المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في برنامج "الدين والحياة"، والذي نستمر معكم فيه حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة تقبَّلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج/ الزميل ياسر زيدان.
المقدم: ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي وائل، حياك الله وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياك الله.
مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على رقمي: 0126477117، أو على الهاتف الآخر على رقم: 0126493028 نسعد بكم وبمشاركاتكم معنا مستمعينا الكرام.
فضيلة الشيخ؛ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع "تربية الأبناء في ضوء الكتاب والسنة".
مِن أعظم نِعم الله - تبارك وتعالى - على الإنسان في هذه الحياة نعمة الأولاد، فهي نعمة إلهية، وهِبَةٌ ربانية، وكما ذكر الله تبارك وتعالى قد جعل الله - تبارك وتعالى - الأولاد مِن زينة الحياة الدنيا؛ فقال: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الكهف: 46، كما عدَّهم أيضًا نعمةً عظيمةً في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ الإسراء: 6، وجعلهم قُرَّة أعين، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ الفرقان: 74.
نتحدث في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- حول "تربية الأبناء في ضوء الكتاب والسنة"، لكن ابتداءً فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث حول هذه النعمة الإلهية التي يهبها الله تبارك وتعالى لمن يشاء؛ ألا وهي نعمة الولد والأولاد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: تحيةً طيبةً لك أخي وائل، ولجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.
نعمةُ الله تعالى على عباده لا تنحصر في صورةٍ ولا يحدُّها أحد، بل نِعمه -جل وعلا- كثيرة متنوعة، قد قال -جل وعلا-: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ النحل: 53، وقال أيضًا: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ إبراهيم: 34، فنعمة الله تعالى على عباده لا يحيطون بها لا جنسًا ولا نوعًا ولا أفرادًا وآحادًا.
ومِن أجلِّ النِّعم التي أنعم الله تعالى بها على الناس الولد؛ فهي نعمة عظمى، وقد قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ آل عمران: 14؛ فجَعَلَ الأبناءَ مِن زينة الحياة الدنيا، ومما زُيِّن للناس، فتعلقت نفوسهم بالولد؛ وذاك لما في الولد من أنواع وصور من الملذَّات والشهوات التي يدركها الإنسان بأن يكون له عقب، فتلك نعمة يدركها كل مَن رزقه الله تعالى بالولد، ونِعم الله على عباده جليلة وكثيرة، إلا أنَّ مِن أجلِّها وأعظمها أن يُرزق نجابةً في أولاده، وصلاحًا، واستقامةً في أحوالهم، وأن يرى فيهم ما تقرُّ به عينه.
لا شك أن هذه النعمة التي تفضَّل الله تعالى بها على البشرية، وقد ذكرت جملةً من الآيات التي عدَّد الله تعالى فيها الولد من جملة ما أمدَّ به وأنعم على عباده.
لكن هذه النعم لها حق، وحقها أن تشكر، فما من نعمة إلا ولله فيها حق؛ ولذلك كان من أذكار الصباح أن يقول العبد: «اللهم ما أَصْبَحَ بي»، وفي المساء: «ما أَمْسَى بي من نعمة، فمِنك وَحْدَك لا شريك لك؛ فلك الحمد، ولك الشكر»[سنن أبي داود:ح5073، وحسنه الحافظ في نتاج الأفكار2/360]، فله الحمد -جل في علاه- على كل نعمة، ومنها نعمة الولد، فحَقُّ هذه النعمة أن يُشكر الله تعالى عليها، وأن يُثنَى بها عليه، وأن يَعتقد العبدُ أنَّ ما رزقه الله تعالى مِن ولد هو من إنعامه وإفضاله وإحسانه؛ قال الله تعالى في خَلْق الناس، وتنوُّع أحوالهم بما يهبهم -جل وعلا- من الولد، قال تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ الشورى: 49 - 50، فجَعَلَ الولد بكل أصنافه - ذكرًا أو أنثى، أو مزوجًا بين الذكر والأنثى - هبةً منه -جل وعلا-، ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ ثم ذكر حكمته في حجب ذلك عن بعض خلقه لحكمة اقتضاها ورحمةٍ من رحماته -جل وعلا-، فقال: ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ الشورى: 50.
فالكل يتقلَّب بين فضله وعدله، وما من شيء إلا وله فيه حكمة ورحمة -جل في علاه-.
إذًا الولد نعمة، وحق النعمة أن تشكر.
ومن حقوق الولد حسن النظر فيه؛ لأنه كما أنه نعمة فهو مسئولية «كُلُّكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رَعِيَّته»[صحيح البخاري:ح893]، وهذه المسئولية أعان الله تعالى العباد على القيام بها بما يسَّر من أسباب صلاح الولد، وكلما اعتنى الإنسان بولده، وبأبنائه وبناته، رعايةً وصيانةً وحفظًا وتوجيهًا؛ كان ذلك من موجبات تحصيله لما يؤمله ويرجوه من صلاحهم.
أعان الله تعالى الناس على صلاح أولادهم بما ركز في فِطرهم - فِطر الأولاد - مِن حب الخير والميل إليه، وجعل مهمة تنميةِ هذا الأصل وهذه البذرة المباركة - وهي الفطرة التي فطر الناس عليها - جعل مهمة ذلك منوطةً في الأساس والأصل بالوالدين، فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرة» وهذه بذرة الخير المغروسة في نفس كل إنسان، وهي ما تفضَّل الله تعالى به على البشرية من استقامة الفطرة بميلها إلى الخير، ونزوعها إلى البر والهدى والصلاح والاستقامة.
لكن هذه البذرة إمَّا أن تُرعَى فتثمر الثمار المباركة في القول والعمل والسلوك والمعاملة صلاحًا واستقامةً، وإما أن تُهمل فتكون عواقبها شرًّا على الولد نفسه وعلى والديه، وعلى مجتمعه.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدَانه، أو ينصِّرانه، أو يُمجِّسانه»[صحيح البخاري:ح1358] فولدك - أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة - هو نتاج جهدك وما قدمته له من صلاح ورعاية وصيانة وحفظ، ولذلك إذا وجدتَ من ولدك ما تؤمِّل من الاستقامة فاحمد الله؛ فذاك فضل الله الذي وفَّقك إليه، ويسر لك أسبابه، وإن وجدت غير ذلك فهذه لا تخلو من حالين، أعني إن وجدتَ في ولدك انحرافًا وعدم قيام بما تؤمله من استقامة في دينه ودنياه، فلا تخلو من حالين:
الأول: إما أن يكون ذلك بتفريط منك وتقصير، فلا تلومنَّ إلا نفسك، وابذل جهدك في استدراك ما يمكن استدراكه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
الثاني: وإما أن يكون ذلك بعد بذل الجهد والعناء في الإصلاح، لكن كانت الأرض غير قابلة للإنبات، وغير صالحة للزراعة، ونفس الولد مائلة إلى الشر ونازعة إليه، فهنا هذا من البلاء الذي ابتليت به، فاصبر واحتسب، وابذل ما تستطيع في إصلاح ما يمكن إصلاحه، ولك في نوح - عليه الصلاة والسلام - أُسْوَة حسنة فيما قَصَّه الله تعالى من خبر ابنه في محكم كتابه، حيث قال -جل في علاه- في قصة عظيمة، ذكرها -جل في علاه- في سورة هود؛ حيث قال نوح -عليه السلام- مخاطبًا ابنه بعد أن جاءت العقوبة التي تهدد الله تعالى بها قوم نوح، ولم يرعووا ولم يستجيبوا لدعوة نوح على طول عهد دعوته، قال تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هود: 41، ثم يقص خبر هذا الابن في آيات عديدة، قال: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ هود: 42 أي: منعزل عن أبيه، وهذا يدل على أنه كان مفارقًا لوالده قبل حصول هذه الحادثة، لكنه ناداه إما أن يكون قد رآه أو اجتمع به، إنما ناداه قال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ هود: 42 الذين ستدركهم العقوبة، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ هود: 43 استكبار، وعقوق.
قال نوح في شفقة وحرص على إنقاذ ابنه في آخر اللحظات: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ هود: 43 يعني ما هنالك نجاة، اركب معنا وإلا لن تنجو، ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْج﴾ هود: 43، مضى قدر الله في أن يكون هذا شقيًّا وأن لا يكون من الناجين، ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين﴾ هود: 43.
ثم عاد بعد انتهاء الأمر بهلاك من هلك، ونجاة من نجا، نادى نوح ربه؛ في أمل أن يستنقذ ولده أو أن يكون قد نجا ولده، قال: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ هود: 46.
فهذا نوح - عليه السلام - بذل وسعه وجهده إلى آخر لحظة في إصلاح ولده، لكن مضى قدر الله ألا يكون الأمر كما يحب من صلاح ولده، فقال له ربه -جل وعلا-: ﴿فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ هود: 46، هنا تُضبط العواطف بشرع الله وأمره الذي له الحكمة البالغة، قال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هود: 47، فاعتذر من سؤاله لربه وطلب منه المغفرة والرحمة، وأخبر أنه إن لم يدركه برحمته ومغفرته كان من الخاسرين، قال: ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ هود: 48.
المقصود أن هذا نموذج للصورة الثانية من أحوال الأولاد الذين لا تحصل منهم استجابة للهداية مع بذل الأسباب، وهنا لا لوم على الإنسان وقد بذل ما يستطيع، والله تعالى له الحكمة فيما يقضي ويقدِّر سبحانه وبحمده.
لكن الشاهد أنَّ حرص الوالد على استقامة ولده ونجاته من الهلاك وصلاح حاله ينبغي أن لا ينقطع، وأن لا يقف، بل ينبغي أن يكون مستمرًّا حتى في أواخر اللحظات؛ فإنه قال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ هود: 42 - 43 ما قال: (خلاص) أنا عرضت عليه وأبى، ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ هود: 43، فواصل في بذل الجهد في إنقاذه وبيان خطورة ما هو عليه، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان في شأنه مع ولده، الله تفضَّل علينا ومَنَّ بإيجاد هذه البذرة المباركة في نفوس الأولاد، والصلاح الابتدائي بالفطرة، وأوكل إلينا بذل الجهد في بناء الاستقامة والصلاح والنجاح والسعادة لأولادنا ذكورًا وإناثًا على هذا الأصل.
والموفَّق مَن وفَّقه الله، والمطلوب من المؤمن أن يلجأ إلى الله في صلاح ولده؛ فإن ذلك من أسباب استقامتهم وصلاحهم؛ ولهذا جاء في دعاء خليل الله إبراهيم -عليه السلام- أنه قال فيما سأل ربه: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ إبراهيم: 35 هذا دعاء من إبراهيم - عليه السلام - سأل الله فيه أن يجنبه؛ أي: أن يجعله في جانب وبنيه معه في مفارقة عبادة الأصنام والشرك، قال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ إبراهيم: 35، فهنا دعاء في غاية الحرص وإشراك ولده معه في طلب النجاة من أكبر الأخطار والمهدِّدات لصلاح الإنسان في دينه ودنياه وهو الشرك، ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾.
وكان من دعاء عباد الله الصالحين كما ذكر الله تعالى في صفاتهم: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾الفرقان:74، فسألوا لأنفسهم ولأزواجهم قرة العين؛ صلاحًا في أزواجهم وأولادهم بأن يروا فيهم ما تطمئن به نفوسهم وتسكن ويفرحون بذلك، وأن يجعلهم هم وأزواجهم وذرياتهم على حال سعيدة، وحال سرور واطمئنان من كل مخوف تفخم به العين.
هذه بعض الأمور التي ينبغي أن يلاحظها الإنسان، وأن تكون منه على بال فيما يتعلق بتربية الأولاد.
المقدم: فضيلة الشيخ؛ نريد أن نكمل الحديث؛ كيف كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يربي أصحابه، ويربي الصحابة الصغار؟ وكيف كانت الأساليب النبوية المستخدمة في تربية الأبناء؟
الشيخ: يا أخي الكريم، القرآن الكريم أكَّد ضرورة العناية بالولد، وذلك في نماذج عديدة ذكرنا بعضها في الجزء الأول من حديثنا، ويمكن مشاهدة نماذج أخرى من عناية القرآن الكريم بإبراز ضرورة عناية الآباء بأولادهم.
ذكرت قبل قليل حرص نوح عليه السلام على ابنه، وحرصه مع بدوِّ التعنُّت في مسلك الولد أن يجلب ولده إلى الخير وأن يقرِّبه، كذلك في القرآن الكريم ما يدل على أن هذه العملية -عملية التربية والصيانة للأولاد - ليست محدودةً بزمن، وبوقت النشاط والصحة، بل وحتى في الرمق الأخير يتعهد الإنسان أولاده بالنصح والتوجيه، فهذا يعقوب - عليه السلام - يتعهد أولاده في الرمق الأخير بالوصية، كما ذكر الله تعالى حيث قال: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ البقرة: 133 حضر يعقوب الموت المفارقة، ومع هذا النازل العظيم وهو ما يكون بين يدي مفارقة الدنيا من سكرات الموت، لم يترك يعقوب تعهد أولادِه بوصيتهم وتوجيههم إلى ما فيه خيرهم؛ قال الله تعالى: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة: 133، هذا نموذج من النماذج التي أبرزها القرآن في بيان حرص الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - والأنبياء على أولادهم وذرياتهم بإقامتهم على الجادة وحفظهم من الفتن والمضِلَّات التي تختطف الناس عن الصراط المستقيم.
ومن دعاء إبراهيم: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ إبراهيم: 40.
فينبغي أن يستدرك الإنسان ما يمكن أن يكون من تقصير، شهود هذه النماذج القرآنية وهذه الأمثلة في الأحاديث التي في هذا القصص القرآني الذي يبين عظيم عناية القرآن بإبراز ضرورة العناية بالأولاد، وأن العناية بالأولاد عمل شريف اضطلع به الأنبياء والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-.
فينبغي لنا أن نعتني بذلك، وأن نبذل الجهد فإن ذلك سير على صراط أولئك القوم الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ الأنعام: 90.
وهذا من الفضائل التي يدرك بها الإنسان خيرًا عظيمًا في معاشه بالأجور الجارية عليه بعد موته؛ ولذلك جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات الإنسانُ انقطع عمله إلا من ثلاث» انقطع عمله أي: توقف، إلا من ثلاثة أمور وثلاثة خصال: «صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به» وانتبه للثالثة قال: «أو ولد صالحٍ يدعو له».[صحيح مسلم:ح1631/14]
فالأولاد صلة في عمر الإنسان وامتداد لما يحبه في حياته وبعد موته، بعد موته بما يجريه الله تعالى عليه من الأجور بسبب ما بذله في إصلاح ولده وإقامته على الحق والهدى، وما يوفق الله تعالى إليه الأولاد من الدعاء لوالديهم.
وقد جاء بيان فضل الأجر المترتب على رعاية الولد فجاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له ثلاثُ بنات فصبر عليهن» يعني على رعايتهن، «وأَطعَمهَن، وسقاهن، وكساهن من جِدَته كنَّ له حجابًا من النار يوم القيامة»[سنن ابن ماجه:ح3669، ومستدرك الحاكم:ح6888، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ووافقه الذهبي]، وفي صحيح الإمام مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «من عال جاريتين» يعني من قام عليهما بسد حوائجهما وتربيتهما والإحسان إليهما «حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضمَّ أصبعيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم[صحيح مسلم:ح2631/149]، وهذا يشمل البنتين من ولده أو من غير ولده، لكن من ولده مما يدخل في الحديث، ومن غير ولده داخل في الحديث أيضًا.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء» أي: اختبر بأن جعل الله تعالى في نسله بنات، «فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»[صحيح البخاري:ح1418] وهذا معنى الحديث السابق «كُنَّ له حجابًا من النار»، وهذا فيه أن الفضيلة في كون حسن التربية للبنات والقيام عليهن ورعايتهن سواء كن واحدة أو أكثر؛ لأن الحديث قال: «من ابتُلي من البنات بشيء» فيشمل الواحدة وأكثر، «فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»، وقايةً تقيه النار بفضل الله ومَنِّه وكرمه.
هذه الأحاديث الشريفة مما يدل على عظيم الأجر المرتب على رعاية الأولاد وصيانتهم فهي فرض وحق واجب على الآباء فيما يستطيعون، ولهم في ذلك أجر، فإن قصروا في ذلك وأهملوا ولم يقوموا بما يجب عليهم كان ذلك من موجبات العقوبة التي يدركون بها ما يسوؤهم؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»[سبق]، فالأولاد أمانة عند والديهم، وهم كالعجين الذي بين يدي العاجن يشكله كيفما شاء، فينبغي أن يبذل ما يستطيع وأن يجتهد في إصلاح ولده والقيام عليهم بما يصلحهم في مطعمهم وملبسهم، وقبل ذلك في أخلاقهم وسلوكهم؛ لأن بعض الناس له عناية في رعاية ولده، لكنها رعاية منقوصة باقتصاره على جوانب من جوانب ما يحتاجه الأولاد، وأحيانًا قد يكون هذا سببًا لإفسادهم، وسببًا للشر الذي يتورطون فيه لكونه لم يُراعِ ما ينبغي رعايته في شأن هؤلاء الأولاد.
المقدم: فضيلة الشيخ؛ في مسألة التربية على العقيدة الصحيحة أرسل أحد الإخوان في الواتس آب يقول: هو متزوج من كتابية، ويجد صعوبةً في تنشئة أولاده نشأةً إسلاميةً عقديةً صحيحةً، يطلب النصح والتوجيه لمن هو في مثل وضعه.
الشيخ: بالتأكيد المسئولية عظيمة على وجه العموم، وعندما يكون هناك أخطاء تتهدد الأولاد في النظر إلى نقصٍ في حال أحد الوالدين إما نقص بما وصف أخونا أو بما هو غير ذلك؛ لأنه أحيانًا يكون الأب مثلًا مبتلى بلوثات سلوكية أخلاقية أو العكس، المسئولية تعظم في هذه الحال على من كان قائمًا على الأولاد؛ لأن المسئولية في الأصل مشتركة بين الأب والأم، والواجب عليهما بذل المستطاع؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فأبواه» فلم يجعل المسئولية في حق واحد من الأبوين، بل مسئولية مشتركة.
فينبغي الاجتهاد في الأصل في إقامة الأولاد على الخير، وتربيتهم على سلامة العقيدة، والخصال الطيبة، والشيم الكريمة، والأخلاق الفاضلة، وإبعاد كل الرذائل عنهم، ووقايتهم من كل ما يكون سببًا لهلاكهم.
لكن عندما توجد الأخطار التي يمكن أن تؤثر على الأولاد سواء بنقص في الوالدين أو في البيئة المحيطة من الأقارب أو من غيرهم، عند ذلك يحتاج الإنسان إلى بذل جهد مضاعف؛ ولهذا تجد أن إبراهيم ويعقوب - عليهما السلام - لما كانت البيئة المحيطة فيها شرك وكفر بالله عز وجل؛ كان التحذير والدعاء متصلًا بهذه القضية، فيعقوب - عليه السلام - كانت وصيته لأولاده أن يجتنبوا هذا المسلك الخطير، وهو ما يتعلق بالشرك؛ فسألهم: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة: 133.
إبراهيم -عليه السلام- قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ إبراهيم: 35.
فعلى نوع الأخطار المحيطة ينبغي أن يبذل الإنسان الجهد سواء في الدعاء أو في التوجيه والصيانة؛ لاستنقاذ الأولاد ذكورًا وإناثًا من التورط في شيء من تلك الأخطاء المحيطة.
ولذلك أنا أقول: ينبغي لأخي الكريم أن يبذل جهده في إقامة أولاده على الخير، وأن يتفاهم مع زوجته بطريق مناسب بحيث يمنع ما يمكن أن يكون سببًا لانحرافهم أو ضياعهم.
المقدم: معنا على الهاتف الأخ عبد العزيز الشريف، حياك الله يا عبد العزيز أهلًا وسهلًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلًا وسهلًا.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ وائل، وبارك الله فيكم وفي برامجكم الطيبة والنافعة.
المقدم: أهلًا وسهلًا، حياك الله.
المتصل: في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وآله: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يمَجِّسانه»[سبق].
التدخلات الخارجية في هذه التربية هل يؤاخذ عليها الأب؟ مثلًا عندنا قضية التواصل الاجتماعي وغيرها عندما تكون في يد الطفل أو في يد الابن، هل الأب يؤاخذ بعد أن يربي ابنه وينشئه التنشئة الصالحة على هذه التدخلات الخارجية ويأثم عليها؟
الأمر الثاني - بارك الله فيكم - خطبة الجمعة عندما تتوجَّه إلى الأطفال وإلى تربيتهم تؤتي ثمارها، فما هو واجب الخطيب عندما يأتي هؤلاء الناس إلى الجمعة أبًا وأخًا وغير ذلك ويحتاجون إلى مثل هذه المواعظ، وهي قضية تربية الأبناء، لاسيما والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في خطبه يحث على هذا الجانب؛ فماذا يقول
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ اسمح لي أن نؤجل فقط مداخلة الأخ عبد العزيز إلى آخر الحلقة، ثم نجيب عليها.
طيب معنا على الهاتف حياك الله
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا وسهلًا.
المتصل: كيف حالك طيب؟
المقدم: حياك الله تفضل ...
المتصل: يا أخي عندي سؤال أريد أن أسأل الشيخ فيه، لكن خارج الموضوع.
المقدم: طيب، تفضل، إذا كان هناك وقت -إن شاء الله- نجيب عليه.
المتصل: إذا طلق شخص زوجته الطلقة الثالثة وهي في الحيض فهل يقع الطلاق هنا أو لا يقع؟
المقدم: إذا كان هناك وقت يجيب الشيخ عليه إن شاء الله. شكرًا جزيلًا.
فضيلة الشيخ نكمل الحديث حول موضوع تربية الأبناء في ضوء الكتاب والسنة، كنت قد سألتك قبل الفاصل حول قضية العدل بين الأبناء، نريد أن نتحدث قليلًا حول هذا الموضوع.
الشيخ: يا أخي الكريم حق الأولاد على والديهم هو بذل كل جهد ممكن في تلبية حاجاتهم في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم، وفي توفير البيئة السليمة لهم، وفي تعليمهم، وفي إرشادهم، وفي توجيههم إلى ما فيه صالح معاشهم ومعادهم، هذا حقٌّ لجميع الأولاد من الذكور والإناث.
والإحسان في ذلك مما يعطي الله تعالى عليه أجرًا عظيمًا؛ لأن نفقة الإنسان على ولده مما يؤجره الله تعالى عليه، كما أنه حق واجب على الوالد هي أيضًا مما يؤجر عليه، ويجري الله تعالى به عليه الثواب.
والعدل بين الأولاد هو السير فيهم وفق ما أمر الله تعالى به من بذل الإحسان إليهم، سد حاجاتهم الأساسية، وإعطاء كل واحد منهم ما يحتاجه، ثم إذا كان هناك عطايا زائدة عن الحاجة، وعن الحوائج الأساسية، الحاجة الطارئة والحوائج الأساسية عند ذلك ينبغي أن يكون ذلك على وجه من التسوية.
جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سألتْ أمي أبي بعد الموت من ماله، يعني والدة النعمان سألت بشيرًا وهو صحابي جليل أن يعطي النعمان شيئًا من ماله، ثم بدا له فوهبها للنعمان، إلا أن أم النعمان أرادت أن يكون العطاء على وجه لا إشكال فيه شرعًا، فقالت: لا أرضي حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العطية إما توثقةً للعطية، وإما خشية أن يكون في ذلك حرج أو إثم.
أخذ بشير ابنه النعمان وهو غلام، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بشير للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمه بنت رواحة سألت بعض الموهبة لهذا؛ يعني أن أعطيه أو أَخُصَّه بشيء، أعطيه شيئًا، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألك ولد سواه؟» يعني عندك ولد غير النعمان؟ قال: نعم، قال: «لا تُشْهدني على جور»[صحيح البخاري:ح2650] يعني لما كان قد خص هذا دون بقية الولد، رفض النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة ووصف هذا العطاء بأنه جور يعني ظلم، وفي رواية أخرى قال: «أَيَسُرُّك أن يكونوا لك في البرِّ سواء؟»، يعني هل تحب أن يكون أولادك في برهم على حد واحد أم يَبَرُّك بعضهم دون بعض؟ قال: بلى، يعني أنَّ كل أب وأم يحبون أن يكون أولادهم في البر لهم على حد سواء، فقال: بلى، قال: «فلا إذًا»[صحيح مسلم:ح1623/17] أي: فلا تمضِ هذه العطية التي خصصت بها هذا الغلام، هذا الولد دون بقية إخوانه.
وفي رواية أخرى قال: «أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».[صحيح البخاري:ح2587]
ولهذا من الأمور الأساسية التي ينبغي أن يراعيها الآباء والأمهات في رعاية أولادهم العدل، والعدل لا يقتصر فقط على العطاء المالي، هو صورة من صور العطاء، لكن العدل في كل النواحي التي يتحقق بها المعنى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان بعض السلف يحرص أن يعدل حتى في القُبَل، يعني في قُبلته ولده يحرص أن يعدل.
قال إبراهيم النخعي وهو من التابعين: كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل، يعني حتى في تقبيله وضمِّه ونحو ذلك في معاملة ولده.[مصنف ابن أبي شيبة:ح30995]
طبعًا لا شك أن الأولاد قد لا يكونون بالنسبة إلى والديهم في المحبة سواء؛ يعني قد يكون ولد أقرب من ولد، إما لشيء فيه أو لبر منه أو ما إلى ذلك، لكن هذا لا يُسوِّغ التفضيل.
ولهذا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ضَمَّ ابنًا له وكان يحبه، قال: يا فلان والله إني لأحبك، وما أستطيع أن أؤثرك على أخيك بلقمة، يعني مع وجود المحبة التي ميزه بها، لكن ما يستطيع أن يفضله على أخيه ولو كان بأدنى ما يكون بلقمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»[سبق]، ولأن في هذا التفضيل من بواعث الشر سواء فيما يتعلق بالعلاقات بين الإخوان أو فيما يتعلق بالعلاقات بين الأولاد وآبائهم؛ ما يكون موجبًا للحذر من أن يخص الإنسان بعض أبنائه بما يميزهم به دون ما سواهم.
لكن هنا تنبيه مهم فيما يتعلق بالتسوية أنه ينبغي أن يلاحظ أن العدل والتسوية إنما هي في النفقات الأساسية، والعدل والتسوية في الحاجات الطارئة هي أن يعطي كل من يحتاج ما يحتاجه، وأما ما عدا هذا فينبغي أن يراعَى فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».[سبق]
المقدم: فضيلة الشيخ، وصلنا لختام هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، في نهايتها كتب الله أجرك، وشكر الله لك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وأن يقر أعيننا بصلاح ذرياتنا، وأن يجعلنا من مفاتيح الخير، مغاليق الشر، وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وأن يحفظ بلادنا والمسلمين من كل سوء وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.