×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / حصاد المنابر / خطبة : أشد الناس عداوة لأهل الإيمان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

أشد الناس عداوة لأهل الإيمان الخطبة الأولى  : إن الحمد لله   الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، ولدينه وأوليائه يحاربون، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين على حين فترة من الرسل، فدعا الناس كافة إلى توحيد رب العالمين والانقياد إلى شرعه القويم، بعث بين يدي الساعة بالسيف بشيرا ونذيرا، فبلغ الرسالة أحسن البلاغ وأدى الأمانة أتم الأداء، وجاهد في الله الأعداء من اليهود والمشركين والنصارى والمنافقين، حتى أتاه اليقين وهو على ذلك، ف صلى الله عليه وسلم  وعلى آله وأصحابه وعلى سائر عباد الله الصالحين.  أما بعد. فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن لله سبحانه سننا في الأمم والمجتمعات، لا ينخرم نظامها ولا يضطرب ميزانها ولا يتغير سيرها ولا يتأخر وقوعها، دائمة دوام الليل والنهار، مطردة على مر العصور والأعوام، لا يعتريها ارتباك ولا اختلال، قال الله تعالى: ﴿فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا﴾+++ سورة فاطر: 43---  ومن هذه السنن: أن الله سبحانه وتعالى قضى بأن يكون لكل نبي عدو من المجرمين، يحاربه ويعمل على إبطال رسالته، وإطفاء أنوار شريعته، ودحض حجته وتبديد دعوته وإفساد ملته وتمزيق أمته وتشويه سمعته ليصد الناس عنه، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا﴾+++ سورة الفرقان: 31--- وقال تعالى: ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون﴾+++ سورة الأنعام: 112---. وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه هؤلاء المجرمين، وذكر كثيرا من أوصافهم وأعمالهم وأحوالهم وقصصهم مع الأنبياء السابقين وأتباعهم المصدقين.  بيد أن المتأمل في كتاب الله وما فيه من القصص، يلاحظ أن فئة من هؤلاء الأعداء قد شغلت أخبارهم واحتلت أنباؤهم رقعة من القرآن وقصصه، فبين أفعالهم مع أنبيائهم وصادقيهم، وأظهر مواقفهم من المؤمنين على توالي السنين، وأماط اللثام عن كثير من صفاتهم وأحوالهم وخصالهم التي اختصوا بها، دون سائر الأعداء والمعاندين.  وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن شدة عداوتهم للمؤمنين الصادقين عامة، ولخاتم النبيين وأتباعه خاصة، فقال تبارك وتعالى: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾+++ سورة المائدة: 82.--- فأشد الناس عداوة لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  ودينه وأتباعه هم اليهود، الذين مرنوا على تكذيب الأنبياء والرسل وقتلهم، ودربوا بالعتو والكفور والمعاصي والفجور، عاندوا الله في أمره ونهيه، وحرفوا كتبه، مردوا على اللعنة والذلة والمسكنة، طويت قلوبهم على الكفر والفسوق والعصيان فحاربوا الإسلام وأهله منذ أول وهلة، وسعوا بكل وسيلة، وطرقوا كل باب، وسلكوا كل درب لإطفاء نور الله وإحباط دعوته ورسالته، فباؤوا باللعنة والخيبة والغضب والخسار ﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾+++ سورة الصف: 8.--- وقد حفظت آيات الكتاب ودواوين السنة وكتب السيرة ألوانا وصورا من مكايد هؤلاء ومكرهم بالنبي  صلى الله عليه وسلم ، فإنه  صلى الله عليه وسلم  لما قدم المدينة مهاجرا عاهد من فيها من اليهود وسالمهم، وأقرهم على البقاء فيها ما أقاموا العهود وحفظوا المواثيق، إلا أن اليهود لما رأوا ظهور الدين وانتصارات خاتم النبيين ملأ الحسد والحقد قلوبهم، فتفجرت ينابيع الشر والغدر والخيانة في أفعالهم و أقوالهم، فناصبوا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  و أصحابه العداء المستحكم المرير، وأخذوا ضده كل كافر ومنافق أثيم، فرحوا واستبشروا بما نزل برسول الله  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه من المنكرات والأزمات، وتألموا لما أحرزه من الفتوحات والانتصارات، فطفقوا يخططون وأخذوا يمكرون برسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنواعا من المكر والكيد، فمن ذلك أنهم أكثروا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الأسئلة تعنتا وتعجيزا ليحرجوا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ويشككوا في صدقه ونبوته، فأحبط الله عملهم وخيب سعيهم وفل قصدهم فأجابهم عما كانوا يسألون، وأسمعهم ما يكرهون، فقال الله تعالى: ﴿وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون﴾+++ سورة البقرة: 144---، ومما آذوا به رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنهم سحروه، فقد أوعزت يهود عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى لبيد بن الأعصم اليهودي، فسحر رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فكان  صلى الله عليه وسلم  يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، فأبطل الله كيدهم وأفسد مكرهم، ففك الله عن رسوله  صلى الله عليه وسلم  السحر وشفاه.  ومما آذت به يهود رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنهم نقضوا العهود ونكثوا بالمواثيق وسلكوا دروب الغدر والخيانة والغش والاحتيال، فألبوا القبائل على رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وأغروهم بقتاله وحرضوا على حربه، ووعدوهم بالمساندة والمناصرة عليه، فلما بان نكثهم وظهر نقضهم أجلاهم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن المدينة طائفة تلو أخرى، حتى كان آخرهم خروجا بنو قريظة، الذين أجلاهم النبي  صلى الله عليه وسلم  بعد غزوة الأحزاب، كما قص الله علينا نبأهم في سورة الأحزاب.  وقد بلغ الحقد والغل والكفر في يهود منتهاه بعد انتصارات رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه، وبعد انحساراتهم وانكساراتهم، فحاولوا أن يحيوا سنة آبائهم وأسلافهم، فدبروا عددا من المؤامرات لقتل النبي  صلى الله عليه وسلم ، وكان آخر محاولاتهم أن امرأة منهم دست السم لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  في شاة صنعتها، فتناول  صلى الله عليه وسلم  الذراع فلاك منها مضغة ولم يسغها، فما زال لهذه الأكلة التي أكل  صلى الله عليه وسلم  أثر، حتى إذا كانت ساعة وفاته قال لعائشة رضي الله عنها كما في البخاري معلقا بصيغة الجزم: ( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم )+++ أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقا / باب في مرض النبي  صلى الله عليه وسلم --- والأبهر عرق في الظهر، متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه، وقد ورد عدد من الروايات بهذا المعنى، وهي تفيد أنه  صلى الله عليه وسلم  مات شهيدا من أثر السم الذي وضعته اليهودية، كما قال بعض أهل العلم، وقد ذكر بعض أصحاب السير أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال في وفاته: ( قتلتني يهود ) ومهما يكن من أمر في ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد قص علينا أخبارهم مع أنبيائهم وكيف فعلوا بهم، فقال عنهم سبحانه:﴿أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون﴾+++ سورة البقرة: 87---، ومع هذه المكايد كلها فقد رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله رسوله والمؤمنين شر أعدائهم، وصدق الله العظيم حيث قال: ﴿يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين﴾+++ سورة الأنفال: 64---، فقد أخبر الله سبحانه أنه كافي نبيه، وكافي أتباع نبيه  صلى الله عليه وسلم ، فلا حاجة للمؤمنين مع كفاية الله سبحانه وتعالى إلى أحد، فمن كفاه الله وقاه، ومن كان الله معه خاب كل من ضاده وعاداه.    الخطبة الثانية : أما بعد.  الحمد لله الذي وعد بإظهار دينه على كل دين، ووعد بنصر عباده المؤمنين على كل عدو أفاك مبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين.  أما بعد. فقد استعرضنا صفحة من تاريخ يهود مع هذه الأمة، ممثلة بنبيها  صلى الله عليه وسلم ، وقد رأينا ما اجتمع في هؤلاء القوم من الكفر والاستكبار والعناد والظلم والغدر والحسد والبغي؛ ورأينا كيف آل بهم الأمر فأجلاهم النبي  صلى الله عليه وسلم  عن المدينة وغزاهم في خيبر، آخر معاقلهم في الجزيرة، وأنزل بهم ألوانا من العذاب بسبب ما اجتمع فيهم من خلال الكفر وصفاته، فصدق الله تعالى حيث قال: ﴿إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون﴾+++ سورة الأنفال: 36---.  والمتأمل في ماضي الأمة وحاضرها يدرك أن بلية الإسلام  وأهله باليهود عظيمة شديدة، فكم من معقل للإسلام قد سعوا في هدمه، وكم من حصن راموا هتكه، وكم من علم عملوا على طمسه، ضربوا بمعاول الشبهات في أصله، وروجوا الإباحية والفساد ليصدوا الناس عن عبادة رب العباد تحالفوا مع شياطين الإنس والجن ضده، عملوا على إحداث الفرقة في أمته وإثارة الفتن بين أهل ملته، وعكفوا على ترويج وإشاعة وإنشاء الأقوال المبتدعة والآراء الضالة والمذاهب المنحرفة. فهل السبئية إلا من بنات أفكارهم؟! وهل الباطنية إلا ثمرة جهودهم؟!  وهل الماسونية والعلمانية إلا نتاج مؤامراتهم ومخططاتهم؟! فعداوة القوم للإسلام وأهله لم ترض محلا لها إلا سويداء قلوبهم.  وعداوة يهود للأمة ليست رهينة فترة زمنية ثم تنتهي، بل عداوتهم للإسلام وأهله دائمة إلى آخر الزمان، ممتدة عبر الليالي والأيام، متوارثة جيلا بعد جيل، أوصى بها الأكابر والأصاغر، وحملها سلفهم خلفهم؛ لذا فإن اليهود حلفاء كل من عادى الأمة، فبالأمس حالفوا مشركي العرب ضد النبي  صلى الله عليه وسلم ، واليوم حالفوا النصارى وغيرهم ضد أهل الإسلام، وغدا يحالفون الدجال ويتبعونه ضد أمة الإسلام، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة)+++ أخرجه مسلم (2944)--- وقد قال  صلى الله عليه وسلم  في حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: (وأكثر تبعه اليهود والنساء)+++ أخرجه أحمد (17433) من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وفيه ضعف وقد وثق،وبقية رجالهما رجال الصحيح. مجمع الزوائد (12520)---.  إلا أن هذا الكيد والمكر الكبار إلى زوال واضمحلال، إذا صبرت الأمة واتقت ربها وتمسكت بدينه، قال الله تعالى: ﴿إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط﴾+++ سورة آل عمران: 120---. ولا نشك أن الله سبحانه وتعالى سينصر دينه، ويعلي كلمته، ويؤيد أولياءه طال الزمن أو قصر، فإن العاقبة لله ولرسوله وللمؤمنين، ويصدق هذا ما وعد به رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أمته، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي، فتعال فاقتله)+++ أخرجه البخاري (2926)، ومسلم (2922) واللفظ لمسلم.---. وهذا الحديث يفيد أن الصراع بين أمة الإسلام وبين يهود لن يضع أوزاره حتى يقتلوا عن آخرهم، كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم ، فما دام في اليهود عرق ينبض وعين تلحظ وقلب يخفق، فلن تزول هذه العداوة فإن معركتنا معهم معركة إبادة.  فكل من حاول إزالة هذه العداوة أو رفعها فإنما يركض وراء السراب، ويحرث في الماء ويضاد ما قضاه الله سبحانه، كونا وقدرا وشرعا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

المشاهدات:5481

أَشَدُّ الناسِ عداوةً لأهلِ الإيمانِ

الخطبة الأولى  :

إن الحمد لله  

الحمدُ للهِ الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنورَ ثم الذين كفروا بربهم يعدِلون، ولدينِه وأوليائِه يحاربون، أحمدُه تعالى وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين على حينِ فترةٍ من الرُّسلِ، فدعا الناسَ كافةً إلى توحيدِ رب العالمين والانقيادِ إلى شرعِه القويم، بُعث بين يدي الساعةِ بالسيفِ بشيراً ونذيراً، فبلغ الرسالةَ أحسنَ البلاغ وأدَّى الأمانةَ أتمَّ الأداءِ، وجاهدَ في اللهِ الأعداءَ من اليهودِ والمشركين والنصارى والمنافقين، حتى أتاه اليقينُ وهو على ذلك، ف صلى اللهُ عليه وسلم  وعلى آلِه وأصحابِه وعلى سائرِ عبادِ الله الصالحين. 
أما بعد.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أن للهِ سبحانه سُنُناً في الأممِ والمجتمعاتِ، لا ينخرمُ نظامُها ولا يضطربُ ميزانُها ولا يتغيَّرُ سَيرُها ولا يتأخَّرُ وقوعُها، دائمةٌ دوامَ الليلِ والنهارِ، مطردةٌ على مرِّ العصورِ والأعوامِ، لا يعتريها ارتباكٌ ولا اختلالٌ، قال الله تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾ سورة فاطر: 43 
ومن هذه السُّننِ: أن اللهَ سبحانه وتعالى قضى بأنْ يكونَ لكلِّ نبيٍّ عدوٌّ من المجرمين، يحاربه ويعمل على إبطالِ رسالتِه، وإطفاءِ أنوارِ شريعتِه، ودَحْضِ حُجَّتِه وتبديدِ دعوتِه وإفسادِ مِلَّتِه وتمزيقِ أمته وتشويهِ سمعتِه ليصدَّ الناسَ عنه، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ سورة الفرقان: 31 وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ سورة الأنعام: 112.
وقد بيَّنَ اللهُ سبحانه وتعالى في كتابِه هؤلاء المجرمين، وذَكَرَ كثيراً من أوصافِهم وأعمالهِم وأحوالِهم وقَصَصِهم مع الأنبياءِ السابقين وأتباعِهم المصدِّقين. 
بَيْدَ أنَّ المتأملَّ في كتاب الله وما فيه من القَصصِ، يلاحظ أن فئةً من هؤلاء الأعداء قد شغلت أخبارُهم واحتلت أنباؤُهم رقعةً من القرآنِ وقَصَصِه، فبيَّنَ أفعالَهم مع أنبيائِهم وصادقيهم، وأظهرَ مواقِفَهم من المؤمنين على تَوَالي السِّنين، وأماطَ اللثامَ عن كثيرٍ من صفاتِهم وأحوالِهم وخِصالِهم التي اختصُّوا بها، دونَ سائرِ الأعداءِ والمعاندين. 
وقد أخبرَ اللهُ سبحانه وتعالى عن شِدَّةِ عداوتِهم للمؤمنين الصادقين عامَّةً، ولخاتم النبيين وأتباعِه خاصَّةً، فقال تبارك وتعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ سورة المائدة: 82. فأشدُّ الناسِ عداوةً لرسولِ الله  صلى الله عليه وسلم  ودينِه وأتباعِه هم اليهود، الذين مَرَنوا على تكذيبِ الأنبياءِ والرسلِ وقتلِهم، ودَرِبوا بالعُتوِّ والكفورِ والمعاصي والفجورِ، عاندوا اللهَ في أمرِه ونهيِه، وحرَّفوا كُتُبَه، مردوا على اللعنةِ والذِّلةِ والمسكنةِ، طويت قلوبُهم على الكفر والفسوق والعصيان فحاربوا الإسلامَ وأهلَه منذ أول وهلةٍ، وسعوا بكلِّ وسيلةٍ، وطرقوا كل بابٍ، وسلكوا كل دربٍ لإطفاءِ نور الله وإحباطِ دعوتِه ورسالتِه، فباؤوا باللعنةِ والخيبةِ والغضَبِ والخَسارِ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة الصف: 8.
وقد حفظت آياتُ الكتابِ ودواوينُ السنةِ وكتبُ السيرةِ ألواناً وصوراً من مكايدِ هؤلاء ومكرِهم بالنبيِّ  صلى الله عليه وسلم ، فإنه  صلى الله عليه وسلم  لما قدِم المدينةَ مهاجراً عاهَدَ مَن فيها من اليهودِ وسالَمَهم، وأقرَّهم على البقاءِ فيها ما أقاموا العهودَ وحفظوا المواثيقَ، إلا أن اليهودَ لما رأَوْا ظهورَ الدِّينِ وانتصاراتِ خاتمِ النبيين ملأَ الحسَدُ والحقدُ قلوبَهم، فتفجَّرَت ينابيعُ الشَّرِّ والغَدْرِ والخِيانةِ في أفعالِهم و أقوالِهم، فناصبوا رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  و أصحابَه العداءَ المستحكمَ المريرَ، وأخذوا ضِدَّه كلَّ كافرٍ ومنافقٍ أثيمٍ، فرحوا واستبشروا بما نزلَ برسولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  وأصحابِه من المنكراتِ والأزماتِ، وتألَّموا لما أحرزَه من الفتوحاتِ والانتصاراتِ، فطفقوا يخطِّطون وأخذوا يمكرون برسولِ الله  صلى الله عليه وسلم  أنواعاً من المكرِ والكيدِ، فمن ذلك أنهم أكثروا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الأسئلةَ تعنُّتاً وتعجِيزاً ليحرِجُوا رسولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  ويشكِّكوا في صدقِه ونبوَّتِه، فأحبطَ اللهُ عملَهم وخيَّبَ سعيَهم وفلَّ قصدَهم فأجابهم عمَّا كانوا يسألون، وأسمعهم ما يكرهون، فقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ سورة البقرة: 144، ومما آذوا به رسولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  أنهم سحروه، فقد أوعزت يهود عليهم لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين إلى لبيدِ بنِ الأعصمِ اليهوديِّ، فسحرَ رسولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم ، فكان  صلى الله عليه وسلم  يخيَّلُ إليه أنه يفعلُ الشيءَ وما فعله، فأبطلَ اللهُ كيدَهم وأفسدَ مكرَهم، ففكَّ اللهُ عن رسولِه  صلى الله عليه وسلم  السحرَ وشفاه. 
ومما آذت به يهودُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  أنهم نقضُوا العهودَ ونكثُوا بالمواثيقَ وسَلَكوا دروبَ الغَدْرِ والِخيانةِ والغِشِّ والاحتيالِ، فألَّبوا القبائلَ على رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم ، وأغروهم بقِتالِه وحرَّضوا على حربِه، ووعدوهم بالمساندةِ والمناصرةِ عليه، فلما بَانَ نَكْثُهم وظهرَ نقضُهم أجْلاهم رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  عن المدينة طائفةً تلوَ أخرى، حتى كان آخرَهم خروجاً بنو قريظةَ، الذين أجلاهم النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  بعد غزوةِ الأحزابِ، كما قصَّ اللهُ علينا نبأَهم في سورةِ الأحزاب. 
وقد بلغ الحقدُ والغِلُّ والكفرُ في يهودَ منتهاه بعد انتصاراتِ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم  وأصحابِه، وبعد انحساراتِهم وانكساراتِهم، فحاولوا أن يُحيُوا سُنةَ آبائِهم وأسلافِهم، فدبَّروا عدداً من المؤامرات لقتل النبي  صلى الله عليه وسلم ، وكان آخر محاولاتهم أن امرأةً منهم دسَّت السُّمَّ لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  في شاةٍ صنعتها، فتناول  صلى الله عليه وسلم  الذراعَ فَلاكَ منها مضغةً ولم يسُغْها، فما زالَ لهذه الأكلةِ التي أكلَ  صلى الله عليه وسلم  أثرٌ، حتى إذا كانت ساعةُ وفاتِه قال لعائشةَ رضي الله عنها كما في البخاري معلقاً بصيغة الجزم: ( يا عائشةُ، ما أزالُ أجِدُ أَلمَ الطعامِ الذي أكلْتُ بخيبر، فهذا أوانُ وجدت انقطاعَ أبهُرِي من ذلك السمِّ ) أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقاً / باب في مرض النبي  صلى الله عليه وسلم والأبهر عِرقٌ في الظهر، متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبُه، وقد ورد عددٌ من الروايات بهذا المعنى، وهي تفيد أنه  صلى الله عليه وسلم  مات شهِيداً من أثرِ السُّمِّ الذي وضعته اليهوديةُ، كما قال بعض أهل العلم، وقد ذكر بعض أصحاب السِّيَر أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم  قال في وفاته: ( قتلتني يهودُ ) ومهما يكن من أمرٍ في ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد قصَّ علينا أخبارَهم مع أنبيائِهم وكيف فعلوا بهم، فقال عنهم سبحانه:﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ سورة البقرة: 87، ومع هذه المكايدِ كلِّها فقد ردَّ الله الذين كفروا بغيظِهم لم ينالوا خيراً وكفى الله رسولَه والمؤمنين شرَّ أعدائِهم، وصدق اللهُ العظيمُ حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة الأنفال: 64، فقدْ أخبرَ اللهُ سبحانه أنه كافي نبيِّه، وكافي أتباعِ نبيِّه  صلى الله عليه وسلم ، فلا حاجةَ للمؤمنين مع كفايةِ اللهِ سبحانه وتعالى إلى أَحَدٍ، فمن كَفَاه اللهُ وَقاه، ومن كان اللهُ معه خابَ كلُّ من ضادَّه وعادَاه. 
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
الحمدُ للهِ الذي وعَدَ بإظهارِ دِينِه على كلِّ دينٍ، ووَعدَ بنصْرِ عبادِهِ المؤمنين على كل عدوٍّ أفَّاكٍ مبينٍ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمدٍ الأمينِ وعلى آله وأصحابه الطيبين.
 أما بعد.
فقد استعرضْنا صفحةً من تاريخِ يهودَ مع هذه الأُمَّةِ، ممثلةً بنبيِّها  صلى الله عليه وسلم ، وقد رأينا ما اجتمعَ في هؤلاء القومِ من الكفرِ والاستكبارِ والعِنادِ والظلمِ والغدرِ والحَسَدِ والبَغيِّ؛ ورأينا كيفَ آلَ بهِم الأمرُ فأجْلاهم النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  عن المدينةِ وغزاهم في خيبرَ، آخرِ معاقلِهم في الجزيرةِ، وأنزلَ بهم ألواناً من العذابِ بسببِ ما اجتمع فيهم من خلالِ الكفرِ وصفاتِه، فصدق الله تعالى حيث قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ سورة الأنفال: 36
والمتأمِّلُ في ماضي الأُمَّةِ وحاضِرِها يُدرِكُ أن بليَّةَ الإسلامِ  وأهلِهِ باليهودِ عظيمةٌ شديدةٌ، فكم من معقلٍ للإسلامِ قد سعَوْا في هدْمِه، وكمْ من حِصنٍ راموا هتكَه، وكم من عَلَمٍ عملوا على طمْسِه، ضربوا بمعاولِ الشبهاتِ في أصلِه، وروجوا الإباحيةَ والفسادَ ليصدوا الناس عن عبادةِ ربِّ العباد تحالفوا مع شياطينِ الإنسِ والجنِّ ضدَّه، عملوا على إحداثِ الفُرقةِ في أمَّته وإثارةِ الفتن بين أهلِ مِلَّتِه، وعكفوا على ترويجِ وإشاعةِ وإنشاء ِالأقوالِ المبتدعة والآراء الضالةِ والمذاهبِ المنحرفةِ.
فهل السبئيةُ إلا من بناتِ أفكارِهم؟!
وهل الباطنيةُ إلا ثمرةُ جُهودِهم؟! 
وهل الماسونيةُ والعلمانيةُ إلا نتاجُ مؤامراتهم ومخططاتهم؟!
فعداوة القومِ للإسلامِ وأهلِه لم ترضَ محلاًّ لها إلا سويداءَ قلوبِهم. 
وعداوةُ يهودَ للأمةِ ليست رهينةَ فترةٍ زمنيةٍ ثم تنتهي، بل عداوتُهم للإسلامِ وأهلِه دائمةٌ إلى آخرِ الزمانِ، ممتدةٌ عبرَ الليالي والأيامِ، متوارثة جيلاً بعد جيلٍ، أوصى بها الأكابرُ والأصاغرُ، وحمّلها سلفُهم خَلفَهم؛ لذا فإن اليهود حلفاءُ كلِ من عادى الأمة، فبالأمس حالفوا مشركي العربِ ضدَّ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم ، واليومَ حالفوا النصارى وغيرَهم ضدَّ أهلِ الإسلامِ، وغداً يحالفون الدجَّالَ ويتبعونه ضدَّ أمة الإسلام، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم : (يتبعُ الدجالَ من يهودَ أصبهانَ سبعون ألفاً عليهم الطيالسةُ) أخرجه مسلم (2944) وقد قال  صلى الله عليه وسلم  في حديث عثمانَ بن أبي العاصِ رضي الله عنه: (وأكثرُ تبعِهِ اليهودِ والنساءِ) أخرجه أحمد (17433) من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وفيه ضعف وقد وثق،وبقية رجالهما رجال الصحيح. مجمع الزوائد (12520)
إلا أن هذا الكيدَ والمكرَ الكُبَّارَ إلى زوالٍ واضمحلالٍ، إذا صبرت الأمةُ واتقت ربَّها وتمسَّكت بدينِه، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ سورة آل عمران: 120.
ولا نشكُّ أن اللهَ سبحانه وتعالى سينصُرُ دينَه، ويُعْلِي كلِمتَه، ويؤيِّدُ أولياءَه طالَ الزمنُ أو قصرَ، فإن العاقبةَ للهِ ولرسولِه وللمؤمنين، ويُصدِّقُ هذا ما وعدَ به رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  أمَّتَه، ففي الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم : (لا تقومُ السَّاعةُ حتى تقاتلوا اليَهودَ، حتى يقُولَ الشَّجَرُ والحَجَرُ: يا مسلمُ، يا عبدَ اللهِ، هذا يهوديٌّ ورائِي، فتَعَالَ فاقتلْه) أخرجه البخاري (2926)، ومسلم (2922) واللفظ لمسلم..
وهذا الحديثُ يفيدُ أن الصراعَ بين أَمَّةِ الإسلامِ وبينَ يهودَ لن يضعَ أوزارَه حتى يُقتَلوا عن آخِرِهم، كما أخبرَ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم ، فما دامَ في اليهودِ عِرقٌ ينبُضُ وعينٌ تلحَظُ وقلبٌ يخفِقُ، فلن تزولَ هذه العداوةُ فإن معركتَنا معهم معركةُ إبادةٍ. 
فكل من حاولَ إزالةَ هذه العداوةِ أو رفعَها فإنما يركضُ وراءَ السرابِ، ويحرثُ في الماءِ ويضادُّ ما قضاه اللهُ سبحانه، كوناً وقدراً وشرعاً، والله غالبٌ على أمرِه ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83160 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78223 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72542 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60683 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55031 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52239 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49437 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47973 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44829 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44134 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف