×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

صفات القرآن الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد.  فصدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لما كان يردد في خطبه: إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد  صلى الله عليه وسلم  ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كيف لا يكون كذلك والمتأمل المتبصر في كلام الفصحاء وأحاديث وأقاويل البلغاء يشهد بأن أصدق الحديث كتاب الله.  عباد الله، اتقوا الله الذي أمركم بتقواه واصطفاكم وخصكم وأكرمكم بالقرآن العظيم، الذي تحدى به الإنس والجان، وأفحم به أهل الزيغ والطغيان، جعله ربيع قلوب أهل البصائر والعرفان، وقال في وصفه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "هو كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به﴾+++ سورة الجن: 1-2--- من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"+++ أخرجه الترمذي (2906) وتقدم ذكره.---.  أمة القرآن، إن كتابا هذه صفته حري بأن يتعرف عليه الألباء، ويتأمله ويتدبره الحكماء والعلماء، وأن يستمسك به كل راغب في النجاة، وخير ما يعين على ذلك ما ذكره الله سبحانه له من الأوصاف والأسماء، التي تعرف بمهمته ودوره ورسالته، فإليك بارك الله فيك بعض هذه الأوصاف والأسماء.  فمن تلك الأوصاف: أن هذا الكتاب روح -مما وصف الله به تعالى كتابه المجيد- قال تعالى: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾+++ سورة الشورى: 52--- فهو روح يحيي به الله من يشاء من عباده، الأفراد والأمم والجماعات، فكم ميت لا روح فيه ولا حياة أحياه الله تعالى بروح الكتاب، قال تعالى: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾+++ سورة الأنعام: 122.---.  أيها المؤمنون. إن الحياة بروح هذا الكتاب هي أسعد وأكمل وألذ أصناف الحياة، قال تعالى: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾+++ سورة النحل: 97---، فالحياة بغير هذه الروح، مهما توفرت فيها أسباب المتع والراحة الأرضية المادية، إن لم تدب فيها روح القرآن وحياة الفرقان فهي أتعس وأنكد وأضيق حياة، قال الله تعالى: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾+++ سورة طه: 124---.  أيها المؤمنون. إن من صفات هذا الكتاب العظيم -مما وصف الله به تعالى كتابه المجيد- أنه نور، كما قال تعالى: ﴿ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ﴾+++ سورة التغابن: 8--- وقال: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾+++ سورة المائدة: 15- 16---.   فالقرآن نور تشرق به قلوب المؤمنين، ويضيء السبيل للسالكين المتقين، فبالقرآن يخرج الله الذين آمنوا من الظلمات والتعاسات إلى النور والسعادات.  عباد الله! إن هذا الكتاب فرقان، يميز الله به الخبيث من الطيب، قال الله تعالى: ﴿تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾+++ سورة الفرقان: 1---، فالقرآن فرقان يفرق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الغي والرشاد، وبين العمى والإبصار، وهو فرقان فرق الله فيه وبه بين المؤمنين الأبرار وبين الكافرين الفجار، ميز به وفيه بين المصلحين والمفسدين والمفلحين عن الخاسرين، وبين فيه وبه المهتدين من الضالين، وهو فرقان فرق فيه بين صفات أهل الجنات وسبيلهم، وبين صفات أهل النيران وسبلهم. ومن أوصافه: أنه برهان -أي: حجة- قال تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾+++ سورة النساء: 174.---، فهو برهان من الله لعباده المؤمنين وحزبه المفلحين، وهو حجة على الضالين والزائغين، فالقرآن هو البرهان القاطع والدليل الواضح الساطع على الحق والهدى؛ ولذلك كان وقعه على أعدائه أشد من وقع السيف والسنان.  أمة القرآن، إن من أوصاف هذا الكتاب المبين أنه موعظة وشفاء، وهدى ورحمة للمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾+++ سورة يونس: 57 ---، فالقرآن أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو أنجع الأدوية لما في الصدور والقلوب من الآفات والأمراض والأدناس، ففيه الشفاء من أمراض الشبهات والشهوات، وفيه علاج أمراض الأفراد والأمم والمجتمعات.  وهو هدى ورحمة للمؤمنين، يبين لهم الصراط المستقيم، ويدلهم على النهج القويم، ويوضح لهم معالم طريق الفائزين بجنات أرحم الراحمين.  ومن أوصافه: أنه النبأ -أي: الخبر العظيم- قال تعالى: ﴿قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون﴾+++ سورة ص: 67 -68--- فهو عظيم في وعده ووعيده وترغيبه وترهيبه وأحكامه وأخباره، وهو عظيم في أمثاله وأقاصيصه.  أيها المؤمنون. هذه بعض الأوصاف التي وصف الله تعالى بها كتابه الحكيم، وهو العليم الخبير.  والمتأمل في هذه الصفات وحقيقة انطباقها على الموصوف، يدرك إدراكا لا مرية فيه، ولاشك أنه أعظم آيات النبي  صلى الله عليه وسلم ، بل أعظم آيات الأنبياء، كيف لا يكون كذلك، وهو الذي أعجز نظامه الفصحاء، وأعيت معانيه البلغاء والحكماء، فلم يأتوا بسورة من مثله.  وكيف لا يكون كذلك وهو الذي أحدث الانقلاب العظيم والتغيير الكبير في عقائد العرب  وتصوراتهم وعباداتهم وأفكارهم وأخلاقهم وسياساتهم وجميع شؤونهم، فبينا كان العربي يعبد الأحجار والأشجار ويعاقر الخمر ويعاشر النساء ويقطع الأرحام ولا يعرف لوجوده غاية، ولا يحمل بين جنبيه رسالة أنزل الله على نبيه محمد  صلى الله عليه وسلم  الفرقان، فانبثقت من بين دفتيه خير أمة أخرجت للناس، كما قال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾+++ سورة آل عمران: 110---.  إن هذه الأمة التي ذكرها الله تعالى خرجت من بين هدى، فتساقطت بين يديها أمم الكفر والظلام، فأصبح ذلك العربي المغمور يحمل مشاعل الأنوار، ليخرج الناس من عبودية الطواغيت والأوثان إلى عبودية الملك الديان.  ˜˜¹™™   الخطبة الثانية : أما بعد.  فإن الأوصاف التي ذكرها الله تعالى لكتابه الكريم لم يذكرها عبثا ولا لمجرد التمدح والإطراء فحسب، بل ذكرها وكررها ونوعها ليبين لنا السبيل المستقيم والطريق القويم في التعامل مع القرآن الحكيم.  أيها الإخوة المؤمنون. إن من أبرز أسباب تدهور الأمة وتخلفها وتأخرها في مجالات الحياة كلها هو ضعف أخذها بهذا الكتاب، وسوء تعاملها معه، فعلى سبيل المثال لذلك أقول:  كم هم الذين يعدون القرآن الكريم هو مصدر التلقي والتوجيه، وهو مصدر صياغة وبناء العقائد والعبادات والأخلاق والأفكار، ليعرفوا عدوهم من صديقهم؟!  كم هم الذين يعودون للقرآن ليميزوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؟!  كم هم الذين يجعلون القرآن إماما لهم في جميع شؤون حياتهم، صغيرها وكبيرها، خاصها وعامها؟! إنهم وللأسف نزر قليل وعدد يسير.  فالأكثرون قد قنعوا من العمل بالقرآن والأخذ به بمجرد الدعوى، وقد صدق القائل: الدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء فأكثر الأمة اختزلوا مهمة القرآن العظيم من موجه للأمة وقائد لها، إلى كتاب يرتله المرتلون ويترنم به المترنمون، ويتلونه آناء الليل وآناء النهار، يهذونه هذ الشعر، وينثرونه نثر الدقل، هم أحدهم آخر السورة.  ومنهم الذين جعلوه تمائم وتعاويذ يضعونها في جيوبهم أو صدورهم أو مراكبهم أو فرشهم، يتبركون به ولا يلتفتون إليه في غير ذلك من الشؤون.  ومنهم الذين لا يعرفون كتاب الله إلا في المناسبات، في الأفراح أو الأتراح.  وأما عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم وتصوراتهم وسياساتهم وشرائعهم واقتصادياتهم، فإن القرآن منها بريء، ومصادرهم فيها الشرق أو الغرب، أو قول القائل: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون.  أمة القرآن، إن الواجب علينا أن نأخذ هذا الكتاب بقوة وحزم، فنصوغ به قلوبنا وسلوكياتنا وحياتنا، وأن نستمسك به فنعالج مسائل اليوم، وننير به طريق الغد، بهذا تخرج الأمة فرادى وجماعات إلى حياة الناس، كما وصفها الله في كتابه، فقال: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾+++ سورة آل عمران: 110---.

المشاهدات:4902
صِفاتُ القرآنِ
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد. 
فصدقَ رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  لما كان يردِّدُ في خُطَبِه: إن أصدَقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ  صلى الله عليه وسلم  ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النارِ، كيف لا يكون كذلك والمتأملُ المتبصرُ في كلام الفصحاء وأحاديثِ وأقاويلِ البلغاءِ يشهد بأن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله. 
عباد اللهِ، اتقوا اللهَ الذي أمرَكم بتقواه واصطفاكم وخصَّكم وأكرمَكم بالقرآنِ العظيمِ، الذي تحدَّى به الإنسَ والجانَ، وأفحمَ به أهلَ الزَّيغِ والطغيانِ، جعله ربيعَ قلوبِ أهلِ البصائرِ والعرفانِ، وقال في وصفِه أميرُ المؤمنين ورابعُ الخلفاءِ الراشدين عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: "هو كتابُ الله، فيه نبأُ من قبلَكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحكمُ ما بينَكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، مَن تركَه مِن جبارٍ قصمَه اللهُ، ومن ابتغى الهدى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينِ، وهو الذِّكرُ الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواءُ، ولا تلتبس به الألسنةُ، ولا يشبع منه العلماءُ، ولا يخلق عن كثرةِ الردِّ، ولا تنقضي عجائبُه، وهو الذي لم تنتِه الجِنُّ إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ سورة الجن: 1-2 من قال به صدقَ، ومن عمل به أُجر، ومن حكمَ به عدلَ، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيمٍ" أخرجه الترمذي (2906) وتقدم ذكره.
أمةَ القرآنِ، إن كتاباً هذه صفتُه حريٌّ بأن يتعرف عليه الألباءُ، ويتأمله ويتدبَّرُه الحكماءُ والعلماءُ، وأن يستمسك به كلُّ راغبٍ في النجاةِ، وخير ما يُعين على ذلك ما ذكره اللهُ سبحانه له من الأوصافِ والأسماءِ، التي تعرِّفُ بمهمتِه ودوْرِه ورسالتِه، فإليك بارك الله فيك بعض هذه الأوصافَ والأسماءَ. 
فمن تلك الأوصافِ: أن هذا الكتابَ رُوحٌ -مما وصف الله به تعالى كتابه المجيد- قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ﴾ سورة الشورى: 52 فهو رُوحٌ يحيي به اللهُ من يشاءُ من عبادِه، الأفرادُ والأممُ والجماعاتُ، فكم ميتٍ لا روحَ فيه ولا حياةَ أحياه اللهُ تعالى برُوحِ الكتابِ، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ سورة الأنعام: 122.
أيها المؤمنون.
إن الحياةَ برُوحِ هذا الكتابِ هي أسعدُ وأكملُ وألذُّ أصنافِ الحياةِ، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة النحل: 97، فالحياةُ بغيرِ هذه الروحِ، مهما توفَّرت فيها أسبابُ المُتَعِ والراحةِ الأرضيةِ الماديةِ، إن لم تدُب فيها روحُ القرآنِ وحياةُ الفرقانِ فهي أتعسُ وأنكدُ وأضيقُ حياةً، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ سورة طـه: 124
أيها المؤمنون.
إن من صفاتِ هذا الكتابِ العظيمِ -مما وصف الله به تعالى كتابه المجيد- أنه نورٌ، كما قال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ سورة التغابن: 8 وقال: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ سورة المائدة: 15- 16.  
فالقرآنُ نورٌ تشرِقُ به قلوبُ المؤمنين، ويضيءُ السبيلَ للسَّالِكين المتقين، فبِالقرآنِ يُخرِجُ اللهُ الذين آمنوا من الظلماتِ والتعاساتِ إلى النورِ والسعاداتِ. 
عباد الله! إنَّ هذا الكتابَ فرقانٌ، يَمِيزُ اللهُ به الخبِيثَ من الطَّيِّبِ، قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ سورة الفرقان: 1، فالقرآنُ فرقانٌ يفرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ، وبين الهدى والضلالِ، وبين الغيِّ والرشادِ، وبين العمى والإبصارِ، وهو فرقانٌ فرَّق اللهُ فيه وبه بين المؤمنين الأبرارِ وبين الكافرين الفجارِ، ميَّز به وفيه بين المصلِحين والمفسدِين والمفلِحين عن الخاسرين، وبيَّنَ فيه وبِه المهتدين من الضالين، وهو فرقانٌ فرَّقَ فيه بين صفاتِ أهلِ الجناتِ وسبيلِهم، وبين صفاتِ أهلِ النيران وسُبُلِهم.
ومن أوصافه: أنه برهانٌ -أي: حجة- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ سورة النساء: 174.، فهو برهان من الله لعبادِه المؤمنين وحزبِه المفلحين، وهو حجةٌ على الضالِّين والزائِغين، فالقرآنُ هو البرهانُ القاطعُ والدليلُ الواضح الساطعُ على الحقِّ والهدى؛ ولذلك كان وقعُه على أعدائِه أشدَّ من وقعِ السيفِ والسِّنانِ. 
أُمَّةَ القرآنِ، إنَّ من أوصافِ هذا الكتابِ المبينِ أنه موعظةٌ وشفاءٌ، وهدى ورحمةٌ للمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة يونس: 57 ، فالقرآن أبلغُ موعظةٍ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، وهو أنجعُ الأدويةِ لما في الصدورِ والقلوبِ من الآفاتِ والأمراضِ والأدناسِ، ففيه الشفاءُ من أمراضِ الشبهاتِ والشهواتِ، وفيه علاجُ أمراضِ الأفرادِ والأممِ والمجتمعاتِ. 
وهو هدى ورحمةٌ للمؤمنين، يبيِّنُ لهم الصِّراطَ المستقيمَ، ويدلُّهُم على النَّهجِ القوِيمِ، ويوضِّحُ لهم معالمَ طريقِ الفائزين بجنَّاتِ أرحمِ الراحمين. 
ومن أوصافه: أنه النَّبأُ -أي: الخبرُ العظيمُ- قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ سورة ص: 67 -68 فهو عظيمٌ في وعدِه ووعيدِه وترغيبِه وترهيبِه وأحكامِه وأخبارِه، وهو عظيمٌ في أمثالِه وأقاصيصِه. 
أيها المؤمنون.
هذه بعضُ الأوصافِ التي وصفَ اللهُ تعالى بها كتابَه الحكيمَ، وهو العليمُ الخبيرُ. 
والمتأمل في هذه الصفاتِ وحقيقةِ انطباقِها على الموصوفِ، يدركُ إدراكاً لا مريةَ فيه، ولاشكَّ أنه أعظمُ آياتِ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم ، بل أعظمُ آياتِ الأنبياءِ، كيف لا يكونُ كذلك، وهو الذي أعجزَ نظامُه الفصحاءَ، وأعيتْ معانيه البلغاءَ والحكماءَ، فلم يأتوا بسورةٍ من مثله. 
وكيف لا يكونُ كذلك وهو الذي أحدثَ الانقلابَ العظيمَ والتغييرَ الكبيرَ في عقائدِ العربِ  وتصوراتِهم وعباداتِهم وأفكارِهم وأخلاقِهم وسياساتِهم وجميع شؤونِهم، فبَيْنا كان العربيُّ يعبدُ الأحجارَ والأشجارَ ويعاقر الخمرَ ويعاشر النساءَ ويقطع الأرحامَ ولا يعرف لوجودِه غايةً، ولا يحمل بين جنبيه رسالةً أنزل اللهُ على نبيِّه محمدٍ  صلى الله عليه وسلم  الفرقانَ، فانبثقت من بين دفَّتَيْه خيرُ أمةٍ أخرجت للناسِ، كما قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ سورة آل عمران: 110
إن هذه الأُمَّةَ التي ذَكرَها اللهُ تعالى خَرَجَت من بين هدى، فتساقَطَت بين يديها أُمَمُ الكفرِ والظلامِ، فأصبحَ ذلك العربيُّ المغمورُ يحمِلُ مشاعِلَ الأنوارِ، ليُخرِجَ الناسَ من عبوديَّةِ الطواغيتِ والأوثانِ إلى عبوديةِ الملكِ الدَّيَّانِ. 
˜˜¹™™
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
فإن الأوصافَ التي ذكَرَها اللهُ تعالى لكتابِه الكريمِ لم يَذكُرْها عَبَثاً ولا لمجرَّدِ التمدُّحِ والإطراءِ فحسب، بل ذَكَرَها وكرَّرَها ونوَّعَها ليبيِّنَ لنا السَّبيلَ المستقيمَ والطَّرِيقَ القَوِيمَ في التعامُلِ مع القرآنِ الحكيمِ. 
أيها الإخوة المؤمنون.
إن من أبرزِ أَسبابِ تدَهْوُرِ الأُمَّةِ وتخلُّفِها وتأخُّرِها في مجالاتِ الحياةِ كلِّها هو ضعفُ أخذِها بهذا الكتابِ، وسُوءِ تعاملِها معه، فعلى سبيلِ المثالِ لذلك أقولُ: 
كم هم الذين يَعُدُّون القرآنَ الكريمَ هو مصدرُ التلقِّي والتوجيهِ، وهو مصدرُ صياغةِ وبناءِ العقائدِ والعباداتِ والأخلاقِ والأفكارِ، ليعرفوا عدوَّهم من صدِيقِهم؟! 
كم هم الذين يعُودُون للقرآنِ ليميِّزوا بين أولياءِ الرحمنِ وأولياءِ الشيطانِ؟! 
كم هم الذين يجعلونَ القرآنَ إماماً لهم في جميعِ شؤونِ حياتِهم، صغيرِها وكبيرِها، خاصِّها وعامِّها؟!
إنهم وللأسفِ نزرٌ قليلٌ وعددٌ يسيرٌ. 
فالأكثرون قد قَنَعوا من العملِ بالقرآنِ والأخذِ به بمجرَّدِ الدعوى، وقد صَدَقَ القائلُ:
الدَّعاوى إنْ لم تُقِيموا عليها بيناتٍ أبناؤُها أدْعِياءُ
فأكثرُ الأمةِ اختَزلُوا مُهمَّةَ القرآنِ العظيمِ من مُوَجِّهٍ للأُمَّةِ وقائدٍ لها، إلى كتابٍ يرتِّلُه المرتِّلُون ويترنَّمُ به المترنِّمُون، ويتلونَه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، يهذُّونه هذَّ الشِّعْرِ، وينـثرونه نـثرَ الدَّقَل، هَمُّ أحدِهم آخرُ السورةِ. 
ومنهم الذين جَعَلُوه تمائِمَ وتعاويذَ يضعونها في جيوبِهِم أو صُدُورِهِم أو مراكبِهِم أو فُرُشِهِم، يتبرَّكون به ولا يلتفتون إليه في غيرِ ذلك من الشؤونِ. 
ومنهم الذين لا يعرِفون كتابَ اللهِ إلا في المناسباتِ، في الأفراحِ أو الأتراحِ. 
وأما عقائدُهم وعباداتُهم وأخلاقُهم وتَصَوُّراتُهم وسياساتُهم وشرائِعُهم واقتصادياتُهم، فإن القرآنَ منها بريءٌ، ومصادرُهم فيها الشَّرقُ أو الغربُ، أو قولُ القائلِ: إنا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّةٍ، وإنا على آثارِهم مقتدون. 
أُمَّةَ القرآنِ، إن الواجبَ علينا أن نأخُذَ هذا الكتابَ بقوَّةٍ وحزْمٍ، فنصُوغَ به قلوبَنا وسلوكياتِنا وحياتَنا، وأن نستمسكَ به فنعالجَ مسائلَ اليومِ، وننِيرَ به طريقَ الغدِّ، بهذا تخرج الأمةُ فرادى وجماعاتٍ إلى حياةِ الناسِ، كما وصفها اللهُ في كتابِه، فقالَ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ سورة آل عمران: 110.
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86098 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80580 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74832 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62060 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56422 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53411 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50988 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50765 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46073 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45645 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف