×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الإسراء الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.   أما بعد .  فأوصيكم أيها المؤمنون بتقوى الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم)+++ سورة الحديد: 28---.  فاتقوا الله عباد الله واشكروه، على أن أسبغ عليكم نعمه، ظاهرة وباطنة، واعلموا عباد الله أن من أجل نعم الله عليكم أن جعلكم من أمة الإسلام، ومن أتباع خير الأنام، من أمة محمد  صلى الله عليه  وسلم ، الذي رفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذل و الصغار على من خالف أمره، فهو خليل الرحمن وسيد الأنام، صاحب المقام المحمود، والكوثر والحوض المورود، فنعمة الله عليكم به يا عباد الله أجل النعم، وأعظمها رحمة وفضلا، فلله الحمد على ذلك كثيرا كثيرا.  عباد الله، أيها المؤمنون. إن الله تعالى قد اصطفى محمدا  صلى الله عليه  وسلم ، النبي الأمي، وخصه بخصائص عديدة، وفضائل كثيرة، فاق بها الأولين والآخرين ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته)+++ سورة الأنعام: 124---. فمن خصائصه العظيمة، وآياته المبينة، خبر الإسراء به  صلى الله عليه  وسلم ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أولا، ثم العروج به إلى السماء ثانيا، تلك الرحلة العجيبة، والآية العظيمة الباهرة.  فبينما رسول الله  صلى الله عليه  وسلم  نائم في الحجر، في الكعبة، قبل الهجرة، أتاه آت، فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه، ثم استخرج قلبه  صلى الله عليه  وسلم  فملأه حكمة وإيمانا، ثم أتي  صلى الله عليه  وسلم بدابة بيضاء، يقال لها: البراق، يضع خطوه عند منتهى طرفه، فركب  صلى الله عليه  وسلم  ومعه جبريل، حتى أتيا بيت المقدس، فدخل المسجد فلقي الأنبياء جميعا، ف صلى بهم ركعتين، كلهم يصلي خلف محمد  صلى الله عليه  وسلم ، ثم خرج رسول  صلى الله عليه  وسلم من المسجد الأقصى، فجاءه جبريل بإناء فيه خمر، وإناء من لبن، فاختار  صلى الله عليه  وسلم اللبن، فقال له جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت؟ قال: جبريل،قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح له، فوجد آدم فسلم عليه  صلى الله عليه  وسلم ، فرد عليه السلام، وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم عرج به  صلى الله عليه  وسلم إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل ففتح له، فرأى فيها النبي  صلى الله عليه  وسلم عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهم، فرحبا به ودعيا له بالخير، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فإذا هو  صلى الله عليه  وسلم بيوسف، وقد أعطي شطر الحسن، فرحب به ودعا له بخير، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فإذا هو بإدريس عليه السلام، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فإذا هو بهارون فرحب به ودعا له، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فإذا هو بموسى فرحب به ودعا له بالخير، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فإذا هو بإبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وهو بيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه، ثم ذهب به  صلى الله عليه  وسلم إلى سدرة المنتهى، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليه الله تعالى ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزل إلى موسى، فقال له: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فرجع  صلى الله عليه  وسلم فوضع الله تعالى عنه عشرا، وما زال يراجع حتى استقرت على خمس فرائض في اليوم والليلة، ثم نادى مناد: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، ثم عاد رسول الله  صلى الله عليه  وسلم إلى فراشه قبل الصبح +++ أخرجه البخاري (3207)---.  عباد الله، كل هذا النبأ العظيم، والأحداث الكبار، كانت في ليلة واحدة، فسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا اله إلا الله.  وعاد رسول الله  صلى الله عليه  وسلم من ليلته، فلما أصبح في قومه أخبرهم بما أراه الله -عز وجل- من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له، وأذاهم إياه، وتعديهم عليه  صلى الله عليه  وسلم ، فسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا، وكان أبو بكر  رضي الله عنه كلما قال  صلى الله عليه  وسلم شيئا قال: صدقت، أشهد أنك رسول الله، وأخبرهم عن إبلهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، فكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفورا، وأبى الظالمون إلا كفورا.   أيها المؤمنون. هذا خبر الإسراء بمحمد  صلى الله عليه  وسلم ، والعروج به إلى السماوات العلا، آية وعبرة، ينتفع بها من أحيا الله قلبه بالعلم والإيمان، وأما الذين في قلوبهم مرض، فهم في ريبهم يترددون، وفي مثل هذه الأخبار يشككون، وصدق الله، ومن أصدق من الله قيلا: ﴿فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون)+++ سورة التوبة: 124- 125--- ،فاعتبروا يا أولي الأبصار، فقد ذكر الله في كتابه الإسراء، فقال: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)+++ سورة الإسراء: 1---.  وقال الله تعالى في شأن المعراج: ﴿والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) علمه شديد القوى (5) ذو مرة فاستوى (6) وهو بالأفق الأعلى (7) ثم دنا فتدلى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10) ما كذب الفؤاد ما رأى (11) أفتمارونه على ما يرى (12) ولقد رآه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى (14) عندها جنة المأوى (15) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16) ما زاغ البصر وما طغى (17) لقد رأى من آيات ربه الكبرى)+++ سورة النجم: 1- 18---.    الخطبة الثانية : أما بعد.  فاتقوا الله عباد الله، واعتبروا يا أولي الأبصار بما في هذه القصة من الآيات الباهرات، والمنن الوافيات، فإن فيها ما يبهر العقول ويأسر الألباب، ويزيد الإيمان في قلوب المتقين من العباد.  أيها المؤمنون. إن أبرز ما في هذه القصة: بيان عظيم منزلة هذا الرسول الكريم، عند الله جل وعلا، فمحمد  صلى الله عليه  وسلم  خليل الرحمن، فقد جعله الله إماما وبلغه منزلة لم يبلغها أحد من الأولين والآخرين، فبلغ مكانا سمع فيه صريف الأقلام -؛أي: صوت الأقلام- التي تكتب الأقدار، ورأى في معراجه الجنة والنار. وفي هذه الحادثة العظيمة إقرار جميع الأنبياء بنبوة محمد  صلى الله عليه  وسلم ، وبذلك يظهر وفاؤهم بما أخذ عليهم من الميثاق.  وفي ليلة الإسراء والمعراج أظهر الله فضل هذه الأمة، وأنها أمة الفطرة، ودينها دين الفطرة، فإنه  صلى الله عليه  وسلم لما خير بين الخمر واللبن اختار اللبن، فسلامة الفطرة لبن هذا الدين «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»+++ أخرجه البخاري (1358) ،ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.---.  أيها المؤمنون. في ليلة المعراج، وفي أشرف مكان، فرض الله على نبيه  صلى الله عليه  وسلم الصلوات الخمس، فرضها على نبيه مباشرة، بلا واسطة، فدل ذلك على عظيم منزلة هذه العبادة، وعناية الله تعالى بها؛ فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على الصلوات، فإنه من لم يصل فقد قطع صلته بربه ومولاه، وسوف يدعو ثبورا وي صلى سعيرا: ﴿ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين)+++ سورة المدثر: 42 -43---  أيها المؤمنون. ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)+++ سورة الأحزاب: 36---، فإذا جاءه الخبر أو الحكم عن الله، أو عن رسوله  صلى الله عليه  وسلم قابله بالتصديق والتسليم، بلا شك ولا ريبة، كيف لا وربه -أيها المؤمنون- هو رب السماوات والأرض، الذي له الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله؟! فهو العليم الخبير القوي العزيز، ورسول الله  صلى الله عليه  وسلم صادق أمين، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.  فاحذر يا عبد الله أهل التشكيك، الذين يشككونك في أخبار الله ورسوله، وأحكام دينك، وليكن لك في صديق هذه الأمة أبي بكر  رضي الله عنه أسوة حسنة، فإنه لما جاءه أن رسول الله  صلى الله عليه  وسلم يحدث بخبر الإسراء والمعراج قال بلسان صادق، وقلب ثابت، وإيمان راسخ: "إن كان قد حدثكم بذلك فهو صادق"، فرضي الله عنه وأرضاه.  أيها المؤمنون. هذه بعض الفوائد والعبر المستفادة من هذا الخبر، فالحمد لله على إحسانه وامتنانه، والشكر له على عظيم فضله وإحسانه.  عباد الله! إن حادثة الإسراء والمعراج كانت قبل هجرة النبي  صلى الله عليه  وسلم إلى المدينة، وقد اختلف المؤرخون في تحديد السنة والشهر الذي وقعت فيه هذه الآية العظيمة، منهم من قال: إنها في ربيع الأول، ومنهم من قال: إنها في ربيع الآخر، ومنهم من قال: إنها في رجب، ومنهم من قال: إنها في رمضان، ومنهم من قال: إنها في شوال، وليس على واحد من هذه الأقوال دليل صحيح يعتمد عليه. كما أنه يجب أن تعلموا يا عباد الله أنه ليس في ليلتها فضل خاص، فلا تخص بقيام ولا احتفال، ولا بغير ذلك، فإن هذا كله من البدع، وكل بدعة ضلالة، وبهذا يتبين خطأ الذين يحتفلون في ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر، فوالله لو كان ذلك خيرا لسبقنا إليه الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان. فاتقوا الله عباد الله، فإن خير الهدي هدي محمد  صلى الله عليه  وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن الله مع الجماعة.     

المشاهدات:3078

الإِسراءُ

الخطبة الأولى :

إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  

أما بعد . 
فأوصيكم أيها المؤمنون بتقوى الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة الحديد: 28
فاتقوا اللهَ عباد اللهِ واشكروه، على أن أسبغَ عليكم نعمَه، ظاهرةً وباطنةً، واعلموا عبادَ اللهِ أن من أجلِّ نعم الله عليكم أن جعلكم من أمة الإسلام، ومن أتباع خير الأنام، من أمة محمد  صلى الله عليه  وسلم ، الذي رفع له ذكرَه، ووضع عنه وزرَه، وجعلَ الذلَّ و الصِّغارَ على من خالفَ أمرَه، فهو خليلُ الرحمنِ وسيدُ الأنامِ، صاحبُ المقامِ المحمودِ، والكوثرِ والحوضِ المورودِ، فنعمةُ اللهِ عليكم به يا عبادَ الله أجلُّ النعم، وأعظمُها رحمةً وفضلاً، فلِلهِ الحمدُ على ذلك كثيراً كثيراً. 
عباد الله، أيها المؤمنون.
إن اللهَ تعالى قد اصطفى محمداً  صلى الله عليه  وسلم ، النبيَّ الأميَّ، وخصَّه بخصائصَ عديدةٍ، وفضائلَ كثيرةٍ، فاقَ بها الأولين والآخرين ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) سورة الأنعام: 124.
فمن خصائصِه العظيمةِ، وآياتِه المبينةِ، خبرُ الإسراءِ به  صلى الله عليه  وسلم ، من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى أولاً، ثم العُرُوجِ به إلى السَّماءِ ثانياً، تلك الرِّحلةُ العجيبةُ، والآيةُ العظيمةُ الباهرةُ. 
فبينما رسولُ اللهِ  صلى الله عليه  وسلم  نائمٌ في الحجرِ، في الكعبةِ، قبل الهجرةِ، أتاه آتٍ، فشقَّ ما بين ثغرةِ نحرِه إلى أسفلِ بطنِه، ثم استخرج قلبَه  صلى الله عليه  وسلم  فملأَه حكمةً وإيماناً، ثم أُتيَ  صلى الله عليه  وسلم بدابةٍ بيضاءَ، يقال لها: البُراقُ، يضعُ خطوَه عند منتهى طرفِه، فركِبَ  صلى الله عليه  وسلم  ومعه جبريلُ، حتى أتيا بيتَ المقدسِ، فدخلَ المسجدَ فلقي الأنبياءَ جميعاً، ف صلى بهم ركعتين، كلُّهم يصلي خلفَ محمدٍ  صلى الله عليه  وسلم ، ثم خرجَ رسولُ  صلى الله عليه  وسلم من المسجدِ الأقصى، فجاءَه جبريلُ بإناءٍ فيه خمرٌ، وإناءٍ من لبنٍ، فاختارَ  صلى الله عليه  وسلم اللبنَ، فقال له جبريل: اخترت الفطرةَ، ثم عرج به جبريل إلى السماءِ الدنيا، فاستفتحَ جبريلُ. فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ،قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعثَ إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنِعْم المجيءُ جاء، ففتح له، فوجدَ آدمَ فسلَّم عليه  صلى الله عليه  وسلم ، فردَّ عليه السلام، وقال: مرحباً بالابنِ الصالحِ والنبيِّ الصالحِ، ثم عرجَ به  صلى الله عليه  وسلم إلى السماءِ الثانية، فاستفتحَ جبريلُ ففتحَ له، فرأى فيها النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم عيسى بنَ مريم ويحيى بنَ زكريا صلواتُ الله عليهم، فرحَّبا به ودَعَيا له بالخيرِ، ثم عُرجَ به إلى السماء الثالثة، فإذا هو  صلى الله عليه  وسلم بيوسفَ، وقد أعطِيَ شطرَ الحُسنِ، فرحَّب به ودعا له بخيرٍ، ثم عُرجَ به إلى السماءِ الرابعةِ، فإذا هو بإدريسَ عليه السلام، ثم عُرجَ به إلى السماءِ الخامسةِ، فإذا هو بهارونَ فرحَّب به ودعا له، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فإذا هو بموسى فرحب به ودعا له بالخير، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فإذا هو بإبراهيم عليه السلام مُسنِداً ظهرَه إلى البيت المعمور، وهو بيت يدخله كلَّ يوم سبعون ألفَ مَلَكٍ، لا يعودون إليه، ثم ذُهب به  صلى الله عليه  وسلم إلى سدرة المنتهى، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليه الله تعالى ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنـزل إلى موسى، فقال له: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف، فإن أُمتك لا يطيقون ذلك، فرجع  صلى الله عليه  وسلم فوضع الله تعالى عنه عشراً، وما زال يراجع حتى استقرت على خمس فرائض في اليوم والليلة، ثم نادى منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، ثم عاد رسول الله  صلى الله عليه  وسلم إلى فراشه قبل الصبح أخرجه البخاري (3207)
عبادَ الله، كلُّ هذا النبأِ العظيمِ، والأحداثِ الكبارِ، كانت في ليلةٍ واحدةٍ، فسبحان الله، والحمدُ لله، والله أكبر، ولا اله إلا الله. 
وعاد رسولُ الله  صلى الله عليه  وسلم من ليلتِه، فلما أصبحَ في قومِه أخبرهم بما أراه اللهُ -عز وجل- من آياتِه الكبرى، فاشتدَّ تكذيبُهم له، وأذاهم إياه، وتعدِّيهم عليه  صلى الله عليه  وسلم ، فسألوه أن يصفَ لهم بيتَ المقدسِ، فجلاه الله له حتى عاينَه، فطفِقَ يخبرُهم عن آياتِه ولا يستطيعون أن يردُّوا عليه شيئاً، وكان أبو بكر  رضي الله عنه كلَّما قال  صلى الله عليه  وسلم شيئاً قال: صدقتَ، أشهدُ أنك رسول الله، وأخبرَهم عن إِبِلهم في مسْراه ورجوعِه، وأخبرهم عن وقتِ قدومِها، فكان الأمر كما قال، فلم يزدْهم ذلك إلا نفوراً، وأبى الظالمون إلا كفوراً. 
 أيها المؤمنون.
هذا خبرُ الإسراءِ بمحمدٍ  صلى الله عليه  وسلم ، والعروجِ به إلى السماواتِ العلا، آيةٌ وعبرةٌ، ينتفعُ بها من أحيا اللهُ قلبَه بالعلمِ والإيمانِ، وأما الذين في قلوبِهم مرضٌ، فهم في ريبِهم يتردَّدون، وفي مثلِ هذه الأخبارِ يشكِّكون، وصدق اللهُ، ومن أصدقُ من اللهِ قِيلا: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) سورة التوبة: 124- 125 ،فاعتبروا يا أولي الأبصار، فقد ذكر الله في كتابه الإسراء، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه) سورة الإسراء: 1
وقال الله تعالى في شأن المعراج: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) سورة النجم: 1- 18
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعتبروا يا أولي الأبصارِ بما في هذه القصةِ من الآياتِ الباهراتِ، والمِنَنِ الوافياتِ، فإن فيها ما يبهرُ العقولَ ويأسرُ الألبابَ، ويزيدُ الإيمانَ في قلوبِ المتقين من العبادِ. 
أيها المؤمنون.
إن أبرزَ ما في هذه القصةِ: بيانُ عظيمِ منـزلةِ هذا الرسولِ الكريمِ، عند اللهِ جل وعلا، فمحمدٌ  صلى الله عليه  وسلم  خليلُ الرحمنِ، فقدَ جعله اللهُ إماماً وبلَّغه منـزلةً لم يبلغها أحدٌ من الأوَّلين والآخِرين، فبلغَ مكاناً سمِعَ فيه صريفَ الأقلامِ -؛أي: صوتَ الأقلام- التي تَكتُبُ الأقدارَ، ورأى في معراجِه الجنةَ والنارَ.
وفي هذه الحادثةِ العظيمةِ إقرارُ جميعِ الأنبياءِ بنبوةِ محمدٍ  صلى الله عليه  وسلم ، وبذلك يظهر وفاؤُهم بما أخذَ عليهم من الميثاقِ. 
وفي ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ أظهرَ اللهُ فضلَ هذه الأمةِ، وأنها أمةُ الفطرةِ، ودينها دينُ الفطرةِ، فإنه  صلى الله عليه  وسلم لما خُيِّر بين الخمرِ واللبنِ اختارَ اللبنَ، فسلامةُ الفطرةِ لبنُ هذا الدينِ «كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه» أخرجه البخاري (1358) ،ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أيها المؤمنون.
في ليلةِ المعراجِ، وفي أشرفِ مكانٍ، فرضَ اللهُ على نبيِّه  صلى الله عليه  وسلم الصلواتِ الخمسَ، فرضها على نبيِّه مباشرةً، بلا واسطةٍ، فدلَّ ذلك على عظيمِ منـزلةِ هذه العبادةِ، وعنايةِ اللهِ تعالى بها؛ فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وحافظوا على الصلواتِ، فإنه من لم يصلِّ فقد قطعَ صلتَه بربِّه ومولاه، وسوف يدعو ثبوراً وي صلى سعيراً: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) سورة المدثر: 42 -43 
أيها المؤمنون.
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) سورة الأحزاب: 36، فإذا جاءه الخبرُ أو الحكمُ عن اللهِ، أو عن رسولِه  صلى الله عليه  وسلم قابله بالتصديقِ والتسليمِ، بلا شكٍّ ولا رِيبةٍ، كيف لا وربُّه -أيها المؤمنون- هو ربُّ السماواتِ والأرضِ، الذي له الأمرُ كلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه؟! فهو العليمُ الخبيرُ القويُّ العزيزُ، ورسولُ الله  صلى الله عليه  وسلم صادقٌ أمينٌ، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. 
فاحذر يا عبدَ الله أهلَ التشكيك، الذين يشكِّكُونك في أخبارِ اللهِ ورسولِه، وأحكامِ دينِك، وليكن لك في صِدِّيقِ هذه الأمةِ أبي بكر  رضي الله عنه أسوةٌ حسنةٌ، فإنه لما جاءه أن رسول الله  صلى الله عليه  وسلم يحدِّثُ بخبرِ الإسراءِ والمعراجِ قال بلسانٍ صادقٍ، وقلبٍ ثابتٍ، وإيمانٍ راسخٍ: "إن كان قد حدثكم بذلك فهو صادق"، فرضي الله عنه وأرضاه. 
أيها المؤمنون.
هذه بعضُ الفوائدِ والعبرِ المستفادةِ من هذا الخبرِ، فالحمدُ للهِ على إحسانِه وامتنانِه، والشكرُ له على عظيمِ فضلِه وإحسانِه. 
عباد الله! إن حادثةَ الإسراءِ والمعراجِ كانت قبلَ هجرةِ النبيِّ  صلى الله عليه  وسلم إلى المدينةِ، وقد اختلف المؤرِّخون في تحديدِ السنةِ والشهرِ الذي وقعت فيه هذه الآيةُ العظيمةُ، منهم من قال: إنها في ربيعٍ الأولِ، ومنهم من قال: إنها في ربيعٍ الآخرِ، ومنهم من قال: إنها في رجبٍ، ومنهم من قال: إنها في رمضانَ، ومنهم من قال: إنها في شوالٍ، وليس على واحدٍ من هذه الأقوالِ دليلٌ صحيحٌ يعتمدُ عليه.
كما أنه يجب أن تعلموا يا عباد الله أنه ليس في ليلتِها فضلٌ خاصٌّ، فلا تُخَصُّ بقيامٍ ولا احتفالٍ، ولا بغيرِ ذلك، فإن هذا كلَّه من البِدَعِ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وبهذا يتبينُ خطأُ الذين يحتفلون في ليلةِ السابعِ والعشرين من هذا الشهرِ، فواللهِ لو كان ذلك خيراً لسبقنا إليه الصحابةُ الكرامُ ومن تبعهم بإحسانٍ.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فإن خيرَ الهدي هديُ محمدٍ  صلى الله عليه  وسلم ، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بالجماعةِ، فإن الله مع الجماعة. 
 
 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات82856 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78094 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72449 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60664 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات54975 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52208 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49363 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47835 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44794 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44025 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف