×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (136) حول صلة الرحم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4213

المقدم: فضيلة الشيخ خالد، السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، حيا الله الإخوة والأخوات، وجعله لقاءً نافعًا مباركًا.

المقدم: اللهم آمين. فضيلة الشيخ سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول صلة الرحم، ومن المعلوم أن صلة الرحم من أعظم وسائل القرب من الله تبارك وتعالى، ومِن أجلِّ ما يتقرَّب به المسلم إلى الله -جلَّ وعلا-، والأمر بصلة الرحم واضح وجليٌّ وظاهر في كتاب الله -عز وجل-، وفي سنة نبيه المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه-.

 ابتداءً فضيلة الشيخ عندما نتحدث عن صلة الرحم، ما معنى صلة الرحم؟ ومن هي الرحم التي أُمرنا بصلتها؟ وأيضًا ما حكم صلة الرحم في البداية؟

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً لك أخي وائل، وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

 هذه المسألة وهذا الموضوع موضوع صلة الأرحام، نحتاج إلى أن نعيد التذكير به بين فترة وأخرى، وأن نتناول ما يتعلق به من مسائل؛ وذلك أن صلة الأرحام من أهم خصال المؤمن في حسن خلقه مع الخلْق.

 الله -عز وجل- وصف بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها رحمةٌ للعالمين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء:107]، وهو -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد بيَّن أن الله تعالى بعثه ليتمم صالح الأخلاق، فقال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».مسند أحمد (8952)، قال محققو المسند: صحيح وهذا إسناد قوي

والأخلاق هي كل السجايا الفاضلة، والخصال الكريمة التي يتعامل بها الإنسان مع الله -عز وجل-، ويتعامل بها مع الخلق، فيصلح بها ما بينه وبين ربه -جل في علاه- بأداء حقوقه، بتوحيده وعبادته وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت وسائر حقوقه -سبحانه وبحمده-. كما أن صلاح ما بينه وبين الناس يكون بأداء الحقوق والأمانات التي أمر الله تعالى بأدائها إلى أهلها في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء:58]، والأمانات جمع أمانة: وهو اسم جامع لكل ما ائتمن عليه الإنسان من الحقوق التي فرضها الله تعالى للخلق، سواء كان ذلك في حق الوالدين، أو في حق ذوي الأرحام، أو في حق الزوجات، أو في حق الأولاد، أو في حق الجيران، أو في حق ولاة الأمر، أو في حق عامة المسلمين وعموم البشر.

كل هذا مما يندرج في محاسن الأخلاق، وإذا نظرنا إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في أول رسالته؛ وجدنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء بإصلاح ما بين العبد وبين ربه، وبإصلاح ما بين العبد وبين الناس والخلق، يبين هذا ما ذكره أبو سفيان لما كان في الشام ودعاه هرقل ليسأله عن خصال النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يأمر به، وما يتعلق بشأنه، فقال هرقل لأبي سفيان يسأله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بم يأمركم؟» أي: بأي شيء يأمركم ويدعوكم إليه، وينهاكم عن إتيانه؟ قال: قلت: «يأمرنا بالصلاة والزكاة، والصلة والعفاف»[صحيح البخاري:ح7]، والصلة هنا اسم جامع لكل ما أمر الله تعالى بوصله من حقوق ذوي الأرحام، وغيرهم ممن أمر الله تعالى بوصلهم، فكان مما بادر إليه النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وتوجيهه للناس، ودعوته إليهم أن يصلحوا فيما بينهم من أداء الحقوق؛ فإن صلاح ما بين الإنسان والخلق أصله وأساسه أن يؤدي ما لهم من الحقوق، ثم بعد ذلك يكون الفضل بل المزيد من الإحسان وأوجه الفضل التي تكون بين الناس.

صلة الرحم حقيقتها هي أن تبذل كل إحسان تستطيعه إلى ذوي رحمك، كل إحسان تستطيعه تبذله إلى ذوي رحمك، سواء كان ذلك بالقول أو كان ذلك بالعمل أو كان ذلك بالجاه، أو كان ذلك بالمال، أو كان ذلك بالنفس، فعندما تهدي هديةً لذوي رحمك فإن هذا نوع من الصلة، عندما تحسن إليهم في بذل التحية والإكرام القولي هذا نوع من صلة الأرحام، عندما تزورهم وتصلهم بالزيارة أو تدعوهم إلى زيارتك أو تدعوهم إلى الولائم التي في المناسبات ونحوها، كل هذا من صلة الرحم.

لم يأتِ في الشريعة تحديدٌ لصورة صلة الرحم التي يتحقق بها ما أمرت الشريعة به من صلة الأرحام، إنما هذا يشمل كل أوجه الإحسان الذي توصله إلى غيرك، وذلك يختلف باختلاف الأعراف، ويختلف باختلاف الزمان، ويختلف باختلاف الأشخاص، ويختلف باختلاف القرب والبعد، وهنا ننتقل إلى الكلام عن الرحم، مَن الرحم التي تجب صلتها؟

الرحم التي تجب صلتها للعلماء فيها تفصيلات، فمنهم من قال: إن الرحم الذين تجب صلتهم هم مَن بينك وبينهم توارُث، مِن ذوي قراباتك، هم مَن يرثونك أو ترثهم من ذوي قراباتك، هم الرحم الذين ندبت الشريعة إلى وصلهم.

 وقيل: إن الرحم التي تجب صلتها هي الرحم ذات الحرمة أي الرحم المحرَّم كالعمات، والخالات، والأعمام، والأخوال، والأبناء والبنات، وأبناء الإخوة، وبنات الإخوة، والأخوات، وما أشبه ذلك ممن بينك وبينهم رحم محرمة؛ يعني لا يجوز التناكح أو التزاوج بين الطرفين، فهؤلاء هم الرحم الذين تجب صلتهم.

 وأما الرحم غير المحرمة كابنة العم، وابنة الخالة القريبة أو البعيدة وابنة الخال وابنة العمة القريبة أو البعيدة، هؤلاء ليسوا من الرحم الذين تجب صلتهم على هذا القول.

والصواب فيما يتعلق بالرحم التي تجب صلتها أو لها حق الصلة: أنها شاملة لكل من تجمعك بهم ولادة قريبة أو بعيدة، يعني كل من لك بهم صلة ولادة من الأصول الآباء والأمهات، والفروع الأبناء والبنات وما تفرع عنهم، والحواشي من الأعمام والعمات وإن علوا طبعًا من جهة الأب أو من جهة الأم، وأبناؤهم ومن تفرع عنهم من ذراري من أبناء الأعمام، وأبناء العمات، ومن أولاد الأعمام والعمات، وأولاد الأخوال والخالات الذكور والإناث، لكن هذا حدَّه بعض العلماء بمن كان دون الجد الرابع، هذه هي الرحم التي تجب صلتها على هذا التفصيل.

وعلى هذا القول، وهو أقرب الأقوال إلى الصواب، أن الرحم يشمل الرحم المحرم وغير المحرم، وتشمل من يرث ومن لا يرث، لكن حقوقهم في الصلة ليست على درجة واحدة، بل حقوقهم في الصلة مختلفة حسب قربهم، فأعظم الناس حقًّا في الصلة هي الأم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أُمُّك» قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك».[صحيح البخاري:ح5971]

هذا بيان لأحق الناس بحسن الصلة من ذوي الأرحام ابتداءً بالأم ثم الأب، وقد جاء مزيد بيان تفصيل في رواية أصحاب السنن، أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله من أبرُّ؟ يعني من له حق البر، قال صلى الله عليه وسلم: «أمَّك وأباك ثم أختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»[سنن أبي داود:ح5139، وسنن الترمذي:ح1897وحسنه] ولعل السائل الذي سأل لم يكن له ولد فيما يظهر.

على كل حال بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الترتيب في صلة الأرحام، ومن له حق بالبر، وتفاوت مراتب البر باعتبار القرب، قال: «أُمَّك وأباك، ثم أختك وأخاك بعد ذلك قال: ثم أدناك فأدناك» يعني ثم الأقرب فالأقرب منك.

 وهذا يبين أن صلة الأرحام ليست على درجة واحدة، كل ذوي الرحم بل هي متفاوتة باعتبارات عدة، ومن الاعتبارات التي تتفاوت بها الصلة في ذوي الأرحام جانب القرب والبعد، وكلما كانت الرحم أقرب كان حقها في الوصل آكد وألزم.

هذا ما يتصل بمعنى صلة الرحم هي: الإحسان إلى ذوي قراباتك من جهة أبيك، أو من جهة أمك القريب منهم والبعيد، كيف تتم الصلة؟

الصلة تتم بكل إحسان؛ ومنه ما يكون بالقول كما ذكرت، بحسن القول وجميل الألفاظ، بالتحية ولو كان ذلك بوسائل التواصل المتاحة الآن من المراسلات أو ما يكون من مجموعات عائلية، وذوي القربى بالتحية، هذا نوع من أنواع التواصل القولي، والكتابي ببعث السلام إليهم والتحية.

 ومنه الوصل بالإحسان المالي بالهدية لمن كان من الأغنياء، والمساعدة بالإعانة سواء كان ذلك من الزكاة أو كان ذلك من غير الزكاة بالصدقة لذوي القرابات.

 كل هذا من أوجه الإحسان الذي يكون بالمال، وكذلك الإحسان بالوصل، بالزيارة، بالمعاودة، واللقاء، والاجتماع، والإكرام الذي يكون لإكرام القرابات في دعوتهم للمناسبات أو في حضور مناسباتهم، ونحو ذلك مما يكون من أوجه البر والإحسان إلى ذوي الرحم.

ولهذا جاء الندب إلى الإحسان وصلة الرحم على وجه العموم دون تقييد ذلك بصورة من الصور أو بعمل؛ لأنه يختلف باختلاف الزمان، ويختلف باختلاف المكان، وقد جاء في بعض ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد فيه بعض المقال أنه قال: «بُلُّوا أَرحامَكُم ولو بِالسَّلام»[شعب الإيمان للبيهقي:ح7602، وهو ضعيف؛ لإرساله. والله أعلم]، وهذا أقل ما يكون من أوجه الإحسان أن يحسن الإنسان لغيره بالكلمة الطيبة؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تَمرة، ومن لم يجد فبكلمة طيبة»[صحيح البخاري:ح6023] وقال صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة».[صحيح البخاري:ح2989]

فأقل ما يكون من الإحسان لذوي الأرحام، ولعموم الناس هو طيب الكلام وذلك ببذل التحية، وتجنب الفاحش من القول، وبذل القول الحسن الذي تجتمع به القلوب، وتأتلف به النفوس، هذا ما يتصل بما يتعلق بصلة الرحم معناها، وبماذا تكون في صورتها العامة.

اليوم هناك مسائل كثيرة لتحقيق صلة الرحم، نحن في الحقيقة سنتكلم عن فضل صلة الرحم ويتأكد ذلك في ثنايا حديثنا عن حكم صلة الرحم، لكن الذي نختم به هذه الجزئية من حديثنا عن صلة الرحم أن صلة الرحم لا تقتصر على صورة واحدة، بل تختلف باختلاف العصر، تختلف باختلاف حال الإنسان، تختلف باختلاف وسائل الوصول إلى ذوي القرابات، وكل هذه المعاني مؤثرة في صورة صلة الرحم.

لكن إذا قام هذا الهم في قلب الإنسان فإنه سيبذل كل ما يستطيعه من أوجه الصلة بذوي قراباته، والتقرب إلى الله -عز وجل- بصلة الرحم سواء كان ذلك قولًا أو عملًا حتى فيما يتعلق بالإنفاق على ذوي الأرحام، يعني له فضيلة زائدة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة - يعني من له صلة رحم – اثنتان: صدقة، وصلة».[سنن الترمذي:ح658، وقال:حديث حسن] 

المقدم: فضيلة الشيخ؛ هل من الممكن أن نقول: إن القريب الغني مثلًا تكون صلته آكد بالمال، والفقير مثلًا تكون صلته آكد بالتواصل وبالزيارات وغيرها، هل يصح هذا القول؟

الشيخ: نعم، يمكن أن يقال هذا؛ وذلك أن البذل له صور، ويختلف باختلاف حال الإنسان؛ ولذلك لما سأل أبو ذر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله» قلت - أبو ذر يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم -: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا، وأنْفَسُها عند أهلها» هذا بذل مال، قلت: فإن لم أفعل؟ يعني إذا لم يكن هناك قدرة على فعل هذا؟ قال: «تُعين صانعًا أو تصنع لأَخْرَق» أي لا يحسن الصناعة، قال: فإن لم أفعل؟ يعني إن عجزت حتى عن أن أعين صانعًا أو أصنع لمن لا يحسن الصناعة؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «تَدَع الناسَ من الشرِّ، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك»[صحيح البخاري:ح2518]، وهذا يبين أن مراتب الإحسان تختلف باختلاف حال الإنسان، فمن كان يستطيع أن يجمع بين الإحسان القولي والعملي والمالي ينبغي أن لا يدخر جهدًا في ذلك، وألا ينزل إلى مرتبة الإحسان القولي مع إمكان ما هو أعلى؛ ولهذا قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» فهنا بذل، «فإن لم تجد فبكلمة طيبة» فهذا يدل على ما أشرت إليه قبل قليل في سؤالك أنه هل تختلف صورة الصلة باختلاف حال الإنسان من الغناء والفقر؟

نعم الغني ينبغي أن يصل قراباته بما يسد حاجاتهم إذا كانوا ذوي حاجات، وإن كانوا غير ذوي حاجات فمن صلتهم بالهدية إليهم، والهدية لا يلزم أن تكون شيئًا يعني يبلغ بالإنسان حد الضيق، الهدية تكون بما يسَّر الله تعالى من المال، من البذل، من العطاء، جادَ بما عنده، يجتمع فيها الإحسان المالي، ويجتمع فيها أيضًا الإحسان القولي وتقارب القلوب، ويحصل بها تآلف النفوس، وزوال ما يمكن أن يعلق في النفوس من وساوس، من نزغات الشيطان، وصور التقصير التي يمكن أن تكون.

الإحسان بالمال من أبرِّ الوسائل التي تُذهب وَحَرَ الصدر، وتزيل سخائم القلوب، وتلمُّ الشعث؛ لأن ذلك له تأثير بالغ إذا تمكن منه الإنسان وجمع إليه حسن المال كان ذلك نورًا على نور، فإن لم يتمكن فهنا يجد فيما يستطيع من الكلام الطيب، والنية الحسنة، والبذل بما يستطيع من جاهه وجهده البدني في برِّ ذوي قراباته وصلة أرحامه.

المقدم: جميل، فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب إلى فاصل بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- حول حكم صلة الرحم، وأيضًا حول نقطة أخرى تبدو أوسع بكثير حول ما ورد من الآيات والأحاديث عن النبي  -عليه الصلاة والسلام- بشأن صلة الرحم وقطعها أيضًا.

 مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل وبعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى.

المقدم: أهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، أرحب بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، أهلًا وسهلًا بك مجددًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: مرحبًا حياك الله، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونفعل. 

المقدم: آمين. معنا على الهاتف الأخ عبد العزيز الشريف، أهلًا وسهلًا عبد العزيز حياك الله.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا وسهلًا.

المتصل: حياكم الله أستاذ وائل وبارك الله فيكم، وأحييك وفضيلة الشيخ.

المقدم: حياك الله.

المتصل: الضابط في صلة الرحم هل تكفي المراسلة؟ هل يكفي الاتصال؟ أم لابد أن تقابل الشخص بنفسك؟

الأمر الثاني: بعض الناس -بارك الله فيك- يقول: أنا لا أصل رحمي لأن عنده بعض المنكرات وكذا وكذا، فما الضابط في هذه الزيارة؟ وهل كل من عنده منكر أو عنده شيء لا تزوره ولا تسأل عنه؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ نجيب على تساؤل الأخ عبد العزيز أم نكمل في حكم صلة الرحم.

الشيخ: لا، لعلنا نكمل وسنرجع للحديث عما سأله أخونا في ثنايا حديثنا.

 أما صفة صلة الرحم فقد تقدم الكلام عنها، ومن صلة الرحم تأخذ كل الصور الممكنة المتاحة، سواء كانت اتصالًا، أو كانت إرسالًا، أو كانت لقاءً، أو كانت هديةً، أو كانت دعوةً إلى مناسبة، أو كانت زيارةً في مواسم الزيارات المألوفة التي يجتمع فيها الناس، كل هذا من أوجه الصلة.

وأنا أقول: ينبغي أن نطرق ما أمكن من الأبواب التي نصل بها أرحامنا، وأن لا نستقل شيئًا من الخير فرُبَّ عمل يكون في عينك حقيرًا يقع موقعًا عظيمًا في الثواب عند الله -عز وجل-، ويكون أثره بالغًا عند من وصلته لاسيما في هذا الوقت الذي انشغل الناس فيه بأنواع من الانشغالات، حصل فيه نوع من صعوبة التواصل لا لأجل قلة القنوات التي يتواصل من خلالها الناس لكن طبيعة الحياة التي أصبح التواصل فيها محدودًا بصور معينة وأنماط معينة، يقع الوصل الذي لا سبب له إلا الإكرام والإحسان وصلة الرحم موقعًا عظيمًا في نفوس من تصلهم، ولهذا أقول: لنبادر، يعني بعض الناس لا يتصل بأقاربه إلا في مناسبات: أعياد، أو ما أشبه أو عزاء أو مباركة بمناسبة خارجة عن المألوف، وهذا نوع من الوصل الطيب الذي ينبغي أن نحافظ عليه.

لكن ثمة أنواع من الوصل الأخرى وهي الصلة بالسلام، بطريقة أو أخرى، حتى بدون مناسبة؛ يعني كم من الوقت الذي نقضيه مع أجهزتنا في المراسلات والمحادثات، وحتى الاتصالات؛ يعني لو اقتطعنا من هذا الوقت شيئًا يسيرًا، اليوم أصل فلانًا عمي، فلانة عمتي، فلانًا خالي، فلانة خالتي، أسأل عن أحوالهم، وأمورهم وما أشبه ذلك، هذا نوع من صلة الأرحام التي يحصل بها الخير العظيم، والتآلف والتقارب، تعاهدهم عند الحاجة بالهدية، بالدعم المالي، كل ذلك مما يقوم به الصلة ولو كان شيئًا يسيرًا، لا تدخر شيئًا من المعروف، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».[صحيح مسلم:ح2626/144] 

إذا نظرنا إلى النصوص الواردة في الشريعة، فيما يتعلق بصلة الرحم؛ يتبين لنا المنزلة العالية السامية التي يتبوأها هذا العمل، وهذا الخلق، الذي هو من مهمات أوجه الإحسان التي جاءت الشريعة بها، بل من أُسُس إصلاح المجتمع، وأسس إصلاح الأمة، وأُسس إصلاح العلاقات البشرية أن يصلح الإنسان ما بينه وبين ذوي قراباته من ذوي رحمه؛ وذلك أن صلاح ما بينه وبينهم هو لبنة أساس في صلاح العلاقات البشرية، العلاقات الإنسانية؛ إذ إن الناس متفاوتون ومتباعدون وكثر، بداية الصلاح فيما يتصل بصلة الإنسان أن يصلح ما بينه وبين قراباته فهم أحق الناس بالإحسان.

حكم صلة الرحم:لا خلاف بين أهل العلم في أن صلة الأرحام من الواجبات الشرعية التي تواطأت عليها كلمة العلماء؛ فأجمع أهل العلم على أن صلة الرحم حق واجب دل عليه الكتاب والسنة، واتفقت عليه الأدلة، وأن قطيعة الأرحام من عظائم الإثم، وكبائر الذنوب وهي محرمة.

 وصلة الرحم لا تقتصر فقط على رحم الإنسان الموافق له في الدين بل حتى غير الموافق في الدين ممن يخالف دين الإنسان كأن يكون الإنسان مسلمًا وله قرابات على غير الإسلام؛ فإنه يجب صلتهم، أو لهم حق في الصلة، قال الله تعالى في حق الوالدين وهو أصل ما يكون من صلات الأرحام، قال -سبحانه وبحمده-: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[لقمان:15].

ولما استأذنت أسماء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلة أمها وكانت على الشرك، قال لها صلى الله عليه وسلم: «نعم صِلي أُمَّك»[صحيح البخاري:ح2620] فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها- أن تصل أمها، ولم تكن موافقةً لها في الدين.

 فصلة الرحم حق واجب في الأصل لكل ذوي الأرحام إلا أنه حق متفاوت، القدر الواجب هو أن لا تكون بينك وبينهم قطيعة، أن لا يكون بينك وبين ذوي رحمك قطيعة بقطع ما يجب لهم من حقوق، أما ما يتعلق بصور الوصل وأنواع الوصل فهذا درجات ومراتب كما ذكرت يختلف باختلاف قرب ذوي الرحم وبُعدهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في جواب الرجل لما سأله: من أبرُّ؟ قال له: «أمَّك وأباك، ثم أختَك وأخاك، ثم أدناك فأدناك» فدل ذلك على تأكد صلة الأرحام باعتبار القرب والبعد، هذا ما يتصل بحكم صلة الرحم، منه ما هو واجب، القدر الواجب من صلة الرحم هو القَدر الذي يخرج به عن حدود القطيعة، هذا هو القدر الواجب من صلة الرحم، أما ما يتعلق بما وراء ذلك من أوجه الصلة والإحسان هذا يختلف باختلاف قرب الشخص، وباختلاف منزلته، وباختلاف الحال في الصلة، وأوجهها وصورها كثيرة كما دل عليه الكتاب والسنة.

ومما يدل على أن صلة الأرحام، وصلة ذوي القربى حق؛ أن الله تعالى أمر فيما أمر به أهل الإسلام أن يُؤتَى ذوو القربى حقهم، قال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ[الإسراء:26] أي: أعط القريب حقه، وهذا يختلف باختلاف درجة القرب كما تقدم.

وحذر الله تعالى من قطع الأرحام، وعدم القيام بحقها فقال -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء:1]، أي: واتقوا الله في الأرحام بفعل ما يجب من حقوقها، وتجنُّب ما يكون من القطيعة التي تكون بين ذوي الرحم، وتفضي إلى فساد الصلات بين القرابات.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلُيَصِل رحمَه»[صحيح البخاري:ح6138]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من خصال الإيمان الواجبة التي فرضها على أهل الإيمان أن يصلوا أرحامهم، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» فدل ذلك على أن هذا من خصال الإيمان الواجبة التي لا يتم الإيمان إلا بها، أي لا يتم الإيمان الواجب إلا بها.

 وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرحم مُعلَّقة بالعَرْش» وهذا يدل على عظم حق الرحم، وأن الرحم في منزلة عالية، فالعرش أعلى المخلوقات، وقد خصه الله تعالى بخاصية تميَّز بها عن سائر خلق الله تعالى، وهي أنه استوى على العرش -سبحانه وبحمده- جل في علاه.

فـ«الرحم مُعلَّقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».[صحيح مسلم:ح2555/17]، المناسبة بين الإخبار بكون الرحم معلقة بالعرش، وبين دعائها أن دعاءها قريب الإجابة، فالله تعالى -جل في علاه- قد شرَّفها ورفع منزلتها، وهو يسمع قولها: «من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»، وهذا يؤذن بعظيم الفضل والأجر والخير الذي يحصل لمن وصل رحمه، فإنه سيصله الله، بماذا يصله الله؟

يصله -جل وعلا- بكل ما يحب من قضاء حاجاته، وسدِّ خَلَّاته، وإجابة دعواته، وإقالة عثراته، والمسارعة في نجدته وإغاثته عند نزول ما يكره أو حلول ما لا يحب.

وأما الوجه الثاني لحال الإنسان في الرحم: القطيعة؛ فقد قالت الرحم في دعائها لله -عز وجل-: «ومن قطعني قطعه الله»[سبق]، وإذا قطع الله تعالى العبد أي: حبس عنه كل خير، وكل ما يصلح به حاله نعوذ بالله من الخذلان.

لهذا أنا أوصي إخواني وأخواتي بالعناية بتربية أنفسهم، وأولادهم، ومن تحت أيديهم على صلة الرحم، وحفظ حقها، وتقوى الله تعالى فيها.

 طبعًا الفضائل والأجور المرتبة على صلة الأرحام ليست قليلة، بل جاءت عامة وجاءت مفصلة، عامة مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به عن الرحم ودعائها: «من وصلني وصله الله».

خاصة؛ في مثل ما جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه»[صحيح البخاري:ح2067] فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن صلة الأرحام موجبة لبسط الرزق، وبسط الرزق ألا يكون ثمة ضيق عليك في رزقك، فتُقضَى ديونك، وتكفى حاجاتك، وتدرك ما يصلح به حالك من رزق الله -عز وجل-.

 وليس هذا مقصورًا فيما يظهر -والله تعالى أعلم- على الرزق المادي فقط بل رزق القلوب بالانشراح، والبهجة، والسرور، والطيب، ورزقها بالإيمان والاستقامة وصالح العمل، كل ذلك مما يدخل في قوله: «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه».

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «وأن يُنسَأ له في أثره» أي: يطال في عمره، هذا معنى قيل في بيان مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «وأن ينسأ له في أثره» أي يُطال في عمره على عمل صالح، وعلى سعة في الرزق، وصلاح في الحال.

 وقيل في معنى «وأن ينسأ له في أثره»: أن يرفع الله تعالى ذكره بالذكر الحسن الطيب، فنسؤ الأثر أن يبقى له ذكر طيب في الناس، يذكر فيه بخير، ويثنى عليه بما كان من صلة رحمه وأداء ما لهم من الحقوق والزيادة على ذلك بأوجه الوصل المبارك.

هذه بعض النصوص الواردة في فضيلة صلة الرحم؛ ولهذا نقول لكل من يسمعني من الإخوة والأخوات أن يحتسبوا الأجر عند الله في صلة الرحم، صلوا أرحامكم وأقاربكم بكل خير؛ بالزيارة، بالهدية، بالنفقة، بالمساعدة، بحضور المناسبات والاجتماع بهم، الصبر على ما يكون من تقصيرهم، صلوهم بالعطف، والحنان، ولين الجانب، وبشاشة الوجه، والإكرام، والاحترام ببذل المال، احتسبوا الأجر في ذلك عند الله؛ لأنه أحيانًا يكون في ذوي الأرحام من الخصال ما ينفِّر الإنسان، فقد يكون هذا سببًا لكونه يقصر في صلة رحمه؛ لأنهم يسيئون إليه، أو لأنهم لا يقابلون إحسانه بقبول حسن، فيكفّ عنهم، وهذا تقصير فيما ينبغي.

الحد الواجب هو أن لا تقطعهم بأن تصلهم الوصل الذي يخرج به الإنسان عن حد القطيعة، والفضل هو أن يبادر بالإحسان إليهم، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه -صلى الله عليه وسلم- ما يجد من قراباته، فقال: «يا رسول الله، إن لي قَرابةً» إما إخوة أو أخوات أو أعمام أو عمات أو أبناء أعمام وبنات عمات ونحو ذلك من سائر القرابات، يقول: «إن لي قرابةً أَصِلُهُم ويقطعوني»، يعني يقابلون الوصل بالقطيعة، «وَأُحْسِنُ إليهم ويُسيئون إليَّ»، فأسعى لهم بكل إحسان ولا أجد منهم إلا الإساءة، «أَحْلُم عنهم» يعني أتحمل جهلهم وخطأهم وسوء معاملتهم، وهم في المقابل «يجهلون عليَّ»؛ أي يبادرون بكل سيئة من قول أو عمل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الوصف الذي وصف به حال قراباته وطريقة معاملته لهم، وطريقة معاملتهم له، قال: «لئن كان كما تقول» يعني إن كان الأمر كما تصف، من أنك تصلهم ويقطعونك، وتحسن إليهم ويسيئون إليك، وتحلم عنهم ويجهلون عليك، «لئن كان كما تقول فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ» يعني كما لو كنت تطعمهم الرماد الحار؛ فتجمع لهم بهذا الإحسان ما يكون سببًا في إقامة الحجة عليهم والبراءة من حقهم كأنما تسفهم المل، ثم لا تحزن فإنك ستجد من الله تعالى عونًا وتأييدًا ونصرًا، ولذلك قال: «ولا يزال معك من الله ظهير عليهم» أي: معين «ما دُمتَ على ذلك»[صحيح مسلم:ح2558/22]، معين يعينك على البر، يعينك على الإحسان، يعينك على أداء حقوقهم، يعينك على دفع أذاهم والصبر على جهلهم.

وقد جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «ليس الواصل بالمكافِئ، ولكنَّ الواصلَ من إذا قطعت رحمه وَصَلَها»[صحيح البخاري:ح5991]، وهذا في معنى حديث أبي هريرة في أن الإنسان يصبر على ما يكون من تقصير قراباته.

وسأعطيكم أيها الإخوة والأخوات طريقًا يختصر لكم المتاعب التي تلقونها في صلة من يسيء إليكم من قرابات، أفضل طريق يصل به الإنسان إلى الوصل والإحسان إلى قراباته التي تسيء إليه أن يتعامل مع الله فيهم، بمعنى أنه لا ينتظر منهم إحسانًا، ولا يرقب منهم مكافأة، بل يرقب ذلك ويؤمله من الله، ولن يضيع ما عند الله عز وجل، فالله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى.

المقدم: فضيلة الشيخ قد يكون هذا من الأمور الصعبة جدًّا على النفس، لذلك جاء في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه سيكون معك من الله ظهير ما دمت على حالك، لأن هذه من الأمور الصعبة جدًّا على النفس أن يصل الإنسان من يجد منه الأذى والمخالفة له.

الشيخ: أكيد، ولا تنال المراتب العالية، والمنازل الفاضلة إلا بالمشاق والمتاعب، فلا يصل الإنسان إلى الراحة إلا على جسر من التعب، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشَّهوَات»[صحيح مسلم:ح2822/1] فلا شك أن فيه معاناة، لكن هذه المعاناة في الإحسان تتحول بعون من الله وفضل إلى لذائذ يلتذُّ بها الإنسان ويُسرُّ، ويبتهج فينشرح صدره وينال خيرًا عظيمًا، ولهذا يقول الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[فصلت:34]، هذا في كل من بينك وبينه عداوة ولو لم يكن قريبًا، فكيف إذا كان قريبًا، فحقه بالدفع بالتي هي أحسن هو مما يجلب المودة، ويذهب وَحَرَ الصدر، ويختصر الشوط، ثم لو قدَّرنا أنك تتعامل مع شخص لا ينفع فيه الإحسان، فأقل الأحوال أن تُكفَى شرهم، وأعظم ما تناله هو رضا ربك؛ لأن الله تعالى سيؤجرك ويثيبك على ما يكون من وصل حسن لمن هجرك وأساء إليك من أقاربك.

والشاعر اختصر عاقبة الوصل الحسن مع من يهجر فقال: 

رأيتُ انْثلامًا بـــيـــنـــنا... *** ...

(يعني بينه وبين أقاربه)،

                   ... فرقعته *** برفقي وإحيائي وقد يرقع الثلم

يعني قابل الانثلام بالرفق والبذل في سد هذا الثلم، والخلل الحاصل في العلاقة، قال:

وأبــــرأتُ غِلَّ الصَّـــــدْر مـــــنه تَوَسُّعًـا

                             بحلـــمي كـــما يُــشفى بالأدْوِيَة الكلم

فأطفئت نار الحرب بيني وبينه

                               فأصبح بعد الحرب لنا ســـــــــــــــــــــــــــــــــلم

يعني كما بينت الآية والله أصدق القائلين، ولا يخلف الميعاد: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[فصلت:34]. هذا ما يتصل بمعاملة أولئك الأقارب الذين يقطعون، الذين يسيئون، الذين لا يقومون بما يكون من حق قراباتهم، ويقابلون ذلك بالإساءة.

فيما يتصل بقطيعة الرحم، قطيعة الرحم أشرت قبل قليل أنها من كبائر الذنوب وعظائم الإثم، فالإثم المرتب على قطيعة الرحم ليس يسيرًا بل هو عظيم، والله تعالى بيَّن المترتب على قطيعة الأرحام، ووصفه بأنه نوع من الفساد في الأرض فقال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[محمد:22]، العطف هنا في قوله: ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ هو ذكر لأخطر أوجه الفساد في الأرض، وإذا سمعت العقوبة المرتبة على ذلك وَجِل صدرك، وخافت نفسك من أن تتورط في شيء من قطيعة الرحم، يقول الله وهو أصدق القائلين: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ[محمد:23] نعوذ بالله، واللعن هو الطرد من رحمة الله نعوذ بوجهه أن نكون ممن ينالهم هذا العقاب. ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[محمد:23]، أصمهم عن الخير، وأعمى أبصارهم عما فيه نفع في دينهم ودنياهم، وهذه عقوبة قطيعة الرحم أنها من أسباب قطع الخير، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الرحم: «من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله»[سبق]يقطع الله تعالى عنه مصادر الخير والبر والفضل، وقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة قاطِعُ رَحِم»[صحيح البخاري:ح5984، وصحيح مسلم:ح2556/19]، والحديث في الصحيحين، وهذا لفظ الإمام مسلم «لا يدخل الجنة قاطع رحم» وهذا كله يبين أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب وعظائم السيئات.

فينبغي أن نجتهد في إصلاح ذات بيننا، وأن نصبر، وأن نحتسب، وأن نرقب الأجر؛ فقد أمر الله بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والفعال وبذل الأموال والجاه وسائر أوجه الإحسان، واحتساب الأجر عند الله تعالى في ذلك.

المقدم: شكر الله لكم، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، نشكرك كثيرًا على وجودك معنا في هذه الحلقة. شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: الله يحفظكم، ويبارك فيكم، ويوفقنا وإياكم للخير، أسأل الله أن يصل ما بيننا من خير، وأن يجمع كلمتنا على الهدى، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوفق ولاة أمرنا الملك سلمان وولي عهدنا لما يحب ويرضى، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن ينصر جنودنا، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، وأن يؤمننا في أوطاننا، وأن يرينا في أنفسنا وأهلينا وبلادنا ما يسرنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91424 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف