×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : الترغيب في صلة الرحم وبيان فضلها

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:20937

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنسْتَعيِنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شروُرِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَريِكَ لَهُ، المَلِكُ الحَقُّ المبيِنُ، لاَ مانِعَ لِمَا أَعْطَىَ، وَلا مُعْطِيَ لما مَنَعَ، وَلا يَنْفَعُ صاحِبُ الغِنَىَ مِنْهُ غِناهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، خِيِرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتبَّعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدَّيِنَ, أَمَّا بَعْدَ:

فَاتَّقوُا اللهَ عَبادَ اللهِ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَالنساء:1 

عِبادَ اللهِ, صِلُوُا ما أَمَرَ اللهُ تَعالَىَ بِهِ أَنْ يُوُصَلَ مِنْ حِقوُقِهِ وَحقوُقِ عِبادِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَركُمْ بِهِ فَقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاالنساء:58 ، صِلُوا أَرْحامَكُمْ الَّذيِنَ أَمَركُمْ اللهُ تَعالَىَ بِوَصْلِهِمْ؛ وَهُمْ أَقارِبُكُمْ مِنْ جِهَةِ آبائِكُمْ وَأُمَّهاتِكُمْ مِنَ الإِخْوَةِ وَالأَخواتِ وَذُرَّيَّاتِهمْ، وَمِنَ الأَعْمامِ وَالعَمَّاتِ وَالأَخْوالِ وَالخالاتِ وَذُرَّيَّاتِهِمْ؛ فَإِنَّ لِلأَقارِبِ حُقوقًا لازِمَةً لا يُفَرِّطُ بها إِلَّا مَنْ أَضاعَ نَصيِبَهُ.

فَصِلَةُ الأَرْحامِ حَقٌّ وَاجِبٌ لِكُلِّ ذِيِ رَحِمٍ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُالإسراء:26 ، فَأَثْبَتَ لِلقِرابِةِ حَقًّا وَأَمَرَ بِإِعْطائِهِ وَبَذْلِهِ، وَقالَ تَعالَىَ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ أَيْ: اتَّقوُا الأَرْحامَ أَنْ تُقَصِّروُا في حَقِّها أَوْ أَنْ تَقْطعوُها.

وَقَدْ جاءَ في صَحيحِ الِإمامِ البُخارِيِّ مِنْ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحَمَهُ»البخاري (6138)، فَجَعَلَ صِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ مُقْتَضياتِ وَلوَازِمِ الإِيمانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ.

وَفيِ الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حديِثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «الَّرحِمُ مُعَلَّقةٌ بِالعَرْشِ»، وَالعَرْشُ أَعْظَمُ المخْلوُقاتِ في الكَوْنِ، فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ خَلْقَهُ وَخَصَّهُ بِأَنِ اسْتَوَىَ عَلَيْهِ جَلَّ في عُلاهُ؛ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىطه:5 ، فَتَعَلُّقُ الرَّحِمِ بِالعَرْشِ أَعْظَمُ المخْلوُقاتِ دَليِلٌ علَىَ رِفْعَةِ شَأْنِها وَعظيِمِ مَكانَتِها وَقُرْبِها مِنَ اللهِ جَلَّ وَعَلا، «تقولُ» أيِ الرحمُ «مَن وصلني وَصلهُ اللهُ»، أَيْ: بِكلِّ خيرٍ وفضلٍ وإحسانٍ وبِرٍّ ونفعٍ وأجرٍ، «ومَنْ قطعني قَطَعهُ اللهُ»البخاري(5989), ومسلم(2555), ولفظه لمسلم أَيْ: قَطَعَ عَنْهٌ كٌلَّ ما فيِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَمْرِ ديِنِهِ وَدُنْياهُ.

أَيُّها المْؤِمِنونَ, رتَّبَ اللهُ تعالَىَ عَلَىَ صِلَةِ الرَّحِمِ أُجوُرًا عَظيمَةً وَمكاسِبَ كَبيرَةً في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ، القيامُ بحقوُقِ الأَقارِبِ مِنْ أَعْظَمِ ما يُقَرِّبُكُمْ إِلَىَ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ؛ وَلِذلِكَ كانَ مِنْ أوائِلِ ما أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بَعْثَتِهِ أَنْ أَمَرَ بِالصِّلَةِ، أَيْ: بِصِلَةِ الأَرْحامِ وَصِلَةِ ذويِ الحُقوُقِ.

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَبادِروُا إِلَىَ صِلَةِ أَرْحامِكُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُجْرِيِ عَلَيْكُمْ خَيْرًا عَظيمًا في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ؛ جاءَ في الصَّحيِحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ»، أَيْ: فيما يَسوُقُ اللهُ لَهُ مِنْ رِزْقٍ، سواءٌ كانَتِ الأَرْزاقُ في المآكِلِ أَوْ في المشارِبِ وَالمكاسِبِ، أَوْ كانتِ الأَرْزاقُ مُتَعَلِّقَةً بِصلاحِ القلوُبِ وَاسْتِقامَتِها؛ أَيْ: الرَّزْقِ الَّديِنِيِّ واَلدُّنْيَوِيِّ، «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فيِ رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فيِ أَثَرِهِ» أي: يُطال في عمره ويطيب ذكره في الخلق بعد موته«فليصل رحمه»البخاري(2067), ومسلم(2557)

أَيُّها المؤْمنوُنَ, بَادِروُا إِلَىَ صِلَةِ أَرْحامِكُمْ، صِلوُها بِكُلِّ خَيْرٍ؛ فَإِنَّ اللهِ تَعالَىَ وَرَسوُلَهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا أَمَرَ وَحَثَّ عَلَىَ صِلِةِ الأَرْحامِ لمْ يَذْكُرْ في ذَلِكَ صُوُرةً بِعَيْنِهاَ، بَلْ صِلَةُ الرَّحِمِ تَكوُنُ بِكُلِّ خَيْرٍ تُوَصِّلُهُ إِلَىَ أَقْربائِكَ وَإِلَىَ ذَوِيِ رَحِمِكَ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالقَوْلِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ بِالمالِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ بِالجاهِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِالبَدَنِ، أَوْ كانَ ذِلِكَ بِالدُّعاءِ، فَكُلُّ خَيْرٍ تُوَصِّلُهُ إِلَىَ أَقارِبِكَ فَهُوَ مِنْ صِلَةِ الأَرْحامِ الَّتِيِ أُمِرْتَ بها وَنُدِبْتَ إِلَيْها.

كَما أَنَّ أَقَلَّ ما يَكوُنُ في صِلَةِ الأَرْحامِ أَنْ يَكُفَّ الإِنْسانُ شَرَّهُ عَنْ ذَوِيِ رَحِمِهِ؛ فَإِنَّ كفَّ شَرِّكَ عَنِ النَّاسِ صَدقَةٌ مِنْكَ عَلَىَ نَفْسِكَ، فَصِلوُا أَرْحامَكُمْ وَأَقارِبِكُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ، بِالزَّيارَةِ وَالهَدَيَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالمساعَدَةِ، صِلوُهُمْ بِطيِبِ الكلامِ وَالحَنانِ وَالعَطْفِ وَليِنِ الجانِبِ وَبَشاشَةِ الوَجْهِ وَالإكْرامِ وَالاحْترامِ، صِلوُهُمْ بِبَذْلِ ما لَهُمْ مِنَ الأَمْوالِ المسْتَحِقَّةِ لَهُمْ، وَاحْتَسِبوُا الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ تَعالَىَ فِيِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضيِعُ أَجْرَ العامِليِنَ.

وَاعْلموُا أَنَّهُ كُلَّما قَرُبَتْ الصِّلَةُ زادَ الحَقُّ وَتَأَكَّدَ الوَاجِبُ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ سَأَلَهُ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِيِ؟ فَقالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمُّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبوُكَ ثُّمَ أَدْناكَ أَدْناكَ»مسلم(2548)، فَكُلَّما قَرُبَتِ الصِّلَةُ تَأَكَّد الحَقُّ وَعَظُمَ، فَالعَمُّ أَحَقُّ بِالصِّلَةِ وَالبِرِّ مِنَ ابْنِ العَمِّ، وَهَلُمَّ جَرَّا، كُلُّ ما كانَ قَريبًا مِنْكَ كانَ حَقُّهُ في الصِّلَةِ أَعْظَمُ.

أَيُّها المؤْمنِونَ, إِنَّ صِلَةَ الأَرْحامِ حَقٌّ ثابِتٌ لِلأَقارِبِ وَلَوْ بَدَرَتْ مِنْهُمْ إِساءَةٌ، فَلَيْسَتْ صِلَةُ الرَّحِمِ مُكافأَةً عَلَىَ إِحْسانٍ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ حَقٌّ ثابِتٌ لهَمْ وَلَوْ باَدروكَ باِلإِساءَةِ وَبَدَأَتْ مِنْهُمْ القَطيِعَةُ، فالواجِبُ عَلَىَ العَبْدِ أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَلَوْ قَطعوُهُ، وَأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِمْ وَلَوْ آذوْهُ وَأساءوُا إِلَيْهِ.

جاءَ في الصَّحِيِحَيْنِ مِنْ حَديِثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «لَيَسَ الواصِلُ بِالمكافِيءِ وَلَكِنْ هُوَالَّذيِ إِذا قَطَعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَها»البخاري(5991) ، يَعْنِيِ أَعْلَىَ ما يَكوُنُ مِنْ أَوْصافِ الوَصْلِ وَدَرَجاتِ الإِحْسانِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ تَرْجوُ في ذَلِكَ الثَّوابَ مِنَ اللهِ واَلأَجْرَ مِنْهُ، تَسْعىَ فيِ الِإصْلاحِ، فَلَيْسَ الَّذيِ يَبْنِي كَمَنْ شَأْنُهُ الهَدْمُ.

وَقَدْ جاءَ فيِ صَحيِحِ الإِمامِ مُسْلِمٍ مِنْ حديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا أَتَىَ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ: يا رَسوُلَ اللهِ إِنَّ ليِ قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطعوُنِيِ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسيِئوُنَ إِليَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلوُنَ عَليَّ»، قَابِلوُا كُلَّ إِحْسانٍ بِإِساءَةٍ؛ فَالوَصْلُ قابِلوُهُ بِالقَطيِعَةِ، وَالإِحْسانِ قابِلوُهُ بِالإِساءَةِ، وَالحِلْمِ وَهُوَ الصَّبْرُ وَتَحَمُّلُ الخَطَأِ قابِلوُهُ بِالجَهْلِ؛ وَهُوَ المبادَرَةِ إِلَىَ الإِساءَةِ، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا الرَّجُلِ الَّذيِ شَكَىَ قراباتِهِ بما كانَ مِنْهُمْ مِنْ إِساءَةٍ قالَ: «لَئِنْ كانَ كَما تقوُلُ» أَيْ: كَما تَصِفُ مِنْ حالٍ، «فَكَأَّنَما تُسِفُّهُمُ المَلَّ» أَيْ: كَأَنَّما تُطْعِمُهُمُ الرَّمادَ الحارَّ، ثُمَّ بَشَّرَهُ بِالظَّفَرِ وَالنَّصْرِ وَحُسْنِ العاقِبَةِ وَجميِلِ النَّهايَةِ؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم» لا يزَالُ مَعَكَ مَنْ يَنْصُرُكَ مِنْ جُنْدِ اللهِ وَيُظْهِرُكَ عَلَيْهِمْ، «ما دمت على ذلك» مسلم(2558) أَيْ: ما دُمْتَ عَلَىَ هَذِهِ الحالِ مِنَ الإِحْسانِ إِلَىَ قراباتِكَ مَعَ إِساءَتِهمْ.

وَأَقْصَرُ الطُّرُقِ الَّتِيِ تُعيِنُ الإِنْسانَ عَلَىَ بَذْلِ الإِحْسانِ لمَنْ أَساءَ إِلَيْهِ: أَنْ يَرْقُبَ اللهَ فيِهْمْ, وَأَنْ يُعامِلَ اللهَ في الخَلْقِ؛ فمَنْ عاملَ اللهَ في الخَلْقِ هانَ عَلَيْهِ ما يِلْقَىَ مِنَ الِإساءَةِ، فَإِذا أَحْسِنَتَ وَقوُبِلْتَ بِإِساءَةٍ، فَلا تَظُنَّ أَنَّ الِإحْسانَ قَدْ ذَهَبَ، بَلْ هُوَ عِنْدَ اللهِ، وَأَجْرُكَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي ِأَحْسَنَ فَقوُبِلَ إِحْسانُهُ بِنَظيرِهِ؛ لِأَنَّكَ تَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: بَيْنَ الِإحْسانِ وَالصَّبْرِ عَلَىَ الأَذَىَ.

الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، أَقوُلُ هذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ ليِ وَلَكُمْ، فَاستْغْفروُهُ إٍنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيِمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، لَهُ الحَمْدُ في الأوُلَىَ وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكُ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولهُ، صَلىَّ الله عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَبعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بإِحْسانٍ إلىَ يَوْمِ الدِّيِنِ، أَمَّاَ بعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ فَإِنَّ عَاقِبَةَ التَّقْوَىَ الجنَّةُ، ﴿إِِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًاالنبأ: 31 - 35، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقيِنَ وَحِزْبِكَ المفلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ، يا رَبَّ العالمينَ.

َأيُّها المؤْمِنوُنَ, احْذَروُا قَطيِعَةَ الرَّحِمِ؛ فَإِنَّ قَطيِعةَ الرَّحِمِ مُوُجِبَةٌ للِعُقوُبَةِ العاجِلَةِ، وَموُجِبَةٌ لِسَخَطِ رَبِّ العالمينَ، فَقَدْ قالَ اللهُ تعالَىَ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْمحمد:22 ، ذَكَرَ اللهُ الفَسادَ فيِ الأَرْضِ، ثُمَّ خَصَّ مِنْ صُوُرِ الفَسادِ في الأَرْضِ قَطيِعَةَ الأَرْحامِ، فَقال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾. ما عُقوُبَةُ أوُلئِكَ المفْسِدينَ قاطِعيِ الرَّحِمِ؟ قالَ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ محمد: 23 ، وَذلِكَ عاجِلُ عُقوُبَتِهِمْ أَنْ مَنَعَهُمُ اللهُ تَعالَىَ مِمَّا يَنْفَعُهُمْ، فَلا يَسْمَعوُنَ خَيْرًا، وَلاَ يُبْصِروُنَ رَشَدًا، بَلْ هُمْ فيِ عَماءِ وَفيِ ضَلالٍ وَفي سوُءِ حالٍ، ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِالرعد:25 .

وَقَدْ جاءَ في الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حَديِثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذا فَرَغَ مِنْهُمْ قامَتْ الرَّحِمُ فَقالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القطيِعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنِ أَنْ أَصِلَ مِنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَىَ، قالَ اللهُ تَعالَىَ: فَذَلِكَ لَكَ»البخاري(5987), ومسلم(2554)، فمَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللهُ تَعالَىَ بِكُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ، وَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ قَطَعَ اللهُ عَنْهُ كُلَّ خَيْرٍ وَرُشْدٍ فيِ نَفْسِهِ وَفي مالِهِ وَفي وَلَدِهِ.

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَصِلوُا أَرْحامَكُمْ؛ فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيانِ عُقوُبَةِ قاطعِ الرَّحِمِ: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»البخاري(5984), ومسلم(2556)، وَهذَا يُبَيِّنُ عَظيمَ عُقوُبِةِ قَطيِعَةِ الرَّحِمَ وَأَنَّها مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ وَعظائِمِ الإِثْمِ، فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، صِلوُا أَرْحامَكُمْ وَلَوْ أَساؤوُا إِلَيْكُمْ.

وَاعْلَموُا أَنَّ الصِّلَةَ لا تَقْتَصِرُ عَلَىَ صوُرَةِ مِنَ الصُّوَرِ، بَلْ تَكوُنُ بِكُلِّ إِحْسانٍ تَسْتَطيِعوُنَهُ، وَقَدْ جاءَ في الأَثَر وَإِنْ كانَ في إِسْنادِهِ مَقالٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام» أخرجه البيهقي في الشعب ح(7602), وَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ بمجْموُعِهِ؛ يُنْظَرُ: الصحيحة(1777)أَيْ: وَلَوْ بِإلْقاءِ السَّلامِ أَوْ بَعْثِهُ أَوْ إِرْسالِهِ أَوْ الاتِّصالِ، وَاليَوْمَ وَسائِلُ التَّواصُلِ كَثيِرَةٌ، وَمَعَ كَثْرَتِها تَجِدُ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ قَريبًا مِنْ الأَباعِدِ، بَعيدًا مِنَ الأَقارِبِ، تَجِدُهُ يَصِلُ الصَّديِقَ وَمَنْ لا يَعْرِفْ عَبْرَ هَذِهِ الوَسائِلِ،يُمْضِيِ سَاعاتٍ طَويِلَةً في المحادثاتِ والمراسَلاتِ، لَكِنَّهُ يَشِحُّ بِلَحَظاتٍ في وَصْلِ قَراباتِهِ وَمَنْ لَهُ صِلَةُ رَحِمٍ بِهم، فَيَكوُنُ ذَلِكَ عَكْسًا مِمَّا يَنْبَغِيِ، فَمَنْ لا يُحْسِنُ لِلأَقارِبِ لا يَكُنْ مِنْهُ خَيْرٌ لِلأَبَاعِدِ.

فَصِل *وُا أَرْحامَكُمْ وَاحْتَسِبوُا الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمَ اللهُ بِالإِصْلاحِ في الأَرْضِ وَصِلَةِ الأَرْحامِ؛ وَهُوَ الِإحْسانُء إِلَىَ الأَقارِبِ في المقالِ وَالفِعالِ، وَبَذْلِ الأَمْوالِ وَالجاهِ وَما تَسْتطيعوُنَ مِنْ أَوْجُهِ الإِحْسانِ.

الَّلهُمْ وَفِّقْنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصِينا إِلَىَ البر والتقوى، اللهم أعنَّا على أنفسنا يا ذا الجلال والإكرام، اهدنا ويسِّر الهدى لنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعنَّا ولا تُعنْ عَلَيْنا، وَانْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، وَآثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.

الَّلهُمَّ اغْفِرْ لَنا ما قَدَّمْنا وَما أَخَّرْنا، وَما أَعْلنَّا وَما أَسْرَرْنا، وَما أَسْرَفْنا، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِه مِنَّا.

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف: 23 ، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌالحشر: 10 ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِالبقرة: 201 .الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أَموُرنا، واجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خَافَكَ واتَّقاكَ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلَيَّ أَمْرِنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَفِّقْ المَلِكَ سَلْمانَ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما فِيِهِ خيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، خُذْ بِنواصيِهِمْ إِلَىَ البِرِّ والتَّقْوَىَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُموُرِ المسْلِمينَ إِلَىَ تَحْكيِمِ كِتابِكَ وَالعَمَلَ بِسُنَّتِكَ، وَادْفَعْ عَنَّا وَعَنْ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ كُلِّ فِتْنَةِ وَشَرٍّ، أَلِّفَ بَيْنَ قُلوُبِنا وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنَنَا وَأَعِذْنا مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.

الَّلهُمَّ إذا أَرَدْتَ بِعبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْنا إِلَيْكَ غَيْرِ مَفْتوُنيِنَ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَعوُذُ بِكَ مِنْ عذابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا وَالمماتِ وَمِنْ فِتْنَةِ المسيِحِ الدَّجالِ.

الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ محُمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهِيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيِمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90584 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87038 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف