الخطبة الأولى:
إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله، واعلمُوا أنَّ مِن أهمِّ ركائزِ بناءِ الأممِ والمجتمعاتِ التربيةَ والتعليمَ؛ إذ بهما تُصاغُ الأُمَمُ والأجيالُ، وعليهما تقامُ الحضاراتُ، وتبنى المجتمعات، وتقوَّمُ الأخلاقُ، وتُزكَّى النفوسُ، وتوضح الأهدافُ، وتجنى الغاياتُ.
وقد كانت الأمةُ قبلَ مبعثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تعيشُ في دياجيرِ الجهالةِ والظلماتِ، وتسودُها الخرافةُ والشقاواتُ، ليس لها غايةٌ ولا هدفٌ، أمةٌ ضائعةٌ غائبةٌ في جاهليَّةٍ جَهْلاءَ تطحنُها العصبياتُ، وتمزِّقُها النعراتُ والحَمِيَّاتُ، وتعشعشُ فيها الخزعبلاتُ والوثنياتُ، وتسحقها الطبقياتُ والعنصرياتُ، ليس لها في واقعِ الأممِ تأثيرٌ ولا أثرٌ، ممقوتةٌ من اللهِ خالقِ البشرِ، ففي "صحيح مسلم" عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : «إن اللهَ نظَرَ إلى أهلِ الأرضِ، فمَقَتَهم، عربَهُم وعجمَهُم، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ» صحيح مسلم" (2865) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه ..
فبعَثَ اللهُ برحمتِه وفضلِه النعمةَ المسداةَ محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، ليخرِجَ الناسَ من الظُّلُماتِ إلى النورِ، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ سورة آل عمران: 164.
فجاءَ صلى الله عليه وسلم مزكِّياً مربِّياً ومعلِّماً مُصلِحاً، فجاهَدَ صلى الله عليه وسلم لتحقيقِ هذه الغايةِ أعظمَ الجهادِ، وبذلَ النَّفْسَ والنَّفيسَ، حتى تحقَّقَ له ما يُريدُ، فربَّى أصحابَه أكملَ التربيةِ، وعلّمهم أحسنَ التعليمِ، فكانوا جيلاً فريداً لا نظير له ولا مثيل، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ سورة آل عمران: 110،
وغَدَوْا سادةَ الأممِ، وأئمةَ العالم، وصنّاعَ القرار فيه، فدانت لهم الممالكُ الكبارُ وأذعنت، في فترة وجيزةٍ من التاريخِ، فانهد مُلْكُ كسرى، وانثَلَمَ مُلكُ قيصرَ، ودخَلَ الناسُ في دِينِ اللهِ أفواجاً، فسبحان الله العظيم! والحمد لله رب العالمين.
أيها المؤمنون.
إنَّ هذا التحوَّلَ الكبيرَ، والنجاحَ العظيمَ، الذي حقَّقَه صلى الله عليه وسلم في صُناعةِ الأُمَمِ والأجيالِ، حتى ارتفعَتْ الأُمَّةُ من السفوحِ إلى قِمَمِ الجبالِ كان نتيجةَ منهجٍ تربَوِيٍّ تعليميٍّ دعويٍّ رصينٍ، له معالمُهُ وسماتُهُ، وهو بلسَمٌ ودواءٌ أصيلٌ لما نزل بالأمةِ من انحدارٍ وانكسارٍ وذلةٍ وهوانٍ، فعلى الدعاةِ وأهل التربية و التعليمِ أن يتأمَّلوا منهجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطريقتَه في تربيته وتعليمه ودعوتِه، ويدرِسوا هذا المنهجَ دراسةً متأنيةًً متفحِّصةً لتحديدِ معالمِه، واستنباطِ سماتهِ وخصائصِه، فلن يصلُحَ آخرُ هذه الأمةِ إلا بما صلُحَ به أوَّلُها، وإليكم أيها الإخوةُ هذه السِّماتِ:
فمن سماتِ هذا المنهج الرباني: تعبيدُ الناسِ للهِ تعالى، وتحريرُهم من كلِّ ما يخدِشُ عبوديتَهم للهِ سبحانه، وهذه سمةٌ مشتركةٌ بين الرسلِ جميعاً، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ سورة النحل: 36.
فلُبُّ دعوةِ الرسلِ جميعاً تعبيدُ الخلق للهِ تعالى، وهذه السِّمةُ تحقِّق الغايةَ من الخلقِ، وتلبي نداءَ الفطرةِ، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ سورة الذاريات: 56.
وقال صلى الله عليه وسلم :«كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانِه أو ينصِّرانِه أو يمجِّسانِه» أخرجه البخاري (1385) ،ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.، والفطرةُ هي توحيدُ اللهِ تعالى بالعبادةِ، وغيابُ هذه السِّمةِ من المناهجِ التعليميةِ والتربوية يؤدِّي إلى اختلالِ الموازينِ، واضطرابِ المفاهيمِ، وتحطيمِ الطاقاتِ البشريةِ، ومصادمةِ الفِطَرِ الإنسانيةِ، وذهابِ الفضائلِ والمثُل والقِيَمِ.
ومن سماتِ هذا المنهجِ النبويِّ: تربيةُ النَّاسِ على تصحيحِ وتصفيةِ المقاصدِ، خاصةً إذا كان العلمُ علماً شرعيًّا دينيًّا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من تعلَّم عِلْماً يُبتغَى به وجهُ اللهِ، لا يتعلَّمُه إلا ليصِيبَ به عرَضاً من الدنيا لم يجدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامة) أخرجه أحمد (8252) ،وأبو داود (3664)، وابن ماجه (252)، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير وضعيفه (11104) ؛ أي: ريحها.
أما العلومُ الدنيويةُ، فإن استحضارَ النِّيةِ الصالحةِ والقصدِ الحسنِ، من سدِّ حوائجِ الأمةِ أو غير ذلك سببٌ يحصلُ به الأجرُ من اللهِ تعالى، والعونُ والتوفيقُ ؛إذ النيةُ الصالحةُ من الإحسانِ والتقوى، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ سورة النحل: 128.
ولا يستوي هذا مع من جعلَ التربيةَ والتعليمَ سُلَّماً يُرتقى به إلى المناصبِ الوظيفيةِ، أو المراكزِ الاجتماعيةِ، أو جعَلَها طريقاً لبناءِ الأمجادِ الشخصيةِ، والمكاسبِ الذاتيةِ.
فلا شكَّ أنَّ هذه النياتِ الرخيصةَ تؤثِّرُ على العَمَلِ التربويِّ والتعليميِّ تأثيراً بالغَ السوءِ، فليس الخليُّ كالشجيِّ.
ومن سماتِ المنهجِ الربانيِّ: ربطُ العلمِ بالعمَلِ، فالعلمُ شجرةٌ والعملُ ثمرةٌ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابَه رضي الله عنهم العِلمَ والعَمَل، فالعِلمُ بلا عملٍ حجةٌ على صاحبِهِ:
إذا لم يزد عِلْمُ الفَتى قلبَه هدىً *** وسـيرتَه عَدْلاً وأخلاقَه حُسْناً
فبـشِّرْه أنَّ اللهَ أوْلاهُ نِعْمـةً ***يُساءُ بها مِثْلُ الذي عَبَدَ الوَثَنا ربيع الأبرار 1/320.
أيها المؤمنون.
إن مما يجذِّر انفصامَ العِلمِ عن العَمَلِ ويؤصِّلُه هذا التناقضَ الذي يعيشُه كثيرٌ من المتعلِّمين، حيث إنَّ ما يتلقونه يخالفُ ويضادُّ كثيراً مما يلمسونه ويرونه، بل ويعايِشُونه ويمارِسونه في الحياةِ الاجتماعيةِ.
ومن أمثلةِ ذلك: أن دورَ العلمِ وصروحَه تُعلَم بأن الكذِبَ رذيلةٌ وإثمٌ، ثم إننا نسمعُ من بعض وسائلِ الإعلامِ أن الكذبَ ألوانٌ وأشكالٌ، يختلف حكمُه باختلافِ لونِه وشكْلهِ.
ونتعلَّم أيضاً أن لا سبيلَ للاتصالِ بين الذكورِ والإناثِ، إلا من خلال النكاحِ الشرعيِّ.
ثم نسمعُ ونشاهدُ هنا وهناك أن من العلاقَةِ بين الجنسين ما يسمى صداقةً أو زمالةً، ومنها ما يسمى حبًّا بريئاً شريفاً نزيهاً، وغيرَ ذلك من المسميات، التي تذِّكرنا بقوله صلى الله عليه وسلم :«يشرَبُ أناسٌ من أمتي الخمرَ، يسمونها بغيرِ اسمِها» أخرجه النسائي (5658)، وابن ماجه (4020) عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، وصححه الألباني..
ولا غروَ أن هذا التناقضَ بينَ وسائلِ التوجيهِ في المجتمعِ له آثارٌ سيئةٌ على الأُممِ والمجتمعات، ليس أهونُها ترسيخَ الفصلِ بين العلمِ والعملِ، والانشطارِ الفكريِّ، وتعميقَ الاضطرابِ النفسيِّ؛ إذ إن من المعلومِ أن اليَدَ العُليا في نهايةِ المطافِ لما تفرضه المجتمعاتُ، لا للمُثُلِ والنظرياتِ التي تدرس في الكتبِ والمقرراتِ.
ومن سماتِ هذا المنهجِ الربانيِّ: مراعاةُ القدراتِ والمستوياتِ، فيعطى كلٌّ ما يناسبُه ويلبي حاجاتِه، ومن هذا نعلمُ خطأَ ما تمارسُه بعضُ دورِ التعليمِ، من المساواةِ التامَّةِ بين الذكورِ والإناثِ، في المناهجِ والمقرراتِ والمراحلِ والمستوياتِ.
بل ويبلغُ الخطأُ منتهاه عند خلطِ الذكورِ بالإناثِ في المدارس والكليات، ولا شكَّ أن هذا خطأٌ كبيرٌ، مازالت الأمةُ تجني ويلاتِه، وتحصُدُ حسراتِه في كثيرٍ من بلاد المسلمين، كيف لا؟! وقد قال العليمُ الخبيرُ سبحانه وتعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ سورة آل عمران: 36.
فمن رام تسويةَ الذكورِ بالإناثِ، فقد ضادَّ اللهَ تعالى في خلقِه وشرعِه، فالواجبُ الفصلُ بين الجنسين في جميع مراحلِ التعليمِ، وإعطاء كلٍّ ما يناسبُه ويلائِمُه ويحتاجُه من العلومِ والمعارفِ.
الخطبة الثانية :
أما بعد.
فمن سماتِ المنهجِ النبويِّ في التعليمِ والتربيةِ: استمراريةُ العمليةِ التعليميةِ، وعدم حدِّها بمرحلةٍ تنتهي عندها، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم حثَّ الأمةَ على تعاهُدِ القرآنِ، الذي هو أصلُ العلومِ، ومنبعُ المعارفِ الدينيةِ الشرعيةِ، قال صلى الله عليه وسلم :«تعاهَدُوا هذا القرآنَ، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه لهو أشدُّ تفلُّتاً من الإبلِ في عُقُلِها» أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .
وقال أحدُ العلماء:"لا تزال عالماً متعلماً فإذا استغنيت كنت جاهلاً"، فالعلمُ عندنا من المحبرةِ إلى المقبرةِ، لكن لما غابَ هذا الفهمُ عن كثيرٍ من متعَلِّمِينا رأيْنا من حَمَلةِ الشهاداتِ مَنْ كانَ آخِرَ عهدِهِ بالقراءةِ والاطلاعِ والبحثِ تسلَّمُ أوراقِ تخرُّجِه، ولا مريةَ أن هذا مما يُضعِفُ العلمَ ويذهبهُ، فالعِلمُ بالعلمِ يكثُرُ وينمو ويثبتُ، كما قال الأولُ:
فاليومَ شيءٌ وغداً مثلُه *** من نُخَبِ العلمِ التي تُلتَقَط
يحصلُ المرءُ بها حكمةً *** وإنما السَّيْلُ اجتماعُ النقط
ومن سماتِ هذا المنهجِ النبويِّ: إحياءُ العلمِ بنشرِه وبذلِه، وتوسيعِ دائرةِ المنـتفعين به، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «نضَّرَ اللهُ امرَأً سمِعَ مقالتي، فوعاها، ثم بلَّغها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه» أخرجه أحمد (16312)، وابن ماجه (231) من حديث جبير بن مطعم،وصححه الألباني .
وقال أيضاً: «إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على معلِّمِ الناسِ الخيرَ» أخرجه الترمذي (2685) من حديث أبي امامة الباهلي رضي الله عنه ، قال الترمذي:" حديث غريب".
فبذلُ العلمِ ونشرُه بابٌ من أبوابِ البِرِّ، التي يتقرَّبُ بها إلى اللهِ تعالى، فعلى حملةِ العلمِ بشتَّى فُروعِه وصُنوفِه أن ينشروا علومَهُم، ويـبُـثُّوها بين الناسِ، وليكن الواحدُ منَّا:
كالبحرِ يَهدِي للقَريبِ جواهرا جُوداً ويبعثُ للبعيدِ سحائِبا
ومن سماتِ المنهجِ النبويِّ في التربيةِ والتعليمِ: توظيفُ جميعِ الطاقاتِ، وبثُّ روحِ المشاركةِ والعطاءِ والبِناءِ في أبناءِ الأُمَّةِ، وتربيتُهم على تحمُّلِ الأعباءِ، والقيامُ بالمسؤولياتِ.
فلمحةٌ سريعةٌ في سيرةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تجلِّي هذه السِّمةَ المهمةَ.
فمن الذي قتل أبا جهلٍ -فرعونَ هذه الأمةِ- أليسا ابني عفراء، الغلامين الحدَثين؟
ألم يعقد النبي صلى الله عليه وسلم لأسامةَ بنِ زيدٍ الرايةَ لقتالِ الرومِ، ولم يكن قد بلغ العشرين سنة؟!
ألم تكن الصحابياتُ رضي الله عنهن يخرُجْنَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَواتِه، يُداوِين المرضى، ويسقين الجرحى؟!
بلى، كل هذا قد كان، فعلى التربويين والمعلِّمين وأولياءِ الأمورِ أن يوظِّفُوا جميعَ طاقاتِ الأمةِ في خدمةِ الإسلامِ، ونصر قضاياه.
حتى الضعفاءُ والمساكينُ بهم تُنصَرُ الأُمَّةُ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «ابغوني ضعفاءَكم، فهل تُنصرون وترزَقون إلا بضعفائِكم» أخرجه الترمذي (1702) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، وقال :" حسن صحيح"..
أيها المؤمنون! هذه بعضُ سماتِ المنهجِ الربانيِّ النبويِّ في إصلاحِ الأممِ، وبناءِ الأجيالِ، وقد آتتْ هذه المعالمُ ثمارَها، فأخْرَجَ اللهُ بها خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ، فكانت ملءَ سمعِ العالمِ وبصرِه وفؤادِه، فترةً طويلةً من الزمن، فلما انحرفت الأمةُ عن هذه المعالمِ، وتخلّت عن هذه الخصائصِ، خلّف هذا صَدْعاً كبيراً في الأمةِ، ومزجاً في التربيةِ والتعليمِ، وسبَّب كثيراً من النَّكَساتِ والنكباتِ.
ولا سبيلَ للخروجِ من هذه النازلةِ، والتخلصِ من هذه المعضلةِ، إلا لزومُ المنهجِ النبويِّ في الدعوةِ والتعليمِ والتربيةِ والتوجيهِ، وعلينا جميعاً مسؤوليةُ إصلاحِ هذه الانحرافاتِ، كلٌّ حسَبَ طاقتِه وقدرتِه.
فالأبُ عليه أن يصلحَ تربيةَ أولادِه، ويكملَ النقصَ الذي في الجهاتِ التربويةِ الأخرى.
ودوُر التعليمِ ومؤسساتُه عليها مراجعةُ مناهجِها وطرائقِ التدريس فيها.
وعلى المجتمعِ أن يسخِّرَ كلَّ قُدُراتِه ووسائلِ التأثير فيه لتحقيقِ الهدفِ المنشودِ، من صناعةِ الأجيالِ، وبناء الرجالِ، فإن الثروةَ الحقيقيةَ التي تمتلكها الأممُ هي أبناؤُها ورجالهُا، ولا يظنُّ غالِطٌ أن التربيةَ والتعليمَ َمسؤوليةُ جهةٍ معينةٍ فقط، بل كلنا مسؤولٌ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه» أخرجه البخاري (2751) ،ومسلم (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.