×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / حصاد المنابر / خطبة: التقصير في تربية الأولاد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 التقصير في تربية الأولاد الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.   أما بعد.  ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )+++ سورة آل عمران: 102--- ألا وإن من تقوى الله- جل وعلا- أداء الأمانة، والقيام بها، قال تعالى: ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )+++ سورة النساء: 58---. ألا وإن من أجل الأمانات وأعظمها -يا عبد الله- ولدك، الذي هو بضعة منك، فيا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا، وقودها الناس والحجارة، وإنما تكون تلك الوقاية بالقيام عليهم، وتربيتهم وحفظهم في دينهم وأخلاقهم ودنياهم, فإن الله حملكم مسؤولية ذلك، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. »+++ تقدم تخريجه---  فولدك يا عبد الله نتاج جهدك، وبذلك، فإن وجدت خيرا فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك، فلا تلومن إلا نفسك، فعلى نفسها جنت براقش+++ الأمثال لأبي الخير الهاشمي(179)---.  عباد الله. إن مما يحزن له القلب، ويتفتت له الفؤاد أن ترى كثيرا من الناس قد أهملوا تربية أولادهم، واستهانوا بها وأضاعوها، فلا حفظوا أولادهم، ولا ربوهم على البر و التقوى، بل -وللأسف الشديد- إن كثيرا من الآباء -أصلح الله أحوالهم- يكونون سببا لشقاء أولادهم وفسادهم، قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه، وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء"+++ تحفة المودود بأحكام المولود (242)---.  فلله دره، ما أعجب كلامه وأصدقه!  أيها المسلمون. إن المسلم الحق يهمه ويكرثه مسلك بنيه نحو ربهم وإخوانهم، وليست وظيفته ومهمته أن يزحم المجتمع بأولاد، ترك حبلهم على غاربهم , وهذا هو هدي الأولين من المؤمنين. فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام يقول:﴿رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء﴾+++ سورة إبراهيم:40---.   وهذا نبي الله نوح، يدعو ابنه ويلح عليه، فيقول: ﴿يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين﴾+++ سورة هود: 42---. وهذا يعقوب يتعهد أولاده في الرمق الأخير، كما قص الله تعالى: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾+++ سورة البقرة: 133---.  وهذا ركب المؤمنين الصادقين المتبعين، ركب عباد الرحمن، يلهجون قائلين: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾+++ سورة الفرقان: 74---  فاتقوا الله أيها المؤمنون، وسيروا على هدي أولئك المتقين ﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ﴾+++ سورة الأنعام: 90---.  عباد الله. أيها الآباء الأفاضل، إن من المشكلات الكبرى، والنوازل العظمى، التي أصيبت بها كثير من المجتمعات الإسلامية تقصير الوالدين في رعاية أولادهما، وتربيتهم على البر والتقوى، ومعالم هذا التقصير كثيرة عديدة. فمن مظاهر التقصير في تربية الأولاد: الانشغال عن الأولاد بمشاغل الدنيا الفانية، التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فكم هم الآباء الذين هجروا بيوتهم، فلم يجلسوا فيها إلا قليلا، لأكل أو شرب أو نوم، أما سائر أوقاتهم فبين بيع وشراء، وبين جلسات ودوائر، ضاعت بسببها الواجبات، وضاعت الحقوق، ولو سمع هذا بصفقة أو تجارة لترك الأصدقاء، وقلل اللقاء، أما علم هذا أن خير ما يتركه بعده ولد صالح يدعو له.  أيها المؤمنون. إن من صور التقصير الشائعة في تربية الأولاد: تهوين الوالدين المعصية على الأولاد، وتجرئتهم على مواقعة الخطايا والسيئات، وذلك بموافقة الوالدين لهذه الخطايا ومجاهرتهم بها، فإن من الآباء من يكون قد ابتلي ببعض الذنوب، فتجده لا يتورع عن الوقوع فيها أمام أولاده، فكم هم الآباء الذين ابتلوا بسماع الأغاني مثلا، أو النظر إلى المحرمات، أو غير ذلك من السيئات، وهم يفعلونها أمام أولادهم، فيأخذها عنهم أولادهم، فكل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.  وينشأ ناشئ الفتيان منا         على ما كان عوده أبوه+++ ديوان أبي العلاء المعري (1458)--- أيها المؤمنون. إن من أعظم الخيانة للأولاد: تيسير سبل المعصية وأسبابها لهم،بالإهمال في تربيتهم على حسن استعمال الأجهزة التي يصلون من خلالها إلى كثير من الشر والفساد إذا لم يحسنوا استعمالها، كالدشوش وما شابهها،فإن فيها ما  تفسد به القلوب، وتخرب الأخلاق، وتعمى البصائر، ويصد بها عن سبيل الله.  فليتق الله هؤلاء، فإنهم –والله- ممن أشقى أولاده، وفوت عليهم الخير والاستقامة، فويل له؛ ويل له؛ ويل له، وضع في كل غرفة شيطانا، يصد عن سبيل الله، ويبغيها عوجا!! فبالله أيها المؤمنون، أي خيانة أعظم من هذه الخيانة، أيظن من سعى في إفساد أولاده أنه ناج من قوله  صلى الله عليه  وسلم :«ما من عبد يسترعيه الله رعية، فيموت وهو غاش لها – أي: فلم يحطها بنصحه - إلا لم يجد رائحة الجنة »+++ أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه ---.  فليتق الله هؤلاء، وليذكروا يوما يرجعون فيه إلى الله، فيسألهم ماذا أجبتم المرسلين؟ وماذا فعلتم بقولي:﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾+++ سورة التحريم: 6---؟.  الخطبة الثانية : وبعد ! فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإن من الخيانة لهذه الأمانة العظمى -أمانة تربية الأولاد- إضاعتهم وإهمالهم، وترك حبلهم على غاربهم، يخرجون في أي وقت يشاؤون، ويصاحبون من يريدون، ويسهرون الليل وينامون النهار!! فهذا كله تضييع للأمانة، ولقد ظهرت في هذه الآونة الأخيرة بسبب هذا التفريط ظاهرة الجلوس في الأحواش والاستراحات، يستأجرها مجموعة من الشباب، فيجلسون فيها ساعات طوالا، يجتمعون في غالب الأحيان على ألوان من الذنوب والمعاصي، الصغار والكبار، بعيدا عن نظر آبائهم وأولياء أمورهم, ولا يشك عالم بما يجري في هذه الأحواش بأن هذه الاجتماعات مخالفة لأمر الله ورسوله  صلى الله عليه  وسلم , ولو لم يكن فيها إلا مخالفة هدي النبي  صلى الله عليه  وسلم ، حيث كان يكره الحديث بعد صلاة العشاء لما يفضي إليه من ضياع الأوقات، وتفويت الواجبات، ومخالفة ما فطر الله عليه البريات، من نوم الليل، والقيام في النهار، قال الله تعالى: ﴿وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا﴾+++ سورة النبأ: 10- 11---، وقال تعالى: ﴿هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا﴾+++ سورة يونس: 67---.  هذا كله فيما لو كان السهر على أمر مباح، فكيف يكون الأمر ونحن نعلم أن غالب هذه الاجتماعات يلتقي فيها حدثاء الأسنان، وسفهاء العقول والأحلام على سماع الغناء الماجن، أو الكلام القبيح، أو يجتمعون على مشاهدة الساقط من المناظر والمرئيات، التي لا تقوم لها الجبال، تثير الغرائز، وتبعث الكوامن، وتهيج الشهوات، وتورث القلب البلابل، فيصطلي هؤلاء الأحداث بنار تلك المشاهد، ولا يجدون لها مصرفا، إلا عادة قبيحة، أو علاقة محرمة، فيتلطخون بكبائر الذنوب، وقبيح الفواحش، فإنا لله وإنا إليه راجعون.  فاتقوا أيها الشباب يوما، ترجعون فيه إلى الله، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه. واحذروا أيها الشباب هذه الاجتماعات، فهي من الشر الذي لا خير فيه، واتقوا الله أيها الآباء، فصونوا أولادكم عن مثل هذه الاجتماعات، واحفظوهم منها، فإنها من أهم أسباب فسادهم. أيها المؤمنون! إن الله أمركم بالتعاون على البر والتقوى، فقال:﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾+++ سورة المائدة: 2---.     فعلى أصحاب هذه الأحواش والاستراحات أن يتقوا الله ربهم، ولا يؤجروها على من يظن جلوسه فيها على هذه المنكرات، فإن تأجير هذه الأحواش والاستراحات في هذه الحالة محرم، وأخذ الأجرة على ذلك حرام.  فاتقوا الله عباد الله وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. 

المشاهدات:33348

 التَّقْصيرُ في تَربيَةِ الأَولادِ

الخطبة الأولى :

إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  

أما بعد. 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) سورة آل عمران: 102 ألا وإن من تقوى اللهِ- جلَّ وعلا- أداءَ الأمانةِ، والقيامَ بها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) سورة النساء: 58.
ألا وإنَّ من أجَلِّ الأماناتِ وأعظمِها -يا عبدَ الله- ولدَك، الذي هو بضعةٌ منك، فيا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم ناراً، وقودُها الناسُ والحجارةُ، وإنما تكونُ تلك الوقايةُ بالقيامِ عليهم، وتربيتِهم وحفظِهم في دينِهم وأخلاقِهم ودنياهم, فإن الله حمَّلَكم مسؤوليةَ ذلك، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: «كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانِه أو ينصِّرانِه أو يمجسانِه. » تقدم تخريجه 
فولدُك يا عبدَ اللهِ نِتاجُ جُهدِك، وبذلك، فإنْ وجدتَ خيراً فاحمد اللهَ، وإن وجدتَ غيرَ ذلك، فلا تلومنَّ إلا نفسَك، فعلى نفسِها جَنَتْ براقشُ الأمثال لأبي الخير الهاشمي(179)
عباد الله.
إن مما يحزنُ له القلبُ، ويتفتَّتُ له الفؤادُ أن ترى كثيراً من الناسِ قد أهملوا تربيةَ أولادِهم، واستهانوا بها وأضاعوها، فلا حفظوا أولادَهم، ولا ربّوهم على البرِّ و التقوى، بل -وللأسفِ الشديدِ- إن كثيراً من الآباء -أصلحَ اللهُ أحوالَهم- يكونون سَبَباً لشقاءِ أولادِهِم وفسادِهِم، قال ابن القيم رحمه الله: "وكمْ ممن أشقى ولدَه وفلذةَ كبِدِه في الدنيا والآخرةِ بإهمالِه، وتركِ تأديبِه، وإعانتِه على شهواتِه، وهو بذلك يزعُمُ أنه يكرِمُه، وقد أهانه، ويرحمُه وقد ظلمَه، ففاتَه انتفاعُه بولدِه، وفوَّت على ولدِه حظَّه في الدنيا والآخرةِ، وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولادِ رأيتَ عامَّتَه من قِبَلِ الآباءِ" تحفة المودود بأحكام المولود (242)
فللهِ درُّه، ما أعجبَ كلامَه وأصدقَه! 
أيها المسلمون.
إن المسلمَ الحقَّ يهمُّه ويكرثه مسلكُ بنِيه نحوَ ربِّهم وإخوانِهم، وليست وظيفتُه ومهمتُه أن يُزحمَ المجتمعَ بأولادٍ، ترَكَ حبلَهم على غاربِهم , وهذا هو هديُ الأولين من المؤمنين.
فهذا خليلُ اللهِ إبراهيمُ عليه السلام يقول:﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ سورة إبراهيم:40.  
وهذا نبيُّ اللهِ نوحُ، يدعو ابنَه ويُلِحُّ عليه، فيقولُ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ سورة هود: 42.
وهذا يعقوبُ يتعهَّد أولادَه في الرَّمَقِ الأخيرِ، كما قصَّ الله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ سورة البقرة: 133
وهذا ركْبُ المؤمنين الصادِقين المتبعين، ركبُ عبادِ الرحمنِ، يلهجون قائلين: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ سورة الفرقان: 74 
فاتقوا اللهَ أيها المؤمنون، وسيروا على هدْيِ أولئك المتقين ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ سورة الأنعام: 90
عبادَ الله.
أيها الآباءُ الأفاضلُ، إنَّ من المشكلاتِ الكبرى، والنوازلِ العظمى، التي أُصِيبَتْ بها كثيرٌ من المجتمعاتِ الإسلاميةِ تقصيرَ الوالدَيْن في رِعايةِ أولادِهِما، وتربيتَهم على البرِّ والتقوى، ومعالمُ هذا التقصيرِ كثيرةٌ عديدةٌ.
فمن مظاهرِ التقصيرِ في تربيةِ الأولادِ: الانشغالُ عن الأولادِ بمشاغلِ الدُّنيا الفانِيةِ، التي لا تَعدِلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ، فكم هم الآباءُ الذين هَجروا بيوتَهم، فلم يجلسوا فيها إلا قليلاً، لأكلٍ أو شربٍ أو نومٍ، أما سائرُ أوقاتِهم فبين بيعٍ وشراءٍ، وبين جلساتٍ ودوائرَ، ضاعت بسببها الواجباتُ، وضاعت الحقوقُ، ولو سمع هذا بصفقةٍ أو تجارةٍ لتركَ الأصدقاءَ، وقلَّل اللقاءَ، أَمَا عَلِم هذا أن خيرَ ما يترُكُه بعدَه ولدٌ صالحٌ يدعو له. 
أيها المؤمنون.
إنَّ من صورِ التقصيرِ الشائعةِ في تربيةِ الأولادِ: تهوينَ الوالدين المعصيةَ على الأولادِ، وتجرئتَهم على مواقعةِ الخطايا والسيئاتِ، وذلك بموافقةِ الوالدَيْن لهذه الخطايا ومجاهرتِهم بها، فإنَّ مِن الآباءِ مَن يكون قد ابتُليَ ببعضِ الذنوبِ، فتجِدُه لا يتورَّعُ عن الوقوعِ فيها أمامَ أولادِه، فكم هم الآباءُ الذين ابتُلوا بسماعِ الأغاني مثلاً، أو النظرِ إلى المحرَّماتِ، أو غيرِ ذلك من السَّيِّئاتِ، وهم يفعلونها أمامَ أولادِهم، فيأخذُها عنهم أولادُهم، فكلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. 
وينشَأُ ناشئُ الفِتيانِ مِنَّا         على ما كانَ عوَّدَه أبوه ديوان أبي العلاء المعري (1458)
أيها المؤمنون.
إن من أعظمِ الخيانةِ للأولادِ: تيسيرَ سُبُلِ المعصيةِ وأسبابَها لهم،بالإهمال في تربيتهم على حسن استعمال الأجهزة التي يصلون من خلالها إلى كثير من الشر والفساد إذا لم يحسنوا استعمالها، كالدُّشوشِ وما شابهها،فإن فيها ما  تفسُدُ به القلوبُ، وتخرب الأخلاقُ، وتعمى البصائرُ، ويُصَدُّ بها عن سبيلِ اللهِ. 
فليتَّقِ اللهَ هؤلاء، فإنهم –واللهِ- ممن أشقى أولادَه، وفوَّت عليهم الخيرَ والاستقامةَ، فويلٌ له؛ ويلٌ له؛ ويلٌ له، وضَعَ في كلِّ غرفةٍ شيطاناً، يصُدُّ عن سبيلِ اللهِ، ويبغيها عِوَجاً!!
فباللهِ أيها المؤمنون، أيُّ خيانةٍ أعظمُ من هذه الخيانةِ، أيظنُّ من سعى في إفسادِ أولادِه أنه ناجٍ من قوله  صلى الله عليه  وسلم :«ما مِن عبدٍ يسترعِيه اللهُ رعيةً، فيموتُ وهو غاشٌّ لها – أي: فلم يحطها بنصحه - إلا لم يجدْ رائحةَ الجنةِ » أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه
فليتَّقِ اللهَ هؤلاء، وليذكروا يوماً يُرجَعون فيه إلى اللهِ، فيسألُهم ماذا أجبتم المرسلين؟ وماذا فعلتم بقولي:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ سورة التحريم: 6؟. 
الخطبة الثانية :
وبعد ! فاتقوا اللهَ أيها المؤمنون، فإن من الخيانةِ لهذه الأمانةِ العظمى -أمانةِ تربيةِ الأولادِ- إضاعتَهم وإهمالَهم، وتركَ حبلِهم على غاربِهم، يخرُجُون في أيِّ وقتٍ يشاؤون، ويصاحِبُون من يُريدون، ويسهرون الليلَ وينامون النهارَ!!
فهذا كلُّهُ تضييعٌ للأمانةِ، ولقد ظهرت في هذه الآونةِ الأخيرةِ بسببِ هذا التفريطِ ظاهرةُ الجلوسِ في الأحواشِ والاستراحاتِ، يستأجرُها مجموعةٌ من الشبابِ، فيجلسون فيها ساعاتٍ طوالاً، يجتمعون في غالبِ الأحيانِ على ألوانٍ من الذنوبِ والمعاصي، الصغارُ والكبارُ، بعيداً عن نظرِ آبائِهم وأولياءِ أمورِهم, ولا يشكُّ عالمٌ بما يجري في هذه الأحواشِ بأن هذه الاجتماعاتِ مخالفةٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه  صلى الله عليه  وسلم , ولو لم يكن فيها إلا مخالفةُ هديِ النبيِّ  صلى الله عليه  وسلم ، حيثُ كان يكرَهُ الحديثَ بعد صلاةِ العشاءِ لما يُفضِي إليه من ضياعِ الأوقاتِ، وتفويتِ الواجباتِ، ومخالفةِ ما فطرَ اللهُ عليه البرياتِ، من نوم الليلِ، والقيامِ في النهارِ، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾ سورة النبأ: 10- 11، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ سورة يونس: 67
هذا كلُّه فيما لو كان السهرُ على أمرٍ مباحٍ، فكيفَ يكونُ الأمرُ ونحن نعلمُ أن غالبَ هذه الاجتماعاتِ يلتقي فيها حُدَثاءُ الأسنانِ، وسفهاءُ العقولِ والأحلامِ على سماعِ الغناءِ الماجنِ، أو الكلامِ القبيحِ، أو يجتمعون على مشاهدةِ السَّاقطِ من المناظرِ والمرئياتِ، التي لا تقومُ لها الجبالُ، تُثيرُ الغرائزَ، وتبعثُ الكوامنَ، وتهيِّجُ الشهواتِ، وتورِثُ القلبَ البلابلَ، فيصطلي هؤلاء الأحداثُ بنارِ تلك المشاهدِ، ولا يجدون لها مصرفاً، إلا عادةً قبيحةً، أو علاقةً محرمةً، فيتلطَّخون بكبائرِ الذنوبِ، وقبيحِ الفواحشِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
فاتقوا أيها الشبابُ يوماً، تُرجَعون فيه إلى اللهِ، يومَ يفِرُّ المرءُ من أخِيه، وأمِّه وأبيه، وصاحبتِه وبنِيه، لكلِّ امرىءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه.
واحذروا أيها الشبابُ هذه الاجتماعاتِ، فهي من الشَّرِّ الذي لا خيرَ فيه، واتقوا اللهَ أيها الآباءُ، فصُونوا أولادَكم عن مثلِ هذه الاجتماعاتِ، واحفظوهم منها، فإنها من أهمِّ أسبابِ فسادِهم.
أيها المؤمنون! إن اللهَ أمرَكَم بالتعاونِ على البرِّ والتقوى، فقال:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ سورة المائدة: 2.    
فعلى أصحابِ هذه الأحواشِ والاستراحاتِ أن يتَّقُوا اللهَ ربَّهم، ولا يؤجِّرُوها على من يُظنُّ جلوسه فيها على هذه المنكراتِ، فإن تأجيرَ هذه الأحواشِ والاستراحاتِ في هذه الحالةِ محرَّمٌ، وأخذَ الأجرةِ على ذلك حرامٌ. 
فاتقوا الله عباد الله وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة. 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86259 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46185 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف