×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الخطبة الأولى :  إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.  أما بعد. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أيها الناس اتقوا الله وأطيعوه؛ فإنه تعالى أمركم بذلك فقال: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾+++ سورة النساء: 1.---  أيها الإخوة الكرام. إن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وبعث الرسل إلى الناس ليعبدوه وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾+++ سورة البينة: 5.---، وقال جل ذكره: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾+++ سورة الأنبياء: 25 ---، وقال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾+++ سورة النحل: 36---  وعبادة الله- سبحانه وتعالى -لا تقوم إلا بالإخلاص له، فالإخلاص هو حقيقة الدين، ولب العبادة، وشرط في قبول العمل، وهو بمنزلة الأساس للبنيان، وبمنزلة الروح للجسد؛ ولذلك لما كانت أعمال الكفار لا توحيد فيها ولا إخلاص جعلها الله تعالى هباء منثورا، قال تعالى: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا﴾+++ سورة الفرقان: 23---، وهذا الإبطال والإحباط نصيب كل من لم يخلص العمل لله تعالى، وقصد غيره، قال تعالى: ﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون﴾+++ سورة هود: 15-16---  فيا خيبة من جاء بأعمال مثل الجبال، يجعلها الله هباء منثورا، ويكبه على وجهه في النار! فعن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي فى النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي فى النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار»+++ أخرجه مسلم (1905)--- نعوذ بالله من الخذلان.  فسبحان من لا تخفى عليه خافية، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإن المرء مهما ضلل الناس وخدعهم ظاهره وصورته، فإن هذه الظواهر والصور، وهذا التزييف والتضليل، لا يغني عنه شيئا.  أما عند الله تعالى فقد قال في كتابه: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم﴾+++ سورة النساء: 142---، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم »+++ أخرجه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه --- أما الناس فسرعان ما ينكشف الستار، وتبدو الحقيقة للأنظار، إما في الدنيا أو في دار القرار، قال الله تعالى: ﴿فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال﴾+++ سورة الرعد: 17---  أيها المسلمون. اعلموا أن من أعظم أسباب تخلف الإخلاص وغيابه في الأعمال هو طلب الدنيا، أو محبة المدح والثناء، قال ابن القيم رحمه الله: "لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت" وقال رحمه الله: "فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك يقينك أنه ليس شيء يطمع فيه إلا هو بيد الله وحده، لا يملكه غيره، ولا يؤتى العبد منه شيئا سواه"+++ الفوائد (149)--- وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين، إلا الله وحده، قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن مدحي زين، وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذلك الله عز وجل»+++ أخرجه الترمذي من حديث البراء بن عازب  رضي الله عنه  (3267)، وأخرجه أحمد من حديث الأقرع بن حابس  رضي الله عنه  (15561)، والحديث حسنه الترمذي--- فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه.  فإذا جاهد العبد نفسه حتى زهد في الدنيا، وفي مدح الناس وثنائهم، وقصد الله في عمله كان من أهل الإخلاص الذين أعمالهم كلها لله تعالى، وأقوالهم لله، وحبهم لله وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمهم، وبهذا تكون أقوى الناس؛ لأن وليك حينئذ هو مولاك القوي المتين، وبهذا تكون من أهل الكرامة في هذه الدار، وفي دار الجزاء.    الخطبة الثانية أما بعد.   أيها المسلمون. إن لإخلاص العمل لله تعالى فوائد كثيرة، أذكر بعضها عسى أن تكون حافزة لنا إلى مزيد من الاجتهاد والعمل في تحقيق الإخلاص لله تعالى، في الأقوال والأعمال.  اعلموا أن من فوائد الإخلاص: أن الأقوال والأعمال لا تقبل إلا إذا صاحبها الإخلاص، فالأعمال مهما حسن أداؤها إذا لم يصاحبها إخلاص لله تعالى فهي مردودة حابطة، فعن أبي أمامة رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، وابتغي به وجهه»+++ أخرجه النسائي (3140)---- وكذلك الأقوال، قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف من أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة: « من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه»+++ أخرجه البخاري ( 99) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه --- ومنها: أن الإخلاص سبب لقوة القلب ورباطة الجأش، وتحمل أعباء العبادة وتكاليف الدعوة، ولو تأمل الواحد منا حال بعض المخلصين الصادقين لتبين له ذلك، فمن ذلك رباطة جأش النبي صلى الله عليه وسلم وقوته مع توافر أسباب الهلاك عليه، حيث قال لصاحبه وهو في الغار:﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾+++ سورة التوبة: 40---، فالإخلاص والصدق مع الله تعالى يعين على النهوض بالحق، ومجابهة الباطل مهما عظمت قوة الباطل، فهذا نبي الله هود لم تكن له آية بارزة، كما كان لغيره من الأنبياء، دعا قومه إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، فجادله قومه وقالوا كما قص الله علينا نبأهم في كتابه: ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون﴾+++ سورة هود: 53-55---  ومنها: أن من فوائد الإخلاص التخلص من كيد الشيطان وتسلطه، قال الله تعالى إخبارا عما قاله إبليس لما طلب أن ينظره رب العالمين: ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾+++ سورة الحجر: 40---  ومنها: أنه سبب لصرف السوء والفحشاء، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: ﴿ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين﴾+++ سورة يوسف: 24---  ومنها: أن العمل القليل مع الإخلاص سبب للفوز برضا الله تعالى، ومن أمثلة ذلك قوله: صلى الله عليه وسلم «اتقوا النار ولو بشق تمرة »+++ أخرجه البخاري (1417) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه --- ، فشق التمرة مع الإخلاص يقي النار بمنة الكريم المنان، وأطنان التمر مع الرياء تولج أسفل النيران، قال تعالى: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا﴾+++ سورة النساء: 145---  قال ابن القيم رحمه الله:  والله لا يرضى بكثرة فعلنا ***لكن بأحسنه مع الإيمان.  فالعارفون مرادهم إحسانه*** والجاهلون عموا عن الإحسان. +++ القصيدة النونية (35)--- بقي من الفوائد: أن العبد ينصر بإخلاصه، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم»+++ سنن النسائي (3127)، وصححه الألباني --- أيها الإخوة المؤمنون.. اعلموا -وفقكم الله- أن الأعمال والطاعات لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدا، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، فعن عمار بن ياسر  رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها »+++ أخرجه أبو داود (675) ،وحسنه الألباني--- فيا إخواني عليكم بتصحيح النيات والأعمال لله تعالى.   

المشاهدات:4007

الخطبة الأولى : 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
 أَمَّا بَعْدُ.
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، أيها الناس اتقوا الله وأطيعوه؛ فإنه تعالى أمرَكم بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ سورة النساء: 1. 
أيها الإخوة الكرام.
إن اللهَ تعالى خلقَ الخلقَ لعبادتِه، وبعثَ الرسلَ إلى الناسِ ليعبدوه وحدَه لا شريكَ له، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ سورة البينة: 5.، وقال جل ذكره: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ سورة الأنبياء: 25 ، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ سورة النحل: 36 
وعبادةُ اللهِ- سبحانه وتعالى -لا تقومُ إلا بالإخلاصِ له، فالإخلاصُ هو حقيقةُ الدِّينِ، ولبُّ العبادةِ، وشرطٌ في قبولِ العملِ، وهو بمنزلةِ الأساسِ للبنيانِ، وبمنزلةِ الرُّوحِ للجسدِ؛ ولذلك لما كانت أعمالُ الكفارِ لا توحيدَ فيها ولا إخلاصَ جعلها اللهُ تعالى هباءً منثوراً، قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ سورة الفرقان: 23، وهذا الإبطالُ والإحباطُ نصيبُ كلِّ من لم يخلص العملَ للهِ تعالى، وقصد غيرَه، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُون * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة هود: 15-16 
فيا خيبةَ من جاءَ بأعمالٍ مثلِ الجبالِ، يجعلها اللهُ هباءً منثوراً، ويكبُّه على وجهِه في النارِ! فعن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» أخرجه مسلم (1905) نعوذ باللهِ من الخِذْلانِ. 
فسبحانَ من لا تخفى عليه خافيةٌ، بل يعلَمُ خائِنةَ الأعيُنِ وما تخفي الصدورُ، فإن المرءَ مهما ضلَّل الناسَ وخدَعهم ظاهرُه وصورتُه، فإن هذه الظواهرَ والصورَ، وهذا التزييفَ والتضليلَ، لا يغني عنه شيئاً. 
أما عند اللهِ تعالى فقد قالَ في كتابِه: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ سورة النساء: 142، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « إن اللهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكم » أخرجه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أما الناسُ فسرعَانَ ما ينكشفُ الستارُ، وتبدو الحقيقةُ للأنظارِ، إما في الدنيا أو في دارِ القرارِ، قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ﴾ سورة الرعد: 17 
أيها المسلمون.
اعلموا أن من أعظمِ أسبابِ تخلُّفِ الإخلاصِ وغيابِه في الأعمالِ هو طلبُ الدنيا، أو محبَّةُ المدحِ والثناءِ، قال ابن القيم رحمه الله: "لا يجتمع الإخلاصُ في القلبِ ومحبةُ المدحِ والثناءِ والطمعُ فيما عند الناسِ، إلا كما يجتَمعُ الماءُ والنَّارُ والضبُّ والحوتُ" وقال رحمه الله: "فإذا حدَّثتْك نفسُك بطلبِ الإخلاصِ فأقبلْ على الطَّمعِ أولاً فاذبحه بِسكِّينِ اليأسِ، وأقبلْ على المدحِ والثناءِ فازهدْ فيهما زهدَ عشَّاقِ الدنيا في الآخرةِ، فإذا استقامَ لك ذبحُ الطمعِ والزهدِ في الثناءِ والمدحِ سهُلَ عليك الإخلاصُ، فإن قلت: وما الذي يسهِّل علي ذبحَ الطمعِ والزهدِ في الثناءِ والمدحِ؟ قلت: أما ذبحُ الطمعِ فيسهِّلُه عليك يقينُك أنه ليس شيءٌ يُطمَع فيه إلا هو بيدِ اللهِ وحدَه، لا يملكُه غيرُه، ولا يُؤتى العبدُ منه شيئاً سواه" الفوائد (149)
وأما الزهدُ في الثناءِ والمدحِ فيسهِّله عليك عِلمُك أنه ليس أحدٌ يَنفعُ مدحُه ويزينُ، ويضرُّ ذمُّه ويشِينُ، إلا اللهُ وحدَه، قال ذلك الأعرابيُّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إن مدْحي زيْنٌ، وذمِّي شينٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذلك الله عز وجل» أخرجه الترمذي من حديث البراء بن عازب  رضي الله عنه  (3267)، وأخرجه أحمد من حديث الأقرع بن حابس  رضي الله عنه  (15561)، والحديث حسنه الترمذي
فازْهَدْ في مدحِ من لا يزينُك مدْحُه، وفي ذمِّ من لا يشينُك ذمُّه، وارغبْ في مدحِ من كلُّ الزَّينِ في مدحِه، وكلُّ الشَّينِ في ذمِّه. 
فإذا جاهدَ العبدُ نفسَه حتى زهِدَ في الدنيا، وفي مَدْحِ الناسِ وثنائِهِم، وقَصَدَ اللهَ في عمَلِه كان من أهلِ الإخلاصِ الذين أعمالُهم كلُّها للهِ تعالى، وأقوالُّهم للهِ، وحبُّهم للهِ وبغضُهم للهِ، فمُعاملتُهم ظاهِراً وباطناً لوجهِ اللهِ وحدَه، لا يُريدون بذلك من الناسِ جزاءً ولا شُكُوراً، ولا ابتغاءَ الجاهِ عندَهم، ولا طلبَ المحمدةِ والمنزلةِ في قلوبِهم، ولا هرَباً من ذمِّهم، وبهذا تكونُ أقوى الناسِ؛ لأنَّ وليَّك حينئذٍ هو مولاك القويُّ المتينُ، وبهذا تكونُ من أهلِ الكرامةِ في هذه الدارِ، وفي دارِ الجزاءِ. 
 
الخطبة الثانية
أما بعد.  
أيها المسلمون.
إن لإخلاصِ العملِ للهِ تعالى فوائدَ كثيرةً، أذكرُ بعضَها عسى أن تكونَ حافزةً لنا إلى مزيدٍ من الاجتهادِ والعملِ في تحقيقِ الإخلاصِ للهِ تعالى، في الأقوالِ والأعمالِ. 
اعلموا أن من فوائدِ الإخلاصِ: أن الأقوالَ والأعمالَ لا تقبلُ إلا إذا صاحبَها الإخلاصُ، فالأعمالُ مهما حسن أداؤُها إذا لم يصاحبْها إخلاصٌ للهِ تعالى فهي مردودةٌ حابطةٌ، فعن أبي أمامة رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن اللهَ لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً، وابتُغِي به وجهُه» أخرجه النسائي (3140)-
وكذلك الأقوالُ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وصفِ من أسعدُ الناسِ بشفاعتِه يومَ القيامةِ: « من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه» أخرجه البخاري ( 99) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
ومنها: أن الإخلاصَ سببٌ لقوةِ القلبِ ورباطةِ الجأشِ، وتحمُّلِ أعباءِ العبادةِ وتكاليفِ الدعوةِ، ولو تأملَ الواحدُ منَّا حالَ بعضِ المخلصين الصادقين لتبينَ له ذلك، فمن ذلك رباطةُ جأشِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقوتُه مع توافرِ أسبابِ الهلاكِ عليه، حيث قال لصاحبِه وهو في الغارِ:﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ سورة التوبة: 40، فالإخلاصُ والصدقُ مع اللهِ تعالى يعينُ على النهوضِ بالحقِّ، ومجابهةِ الباطلِ مهما عظُمَتْ قوةُ الباطلِ، فهذا نبيُّ اللهِ هود لم تكن له آيةٌ بارزةٌ، كما كان لغيره من الأنبياءِ، دعا قومَه إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وتركِ عبادةِ ما سواه، فجادله قومُه وقالوا كما قصَّ اللهُ علينا نبأَهم في كتابِه: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ﴾ سورة هود: 53-55 
ومنها: أن من فوائدِ الإخلاصِ التخلُّصَ من كيدِ الشيطانِ وتسلُّطِه، قال اللهُ تعالى إخباراً عما قاله إبليسُ لما طلبَ أن يُنظِرَه ربُّ العالمين: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ سورة الحجر: 40 
ومنها: أنه سببٌ لصرفِ السُّوءِ والفحشاءِ، قال تعالى في قِصَّةِ يوسفَ عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ سورة يوسف: 24 
ومنها: أن العملَ القليلَ مع الإخلاصِ سببٌ للفوزِ برضا اللهِ تعالى، ومن أمثلةِ ذلك قولُه: صلى الله عليه وسلم «اتقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ » أخرجه البخاري (1417) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ، فشِقُّ التمرةِ مع الإخلاصِ يَقِي النارَ بمِنَّةِ الكريمِ المنَّانِ، وأطنانُ التمرِ مع الرِّياءِ تولجُ أسفلَ النيرانِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾ سورة النساء: 145 
قال ابن القيم رحمه الله: 
واللهُ لا يرْضى بكثَرةِ فِعلِنا ***لكنْ بأحـسَنِه مع الإيمانِ.
 فالعارفون مُرادُهم إحسانُه*** والجاهلون عَمَوْا عن الإحسانِ. القصيدة النونية (35)
بقي من الفوائدِ: أن العبدَ يُنصَرُ بإخلاصِهِ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه النسائيُّ عن مصعبِ بن سعد عن أبيه أنه ظنَّ أن له فضلاً على مَن دونَه من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنما يَنصُرُ اللهُ هذِه الأمَّةَ بضعِيفِها، بدعْوَتِهم وصَلاتِهم وإِخْلاصِهم» سنن النسائي (3127)، وصححه الألباني
أيها الإخوةُ المؤمنون..
اعلموا -وفَّقَكم اللهُ- أن الأعمالَ والطاعاتِ لا تتفاضلُ بصوَرِها وعدَدِها، وإنما تتفاضلُ بتفاضُلِ ما في القلوبِ، فتكونُ صورةُ العملَيْنِ واحدةً، وبينهما من التفاضُلِ كما بين السماءِ والأرضِ، والرجلان يكونُ مقامُهما في الصفِّ واحداً، وبين صلاتيْهِما كما بينَ السماءِ والأرضِ، فعن عمارِ بن ياسرٍ  رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرَّجلَ لينصرِفُ وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاتِه، تسعُها ثمنُها سبعُها سدسُها خمسُها ربعُها ثلثُها نصفُها » أخرجه أبو داود (675) ،وحسنه الألباني
فيا إخواني عليكم بتصحيحِ النِّياتِ والأعمالِ للهِ تعالى. 
 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86259 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46186 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف