×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

من هم أعداؤنا؟ الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد . فيا أيها المؤمنون. لا يشك متأمل عارف، ولا مراقب منصف، لتاريخ الأمة الإسلامية العريق أن الأمة اليوم تعاني أشد أحوالها، وتمر بأصعب أيامها، فإنه وإن كان قد نزلت بالأمة نكبات كبار، وحلت بها كوارث جسام، وأحدقت بها أزمات عظام، إلا أنها على مر تلك الدهور، وعبر تلك العصور لم تتزعزع ثقتها بدينها ولم تفقد الثقة بربها، فهي لم تزل رغم شدة الكرب والبلاء، وتوالي وتنوع الأعداء معتزة بدينها فخورة بإسلامها راضية بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا؛ لذا فإنها سرعان ما وثبت من رقادها، وأفاقت من سكرتها، فانشقت كروبها وتبددت همومها بمراجعة دينها والتوبة لربها.  أما اليوم فإن الأمة مغزوة من داخلها ومحاربة من خارجها، أما غزوها من داخلها فبجحافل المنافقين المتربصين من العلمانيين وأشياعهم، الذين أضعفوا إيمان الأمة بربها وتمسكها بدينها بإثارة الشبهات وبثها، وبالترويج للشهوات وتزيينها وإشاعتها، فأصيب قطاع كبير من أبناء الأمة في دينهم وإيمانهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد أجاد من قال: وكل كسر فإن الله يجبره   *** وما لكسر قناة الدين جبران+++ حياة الحيوان الكبرى 1/167--- أما حربها من خارجها فهذا التداعي العالمي لأمم الكفر والإلحاد من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين على أمة الإسلام، كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان  رضي الله عنه : «تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة يا رسول الله؟ قال: لا بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله مهابتكم من صدور أعدائكم، وليلقين في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»+++ تقدم تخريجه---. وصدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وهو الصادق المصدوق، فأعداد المسلمين اليوم كثيرة، ولكنها لا تفرح صديقا، ولا تخيف عدوا، فهم غثاء كغثاء السيل.  وأما أعداء الأمة فقد تنادوا عليها وتداعوا، كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم .  فالوثنيون والملحدون ممثلين بالعالم الشرقي، يسومون المسلمين سوء العذاب، ويسحقون من قدروا عليه منهم بالحديد والنار، يتربصون بكم الدوائر، ويكيدون لكم المكايد، ولا يجدون فرصة ينفسون بها عن أحقادهم وضغائنهم إلا بادروا إليها، وما تخفي صدورهم أكبر، وخير شاهد على صدق ما نقول ما يعانيه إخوانكم المسلمون من إبادة وتنكيل على أيدي هؤلاء المجرمين في كشمير والهند وبورما والشيشان، ويشهد لهذا أيضا الدعم الروسي الصليببي الشيوعي للصرب الظالمين المعتدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.  أما اليهود ممثلين بدولة إسرائيل، فحدث عن عدائهم ولا حرج، فهم سماسرة الكيد والمكر، وأرباب الحقد والخبث والكفر، زرعوا دولتهم في قلب العالم الإسلامي وضربوا أفظع الصور في تشريد المسلمين وإذلالهم والتسلط عليهم والتلاعب بهم وانتهاك حرماتهم ومقدساتهم والهيمنة عليهم، وشاهد هذا ما يجري على المسلمين في أرض فلسطين وغيرها على أيدي هؤلاء الأنجاس الأرجاس، فإنا لله وإنا إليه راجعون.  أما النصارى الصليبيون ممثلين بالعالم الغربي والأوربي الكافر، فهم ورثة الأحقاد وحملة الضغائن على أمة الإسلام، فهم ضائقون بالإسلام منذ ظهوره، وقد خاضوا ضد أمة الإسلام حروبا مضنية طويلة، سالت من جرائها أنهار الدماء، إلا أن تاريخ حروبنا معهم لم يشهد ضراوة في العداء، ولا خبثا في الأداء، ولا إصرارا وتصميما على تدمير الأمة وإفنائها، كما يجري منهم اليوم، فهاهم خبراؤهم وكبراؤهم وساستهم ورؤساؤهم يتنادون لحرب الإسلام وإبادة أهله والتنكيل بهم، تارة باسم محاربة الإرهاب والتطرف، وتارة باسم حماية حقوق الإنسان، وأخرى باسم الحفاظ على المصالح الحيوية أو الأمن القومي، تعددت الأعذار والقصد واحد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.  أيها المؤمنون! هؤلاء أعداء دينكم عملوا على إبادتكم ومحو دينكم بكل ما أوتوا من طاقة وجهد، وصلوا لذلك الليل بالنهار، طرقوا كل باب وسلكوا كل سبيل، ورفعوا كل شعار لإطفاء نور الله تعالى، فباؤوا بالفشل وجنوا الخسار، فالله متم نوره ولو كره الكافرون، قال الله تعالى: ﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾+++ سورة الصف 8.---. فرغم ضراوة هذا العداء وكثرة أهله وتنوع راياته واختلاف وتوالي خطوبه وشدة بأسه، إلا أن دين الأمة محفوظ، ولا يزال فيها طائفة بأمر الله قائمة كما وعد الله تعالى حيث قال: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾+++ سورة الحجر 9.---. وقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك»+++ أخرجه البخاري (3641 ) وأخرجه مسلم (1920) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ---.  فالأمة الإسلامية محفوظة بحفظ رسالتها ودينها وكتابها، فهي باقية ما بقي الليل والنهار، ولا نشك في ذلك، ولا ينتابنا فيه أدنى ريب، ولو اجتمع على الأمة أهل الأرض جميعا، وما ذاك بحولنا وقوتنا، بل والله ثم والله ثم والله لولا الله حافظ دينه *** لتهدمت منه قوى البنيان+++"متن القصيدة النونية" ص(25).--- فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على نعمه الكثيرة وآلائه العديدة التي من أجلها وأعظمها حفظ الملة والدين.    الخطبة الثانية  : أما بعد. فيا أيها المؤمنون. إن أمتكم الإسلامية قد بليت على مدار تاريخها بمحن وحروب وكروب ونكبات ونكسات، أحدثها وأجدها هذه الكارثة المؤلمة والمأساة الفظيعة الموجعة، التي يمر بها إخوانكم في الملة والدين في بلاد البلقان والبوسنة والهرسك.  كارثة حديثها يطوي الأحاديث، وخبرها يأكل الأخبار، وتاريخها ينسي التواريخ، مأساة دامية ونكبة فاجعة حلت بأمة مسلمة، كارثة نزلت بقوم عزل حرموا كل شيء، حتى حق الدفاع عن أنفسهم، مأساة رفع بها الاضطهاد والظلم أعلامه، وراجت فيها سوق الإبادة الجماعية والتمثيل بالقتلى، نازلة جرت فيها شلالات الدماء، نكبة هتكت فيها أعراض المسلمات الحرائر وبقرت فيها بطون الحوامل ودمرت فيها البنية الأساسية لشعب مسلم آمن، فاجعة هجر فيها المسلمون عن بلادهم وهدمت فيها المساجد ودمرت المنابر، نكسة رفعت فيها الكنائس صلبانها ودقت فيها المعابد أجراسها، أزمة كشر فيها الصليب الأوربي والغربي الكافر عن أنيابه، كارثة أشاحت اللثام عن وجه الأمم الغربية الكافرة القبيح، التي تتشدق برعاية حقوق الإنسان وحفظ كرامته، فاجعة تهاوت فيها كل الدعاوى الكاذبة والشعارات الفارغة كالنظام العالمي الجديد أو الشرعية الدولية التي طالما غروا بها عددا غير قليل من أبناء أمة الإسلام، كارثة بدا فيها عوار أمتنا وضعف قوتنا وتفرق كلمتنا وتمزق صفنا واستخفاف أعدائنا بنا وهواننا على الناس، نازلة ليس فيها لأمة الإسلام لا ناقة ولا جمل، كما قال الأول:  ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود+++ البيان والتبيين (505).--- كارثة لمنا فيها أعداءنا على ما يفعلونه بنا، كارثة عقد فيها فئام من الأمة الآمال على جلاديهم وأعدائهم، يرجون منهم الفرج ويؤملون منهم النصر.  فاجعة تساقطت فيها مدن المسلمين في أيدي الصرب، مدينة تلو مدينة، تحت سمع ونظر أمة الإسلام، ولم نسمع إلا الشجب والاستنكار.  لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان+++ نفح الطيب 4/488--- فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  أيها المؤمنون! إننا رغم قساوة هذه الفواجع وفداحة تلك المآسي والنوازل نعلنها صريحة مدوية واضحة بينة لا غش فيها ولا لبس: أن ما أصابنا إنما هو بسبب ذنوبنا وأعمالنا، وليس هذا تهميشا للقضية ولا تهوينا للكارثة ولا مهربا نفسيا نلجأ إليه، بل هو والله منهج قرآني نبوي، فقد قال الله تعالى مخاطبا خير القرون وأفضل الأجيال بعد أن هزموا في غزوة أحد: ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير﴾+++ سورة آل عمران: 165 ---، فما أصابنا من تسلط أعدائنا علينا إنما هو بسبب ذنوبنا وإعراضنا عن دين ربنا، وما يعفو عنه الله تعالى أعظم وأكبر، كما قال جل ذكره: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾+++ سورة الشورى: 30---.  أيها المؤمنون! إن ما يجري في بلاد البلقان ليس قضية لأهل البوسنة فحسب، بل هو والله قضية كل من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، فإن الصرب ومن ورائهم دول الغرب -عليهم غضب الله ولعنته وعاجل عقوبته وسخطه- ما نقموا من أهل البوسنة إلا أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد.  فقوموا بارك الله فيكم بما تستطيعون من نصرة إخوانكم في الملة والدين، وذلك بتقديم الدعم المادي والمعنوي، كل حسب طاقته وقدرته وإمكانياته، ولا تبخلوا من ذلك شيء، فإن عدمتم ما تقدمونه لإخوانكم فلن تعدموا دعاء صادقا وتضرعا لله منكسرا: أن يرفع عن أمتنا الذل والصغار، وأن يعجل لأهل البوسنة خاصة بالفرج، فإنهم في محنة وبلاء.  أيها المؤمنون! حثوا أنفسكم وشيوخكم وأطفالكم وفقراءكم ومساكينكم على الدعاء، فإن دعاء هؤلاء من الله بمكان؛ لذا قال النبي  صلى الله عليه وسلم : (ابغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)+++ تقدم تخريجه.--- رواه أبو داود بسند جيد، وفي رواية:(إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)+++ أخرجه النسائي (3178) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ---. 

المشاهدات:5343

مَنْ هم أعداؤُنا؟

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد .
فيا أيها المؤمنون.
لا يشكُّ متأملٌ عارفٌ، ولا مراقبٌ منصفٌ، لتاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ العريقِ أن الأمةَ اليومَ تعاني أشدَّ أحوالها، وتمرُّ بأصعبِ أيامِها، فإنه وإن كان قد نزلت بالأمةِ نكَباتٌ كِبارٌ، وحلَّت بها كوارثُ جِسامُ، وأحدقت بها أزماتٌ عظامُ، إلا أنها على مرِّ تلك الدهورِ، وعبرَ تلك العصورِ لم تتزعزعْ ثقتُها بدينِها ولم تفقد الثقةَ بربها، فهي لم تزلْ رغم شدةِ الكربِ والبلاءِ، وتوالي وتنوعِ الأعداءِ معتزةً بدينها فخورةً بإسلامِها راضيةً باللهِ ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمد نبيًّا؛ لذا فإنها سرعانَ ما وثبتْ من رُقادِها، وأفاقتْ من سكرتِها، فانشقت كروبُها وتبدَّدت همومُها بمراجعةِ دينِها والتوبةِ لربها. 
أما اليومَ فإن الأمةَ مغزوَّةٌ من داخلِها ومحاربةٌ من خارجِها، أما غزوُها من داخلِها فبجحافلِ المنافقين المتربصين من العلمانيين وأشياعهم، الذين أضعفوا إيمانَ الأمةِ بربِها وتمسُّكَها بدينِها بإثارةِ الشُّبُهات وبثِّها، وبالترويجِ للشهواتِ وتزيينِها وإشاعتِها، فأصيبَ قطاعٌ كبيرٌ من أبناءِ الأمةِ في دينِهم وإيمانِهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد أجادَ من قالَ:
وكلُّ كسرٍ فإنَّ اللهَ يجبرُه   *** وما لكسرِ قناةِ الدِّينِ جُبرانُ حياة الحيوان الكبرى 1/167
أما حربُها من خارجِها فهذا التداعي العالمي لأممِ الكفرِ والإلحادِ من اليهودِ والنصارى والوثنيين والملحدين على أمةِ الإسلامِ، كما أخبرَ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان  رضي الله عنه : «تداعى عليكم الأممُ كما تداعى الأكلَةُ على قصعتِها قالوا: أو مِن قلةٍ يا رسول الله؟ قال: لا بل أنتم كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، ولينـزعن اللهَ مهابتَكم من صدورِ أعدائِكم، وليلقِينَّ في قلوبِكم الوهنَ. قالوا: وما الوهنُ يا رسولَ الله؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ» تقدم تخريجه.
وصدق رسولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  وهو الصادقُ المصدوقُ، فأعدادُ المسلمين اليومَ كثيرةٌ، ولكنها لا تُفرِح صديقاً، ولا تُخيفُ عدوًّا، فهم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ. 
وأما أعداءُ الأمةِ فقد تنادوا عليها وتداعوا، كما أخبر النبيُّ  صلى الله عليه وسلم . 
فالوثنيُّون والملحِدُون ممثلين بالعالم الشرقيِّ، يسومون المسلمين سوءَ العذابِ، ويسحقُون من قدِرُوا عليه منهم بالحديدِ والنارِ، يتربَّصون بكم الدوائرَ، ويكيدون لكم المكايدَ، ولا يجدون فرصةً ينفِّسون بها عن أحقادِهم وضغائِنهم إلا بادروا إليها، وما تخفي صدورُهُم أكبرُ، وخيرُ شاهدٍ على صدقِ ما نقولُ ما يعانيه إخوانُكم المسلمون من إبادةٍ وتنكيل على أيدي هؤلاء المجرمين في كشمير والهند وبورما والشيشان، ويشهد لهذا أيضاً الدعمُ الروسيُّ الصليببي الشيوعي للصِّربِ الظالمين المعتدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
أما اليهودُ ممثلين بدولةِ إسرائيل، فحدِّثْ عن عدائهم ولا حرجَ، فهم سماسرةُ الكيدِ والمكرِ، وأربابُ الحقدِ والخبثِ والكفرِ، زرعوا دولتَهم في قلبِ العالمِ الإسلاميِّ وضربوا أفظعَ الصُّورِ في تشريدِ المسلمين وإذلالِهم والتسلُّطِ عليهم والتلاعبِ بهم وانتهاكِ حرماتِهم ومقدساتِهم والهيمنةِ عليهم، وشاهدُ هذا ما يجري على المسلمين في أرضِ فلسطين وغيرها على أيدي هؤلاءِ الأنجاسِ الأرجاسِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
أما النصارى الصليبيُّون ممثلين بالعالم الغربيِّ والأوربيِّ الكافرِ، فهم ورثةُ الأحقادِ وحملةُ الضغائن على أمةِ الإسلامِ، فهم ضائقون بالإسلامِ منذ ظهورِه، وقد خاضوا ضِدَّ أمةِ الإسلامِ حروباً مُضنيةً طويلةً، سالت من جرَّائها أنهارُ الدماءِ، إلا أن تاريخَ حروبِنا معهم لم يشهدْ ضراوةً في العداءِ، ولا خبثاً في الأداءِ، ولا إصراراً وتصميماً على تدميرِ الأمةِ وإفنائِها، كما يجري منهم اليومَ، فهاهم خُبراؤُهم وكُبراؤُهم وساستُهم ورؤَساؤُهم يتنادَوْن لحربِ الإسلامِ وإبادةِ أهلِه والتنكيلِ بهم، تارةً باسمِ محاربةِ الإرهابِ والتطرفِ، وتارةً باسم حمايةِ حقوقِ الإنسانِ، وأخرى باسمِ الحفاظِ على المصالحِ الحيويةِ أو الأمنِ القومي، تعددت الأعذارُ والقصدُ واحدٌ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
أيها المؤمنون! هؤلاء أعداءُ دينِكم عملوا على إبادتِكم ومحوِ دينِكم بكلِّ ما أُوتوا من طاقةٍ وجُهدٍ، وصلوا لذلك الليلَ بالنهارِ، طَرَقُوا كلَّ بابٍ وسلكوا كلَّ سبيلٍ، ورفعوا كلَّ شعارٍ لإطفاءِ نورِ اللهِ تعالى، فباؤوا بالفشلِ وجَنَوْا الخَسارَ، فاللهُ مُتِمُّ نورِه ولو كرِهَ الكافرون، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة الصف 8..
فرغم ضراوةِ هذا العداءِ وكثرةِ أهلِه وتنوُّعِ راياتِه واختلافِ وتوالي خطوبِه وشدةِ بأسه، إلا أن دينَ الأمةِ محفوظٌ، ولا يزالُ فيها طائفةٌ بأمرِ اللهِ قائمةٌ كما وعدَ اللهُ تعالى حيث قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ سورة الحجر 9..
وقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا يضرُّهم من خذَلَهم، ولا من خالفَهم حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم على ذلك» أخرجه البخاري (3641 ) وأخرجه مسلم (1920) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
فالأمةُ الإسلاميةُ محفوظةٌ بحفظِ رسالتِها ودينِها وكتابِها، فهي باقيةٌ ما بقِيَ الليلُ والنهارُ، ولا نشكُّ في ذلك، ولا ينتابنا فيه أدنى ريبٍ، ولو اجتمعَ على الأمةِ أهلُ الأرضِ جميعاً، وما ذاك بحولِنا وقوتِنا، بل والله ثم والله ثم والله
لـــولا اللهُ حــــافظُ دِينِه *** لتَهَدَّمَتْ منه قِوى البنيانِ"متن القصيدة النونية" ص(25).
فالحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً ملءَ السماوات وملءَ الأرض وملءَ ما شاء من شيء بعد، والحمدُ لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً على نِعَمِه الكثيرةِ وآلائِه العديدةِ التي من أجَلِّها وأعظمِها حفظُ الملةِ والدِّينِ. 
 
الخطبة الثانية  :
أما بعد.
فيا أيها المؤمنون.
إن أمَّتَكم الإسلاميةَ قد بُليَت على مدارِ تاريخِها بمحنٍ وحروبٍ وكروبٍ ونكباتٍ ونكساتٍ، أحدثُها وأجَدُّها هذه الكارثةُ المؤلمةُ والمأساةُ الفظيعةُ الموجعةُ، التي يمر بها إخوانُكم في الملةِ والدِّين في بلاد البلقانِ والبوسنةِ والهرسكِ. 
كارثةٌ حديثُها يَطوِي الأحاديثَ، وخبرُها يَأكلُ الأخبارَ، وتاريخُها يُنسي التواريخَ، مأساةٌ داميةٌ ونكبةٌ فاجعةٌ حلَّت بأمةٍ مسلمةٍ، كارثةٌ نزلت بقومٍ عُزَّلٍ حُرِموا كلَّ شيءٍ، حتى حقَّ الدفاعِ عن أنفسِهم، مأساةٌ رَفعَ بها الاضطهادُ والظلمُ أعلامَه، وراجَتْ فيها سوقُ الإبادةِ الجماعيةِ والتمثيلِ بالقتلى، نازلةٌ جَرَتْ فيها شلالاتُ الدِّماءِ، نكبةٌ هُتكت فيها أعراضُ المسلماتِ الحرائرِ وبُقرت فيها بطونُ الحواملِ ودُمِّرت فيها البنيةُ الأساسية لشعبٍ مسلم آمنٍ، فاجعةٌ هُجِّر فيها المسلمون عن بلادِهم وهُدِّمت فيها المساجدُ ودُمِّرت المنابرُ، نكسةٌ رفَعَت فيها الكنائسُ صلبانَها ودَقَّتْ فيها المعابدُ أجراسَها، أَزمةٌ كشَّر فيها الصليبُ الأوربي والغربي الكافرُ عن أنيابِه، كارثةٌ أشاحَتْ اللثامَ عن وجهِ الأممِ الغربيةِ الكافرةِ القبيحِ، التي تتشدق برعايةِ حقوقِ الإنسان وحفظِ كرامته، فاجعةٌ تهاوت فيها كلُّ الدعاوى الكاذبةِ والشعاراتِ الفارغةِ كالنظامِ العالميِّ الجديدِ أو الشرعيةِ الدوليةِ التي طالما غَرُّوا بها عدداً غيرَ قليل من أبناءِ أمة الإسلام، كارثةٌ بدا فيها عوارُ أمتنا وضعفُ قوتِنا وتفرُّقُ كلمتِنا وتمزُّقُ صفِّنا واستخفافُ أعدائِنا بنا وهوانُنا على الناسِ، نازلةٌ ليس فيها لأُمَّةِ الإسلامِ لا ناقةٌ ولا جملٌ، كما قال الأول: 
ويقضى الأمرُ حين تغيبُ تيمٌ ولا يُستأمرون وهُم شهودُ البيان والتبيين (505).
كارثةٌ لُمْنا فيها أعداءَنا على ما يفعلونه بِنا، كارثةٌ عقَدَ فيها فِئامٌ من الأمةِ الآمالَ على جَلَّادِيهم وأعدائِهم، يرجون منهم الفرجَ ويؤمِّلون منهم النصرَ. 
فاجعةٌ تساقَطت فيها مُدُنُ المسلمين في أيدي الصربِ، مدينةٌ تلوَ مدينةٍ، تحتَ سمعِ ونظرِ أمةِ الإسلامِ، ولم نسمعْ إلا الشجبَ والاستنكارَ. 
لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمان نفح الطيب 4/488
فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
أيها المؤمنون! إننا رغم قساوةِ هذه الفواجعِ وفداحةِ تلكِ المآسي والنوازلِ نعلنُها صريحةً مدويةً واضحةً بينةً لا غشَّ فيها ولا لبْسَ: أن ما أصابَنا إنما هو بسببِ ذنوبِنا وأعمالِنا، وليس هذا تهميشاً للقضيةِ ولا تهويناً للكارثةِ ولا مهرَباً نفسياً نلجأ إليه، بل هو واللهِ منهجٌ قرآنيٌّ نبوي، فقد قال الله تعالى مخاطباً خيرَ القرون وأفضلَ الأجيال بعدَ أن هُزِموا في غزوةِ أُحدٍ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ سورة آل عمران: 165 ، فما أصابنا من تسلُّطِ أعدائِنا علينا إنما هو بسببِ ذنوبِنا وإِعراضِنا عن دِينِ ربِّنا، وما يعفو عنه اللهُ تعالى أعظمُ وأكبرُ، كما قال جل ذكره: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ سورة الشورى: 30
أيها المؤمنون! إن ما يجري في بلادِ البلقانِ ليس قضيةً لأهلِ البوسنةِ فحسب، بل هو واللهِ قضيةُ كلِّ من رضِيَ بالله ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ نبيًّا، فإن الصربَ ومِن ورائِهم دولُ الغَربِ -عليهم غضبُ اللهِ ولعنتُه وعاجلُ عقوبتِه وسخطِه- ما نقموا من أهل البوسنة إلا أنهم آمنوا باللهِ العزيزِ الحميدِ. 
فقوموا بارك الله فيكم بما تستطيعون من نصرةِ إخوانِكم في الملةِ والدِّينِ، وذلك بتقديمِ الدعمِ المادي والمعنوي، كلٌّ حسب طاقتِه وقدرتِه وإمكانياتِه، ولا تبخلوا من ذلك شيء، فإن عُدِمتُم ما تقدِّمونه لإخوانِكم فلن تُعدَموا دعاءً صادقاً وتضرُّعاً للهِ منكسِراً: أن يرفعَ عن أمتِنا الذلَّ والصِّغارَ، وأن يعجِّلَ لأهلِ البوسنةِ خاصةً بالفرجِ، فإنهم في محنةٍ وبلاءٍ. 
أيها المؤمنون! حُثُّوا أنفسَكم وشيوخَكم وأطفالَكم وفقراءَكم ومساكينَكم على الدعاءِ، فإن دعاءَ هؤلاء من اللهِ بمكانٍ؛ لذا قال النبي  صلى الله عليه وسلم : (ابغُوني ضعفاءَكم، فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائِكم) تقدم تخريجه. رواه أبو داود بسند جيد، وفي رواية:(إنما يَنصُرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعفائِها بدعوتِهم وصلاتِهم وإِخلاصِهم) أخرجه النسائي (3178) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53357 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46030 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف