مخاطرُ المراكبِ والسياراتِ
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، فإنَّ من الواجبِ عليكم أيُّها المؤمنون أن تشْكُروا اللهَ تعالى على نِعَمِه، التي منَّ بها عليكم، فإنه ما من نِعمةٍ تصلُ إليكم، إلا بتقديرِ اللهِ تعالى وتيسيرِه، فما بِكمْ من نِعمةٍ فمِنَ اللهِ.
أيها الناس.
إن من نِعمِ اللهِ تعالى على أهلِ هذا الزمانِ ما يسَّرَه لهم، من الاختراعاتِ التي غيَّرتْ حياةَ الناسِ، قربت البعيدَ، ويسَّرت العسيرَ، فالحمدُ للهِ على ما يسَّر.
واللهُ تعالى ابتلاكم بهذا لينظرَ: أتشكرونه أو تكفرونه؟ فمن شكَرَ فإنما يمهِّدُ لنفسِه، ومن كفَرَ، فإنَّ اللهَ غنيٌّ عن العالمين.
فاشكروا اللهَ أيها الناسُ على ما يسَّره لكم، من نعمٍ عظيمةٍ، في المآكل والمشارب، وفي المراكبِ والملابسِ، وفي سائرِ شؤونِ حياتِكُم ومعاشِكُم، فإنَّ شكرَ اللهِ تعالى سببٌ لمزيدٍ من الخيرِ والنعمِ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ سورة إبراهيم: (7)
أيها الناس.
إن من النِّعم التي يسَّرها اللهُ لأهلِ هذا العصرِ وسائلَ النَّقلِ، من السياراتِ وغيرِها، التي تنقلكم وتحملُ أثقالَكم، إلى بلدٍ لم تكونوا بالغِيه، إلا بشقِّ الأنفسِ، فحقُّ هذه النعمةِ أن تُشكَرَ، وأن تُسخَّرَ في طاعةِ اللهِ تعالى، ونفعِ عبادِهِ.
فإن من النَّاسِ من أساءَ استعمالَ هذه المراكبِ، فسخَّرها في إلحاقِ الضررِ بنفسِه، أو بغيرِه، فلم يُحسِن التصرفَ فيها، فمِن الناسِ مَن يقودُ هذه السياراتِ والمراكبَ بسرعةٍ فائقةٍ، ومنهم من يقودُها، وهو جاهلٌ بقواعدَ القيادةِ، ومنهم من يقودُها وهو مفرِّطٌ بأسباب السلامة، ومنهم من يقودُ هذه السياراتِ من غيرِ مراعاةٍ لأنظمةِ المرورِ والسيرِ، غيرَ مبالٍ بأرواحِ الناسِ وممتلكاتِهم.
تهوُّرٌ واستهتارٌ طيشٌ وخبالٌ.
ولما كانت هذه حالَ كثيرٍ ممَّن يقودُ السياراتِ، كانت النتيجةُ مأساةً فادحةً، وفواجعَ متواصلةً، وحوادثَ مروعةً، ذهب بسبَبِها كثيرٌ من الأنفسِ والأموالِ.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وارعَوْا هذه النعمةَ حقَّ رعايتِها، خُذُوا أسبابَ النجاةِ، من مخاطرِ هذِهِ السياراتِ ومهالِكِها، واعلموا أنَّ أهمَّ الأسبابِ التي تقِي أخطارَ هذه المراكبِ تعلُّمَ أنظمةِ السَّيْرِ والمرورِ، والالتزامَ بها، فإنَّ في ذلك خيراً عظيماً، فيه حفظُ الأنفسِ، وحفظُ الأموالِ، وتوقي الأخطارِ، وطاعةُ اللهِ ورسولِه المختار صلى الله عليه وسلم ، اللَذَيْن أَمَرا بطاعةِ ولاةِ الأمورِ، في غيرِ المعصيةِ، فيجب على المؤمن أن يلتزمَ بقواعدِ السَّيْرِ، وأنظمةِ المرورِ؛ تعبُّداً للهِ، وتحقيقاً لمصلحةِ العبادِ والبلادِ.