×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / حصاد المنابر / خطبة: ألا بذكر الله تطمئن القلوب .

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 ألا بذكر الله تطمئن القلوب  الخطبة الأولى :  الحمد لله الذي زين بذكره ألسن الذاكرين وأظهر من جميل أسمائه وصفاته وأفعاله ما سر به قلوب العارفين، فأثنى عليه بها المفردون الموحدون من الأولين والآخرين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.  أما بعد.   عباد الله اتقوا الله وأكثروا من ذكره، فإن ذكره سبحانه قوت قلوب الذاكرين، وهو قرة عيون الموحدين وهو عدتهم الكبرى، وسلاحهم الذي لا يبلى، وهو دواء أسقامهم الذي متى تركوه أصيبت منهم المقاتل، فانتكسوا على أعقابهم خاسرين.  إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتكس فبالذكر يستدفع الذاكرون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم المصيبات، فإليه الملجأ إذا ادلهمت الخطوب، وإليه المفزع عند توالي الكوارث والكروب، به تنقشع الظلمات والأكدار وتحل الأفراح والمسرات.  وقد أمر الله تعالى به المؤمنين، فقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾+++ سورة الأحزاب: 41--- ،وقال تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾+++ سورة البقرة: 152. ---،  وقد أثنى الله  سبحانه وتعالى  في كتابه على الذاكرين، فقال تعالى:﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات﴾ إلى أن قال: ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾+++ سورة الأحزاب: 35---. وأما الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد دلت الأدلة على أن أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة ذكر الله تعالى، فمن ذلك ما رواه أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم»  قالوا: بلى، قال: «ذكر الله تعالى»+++ "مسند أحمد" (21995) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وحسنه الهيثمي في المجمع (16743)---.  ومن ذلك أيضا ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جمدان فقال صلى الله عليه وسلم:(هذا جمدان سبق المفردون) قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:«الذاكرون الله كثيرا والذاكرات»+++"صحيح مسلم "(2676)---.  ومما يظهر فضل الذكر وعلو مرتبته ما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن بسر  رضي الله عنه  أن رجلا قال:" يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»+++ أخرجه الترمذي (3375)،وصححه الألباني في الجامع الصغير (13658). ---.  ومما يدل على ذلك أن الله تعالى أمر المؤمنين بأن يذكروه قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فقال تعالى: ﴿فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم﴾+++ سورة النساء:  103.---.  وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه»+++ أخرجه مسلم (373).---.  أيها المؤمنون. اعلموا أن أعلى مراتب الذكر الذي أمر الله به هو ما تواطأ فيه القلب واللسان، واعلموا أن هذا الفضل العظيم والأجر الكثير ليس معلقا على ذكر الشفة واللسان فحسب، بل لا يثبت هذا الأجر الموعود إلا على ذكر يتواطأ فيه القلب واللسان، فذكر الله إن لم يخفق به القلب، وإن لم تعش به النفس، وإن لم يكن مصحوبا بالتضرع والتذلل والمحبة لله تعالى فلن يكون سببا لتحصيل هذه المزايا والفضائل.  وقد يسأل المرء ما سر تفضيل الذكر على سائر أنواع وأعمال البر مع أنه خفيف على اللسان، ولا يحصل به تعب على الأبدان ؟ فالجواب أن سر هذا التفضيل هو أن الذكر يورث يقظة القلب وحياته وصلاحه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»+++ أخرجه مسلم (779) من حديث أبي موسى الأشعري  رضي الله عنه --- فالذكر حياة القلوب وصلاحها، فالذكر للقلب كالماء للزرع بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به، فإذا حيت القلوب وصلحت صلحت الجوارح واستقامت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»+++ أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). من حديث النعمان بن بشير  رضي الله عنه ---.  فعليكم عباد الله بالإكثار من ذكره سبحانه وعمارة الأوقات والأزمان بالأذكار والأوراد المطلقة والمقيدة، كقول: لا إله إلا الله فإنها من خير الأقوال وأحبها إلى الله، أو قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنها خير مما طلعت عليه الشمس، وغير ذلك من الأقوال التي تنمى بها الحسنات وترفع بها الدرجات وتوضع السيئات,، فإن قصرت همتك وضعفت قوتك عن تلك المنازل الكبار، فلا أقل من أن تحافظ على الأذكار المؤقتة والمقيدة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأقل ذلك –؛أي: ما ينبغي على العبد المحافظة عليه من الأذكار- أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكار المؤقتة في أول النهار وآخره،وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام ،وأدبار الصلوات ،والأذكار المقيدة، مثل ما يقال عند الأكل والشرب واللباس والجماع ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك وعند المطر والرعد وغير ذلك"+++ مجموع الفتاوى 10/661.---، وقد صنفت في ذلك بعض الكتيبات فما عليك أيها المبارك إلا أن تقتني واحدا من تلك المصنفات وتواظب على المسابقة في الخيرات.  ومما يشحذ همتك ويلهب حماسك ويجذبك إلى ذكر مولاك أن تعلم أن للذكر فوائد كثيرة وعواقب حميدة لمن حافظ عليه وأكثر منه، وإليك بعض هذه الفوائد.  فمن فوائد الذكر الكبار: أنه يورث محبة الله سبحانه وتعالى، فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم، فكلما ازداد العبد لله ذكرا ازداد له حبا ،فمن أراد أن يفوز وينال محبة الله تعالى فليلهج بذكره.  ومن فوائد ذكر الله تعالى: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويزيل الهم والغم والحزن، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، ففي الترمذي وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال – يعني: إذا خرج من بيته -: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت وهديت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي»+++ سنن الترمذي" (3426 )، وأبو داود (5095)،والنسائي في الكبرى(9837)، وصححه الألباني---.   وقد ثبت أن الشيطان يهرب من الأذان، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى»+++ أخرجه البخاري (608)، ومسلم (389)---. ومنها: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة، ويمده بالقوة في قلبه وبدنه حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يفعله بدونه؛ ولذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين ،ويحمدا ثلاثا وثلاثين ،ويكبرا أربعا وثلاثين لما سألته أن يعطيها خادما وقال: «إنه خير لكما من خادم»+++ أخرجه البخاري (3705) ،ومسلم (2727).---.  ومنها: أن الذكر يورث ذكر الله تعالى للعبد، قال الله تعالى:﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾+++ سورة البقرة: 152---،وفي الحديث القدسي قال تعالى:«فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»+++ أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه ---.    الخطبة الثانية : الحمد لله الذي أمر بذكره ورتب على ذلك عظيم أجره، والصلاة والسلام على أعظم الناس ذكرا لربه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه.  أما بعد.  فاعلموا أيها المؤمنون أن من فوائد الذكر أن الله سبحانه  يباهي بالذاكرين ملائكته، كما في حديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجماعة اجتمعوا يذكرون الله: «أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم ملائكته»+++ أخرجه مسلم (2701).---.  ومن فوائد الذكر: أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة كما قال صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»+++ أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.---.  ومن فوائده: أنه يورث المراقبة حتى يدخل العبد في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه. ومن فوائد الذكر: أنه يورث الإنابة، وهي الرجوع إلى الله تعالى، فإنه متى أكثر العبد الرجوع إلى الله تعالى بذكره أورثه ذلك رجوعه إلى الله تعالى بقلبه في كل الأحوال، فيصير الله تعالى مفزعه وملجأه وملاذه ومعاذه وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا.  ومن فوائده: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، فإن الغافل بينه وبين الله حجاب كثيف ووحشة لا تزول إلا بالذكر.  ومن فوائده: أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل، فإن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى تكلم بهذه المحرمات، ولا سبيل إلى السلامة منها ألبتة إلا بذكر الله تعالى، والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك، فمن عود لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولابد.  ومن فوائد الذكر: أنه من أكبر العون على طاعته سبحانه ،فإنه يحبب الطاعة إلى العبد ويسهلها عليه، يجعلها قرة عينه فلا يجد في الطاعة من الكلفة والمشقة والعناء ما يجده الغافل.  ومن فوائده: أنه يسهل المصاعب وييسر العسير ويخفف المشاق ،فما ذكر الله على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر،ولا على شاق إلا خف ،ولا على شدة إلا زالت ،ولا كربة إلا انفرجت؛ وذلك لأن الذكر يذهب عن القلب المخاوف كلها ،وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول الخوف ،قال الله تعالى:﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾+++ سورة الرعد: 28---.  ومن أعظم فوائد الذكر: أنه ينبه القلب من نومه ويوقظه من سنته، والقلب إذا كان نائما فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر وأحيا بقية عمره، واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظته إلا بذكر.  أيها المؤمنون. هذه بعض فوائد الذكر الذي هو من أسهل الأعمال وأيسرها وأقلها كلفة، فهلا عمرنا به الأوقات، وشغلنا به المشاهد والخلوات، عسى أن ندرك بعض هذه المناقب والخيرات، فإنه والله وبالله من أعظم الحرمان ومن أشد الخذلان أن يمضي الواحد منا الساعات، إما صامتا ساكتا أو متكلما فيما لا يعود عليه بنفع، لا في الدنيا ولا في يوم المعاد، بل إنه قد أصبح من غرائب المشاهدات عند أكثر الناس أن يروا من يحرك شفتيه بالذكر في المجامع والخلوات، فما أن يروا من ذلك شيئا إلا رمقه الناس بأبصارهم وتابعوه بأنظارهم، وقد يسيء به بعضهم الظن فينسبه إلى قلة العقل أو غير ذلك من الأمراض، فإنا لله وإنا إليه راجعون.   

المشاهدات:22339
 ألا بذِكْرِ الله تطمئنُ القلوبُ 
الخطبة الأولى :

 الحمد لله الذي زيَّن بذكرِه ألسنَ الذاكرين وأظهرَ من جميلِ أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه ما سَرَّ به قلوبَ العارفين، فأثنى عليه بها المفرِّدُون الموحدون من الأولين والآخرين، أحمدُه تعالى وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 

أما بعد.  
عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأكثِروا من ذكرِه، فإن ذكره سبحانه قوتُ قلوبِ الذَّاكِرين، وهو قُرَّةُ عيونِ الموحدين وهو عُدَّتُهم الكبرى، وسلاحُهم الذي لا يَبلى، وهو دواءُ أسقامِهم الذي متى تركوه أُصيبت منهم المقاتلُ، فانتَكَسوا على أعقابِهِم خاسرين. 
إذا مرِضْنا تَدَاويْنا بذِكرِكُمُ ونتركُ الذَّكرَ أحياناً فننتكسُ
فبالذكرِ يستدفعُ الذاكرون الآفاتِِ ويستكشفون الكرباتِ وتهون عليهم المصيباتُ، فإليه الملجأ إذا ادلهمت الخطوبُ، وإليه المفزعُ عند توالي الكوارِثِ والكُروبِ، به تنقشعُ الظُّلُماتُ والأكدارُ وتحلُّ الأفراحُ والمسرَّاتُ. 
وقد أمرَ الله تعالى به المؤمنين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ سورة الأحزاب: 41 ،وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ سورة البقرة: 152. ، 
وقد أثنى اللهُ  سبحانه وتعالى  في كتابِه على الذَّاكِرِين، فقال تعالى:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ سورة الأحزاب: 35.
وأما الأخبارُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقد دلَّتْ الأدلَّةُ على أن أفضلَ ما شغلَ العبدُ به نفسَه في الجملةِ ذكرُ اللهِ تعالى، فمن ذلك ما رواه أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند ملِيكِكُم وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم»  قالوا: بلى، قال: «ذكرُ اللهِ تعالى» "مسند أحمد" (21995) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وحسنه الهيثمي في المجمع (16743)
ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام مسلم في "صحيحِه" عن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال:" كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ في طريقِ مكةَ فمرَّ على جَبَلٍ يقال له: جُمدان فقال صلى الله عليه وسلم:(هذا جمدانُ سبقَ المفرِّدون) قالوا: وما المفرِّدون يا رسولَ الله؟ قال:«الذاكرون الله كثيراً والذاكرات»"صحيح مسلم "(2676)
ومما يُظهِرُ فضلَ الذِّكرِ وعلوَ مرتبتِه ما أخرجه الترمذي عن عبد اللهِ بن بسرٍ  رضي الله عنه  أن رجلاً قال:" يا رسولَ اللهِ إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرَت عليَّ فأخبرْني بشيءٍ أتشبَّثُ به قال: «لا يزال لسانُك رطباً من ذكرِ الله» أخرجه الترمذي (3375)،وصححه الألباني في الجامع الصغير (13658).
ومما يدل على ذلك أن اللهَ تعالى أمرَ المؤمنين بأن يذكروه قياماً وقعوداً وعلى جنوبِهم، فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ سورة النساء:  103.
وهكذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يذكُرُ اللهَ على كلِّ أحيانِه» أخرجه مسلم (373).
أيها المؤمنون.
اعلموا أن أعلى مراتبِ الذِّكرِ الذي أمر اللهُ به هو ما تواطَأُ فيه القلبُ واللسانُ، واعلموا أن هذا الفضلَ العظيمَ والأجرَ الكثيرَ ليس معلَّقاً على ذكرِ الشِّفَةِ واللسانِ فحسب، بل لا يثبت هذا الأجرُ الموعودُ إلا على ذكرٍ يتواطأُ فيه القلبُ واللسانُ، فذكرُ اللهِ إن لم يخفِقْ به القلبُ، وإن لم تعُشْ به النفسُ، وإن لم يكن مصحوباً بالتضرُّع والتذلُّلِ والمحبَّةِ للهِ تعالى فلن يكونَ سبباً لتحصيلِ هذه المزايا والفضائلِ. 
وقد يسأل المرءُ ما سِرُّ تفضيلِ الذِّكرِ على سائرِ أنواعِ وأعمالِ البرِّ مع أنه خفيفٌ على اللسانِ، ولا يحصل به تعبٌ على الأبدانِ ؟
فالجوابُ أن سرَّ هذا التفضيلِ هو أن الذكرَ يورِثُ يقظةَ القلبِ وحياتَه وصلاحَه؛ ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يذكُرُ ربَّه والذي لا يذكُرُ ربَّه مَثَلُ الحيِّ والميتِ» أخرجه مسلم (779) من حديث أبي موسى الأشعري  رضي الله عنه فالذكرُ حياةُ القلوب وصلاحُها، فالذكر للقلبِ كالماءِ للزرعِ بل كالماءِ للسمكِ، لا حياة له إلا به، فإذا حَيَت القلوبُ وصَلُحَت صلحت الجوارحُ واستقامت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسدِ مضغةً إذا صَلُحت صلُح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كُلُّه، ألا وهي القلبُ» أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599). من حديث النعمان بن بشير  رضي الله عنه
فعليكم عبادَ اللهِ بالإكثارِ من ذكرِه سبحانه وعمارةِ الأوقاتِ والأزمانِ بالأذكارِ والأورادِ المطلقةِ والمقيدةِ، كقولِ: لا إلهَ إلا اللهُ فإنها من خيرِ الأقوالِ وأحبِّها إلى اللهِ، أو قول: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلا الله واللهُ أكبر، فإنها خيرٌ مما طلعت عليه الشمسُ، وغيرِ ذلك من الأقوالِ التي تنمَّى بها الحسناتُ وترفعُ بها الدرجاتُ وتوضعُ السيئاتُ,، فإن قصُرَت هِمتُك وضعفت قوَّتُك عن تلك المنازلِ الكبارِ، فلا أقلَّ من أن تحافظَ على الأذكارِ المؤقتةِ والمقيدةِ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأقل ذلك –؛أي: ما ينبغي على العبدِ المحافظةُ عليه من الأذكارِ- أن يلازمَ العبدُ الأذكارَ المأثورةَ عن معلِّمِ الخيرِ وإمامِ المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكارِ المؤقتةِ في أول النهار وآخره،وعند أخذِ المضجع، وعند الاستيقاظِ من المنامِ ،وأدبار الصلواتِ ،والأذكارِ المقيدةِ، مثل ما يقالُ عند الأكلِ والشربِ واللباسِ والجماعِ ودخولِ المنزلِ والمسجدِ والخلاءِ والخروجِ من ذلك وعندَ المطرِ والرعدِ وغيرِ ذلك" مجموع الفتاوى 10/661.، وقد صنفت في ذلك بعضُ الكتيِّباتِ فما عليك أيها المبارك إلا أن تقتنيَ واحداً من تلك المصنفاتِ وتواظبُ على المسابقةِ في الخيراتِ. 
ومما يشحذُ همتَك ويلهِبُ حماسَك ويجذبُك إلى ذكرِ مولاك أن تعلمَ أن للذكرِ فوائدَ كثيرةً وعواقبَ حميدةً لمن حافظ عليه وأَكثَرَ منه، وإليك بعض هذه الفوائد. 
فمن فوائد الذكر الكبار: أنه يورثُ محبةَ الله سبحانه وتعالى، فالذكرُ بابُ المحبة وشارعها الأعظمُ وصراطُها الأقوم، فكلما ازداد العبدُ لله ذكراً ازداد له حباً ،فمن أرادَ أن يفوزَ وينال محبةَ الله تعالى فليلهجْ بذكرِه. 
ومن فوائد ذكر الله تعالى: أنه يطردُ الشيطانَ ويقمعُه ويكسرُه، ويزيلُ الهمَّ والغمَّ والحزنَ، ويجلبُ للقلبِ الفرحَ والسرورَ والبسطَ، ففي الترمذي وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك  رضي الله عنه  قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قال – يعني: إذا خرج من بيته -: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ وهُديتَ ووُقيتَ، وتنحَّى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي» سنن الترمذي" (3426 )، وأبو داود (5095)،والنسائي في الكبرى(9837)، وصححه الألباني.  
وقد ثبت أن الشيطانَ يهربُ من الأذانِ، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاةِ أدبرَ الشيطانُ وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويبُ أقبل حتى يخطرَ بين المرءِ ونفسِه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكرُ، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى» أخرجه البخاري (608)، ومسلم (389).
ومنها: أنه يكسو الذاكرَ المهابةَ والحلاوةَ والنضرةَ، ويمُدُّه بالقوةِ في قلبه وبدنه حتى إنه ليفعل مع الذكرِ ما لا يفعله بدونِه؛ ولذلك علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ وعليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يسبحا كلَّ ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ،ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ،ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته أن يعطيها خادماً وقال: «إنه خير لكما من خادم» أخرجه البخاري (3705) ،ومسلم (2727).
ومنها: أن الذكرَ يورثُ ذكرَ اللهِ تعالى للعبدِ، قال الله تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ سورة البقرة: 152،وفي الحديث القدسي قال تعالى:«فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم» أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه
 
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله الذي أمرَ بذِكرِه ورتَّب على ذلك عظيمَ أجرِه، والصلاةُ والسلامُ على أعظمِ الناسِ ذكراً لربِّه، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن سار على درْبه. 
أما بعد. 
فاعلموا أيها المؤمنون أن من فوائدِ الذكرِ أن اللهَ سبحانه  يباهي بالذاكِرين ملائكتَه، كما في حديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لجماعةٍ اجتمعوا يذكُرون اللهَ: «أتاني جبريلُ فأخبرني أن اللهَ يباهِي بكم ملائكتَه» أخرجه مسلم (2701).
ومن فوائد الذكر: أنه سببٌ لنزولِ الرحمةِ والسكينةِ كما قال صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوتِ اللهِ يتلون كتابَ اللهِ ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينةُ وغشيتهم الرحمةُ وحفتهم الملائكةُ، وذكرهم اللهُ فيمن عنده» أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن فوائده: أنه يورثُ المراقبةَ حتى يُدخل العبدَ في بابِ الإحسانِ، فيعبد اللهَ كأنه يراه.
ومن فوائد الذكر: أنه يورث الإنابةَ، وهي الرجوعُ إلى الله تعالى، فإنه متى أَكثَرَ العبدُ الرجوعَ إلى اللهِ تعالى بذِكرِه أورثَه ذلك رجوعَه إلى اللهِ تعالى بقلبِه في كلِّ الأحوالِ، فيصير اللهُ تعالى مفزعَه وملجأَه وملاذَه ومعاذَه وقبلةَ قلبِه ومهربَه عند النوازلِ والبلايا. 
ومن فوائده: أنه يزيل الوحشةَ بين العبدِ وبين ربه تبارك وتعالى، فإن الغافلَ بينه وبين اللهِ حجابٌ كثيفٌ ووحشةٌ لا تزولُ إلا بالذكرِ. 
ومن فوائده: أنه سببُ اشتغالِ اللسانِ عن الغيبةِ والنميمةِ والكذبِ والفحشِ والباطلِ، فإن العبدَ لا بد له من أن يتكلمَ، فإن لم يتكلم بذكرِ الله تعالى تكلَّم بهذه المحرماتِ، ولا سبيلَ إلى السلامة منها ألبَتَّةَ إلا بذكرِ الله تعالى، والمشاهدةُ والتجربةُ شاهدان بذلك، فمن عوَّد لسانَه ذكرَ الله صانَ لسانَه عن الباطلِ واللغوِ، ومن يبس لسانُه عن ذكرِ اللهِ تعالى ترطَّب بكلِّ باطلٍ ولغوٍ وفحشٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونفسُك إن لم تشغلْها بالحقِّ شغلتك بالباطلِ ولابد. 
ومن فوائد الذكر: أنه من أكبرِ العون على طاعتِه سبحانه ،فإنه يحببُ الطاعةَ إلى العبدِ ويسهلها عليه، يجعلها قرةَ عينه فلا يجد في الطاعةِ من الكلفةِ والمشقة والعناءِ ما يجدُه الغافلُ. 
ومن فوائده: أنه يسهلُ المصاعبَ وييسر العسيرُ ويخفف المشاق ،فما ذكر الله على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسرَ،ولا على شاقٍّ إلا خفَّ ،ولا على شدةٍ إلا زالت ،ولا كربةٍ إلا انفرجت؛ وذلك لأن الذكرَ يذهِبُ عن القلبِ المخاوفَ كلَّها ،وله تأثيرٌ عجيبٌ في حصولِ الأمنِ، فليس للخائفِ الذي قد اشتدَّ خوفُه أنفعُ من ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ إذ بحسبِ ذِكرِه يجدُ الأمنَ ويزولُ الخوفُ ،قال الله تعالى:﴿أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ سورة الرعد: 28
ومن أعظم فوائد الذكرِ: أنه ينبِّه القلبَ من نومِه ويوقِظُه من سِنَتِه، والقلبُ إذا كان نائماً فاتته الأرباحُ والمتاجرُ، وكان الغالبُ عليه الخسرانَ، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومتِه شدَّ المئزرَ وأحيا بقيةَ عُمُرِه، واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظتُه إلا بذكرٍ. 
أيها المؤمنون.
هذه بعضُ فوائد الذكرِ الذي هو من أسهلِ الأعمالِ وأيسرِها وأقلِّها كلفةً، فهلا عمَّرنا به الأوقاتَ، وشغلنا به المشاهدَ والخلواتِ، عسى أن ندرك بعض هذه المناقبِ والخيراتِ، فإنه واللهِ وباللهِ من أعظمِ الحرمانِ ومن أشدِّ الخذلانِ أن يمضِيَ الواحدُ منَّا الساعاتِ، إما صامتاً ساكتاً أو متكلماً فيما لا يعودُ عليه بنفعٍ، لا في الدنيا ولا في يومِ المعادِ، بل إنه قد أصبحَ من غرائبِ المشاهداتِ عندَ أكثرِ الناسِ أن يرَوْا من يحرِّك شفتيْه بالذكر في المجامعِ والخلواتِ، فما أن يروا من ذلك شيئاً إلا رمَقَه الناسُ بأبصارِهم وتابعوه بأنظارِهم، وقد يسيء به بعضهم الظنَّ فينسبُه إلى قلةِ العقلِ أو غير ذلك من الأمراضِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53357 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50923 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46030 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف