لماذا نتعلَّمُ العلومَ الدِّينيةَ؟
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
أيها الإخوةُ الكرامُ، غداً القريبُ يبدأ عامٌ دراسيٌّ جديدٌ، تَفتح فيه دورُ التعليمِ أبوابَها، وتستقبل رُوَّادَها من الطلابِ والدَّارِسين، ذكوراً وإناثاً، ليتعلَّموا العلومَ والمعارفَ بشتَّى صنوفِها وفروعِها الدينيةِ والدنيويةِ، ولا يخفى أن ذلك يكلِّفُ كثيراً من الدُّولِ والأممِ أموالاً طائلة وجهوداً مضنيةً وأوقاتاً طويلةً.
فمن الجديرِ بنا مع إشراقةِ شمسِ هذا العامِ الدراسيِّ الجديدِ أن نسألَ أنفسَنا طلاباً ومعلمين، لماذا كلُّ هذه الجهودِ المسخرةِ والأموالِ المبذولةِ في التربيةِ والتعليمِ؟ وفي الجوابِ على هذا السؤالِ نقول: إن العلومَ التي يتلقَّاها الطلابُ في جميعِ مراحلِ دراستهم نوعان:
الأول: علومٌ دينيةٌ وشرعيةٌ بها يعرِفُ العبدُ ربَّه ومولاه، فيعرِفُ اللهَ تعالى وما يجبُ له من الربوبيةِ والألوهيةِ والأسماءِ والصفاتِ، ويعرفُ بها نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم وحقوقَه، ويعرف ما يحتاجه من الأحكامِ الشرعيةِ، كأحكام الطهارةِ والزكاة والصيام والحجِّ والمعاملات وغير ذلك.
وهذا القسطُ من العلمِ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، إذ حاجةُ الناسِ إلى العلومِ الشرعيةِ فوقَ كلِّ حاجةٍ، وهذا النوعُ من العلمِ هو الذي جاءت النصوصُ الشرعيةُ بإيجابِه والحثِّ عليه وبيانِ فضلِه.
الثاني: من العلومِ التي يدرسها الطلابُ في مراحلِ تعليمِهم علومٌ مدنيةٌ دنيويةٌ، بها يتعلَّمُ الدارسون ما يصلحون به معاشَ الناسِ، ويقِيمون دُنياهم، ويحصُل به عمارةُ الأرضِ، كعُلومِ الطبِّ والحسابِ والفَلَكِ والصناعةِ والهندسةِ والزراعة وغير ذلك.
وتعلُّمُ هذا النوعِ من العلومِ فرضُ كفايةٍ على المسلمين، فإنه لا يشكُّ ناصحٌ بصيرٌ ولا عالمٌ خبيرٌ بأن تعلُّمَ العلومِ المدنيةِ الدنيويةِ العصريةِ أضحى اليومَ ضرورةً حياتيةً، ومسألةً مصيريةً بالنسبة لأمة الإسلام، فإننا أيها المؤمنون في سباقٍ حضاريٍّ مع أممِ لا تعرف النومَ، أممٌ تصلُ الليلَ بالنهارِ، تسابق الريحَ عزيمةً ونشاطاً وجِدًّا في جمعِ العلومِ وتحصيلِها، ثم الاستفادةِ منها وتسخيرِها في خدمةِ أهدافِها وغاياتِها ومصالِحها، فما أشدَّ حاجتَنا أيها المؤمنون إلى إدراكِ هذه الحقيقةِ والعملِ على إشاعتِها بين المعلمين والمربِّين والطلابِ والمتعلمين، ليُدرِكوا الغايةَ من هذه الجهودِ المضنيةِ والأموالِ المبذولةِ في التعليمِ والتربيةِ.
أيها الإخوةُ الكرامُ، إن هذه الجهودَ الضخمةَ التي تبذلها الدُّولُ والأُممُ ومؤسساتُ التعليمِ ليس غايتَها أن يكون العلمُ تجاريًّا، تنتزعُ بواسطته الوظائفَ وتكتسب الأموالَ، بل غايتُها الحقيقية إصلاحُ دينِ المتعلمين ودنياهم، والارتقاءُ بالأمةِ والارتفاعُ بالبلادِ إلى درجاتِ العِزِّ ومراتبِ الشرفِ، والسبق والسيادة.
أيها المعلمون وأولياءَ أمورِ المتعلمين، اتقوا الله تعالى فيمن استرعاكم اللهُ إياهم، واحرصوا على تربيتِهم وتعليمِهم العلومَ النافعةَ، حبِّبوا إليهم العلمَ والمعرفةَ، ورغِّبوهم فيها، اغرسوا في نفوسِهم أنه لا سبيلَ للرِّفعةِ في الدِّين والدُّنيا إلا بالعلم .
فالعلمُ يرفعُ بيتاً لا عمادَ له *** والجهلُ يهدمُ بيتَ العِزِّ والشَّرفِ جواهر الأدب 2/51
أيها المؤمنون.
إن دينَ الإسلامِ دينٌ يعظِّم العلمَ النافعَ، سواء كان علماً دينياً أو علماً مدنيًّا دنيويٍّا، ولا عجبَ في ذلك، فإن أولَ كلمةٍ ابتدأَ بها الوحيُّ المنزَّلُ على محمدٍ النبي المرسل صلى الله عليه وسلم هي قولُ الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) سورة العلق: 1 والقراءةُ مفتاحُ العلومِ وبابُها الأعظمُ.