إنَّ الحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعيِنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، الْزموُا تَقْواهُ لما تَأْتوُنَ وَتَذرَوُنَ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، في الدَّقيِقِ وَالجليِلِ، في الصَّغيِرِ وَالكبيِرِ، في مُعامَلِةِ اللهِ وَفي مُعامَلَةِ الخَلْقِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
المتَّقوُنَ هُمْ أوُلِئِكَ الَّذينَ يَجْتَنِبوُنَ ما حَرَّمَ اللهُ تَعالَىَ؛ رَغْبَةً فيِما عِنْدَهُ وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، وَيَقوُموُنَ بما أَمَرَهُمُ اللهُ تَعالَىَ مِنَ الفَرائِضِ وَالواجِباتِ؛ رَغْبَةً فيِما عِنْدَهُ وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ.
المتَّقوُنَ هُمْ: أوُلِئكَ الَّذيِنَ يَتَوَقَّوْنَ وَيَتَجنَّبوُنَ وَيَتَجافَوْنَ عَنْ كُلِّ ما يُغْضِبُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ فَهُمْ مُشْتَغِلوُنَ بما يُحِبُّ وَيَرْضَىَ، جَاهِدوُنَ في البُعْدِ عَنْ كُلِّ ما يُغْضِبُهُ وَيُسْخِطُهُ، هَؤُلاءِ هُمْ المتَّقوُنَ في كُلِّ أَحْوالهِمْ: في مُعامَلَتِهِمْ َ- عَزَّ وَجَلَّ -، وَفيِ مُعامَلَتِهِمْ لِلخَلْقِ، فَهَنيِئًا لهُمْ ما يَفْتِحِ اللهُ تَعالَىَ لَهُمْ مِنَ البَركاتِ وَالخَيْراتِ، هَنِيئًا لَهُم ما يُنْعِمُ اللهُ تَعالَىَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَعادةِ الدُّنْيا وَفَوْزِ الآخرَةِ.
التَّقْوَىَ طَريِقُ النَّجاةِ، التَّقْوَىَ سَبيِلُ الفَوْزِ، التَّقْوَىَ هِيَ الطُّمَأْنيِنَةُ وَالانْشراحُ وَالبَهْجَةُ وَالسَّعادَةُ في الدُّنْيا، التَّقْوَىَ بها يَصْلُحُ كُلُّ مَقامٍ، وَبها تَصْلُحُ كُلُّ الأَحْوالِ، بها يُدْرِكُ الإِنْسانُ مَأْموُلَهُ وَيَتَوَقَّىَ ما يَخافُهُ وَيَحْذَرُهُ مِمَّا يَكْرَهُهُ في شَأْنِهِ وَفي كُلِّ مَا يَتَّصِلُ بِهِ.
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ فَقَدْ أَوْصَىَ اللهُ تَعالَىَ بِالتِّقْوَىَ الأَوَّليِنَ وَالآخِرينَ، القَريبيِنَ وَالبعيِديِنَ، المؤْمِنينَ وَغَيْرَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ النساء: 1، وَخَصَّ بِالأَمْرِ بِالتَّقْوَىَ المؤْمِنينَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ آل عمران: 102 وَخَصَّ بِالأَمْرِ بِالتَّقْوَىَ أَعْظَمَ المتَّقيِنَ؛ وَهُوَ رَسوُلُ اللهِ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ الأحزاب: 1 فَما مِنَّا إِلَّا وَمَأَموُرٌ بِتَقْوَىَ اللهِ، وَما مِنَّا إِلَّا وَمَطْلوبٌ مِنْهُ أَنْ يُحَقِّقَ تَقْوَىَ اللهِ تَعالَىَ فِي كُلِّ شَأْنِهِ.
فارْقُبِ اللهَ في كُلِّ ما تَأْتِيِ وَتَذَرُ، لابُدَّ أَنْ يَكوُنَ شَيْءٌ مِنْ التَّقْصيِرِ في سَيْرِ الإِنْسانِ إِلَىَ رَبِّهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ يُعالَجُ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ؛ جَمَعَ ذَلِكَ جُمْلَتانِ في كَلامِ رَسوُلِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلَّمَ - في وَصِيَّتِهِ الجامِعَةِ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُما كُنْتَ»الترمذي ح(1987)،وَقالَ: حَسَنٌ صَحيحٌاتَّقِ اللهَ في كُلِّ مَواقِفِكَ وَفيِ كُلِّ أَحْوالِكَ، وَأَيْنَما كُنْتَ في غَيْبٍ أَوْ شَهادَةٍ، في جَمْعٍ أَوِ انْفِرادٍ، في سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، في شِدَّةٍ أَوْ رَخاءٍ، في صِحَّةٍ أَوْ غِناءٍ، اتَّقِ اللهَ في كُلِّ أَمْرِكَ.
وَلابُدَّ مِنْ هَفْوَةٍ وَتَقْصيرٍ، فَكُلَّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ؛ فَسَبيَلُ العَوْدَةِ وَالأَوْبَةِ: «وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها»الترمذي(1987)، فَإِذا عَثَرْتَ فَلا تَسْتَسْلِمْ لِلشَّيْطانِ؛ فَإِنَّ الَّذِيِ يَعْثُرُ بِخَطَأٍ وَيَسْتَسْلِمْ لِلشَّيْطانِ يَسْتَجِرَّهُ إِلَىَ ما هُوَ أَعْظَمُ؛ حَتَّىَ يَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ، فَلا يَنْفَكُّ مِنْ كَيْدِهِ وَمَكْرِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ المجادلة: 19؛ صاروُا مِنْ حِزْبِهِ وَأَتْباعِهِ وَجُنوُدِهِ لمَّا اسْتَحْوَذَ عَليْهِمْ وَتَمكَّنَ مِنْهُمْ، فَاَّتقِ اللهَ بِالمسارَعَةِ إِلَّى التَّوْبَةِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ النور: 31.
***
الخطبةُ الثانيةُ:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثيِرًا طَيِّبًا مُباركًا فِيِهِ، حَمْدًا يُرْضِيِهِ، نَحْمَدُهُ، لَهُ الحَمْدُ فيِ الأوُلَىَ وَفي الآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجعوُنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهَ؛ فَإِنَّ تَقْوَىَ اللهِ تَعالَىَ تَجْلِبُ السَّعاداتِ: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ النبأ: 31، تَقْوَىَ اللهِ تَعالَىَ تَجْلِبُ المخارجَ مِنَ المضايِقِ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ الطلاق: 2 - 3، تَقْوَىَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - تَجْلِبُ التَّيْسِيِرَ فِي كُلِّ أَمْرٍ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ الطلاق: 4.
اتَّقوُا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ فَلَيْسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ يَفْرَحُ بِهِ الإِنْسانُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَنالُ بِهِ الفَوْزَ وَيُدْرِكُ بِهِ النَّجاةُ إِلَّا التَّقْوَىَ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ الطلاق: 5.
أين أنتم من خصال التقوى؟
إنَّ التَّقْوَىَ لَيْسَتْ مَظاهرََ وَلاَ صُوَرًا، إِنَّ «التَّقْوَىَ هَاهُنا» وَأَشارَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىَ صَدْرِهِ.مسلم ح(2564)«التَّقْوَىَ هَاهُنا» أَيْ: في القَلْبِ، هَذا مَحَلُّها في الأَصْلِ، لَكِنَّ ذَلِكَ الَّذيِ في القَلْبِ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكوُنَ حَبِيِسًا، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ في سُلوُكٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، بَلْ مَتَىَ اتَّقَىَ العَبْدُ رَبَّهُ في قَلْبِهِ زكَىَ قَوْلُهُ؛ فَلا يَقوُلُ إِلَّا خَيْرًا، وَصَلُحَ عَمَلُهُ؛ فَلا يَشْتَغِلُ إِلَّا بَخَيْرٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70- 71.
تَقْوَىَ اللهِ بِالقَلْبِ هِيَ أَنْ تُحِبَّ اللهَ جَلَّ في عُلاهُ، أَنْ تُعَظِّمَهُ، وَكَيْفَ لا تُحِبُّ مَنْ لا يَنْفَكُّ عَنْكَ إِحْسانُهُ، مَنْ لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ عَطاؤهُ؛ فَاللهُ تَعالَىَ يَمدُّكَ في كُلِّ لَحْظَةٍ وَفي كُلَّ نَبْضِ عِرْقٍ مِنَ النِّعَمِ ما لا عَدَّ لَهُ وَلا حَصْرَ، أَلاَ تُحِبُّهُ؟ أَلا تُعظِّمُ مَنْ لا يَنْفَكُّ خَيْرهُ مُتَتابِعًا عَلَيْكَ مُنْذُ أَنْ خَلَقَكَ إِلَىَ أَنْ يُؤْوِيَكَ لَحْدُكَ، ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ لا مَنْجَىَ لَكَ إِلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِكَ وَأَنْ يَقيِكَ أَهْوالَ ذَلِكَ اليَوْمَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ الحج: 1؛ فَتَقْوَىَ اللهِ سَبيِلُ النَّجاةِ مِنْ ذَلِكَ الموْقِفِ العَظيِمِ، وَمِنْ تِلْكَ الأَهْوالِ الكُبْرَىَ الَّتيِ سَنَأْتِيِ عَلَيْها.
لاَ تَظُنوُّا أَنَّ حياتَكُمْ مُمْتَدٌّة، وَلا أَنَّ أَيَّامَكُمْ لَنْ تَنْقَضِيَ، كُلُّ يَوْمٍ يَمْشِيِ وَيَزُوُلُ يُدْنيِكَ إِلَىَ الأَجَلِ المَحْتوُمِ، فاسْتَعِدَّ لِذَلِكَ مِنْ صالحِ الأَعْمالِ، قَبْرُكَ سَعادَتُكَ فيِهِ بِتَقْواكَ، بَعْثُكَ وَنُشوُرُكَ أَمْنُكَ فِيِهِ بِأَنْ تَكوُنَ مُلازِمًا لِلتَّقوَىَ، نَجاتُكَ يَوْمَ القِيامَةِ وَرِفْعَتُكَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ في الدَّرجاتِ، إِنَّما هُوَ بِتَقْوَىَ اللهِ تَعالَىِ؛ فَبَادِرْ إِلَىَ التَّقْوَىَ مَادُمْتَ مُسْتطيعًا إِلَىَ ذَلِكَ، تَزوَّدْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيا بما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَىَ بِهِ؛ قالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة: 197 خَيْرُ ما تَخْرُجُ بِهِ مِنْ دُنْياكَ تَقْوَىَ رَبُّكَ جَلَّ في عُلاهُ، فاسْتَحْضِرْها في قَوْلِكَ وَعَمَلِكَ وَسِرِّكَ وَإِعْلانِكَ، وَلَيْسَ هَذا مَعْناهُ أَلَّا يَبْدُرَ مِنَّا خَطَأٌ، أَوْ أَلَّا يَقَعَ مِنَّا زَلَلْ؛ فَذاكَ لابُدَّ مِنْهُ، لَكِنَّ المتَّقِي سَريِعُ الأَوْبَةِ، سَريِعُ العَوْدَةِ إِلَىَ رَبِّهِ جَلَّ في عُلاهُ، يُبادِرُ مُسْتَغْفِرًا لا يِركَنُ إِلَىَ ذَنْبٍ.
في الصَّحيحيْنِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ, قالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:«أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ»البخاري ح(7507), ومسلم ح(2758)،«يغفر الذنب» أي: يتجاوز عنه ويصفح عنه، «ويأخذ بالذنب» أي: يعاقب عليه «اغفروا لعبدي»، ثم عاد الرجل إلى مسيره، فوقع في خطأ إما الأول أو غيره، فلم يركن إلى خطئه، بل قال عائدًا تائبًا إلى ربه: «ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله تعالى: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اغفروا لعبدي»، وفي الثالثة وقع خطأ آخر إما الأول أو غيره، فقال العبد: «ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي»، قال الله تعالى الكريم المنان واسع الرحمة والمغفرة: «علم عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ »البخاري ح(7507), ومسلم ح(2758)، مادامَ عَلَىَ هَذِهِ الحالِ مِنَ الأَوْبَةِ إِلَىَ العزيِزِ الغَفَّارِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَىَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالعِلْمُ بِأَنَّ ما كانَ مِنْ خَطَأٍ لَيْسَ اللهُ غَافِلًا عَنْهُ: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ إبراهيم: 42 إِنَّما هُوَ حِكْمَتُهُ فيِ تَأْخيِرِ العُقوُبَةِ وَالإِمْهالِ لِلعِبادِ؛ ليِسْتَعْتِبَ مِنْ يَسْتَعْتِبْ، وَيَرْجِعَ مَنْ يَرْجِعْ، وَتَسْتَحْكِمُ الحُجَّةُ عَلَىَ مَنْ يَمْضِيِ في غَيِّهِ وَضَلالِهِ.
فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، بِادِروُا إِلَىَ التَّوْبَةِ، فتِّشوُا أَنْفُسَكُمْ فيِ فَرائِضِ اللهِ؛ في الصَّلاةِ وَالزكاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَّجِّ، فتِّشوُا أَنْفُسَكُمْ في حقوُقِ الخَلْقِ ابْتِداءً بِحقِّ الوالِدَيْنِ، وَحَقِّ الزَّوْجاتِ وَالأَوْلادِ، وَحَقِّ الأَقارِبِ وَالجيرانِ، وَحَقِّ عامَّةِ أَهْلِ الإِسْلامِ وَوُلاةِ الأَمْرِ، فتِّشوُا أَنْفُسَكُمْ في كُلِّ ذَلِكَ وَأَمِّلوُا مِنَ اللِه خَيْرًا، أَكْثِروُا مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ، فَما أَحْوَجَنا إِلَىَ أَنْ نَقوُلَ في كُلِّ مَقام:ِ «ربِّ اغْفْر ليِ وَتُبْ عَليَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ»أبوداود(1516)بإسناد صحيح ، هَذا سَيِّدُ الوَرَىَ إِمامُ المتقين، مَن حَطَّ اللهُ عُنْهُ الخَطايا وَالسَّيِّئاتِ، مَنْ كانَ يقوُمُ اللَّيْلَ حَتَّىَ تَتَوَرَّمَ قَدَماهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُحْسَبُ لَهُ في المجْلِسِ الواحِدِ بَيْنَ أَصْحابِهِ: «ربِّ اغفر لي وتب عليَّ» مائة مرة، في مجلس واحدالترمذي ح(3434), وَقالَ: حَسَنٌ صَحيحٌ، وَأَنا أَقوُلُ: عُدَّ مَجالِسَكَ، وَانْظُرْ كَمْ تَسْمَعْ فيِها مِنْ ذِكْرٍ أَوْ اسْتِغْفارٍ، إِنَّهُ قَليْلٌ في مَجالِسِ النَّاسِ اليَوْمَ، مَعَ كَثْرَةِ الخَطَأِ وَالزَّلَلِ، وَكَثْرةِ البُعْدِ والانْحرافِ عَنِ الهُدَىَ وَالتُّقَىَ، وَمَعَ ذَلِكَ نَغْفُلُ عَنِ الاسْتِغْفارِ وذَكْرِ الرَّحْمنِ. وَسَيِّدِ الوَرَىَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَغِلٌ بِالطَّاعَةِ كَما أَمَرُهُ: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ المدثر: 1 - 4 مُنْذُ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ إِلَىَ أَنْ فاضَتْ روُحُهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمُ -، وَمَعَ ذَلِكَ كانَ يُحْسَبُ لَهُ في المجلِسِ الواحِدِ: «ربِّ اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم» مائة مرة.﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف: 23.الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيِمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
الَّلهُمَّ خُذْ بِنواصِيِنا إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، سَدِّدْنا في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، اهْدِنا سُبَلَ السَّلامِ.
الَّلهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالشَّرَّ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
الَّلهُمَّ رَبَّنا أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، انْصُرْنا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنا، آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا لكَ ذاكريِنَ شاكِرينَ راغبينَ راهبينَ أوَّاهيِنَ مُنيبينَ، الَّلهُمَّ تَقبَّلْ تَوْبَتَنا وَثبِّتْ حُجَّتَنا وَاغْفِرْ زلَّتنا، وَأَقِلْ عَثَرَتَنا، وَلا تُزِغْ قُلوُبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً؛ إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
الَّلهُمَّ لا مَانِعَ لما أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لما مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، أَعْطِنا مِنْ فَضْلِكَ وَلا تَحْرِمْنا، أَكْرِمْنا وَلا تُهِنَّا، اجِعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ يا ذا الجلالِ وَالِإكِرامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا المَلِكَ سَلْمانَ إِلَىَ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَوَفِّقْ وَليَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما فيِهِ الخَيْرُ يا ذا الجلالِ وَالِإكْرامِ، الَّلهُمَّ وَفِّقْهُما إِلَىَ ما فِيِهِ خَيْرُ العبادِ وَالبِلادِ، الَّلهُمَّ يَسِّرِ لهَمُ اليُسْرَىَ يا حَيُّ يا قَيُّومُ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ المسْلمينَ لما فِيِهِ خَيْرُ العبادِ وَالبِلادِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، أَبْعِدْ عَنَّا كُلَّ فِتْنَةٍ، وَقِنا شَرَّ المُضِلاتِ مِنَ الفِتَنِ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.
الَّلهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَىَ الحَقِّ وَالهُدَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالشَّرَّ وَالرَّدَىَ.
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إبِرْاهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبرْاهيمَ؛ إِنَّكَ حميِدٌ مَجِيدٌ.