أو بقصد قبورهم لطلب الحوائج، أو بذل القربات عند قبورهم بالذبح أو النذر أو ما أشبه ذلك، فهؤلاء ما نصحوا للخلق بل هم جنود إبليس زينوا لهم عبادة غير الله والتوجه إلى سواه -سبحانه وبحمده-، وهم قد عاندوا وخالفوا ما جاءت به الرسل فالرسل جميعًا دعوا الخلق إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له.
أول رسالة جاءت للبشرية كانت تعالج هذا الانحراف وهو عبادة غير الله بالتعلق بالمقبورين، وعبادتهم من دون الله، ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾نوح:23 كل هؤلاء كانوا يعبدون غير الله -عز وجل-.
المقدم: فضيلة الشيخ نريد أن نكمل الحديث أخيرًا وفي النقطة الأخيرة التي سنتحدث عنها في موضوع الغش، وفي موضوع حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «َمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» نريد أن نتحدث عن الأثر الذي يتركه الغش، ويتركه الغاش لنفسه أولاً ومن ثم للمجتمع من حوله، إذا ما تفشى الغش في مجتمع معين ما هي الآثار السلبية التي تنتج عن الغش في المجتمع؟
الشيخ: أول الآثار السلبية للغش هو أن يكون الإنسان بعيدًا عن الصراط المستقيم، أن يخرج عن الهدي القويم، وأن ينال البراءة من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهذا أثر كبير لو عقله الإنسان لانتهى عن كل غش إذ كيف تطيب نفسه بأن يتبرأ منه سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه؟! إذ كيف تطيب نفسه وقد خرج عن خصال أهل الإيمان، والصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسب أولئك رفيقًا؟ هذا ما يتعلق بالإنسان نفسه فإنه ينقص إيمانه ويكون قد تورط بكبيرة من كبائر الذنوب، ويظلم بها قلبه، ويفسد بها عمله، ويمحق الله بها كسبه إن كان قد حصل من ذلك كسبًا فإنه لا يدرك خيرًا بغشه، ومهما امتدت أو بدا أن امتدت منافع الغش، أو بدا أنه سالم بالغش فإنه سينتهي ويؤول أمره إلى هلاك، وإلى خسار.
أما ما يتعلق بآثاره على المجتمع فلا شك أن فشو الغش خطر داهم يفسد المجتمعات، ولهذا تجد في العالم كله محاربة لأنماط من الغش، وصور من الغش لإدراك البشرية بعظيم خطر تفشي الغش، وظهوره في معاملات الناس إذ أنه يفسد على الناس دنياهم، يفسد على الناس مكاسبهم، يفسد على الناس علاقاتهم، ويفسد على الناس تنميتهم، ويفسد على الناس جميع مناحي معاشهم.
يعني أرأيت يا أخي الطبيب الذي غش في اختباره حتى وصل إلى الطب، وذلك المهندس الذي غش حتى أصبح مهندسًا، ذلك المعلم الذي غش حتى أصبح معلمًا، سيخرج عندنا طبيب فاشل، ومهندس فاشل، ومعلم فاشل، وبالتالي كل من كان تحت هؤلاء في الطب والهندسة والتعليم وسائر مناحي الحياة على هذا قس بقية مجالات الحياة لا شك أنه فساد عريض، فلن تعمر البلدان، ولن تصح الأبدان، ولن يتعلم الإنسان، وبالتالي كل الأوجه التي يحصل بها غش ينبغي أن يكون هناك حزم من الجميع في منع كل صور الغش، ولا شك أن الجهات المسئولة تبذل جهودًا غير محدودة في محاربة الغش وحصاره سواء أن كان ذلك في الغذاء، أو كان ذلك في المستورد من الأجهزة والمعدات والأدوية والأغذية وما إلى ذلك سواء أن كان ذلك فيما يصنع في الداخل، سواء أن كان ذلك تجاريًّا أو حتى كان استعمالاً شخصيًّا.
ثمة تضافر للجهود في محاصرة كل أوجه الغش التي تفسد على الناس معاشهم، ويتطرق إليهم من خلالها التعثر والخلل بل حتى الهلاك في كثير من الأحيان، ولهذا الأجهزة المغشوشة،كم من نفس أُزهقت، وكم من مال ذهب، وكم من بيوت احترقت بسبب هذا الغش الذي يتواطأ فيه المتواطئون حتى يكون الضحية هو المستهلك الأخير.
وبالتالي لابد من معرفة أن الغش خطر يهدد الجميع، وليس خطيئة جزئية تنتهي بكسب الغاش لشيء من المال من طريق الغش، المسألة أخطر من هذا، وأكبر من هذا، وأوسع من أن تحصر أضراره في جانب من الجوانب، الغش فساد دين، وفساد دنيا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا«.
وأنا أوصي الجميع بالتكاتف، والتعاون مع الجهات الرقابية سواء أن كانت الجهات الرقابية تجارية أو صحية أو اجتماعية في معالجة كل مظاهر الغش أو تعليمية، وهذا يحصل أحيانًا بعض الناس يقول: أنا والله أرى الغش في قاعة الاختبار على سبيل المثال ولا أفعل شيئًا، الواجب ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾المائدة:2 أبلغ الجهات المختصة.
أحيانًا يكون المعلم هو الذي قد يعني يسهل الغش، بعض ضعاف النفوس من المعلمين قد يغش بدعوى التيسير والتسهيل وعدم التشديد فيأذن للطلاب بالغش أو يلقنهم الإجابات، وهذا في الحقيقة خيانة للأمانة؛ لأن ولاة الأمر -وفقهم الله- وضعوا الأمانة في هذا الرجل وأتمنوه على النشء، فإذا سُكت عليه كان مشاركة له فيما مارسه من غش، ولهذا يجب علينا أن نتعاون على البر والتقوى ولنتذكر أن الدين النصيحة.
طبعًا قد يلقى الإنسان أذى أو بعض ما يكره إذا وقف في طريق هؤلاء الذين يغشون الأمة، ويغشون الوطن، ويغشون ولاة الأمر، ويغشون المجتمع بالمخالفات التي يمارسونها لكن العاقبة للمتقين ولابد أن ينالهم من الأجر والثواب ما يذهب عنه ما وجد من ألم.
المقدم: شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وأن يسددنا في الأقوال والأعمال، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يسدد ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن ينصرهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يصلح أحوال المسلمين حيث كانوا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.