الثبات وأسبابه
الخطبة الأولى :
إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
فاتقوا الله أيها المؤمنون كما أمركم ربُّكم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.،واعلموا أيها المؤمنون أن قلوبَ العبادِ بين أصبعين من أصابعِ الرحمنِ يصرفُها كيف شاءَ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن قلوبَ بني آدمَ كلَّها بين أصبعينِ من أصابعِ الرحمنِ كقلْبٍ واحدٍ، يصرفه حيثُ شاءَ، ثم قال: اللهم مصرفَ القلوبِ صرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك» أخرجه مسلم (2654).، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مبيناً شدةَ تقلُّبِ قلوبِ العباد: «لَقلبُ ابنِ آدمَ أشدُّ انقلاباً من القِدْرِ إذا اجتمعت غلياناً» أخرجه أحمد (23304) من حديث المقداد بن أسود رضي الله عنه. ، وقد قيل:
وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ ولا القلب إلا أنه يتقلب زهر الأكم في الأمثال و الحكم (123).
ومصداقُ هذا كله مُشاهدٌ ملموسٌ في واقعِ الناسِ، فكم من روضةٍ أمسَتْ وزهرُها يانعٌ عميمٌ أصبحت وزهرُها يابسٌ هشيمٌ، فبينا ترى الرجلَ من أهل الخير والصلاح، ومن أربابِ التقى والفلاحِ قلبُه بطاعةِ ربه مشرقٌ سليمٌ، إذا به انقلبَ على وجهِه فتركَ الطاعةَ وتقاعس عن الهدى، وبَيْنا ترى الرجلَ من أهل الخنا والفسادِ أو الكفرِ والإلحادِ قلبُه بمعصيةِ اللهِ مظلمٌ سقيمٌ إذا به أقبلَ على الطاعةِ والإحسانِ وسلك سبيلَ التقى والإيمانِ.
أيها الإخوة المؤمنون.
إن تذكُّر هذا الأمرِ لَتَطيرُ له ألبابُ العقلاءِ وتنفطرُ منه قلوب الأتقياء وتنصدعُ له أكبادُ الأولياءِ، كيف لا والخاتمةُ مغيَّبةٌ والعاقبةُ مستورةٌ، والله غالب على أمره والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «فوالذي لا إله غيره إن أحدَكم لَيعملُ بعملِ أهلِ الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ النارِ فيدخلها» أخرجه البخاري (6594)، ومسلم (2643) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فيا عبادَ الله، عليكم أن تجتهدوا في أخذِ أسبابِ الثباتِ، وأن تحتفوا بها علماً بأن المقامَ جِدُّ خطيرٌ، والنتائجُ لا تخالفُ مقدماتِها، والمسبباتُ مربوطةٌ بأسبابِها، وسننُ اللهِ ثابتةٌ لا تتغيرُ، سنةُ الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
أيها المؤمنون.
إننا في هذه العصورِ أحوجُ ما نكونُ إلى معرفةِ أسبابِ الثباتِ والأخذِ بها، فالفتنُ تترى بالشبهاتِ والشهواتِ، والقلوبُ ضعيفةٌ والمعينُ قليلٌ والناصرُ عزيزٌ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعةِ تقلُّبِ أهل آخر الزمانِ لكثرةِ الفتن فقال: «إن بين يديِ السَّاعةِ فِتناً كقِطَعِ الليلِ المظلمِ، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً» أخرجه أخرجه مسلم (328) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لكل واحدٍ منكم أيها الحاضرون أذكُرُ بعضَ أسبابِ الثباتِ، عسى الله أن ينفعنا بها وأن يثبتنا بالقول الثابت.
فمن أسبابِ حصول الثباتِ على الحقِّ والهدى والدِّين والتقى: الشعورُ بالفقرِ إلى تثبيتِ اللهِ تعالى، وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيتِه طرفةَ عينٍ، فإن لم يثبتنا اللهُ، وإلا زالت سماءُ إيمانِنا وأرضُه عن مكانها، وقد قال مخاطباً خيرَ خلقِه وأكرمَهم عليه: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ سورة الإسراء: 74. ،وقال تعالى: ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ سورة الأنفال: 12. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يكثرُ من قوله: «لا ومصرفِ القلوبِ» أخرجه ابن ماجه (2092) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، وحسنه الألباني. مما يؤكِّدُ أهميةَ استشعارِ هذا الأمرِ واستحضارِه.
ومن أسبابِ الثباتِ على الخيرِ والصلاح:الإيمان بالله تعالى ،قال عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة﴾ سورة إبراهيم: 27..
والإيمان الذي وُعدَ أهلُه وأصحابُه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العملُ، فالالتزام الصادق في الظاهرِ والباطنِ والمنشطِ والمكره هو أعظمُ أسباب التثبيتِ على الصالحات ،قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾ سورة النساء: 66. ، فالمثابرة على الطاعةِ المداومِ عليها المبتغى وجهُ الله بها موعودٌ عليها بالخيرِ والتثبيتِ من اللهِ مقلبِ القلوبِ ومصرِّفِها.
ومن أسبابِ الثباتِ على الطاعةِ والخيرِ: تركُ المعاصي والذنوبِ صغيِرها وكبيِرها ظاهرِها وباطنِها، فإن الذنوبَ من أسبابِ زيغِ القلوبِ، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربهُا وهو مؤمنٌ» أخرجه البخاري (5150)، ومسلم (211).
وأما الصغائرُ فعن سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إياكم ومحقراتِ الذنوبِ، كقوم نزلوا بطنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعود وجاءَ ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خُبزتَهم، وإن محقراتِ الذنوبِ متى يؤخذُ بها صاحبُها تهلكُه » أخرجه أحمد (3627)، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد (17462)..
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها ***وكبيرَها ذاك التقى
واصنعْ كماشٍ فوقَ أر***ضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى
لا تحقرنَّ صـغـيرةً ***إن الجبالَ من الحصى ديوان ابن المعتز ص 45.
ومن أسباب الثبات على الإسلام والإيمان: الإقبالُ على كتابِ اللهِ تلاوةً وتعلماً وعملاً وتدبراً ،فإن الله تعالى أخبرَ بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهدايةً لهم وبشرى، قال الله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ سورة النحل: 102. ،فكتاب الله هو الحبلُ المتينُ والصراطُ المستقيمُ والضياءُ المبينُ لمن تمسَّكَ به وعمِلَ.
ومن أسباب الثبات على الصالحات: عدمُ الأمنِ من مكرِ اللهِ، فإن الله سبحانه و تعالى قد حذَّر عبادَه مكرَه، فقال عز وجل: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ سورة الأعراف: 99. ،وقد قطع خوفُ مكرِ الله تعالى ظهورَ المتقين المحسنين، وغفل عنه الظالمون المسيئون، كأنهم أخذوا من اللهِ الجليلِ توقيعاً بالأمان، قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ سورة القلم: 39 -40..
يا آمناً معَ قبحِ الفعلِ منه أَهَلْ *** أَتاكَ توقيعُ أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباعَ هوى*** هذا وإحداهما في المرْءِ تهلِكُه
أما المحسنون من السلفِ والخلفِ فعلى جلالةِ أقدارِهم وعمقِ إيمانِهم ورسوخِ علمِهم وحسنِ أعمالهم، فقد سلكوا دربَ المخاوفِ، يخافون سلبَ الإيمانِ وانسلاخَ القلبِ من تحكيمِ الوحيِّ والقرآنِ حتى صاح حادِيهم يقول:
واللهِ ما أخشى الذنـوبَ فإنها *** لعلى سبيلِ العفوِ والغفرانِ
لكنما أخشى انسلاخَ القلبِ من*** تحكيمِ هذا الوحيِ والقرآنِ
فالحذرَ الحذرَ من الأمنِ والركونِ إلى النفسِ، فإنه مادام نَفَسُك يتردَّدُ فإنك على خطرٍ، قال ابن القيم رحمه الله: "إن العبد إذا علم أن الله -سبحانه وتعالى -مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه تعالى كل يوم هو في شأنٍ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ،ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته ،وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله:﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾، فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم" طريق الهجرتين وباب السعادتين (431).
ومن أسبابِ الثبات على الهدى والحق: سؤالُ اللهِ التثبيتَ، فإن الله هو الذي يثبِّتك ويهديك، قال الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ سورة إبراهيم: 27. ، فألحُّوا على اللهِ تعالى بالسؤال أن يربطَ على قلوبِكم ويثبتَكم على دينِكم، فالقلوبُ ضعيفةٌ والشبهاتُ خطَّافةٌ، والشيطانُ قاعدٌ لك بالمرصادِ، ولك فيمن تقدَّمك من المؤمنين أسوةٌ حسنةٌ، فإن من دعائهم: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ سورة آل عمران: 8.، وما ذكره اللهُ تعالى عنهم: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ سورة البقرة: 250، وقد كان أكثرَ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«يا مقلبَ القلوبِ ثبت قلبي على دينِك» أخرجه الترمذي (3444)، والحاكم (1926)، وصححه..
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ مقلبِ القلوبِ والأبصارِ، ومثبِّتِ عبادِهِ المتقين الأبرارِ في الدنيا والآخرةِ، دارِ القرارِ، وأصلي وأسلم على نبيِّنا محمدٍ المختارِ، وعلى آله وأصحابه الأطهار.
أما بعد
فمن أسبابِ الثباتِ على الإيمانِ: نصرُ دينِ اللهِ الواحدِ الديانِ، ونصرُ أوليائِه المتقين وحزبِه المفلحين، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ سورة محمد: 7، ونصرُ دينِ الله تعالى وأوليائه يكون بطرائقَ عديدةٍ لا يحدُّها حدٌّ، ولا تقف عند رسمٍ، فالدعوة إلى اللهِ بجميعِ صوَرِها نصرٌ لدينِ الله ،وطلبُ العلم نصرٌ لدينِ اللهِ، والعمل بالعلم نصر لدين الله، وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين الله، والرد على خصوم الإسلام وكشف مخططاتهم نصر لدين الله ،والبذل في سبيل الله والإنفاق في وجوه البر نصر لدين الله ،والذب عن أهل العلم والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين الله، وطرائق نصر دين الله وأوليائه كثيرة جعلنا الله وإياكم منهم من أوليائه وأنصار دينه، ولا تحقرن من هذه الأعمال شيئاً ،فقاعدة الطريق "اتق النار ولو بشق تمرة ".قال ابن القيم رحمه الله:
هذا ونصرُ الدينِ فرضٌ لازمٌ *** لا للكفايةِ بل على الأعيانِ
بِيَدٍ وإما باللسانِ فإن عَجَزْ ***تَ فبالتوجُّه والدُّعاء بجنانِ القصيدة النونية (365).
ومن أسباب الثبات على الهدى: الرجوعُ إلى أهلِ الحقِّ والتقى من العلماءِ والدعاةِ الذين هم أوتادُ الأرضِ ومفاتيحُ الخيرِ ومغاليقُ الشرِّ، فافزع إليهم عند توالي الشبهاتِ وتعاقبِ الشهواتِ، قبل أن تنشبَ أظفارُها في قلبِك فتوردُك المهالكَ، قال ابن القيم -رحمه الله -حاكياً عن نفسه وأصحابه: "وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوفُ وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرضُ أتيناه - ؛أي: شيخَ الإسلامِ ابنَ تيمية رحمه الله - فما هو إلا أن نراه ونسمعَ كلامَه فيذهب ذلك كله عنا وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة الوابل الصيب (67). .
ومن أسباب الثبات على الحقِّ والتقى: الصبرُ على الطاعاتِ والصبرُ عن المعاصي، فإنه لن يحصلَ العبدُ الخيراتِ إلا بهذا، وقد أمر الله تعالى نبيَّه بالصبرِ، فقال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ سورة الكهف: 28، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ من الصبِر» أخرجه البخاري (1376) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فالصبرُ مثلُ اسمِه مُرٌّ مذاقتُه *** لكن عواقبُه أحلى من العَسَلِ
ومن أسبابِ الثباتِ على الدينِ والصلاحِ: كثرةُُ ذكرِ الله تعالى، كيف لا وقد قال: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ سورة الرعد: 28. ، وقال صلى الله عليه وسلم: «مثَلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثَلُ الحيِّ والميتِ» أخرجه البخاري (5928) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه . ؟! وقد أمر اللهُ تعالى عبادَه بالإكثارِ من ذكرِه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيرا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ سورة الأحزاب: 41-43. ،فذكرُ اللهِ كثيراً وتسبيحُه كثيراً سببٌ لصلاتِه سبحانه وصلاةِ ملائكتِه التي يخرج بها العبدُ من الظلماتِ إلى النور فياحسرةَ الغافلين عن ربِّهم ماذا حُرموا من خيرِه وفضلِه وإحسانِه.
ومن أسباب الثباتِ على الحق والهدى: تركُ الظلمِ، فالظلم عاقبتُه وخيمةٌ، وقد جعل الله التثبيتَ نصيبَ المؤمنين والإضلالَ حظَّ الظالمين، فقال جل ذكره: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ سورة إبراهيم: 27..
فاتقوا الظلمَ أيها المؤمنون، اتقوا ظلمَ أنفسِكم بالمعاصي والذنوبِ، واتقوا ظلمَ أهلِيكم بالتفريطِ في حقوقِهم والتضييعِ لهم، واتقوا ظلمَ من استرعاكم اللهُ إياهم من العمالِ ونحوهم، فإن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة.
هذه بعضُ أسباب الثباتِ على الحقِّ والهدى والدِّينِ والتقى، من أخَذَ بها فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ ووقاه اللهُ سوءَ العاقبة والمآل.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.