المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في بداية هذه الحلقة والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى؛ تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل/ ياسر زيدان.
المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام، ونسعد دائمًا بمشاركتكم معنا في هذه الحلقات لبرنامج "الدين والحياة" عبر هواتف البرنامج على الرقمين: 0126477117، وعن طريق الهاتف الآخر 0126493028 نسعد بمشاركاتكم معنا حول موضوعنا في هذه الحلقة.
مستمعينا الكرام؛ ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي وائل، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياك الله، فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول "الوصية الكبرى"، نتحدث في هذه الحلقة عن أعظم وأجل وأسمى الوصايا، وصية الله تبارك وتعالى للأولين والآخرين ألا وهي التقوى، كما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سورة النساء في قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء:131، نتحدث في هذه الحلقة عن هذه الوصية الكبرى ألا وهي تقوى الله -عز وجل-، نتحدث عنها وعن معانيها، وعن حقيقتها أيضًا، وكيف يحقق المسلم هذه التقوى في حياته؟
ابتداءً فضيلة الشيخ ونحن نتحدث عن هذه الوصية الكبرى، نريد أن نتحدث عن معناها وحولها أيضًا.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً لك أخي وائل، ولجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله، وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأوليائه الصالحين.
في هذه الحلقة نتكلم عن وصية عظيمة من الوصايا التي أوصى الله تعالى بها الخلق، هذه الوصية هي الوصية بالتقوى، وهذه الوصية تتميز بميزة دون سائر الوصايا التي في الكتاب والسنة، والتي تدل على الخير، وتأمر به، وتحث عليه، وتنهى عن الشر، وتنفِّر منه، وتحذر منه، إنها الوصية الجامعة، أجمع الوصايا التي جاءت الوصية بها في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هي تقوى الله -جل وعلا-.
تقوى الله -سبحانه وبحمده- هي أجمع الوصايا؛ ولذلك خصها الله تعالى بأن جعلها الوصية الجامعة للناس كافةً؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء:131 ، وهذه الوصية أوصى الله -جل في علاه- بها الناس كافة الأولين والآخرين كما دل عليه القرآن، وجاء الخطاب فيها للناس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾النساء:1 .
وجاء الأمر بتقوى الله -عز وجل- للمؤمنين خاصة، فخص الله تعالى المؤمنين بالأمر بالتقوى، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران:102، وجاء الأمر بالتقوى لأشرف الناس وسادات الدنيا وهم النبيون -صلوات الله وسلامه عليهم-، بل أشرف النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجَّه الله تعالى إليه الأمر بالتقوى فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾الأحزاب:1 .
فالأمر بالتقوى لم يخص الله تعالى به أحدًا دون أحد، بل جاء الأمر به عامًّا لكل الناس، الأولين والآخرين، وللبشرية كافة، ولأهل الإيمان وهم مَن أخذوا بخصال التقوى، وكرر الله تعالى الأمر بالتقوى على المؤمنين في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾المائدة:93 .
فالتقوى أمر مُستدام، ووصية الله تعالى به للناس على وجه الدوام، لم يخص بها أحدًا من الخلق دون أحد، بل جاءت عامة وخاصة للمؤمن والطائع والعاصي وغيره، كل ذلك تأكيدًا لهذه الخصلة العظيمة التي بها النجاة من كل المعاطب والمهالك والمتالف في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾الزمر:10 .
تقوى الله -عز وجل- حقيقتها هي ما بيَّنه الكتاب والسنة، فكل ما أمر الله تعالى به من الفرائض، والواجبات، ومن المندوبات والمستحبات هي من تقوى الله -عز وجل-، هي خصلة من خصال التقوى، فالصلاة خصلة من خصال التقوى، والزكاة خصلة من خصال التقوى، والصوم خصلة من خصال التقوى، والحج خصلة من خصال التقوى، الإيمان بالله -عز وجل- خصلة من خصال التقوى، التوحيد خصلة من خصال التقوى، المحبة القلبية لله والخوف والرجاء والخشية والإنابة والتوكل كل ذلك من خصال التقوى.
ولهذا أجمل ما قيل في بيان معنى التقوى أنها: عملٌ بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله، وتركٌ لمعصية الله، على نور من الله، خيفة عقاب الله.
هذا الكلام الموجز المختصر هو إجمالٌ لحقيقة التقوى؛ فإن التقوى هي أن تتقي ما تكره، أن تجعل بينك وبين ما تكره وقايةً، أن تجعل بينك وبين ما تخاف وقايةً؛ وذلك لا يتحقق للمؤمن إلا بأن يفعل ما أمر الله تعالى به فيما طلب الله تعالى من العبد أن يفعله، وأن يترك ما نهاه الله تعالى عنه.
وبهذينالعملين فعل الواجبات وترك المحرمات مع عمل القلب وهو الرغبة فيما عند الله، والخوف من عقابه؛ بذلك يتحقق للعبد التقوى، وهو يحتاجها في كل أمر، وفي كل حال، وفي كل حين، وعلى اختلاف ما يطرقه من الحوادث والأحوال والنوازل لابد للإنسان من أن يستصحب التقوى في كل شأنه؛ وذلك أن التقوى هي مركب النجاة، هي السفينة التي ينجو بها الإنسان من الهلاك، ويسلم بها من المكروه، وينجو بها من الأخطار والمهالك؛ ولهذا من الضرورات الكبرى التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان في حياته أن يرتسم خصال التقوى، هنيئًا لمن وفَّقه الله تعالى بأن ضمَّه إلى هذه الكوكبة المباركة من عباده، وهذه الفئة الصالحة من أوليائه بأن جعله من عباد الله المتقين.
ولأجل أن هذه الصفة هي الصفة الجامعة لكل أولياء الله الصالحين، ولعباده المتقين، الجامعة لما يحب ويرضى - كانت من أوائل الصفات التي ذكر الله تعالى لعباده في كتابه، بل جعل إنزال الكتاب هدايةً لهم؛ قال الله في محكم كتابه في أول سورة البقرة: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾البقرة:1-2، ﴿هُدًى﴾ لمن؟ ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، فالمتقون هم أول مَن ذكرهم الله تعالى من أصناف الناس بعد أن ذكر قسمة الناس الكلية.
القسمة الكلية: أهل الصراط المستقيم، والمغضوب عليهم، والضالون، وهذا تضمنته سورة الفاتحة.
ثم تفصيل صفات أهل الصراط المستقيم، ذكر الله تعالى الصفة الجامعة لهم، والمعنى الشامل لكل ما ينتظم خصالهم، وخلالهم، وأخلاقهم الظاهرة والباطنة، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾البقرة:2 ، وعدَّدَ مِن صفاتهم أصول ما تتحقق به التقوى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ البقرة: 3 - 4 أولئك التزكية والشهادة لهم ببلوغ المنشود والمطلوب، ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة: 5 ، وهم الفائزون السابقون إلى كل ما يحب الله تعالى، إلى كل ما يحبون ويرضون به من سعادة الدنيا وفوز الآخرة.
إذًا خلاصة ما ينبغي أن نعرفه عندما يتوجه لنا الأمر بالتقوى في القرآن، وعندما نسمعه في وصايا سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو عندما نسمعه في المواعظ، سواء في خطب الجمعة أو في غيرها من المواطن عندما نسمع الأمر بالتقوى ليحضر في أذهاننا أننا نُدعَى إلى فعل ما أمر الله تعالى به من الواجبات والفرائض، والاشتغال بما يحب ويرضى من المستحبات والمندوبات رغبةً فيما عنده، وخوفًا من عقابه، على نور منه -جل في علاه-، وأننا مدعوون إذا أُمرنا بالتقوى إلى ترك ما حرم الله تعالى أن نتجافى عنه، وأن نجعل بيننا وبينه سترًا، وأن نبعد عنه، وأن نجتنبه ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، ونجتنب ذلك رغبةً فيما عند الله وخوفًا من عقابه.
ثم إذا تورطنا في شيء من الإخلال بهذا سواءً في الواجبات بالترك أو في المحرمات بالانتهاك، فلنبادر إلى معالجة ذلك بالتوبة والاستغفار، والأوبة إلى العزيز الغفار، بكثرة الذكر والرجوع إليه، وإِتْباع السيئة بالحسنة؛ كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها».[سنن الترمذي:ح1987، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
إذًا هذا هو مختصر ما نؤمر به في التقوى، أُعيده حتى ندركَه لـمَّا نؤمر بالتقوى: وصية الله لنا بالتقوى في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾النساء:131 ، أخي وأختي هو أن نطيع الله -عز وجل- في كل أوامره بأن نفعلها، وأن نقوم بها في الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وحقوق الخلق من بر الوالدين، وصلة الأرحام، وحقوق الجيران، وأداء الأمانات، وحفظ حقوق ولاة الأمر، وغير ذلك من الحقوق التي جعلها الله تعالى على العباد: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾النساء:58 ، وأن نكفَّ أنفسنا عن كل ما حرمه الله تعالى علينا من كبائر الذنوب، ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَه﴾الأنعام:120، ومن الصغائر والدقائق «إياكم ومُحَقَّرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل فَيُهْلِكْنه«.[مسند أحمد:ح3818، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2470]
نفعل هذا، وبذلك نكون من عباد الله المتقين، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
المقدم: آمين. مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا في هذه الحلقة حول ما نتحدث به عن تقوى الله عز وجل يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، وعن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028.
فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل الفاصل عن معنى التقوى وحقيقتها، وأيضًا تحدثنا في جانب تحقيق مفهوم التقوى في حياة المسلم، نريد أن نتحدث في جانب آخر، تحدثنا في جانب العبادات بفعل ما أمر الله تعالى، واجتناب ما نهى الله -عز وجل- عنه، نريد أن نتحدث قليلًا حول تحقيق التقوى في جانب التعاملات التي تكون بين الناس.
الشيخ: فيما يتعلق بتتمة الحديث عن حقيقة التقوى ينبغي أن ندرك أن أصل التقوى يقوم على سلامة القلب من التعلُّق بغير الله، يقوم على سلامة القلب من الشرك؛ ولهذا جاءت الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - في كل دعواتهم يدعون قومهم إلى تحقيق التقوى.
هذا نوح أول رسول أرسله الله تعالى لأهل الأرض، يقول الله تعالى فيما خصه من شأنه، وما دعا إليه قومه قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:106 ، وفي قوم هود قال لهم أخوهم هود -عليه السلام-: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:124 ، كذلك لوط لما جاء لقوم انحرفت فِطرهم واتبعوا الشهوات قال لهم كما قص الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:161، شعيب أتى قومًا عندهم فساد في التعاملات بتطفيف المكاييل والمفاهيم وشأن التعامل الاقتصادي التجاري، قال لهم: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:177 .
فالتقوى هي الأمر العام الذي جاءت به الرسل ليصلح به كل خلل في مسيرة البشرية، سواء كان ذلك فيما يتعلق بحق الله، فكل من انحرف عن توحيد الله بالشرك به جل في علاه، بصرف العبادة لغيره، سواء كانت العبادة قلبيةً بصرفها لغير الله بالمحبة أو التوكل على غير الله، أو خوف غير الله كمخافة الله، أو كان الإخلال بحق الله فيما يتعلق بالأقوال بأن يحلف بغير الله، أو ينذر لغير الله، أو كان بالأفعال بأن يتقرب بالذبح لغير الله أو صرف العبادات البدنية لغير الله، كل هؤلاء لم يحققوا التقوى؛ إذ إن أصل كلمة التقوى التي جعلها إبراهيم - عليه السلام - في عقبه، وجعلها الله تعالى باقيةً في عباده وأوليائه هي التوحيد فهي كلمة التقوى، هي لا إله إلا الله.
مِن التقوى أيضًا ما يتعلق بأداء الفرائض التي فرضها الله تعالى، والواجبات التي أمر بها سبحانه وتعالى، وترك ما حرمه الله -عز وجل- فيما يتصل بالموبقات والمعاصي والسيئات فيما دون الشرك، كل ذلك من التقوى.
فيما يتعلق بالتقوى أيضًا التقوى في معاملة الخلق، التقوى في أداء الأمانات، التقوى في فعل ما فرضه الله تعالى للخلق من الحقوق، كل ذلك مما أمر الله تعالى به عباده، وجعله سبيلًا لتحقيق مرضاته جل في علاه.
ولهذا يجب على المؤمن أن يلاحظ هذا الأمر فيتقي الله في قوله فلا يقول إلا حقًّا، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يسب، ولا يشتم، كل هذا من تقوى الله في اللسان الذي أمر الله تعالى به بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾الأحزاب:70-71 .
تقوى الله تعالى تحمل الإنسان على أداء الأمانات التي كلف بها، وفعل ما يكون به الإنسان مجافيًا، مجانبًا للشر والفساد، ولهذا أمر الله تعالى بتقواه في حقوق الأرحام؛ قال تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾النساء:1 ، والأرحام يعني واتقوا الأرحام بأن تجعلوا بينكم وبين ما يتعلق بالرحم وقاية بفعل ما أمر الله تعالى فيها من الصلة وأداء الأمانات، ولذلك قال بعدها: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾النساء:2 .
وذكر في هذه السورة من الحقوق ما لا يمكن أن يُفعل إلا بالتقوى، في حقوق الأيتام، وفي حقوق النساء، وفي حقوق ذوي الحقوق من أصحاب الحقوق، وأكد ذلك في ثنايا السورة فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾النساء:58 .
فلذلك تقوى الله تعالى يستصحبها الإنسان في بيعه وشرائه، تقوى الله -عز وجل- يستصحبها الإنسان في معاملته للقريب والبعيد، يستصحبها الإنسان في معاملته لزوجته، وفي معاملته لولده، وفي معاملته لوالديه، وفي معاملته لإخوانه وأخواته، وفي معاملته لذوي رحمه وأقاربه القريب منهم والبعيد.
كل ذلك يحتاج فيه الإنسان إلى تقوى يقوم فيها بحق الله عز وجل، يحتاجها الإنسان في اجتناب المعاملات المحرمة؛ ولهذا قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾البقرة:278.
فالتقوى يستصحبها الإنسان في شأنه كله، في معاملاته لربه، وفي معاملته للخلق، وفي توحيد الله وفرائضه وشرائعه، وفيما نهى عنه، وفيما يتعلق بما فرضه لعباده من الحقوق.
فالتقوى تحمل الإنسان على اجتناب الكذب، اجتناب التزوير، اجتناب بخس الحقوق، اجتناب التطفيف، اجتناب الاعتداء على الدماء، الاعتداء على الأموال، الاعتداء على الأعراض، كل ذلك مما يتحقق بلزوم التقوى.
ولذلك كانت التقوى سبيل النجاة لكل من أراد أن ينجو من آفات اللسان، من آفات الأبدان، ومن آفات القلوب، من المعاصي والسيئات بشتى صورها وألوانها.
المقدم: جميل فضيلة الشيخ، اسمح لي أن نأخذ بعض الاتصالات من الإخوة المشاركين الكرام.
معنا على الهاتف الأخت أم خالد، حياكِ الله يا أم خالد، أهلًا وسهلًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلًا وسهلًا.
المتصل: أولًا: أسأل الله العلي القدير أن يجازي الإذاعة والقائمين عليها بسعادة الدنيا والآخرة.
ثانيًا: أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المسلمين من المتقين، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتكم، استفدنا من هذه الإذاعة كثيرًا. عندي سؤال لفضيلة الشيخ الله يجزيه الجنة.
المقدم: طيب، تفضلي.
المتصل: الأول: ما هي الأشياء المُعِينة على أن يكون المسلم من المتقين؟
والثاني: ما هي صفات المتقين؟ أعني كيف يعرف الشخص أنه -إن شاء الله، برحمة الله- من المتقين؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكرًا لأم خالد على هذه المشاركة، معنا على الهاتف الأخ عبد العزيز الشريف، حياك الله يا عبد العزيز، أهلًا وسهلًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أهلًا وسهلًا.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ وائل، وبارك الله فيكم جميعًا.
المقدم: حياك الله وأهلًا وسهلًا.
المتصل: نحييك ونحيي فضيلة الشيخ.
المقدم: حياك الله.
المتصل: هل نقول أن التقوى تجمع الإيمان والإحسان؟ أو أن التقوى شيء آخر يختلف عن هذه الأمور؟ وهل المتقون أعلى درجة من المؤمنين ومن المحسنين؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ نجيب على أسئلة الأخت أم خالد، فيما يتعلق بموضوع التقوى، تقول: ما هي الأشياء المعينة أو النقاط المعينة على التقوى حتى يكون المسلم من عباد الله المتقين؟
الشيخ: تقوى الله -عز وجل- أسبابها عديدة، أعظمها معرفة الله عز وجل والعلم به، فمتى ما عرف العبد ربه -جل في علاه- كان ذلك من أعظم موجبات تقواه؛ فإن العبد إذا عرف الرب الذي يعبد وما له من الجلال والكمال والبهاء وجميل الصفات كان ذلك داعيًا إلى تحقيق التقوى لله عز وجل، والقيام بما يأمره به والانتهاء عما ينهاه عنه -جل في علاه-.
فهذا من أعظم الأسباب المعينة على التقوى: العلم بالله ومعرفته سبحانه وبحمده.
من أعظم الأسباب المعينة على التقوى الإيمان باليوم الآخر، وأن ثمة يومًا سيقف فيه الناس على ما قدموا من عمل، وهم فيه مرتهنون بأعمالهم، ولم يفكهم في ذلك اليوم إلا تقوى العزيز الغفار جل في علاه، فلا نجاة يوم القيامة إلا بالتقوى؛ لذلك أمرنا الله تعالى بالتزود بالتقوى في الدنيا، قال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة: 197.
والتزود لا يشتغل به إلا من سيقابل مفازةً، سيقابل صعوباتٍ ومسافاتٍ يقطعها، فيتزود، يستعد، يتهيأ لما سيقابل.
والله -عز وجل- أمرنا بالتزود في ذلك اليوم بالتقوى، لليوم الآخر ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة: 197 ، نتزود بالتقوى لتصلح به دنيانا ما بقي من أعمالنا، وما نستقبله من يوم القيامة في القبر وفي البعث والنشور، ولنتبوأ به ما نؤمِّل من الفوز في مقعد صدق عند مليك مقتدر؛ ولهذا أمر الله تعالى بالتزود بالتقوى وبها ينجو العبد يوم القيامة: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾، فخص الله النجاة للمتقين، ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾الزمر:61 ، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾النبأ:31، وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾الأعراف:128 .
هذا التذكر لهذه المعاني لليوم الآخر مما يعين الإنسان على تحقيق التقوى لله عز وجل؛ لأنه يعرف أنه سيوقَف بين يدي الله، وأنه لن يقيه من الوقوف بين يدي الله والهلاك في ذلك الموقف العظيم إلا أن يكون من أهل التقوى الذين يكفر الله سيئاتهم، ويعظم أجورهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾الطلاق:5 .
مما يعين على التقوى تذكُّرُ أن مآل التقوى خير في الدنيا والآخرة، لن يندم أحد مع التقوى، وما بدا لك من الخسارة بالتقوى هو ربح، لو ألقى الشيطان في قلبك أنك ستخسر إذا اتقيت الله فاعلم أن ذلك من وساوسه، ومن كيده، وأن العاقبة للتقوى، ولن ينجو إلا المتقون.
الله تعالى ذكر العاقبة للخصلة ولأصحابها، فقال تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾طه:132، فجعل العاقبة للتقوى ذاتها، لذات التقوى، وذلك حثًّا على خصالها، قال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾طه:132، أي: لهذه الخصلة من لزمها فإن العاقبة يعني النهاية الجميلة، والنهاية المأمولة، والأمن من سوء الخاتمة وسوء العاقبة، إنما يكون لهذه الخصلة.
ثم أيضًا أثبت ذلك لمن تحلى بهذه الخصلة فقال: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾الأعراف:128 ، ذكر ذلك في موضعين من القرآن الحكيم في قول موسى ووعده لقومه: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾الأعراف:128 ، وذكر -جل وعلا- أن العاقبة للمتقين في الدنيا، والعاقبة للمتقين في الآخرة فقال: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾القصص:83 .
إذًا مما يحفزنا على لزوم خصال التقوى واتسام أخلاقها، والعمل بأعمال التقوى والانتظام في سلك المتقين - هو أن ننظر إلى العواقب الجميلة التي جعلها الله تعالى للتقوى، فقد جعل الله تعالى العاقبة للمتقين في الدنيا كما أفاده قول موسى لقومه: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾الأعراف:128، وهي أيضًا في الآخرة لعباده كما قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾القصص:83 .
هذا ثالث ما يحفز الناس على تقوى الله عز وجل.
مما يحفِّز النفوس على تقوى الله أنَّ تقوى الله بها يخرج الإنسان من كل ضيق، فكلما أحاطت بك المضايق الزم التقوى وستجد مخرجًا؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:2-3 وعد الله لا يخلف سبحانه وبحمده، وجنده لا يهزمون فهو سبحانه الذي لا يخلف الميعاد، والذي هو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فالزم التقوى في كل أحوالك، فإنك ستجد من كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا؛ ولذلك قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾الطلاق:4 ، وهذا أيضًا من الحوافز المعينة، والأمور التي تنشِّط النفوس على لزوم التقوى أن التقوى من أسباب التيسير التي يدرك بها الإنسان اليسر في معاشه كما يدرك بها اليسر في معاده، فهي نجاة يخرج بها الإنسان من المكروهات، وهي وسيلة وسبب لإدراك المرغوبات والمحبوبات والمطلوبات في الدنيا والآخرة: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:2-3 ، قال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾الطلاق:4 .
كل هذا مما يحفز الإنسان على التقوى، مما يعين الإنسان على تحقيق التقوى ولزوم خصالها، أن يقبل على تلاوة كتاب الله -عز وجل- فإن القرآن هدى للمتقين، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾البقرة:2 ، فبقدر إقبالك على القرآن، وتلاوتك له، وتدبرك لمعانيه، وعملك بما فيه، وسماعك له، واشتغالك به بقدر ما تفوز من خصال التقوى.
ولهذا الذي يريد أن يحقق التقوى فليكن له من القرآن نصيب تلاوةً، وتدبرًا، وتعلمًا، وعملًا بما فيه فقد حوى كل خصال التقوى على أكمل وجه.
مما يعين الإنسان على تحقيق التقوى وأن يكون من المتقين لزوم ذكر الله عز وجل، فأَكثِرْ مِن ذكر الله «سبق المُفَرِّدون، قالوا: من المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»[صحيح مسلم:ح2646/4] فالزم الذكر وليكن أقل ما تحافظ عليه من الأذكار، الأذكار التي بعد الصلوات، والأذكار الواجبة في الصلاة وغيرها، أذكار أدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، وسائر الأذكار التي تقال في المناسبات.
ثم بعد ذلك كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، فاحرص على الاستكثار من الخيرات.
مما يعين الإنسان على لزوم التقوى الصحبة الطيبة؛ فإنَّ الصحبة الطيبة سبب من أسباب الفوز بخصال التقوى؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة:119 ، فاحرص على صحبة الأخيار وباعد نفسك عن الأشرار، وهذا لا يختص سنًّا أو مرحلةً من مراحل العمر، بل ينبغي أن يستصحبها الإنسان في كل مراحل عمره؛ فإن الإنسان لا يزال مؤثرًا ومتأثرًا ما دام حيًّا، فينبغي أن يصحب الأخيار في كل مراحل عمره، وأن يحرص على أن يتجنب كل من يدعوه إلى سوء أو شر، أو يزين له انحرافًا أو ضلالًا أو مخالفةً لأمر الله عز وجل؛ فإن ذلك يخرجه عن خصال التقوى.
الإنسان بطبيعته يخطئ إما بترك ما أمر الله تعالى به أو بمخالفة ما نهاه عنه بأن يفعل ما نهاه الله تعالى عنه، لكن السبيل الذي يخرج به من هذا هو أن لا يستسلم للخطأ، أحذِّر وأحذِّر أيها الإخوة والأخوات من الاستسلام للأخطاء؛ فإن الاستسلام للخطأ يورد المهالك؛ ولهذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على سرعة الأوبة والتوبة، بل القرآن حثَّ على ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾التحريم:8 ، وقال: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾النور:31 ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتقوى في كل الأحوال فقال: «اتق الله حيثما كنت»، ثم قال: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»[سبق] فإن السيئة إذا وقعت لابد أن لا يستسلم لها الإنسان؛ لأن هذا أشبه ما يكون بالوسخ العالق في الثوب الأبيض، إن تركته تتابعت عليه الأوساخ حتى يتسخ الثوب ويصعب تنقيته.
لكن عندما يكون الإنسان حريصًا على ثوبه؛ كلما وقع عليه ما يكره من سوء جلَّاه ونظَّفه وطهَّره وطيَّبه، لم يبقَ في ثوبه دنس، كذلك المعاصي والسيئات إذا ألممتَ بشيء منها أو تورطت في صغير منها أو كبير بادر إلى التوبة إلى الله؛ قل: ربي اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم.
بادر إلى ذلك فإن السيئة تمحوها الحسنة، وأعظم الحسنات الماحية للسيئات التوبة الصادقة؛ ولذلك بادر إليها، واعْطِفْ على ذلك ما يسَّر الله من صالح العمل؛ فإن الأعمال الصالحة تُذهب السيئات كما قال الله -عز وجل-: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾هود:114 .
هذه جملة موجزة مختصرة فيما يحقق به الإنسان خصال التقوى، ويكون بذلك من عباد الله المتقين، نسأل الله بفضله ومَنِّه أن يجعلنا من حزبه وأوليائه، وأن يجعلنا من عباده المتقين وأوليائه الصالحين.
المقدم: آمين. فضيلة الشيخ نحن في الجزء الأخير من هذه الحلقة ونتحدث فيها عن الوصية الكبرى تقوى الله -عز وجل-، نريد أن نتحدث ختامًا عن مجموعة من الثمرات المتحصلة والمترتبة على تقوى الله عز وجل، والتي يحصِّلها العبد في دينه ودنياه، وفي آخرته أيضًا.
الشيخ: التقوى فوائدها جليلة عظيمة بها سعادة الدنيا وفوز الآخرة، هذا النفع العام الذي يدركه الإنسان بتقوى الله تعالى، فلا سعادة في الدنيا، ولا فوز في الآخرة إلا لمن تحلى بخصال التقوى، وتزود بها فالتقوى ليست بالتحلي ولا بالتمني، ولكنها إيمان في القلب تصدقه الأقوال والأعمال، وبه ينجو الإنسان من المعاطب، من المهالك، من الآفات، الدنيا مليئة بالأخطار التي تحيط بالإنسان، ليس له سبيل إلى الخروج من ذلك كله إلا بتقوى الله عز وجل.
وقد تقدم قبل قليل ذِكْرُ أنَّ التقوى يدرك بها الإنسان فائدتين في المعاش والمعاد في الدنيا والآخرة:
الفائدة الأولى: أن التقوى سبب للخروج من كل ضائقة، ومن كل كربة، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾.
الفائدة الثانية: أنها سبب لفتح الرزق وتيسير الرزق، الفتح والرزق؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:2-3 ، يعني يأتيه الرزق من حيث لا يتوقع، من حيث لا يخطط، يأتيه من غير حساب، ومن غير توقع، ولا تخطيط، فضل الله واسع، هذا الذي يستفيده من التقوى.
ويستفيد أيضًا تيسير ذلك له في التوقي من الأخطاء، وفي إدراك المطالب، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾الطلاق:4، في الخروج من المهالك يجعل له يسرًا، في إدراك المراغب والمطالب.
التقوى سبب للاهتداء بالقرآن ونيل بركاته، والفوز بما فيه من الخيرات؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾البقرة:2 .
وأهل التقوى هم أهل النجاح، أهل الفوز والفلاح؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة: 5 .
والتقوى تحمل الإنسان على الانتفاع بالآيات والعبر والمواقف؛ فإن المتقي ذو عين بصيرة، يرى فيها مواقع الهدى، ويعتبر فيها بما يراه من الآيات والوقائع والأحداث؛ لذلك قال الله تعالى فيما ذكر من بعض عقوبات الأمم السابقة: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾البقرة:66 ؛ ولذلك فإن التقوى يدرك بها الإنسان القلب الحي، القلب البصير، الذي يرى الحق ويلتزمه ويعمل به؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾الأنفال:29 فيميز الإنسان بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الهدى والضلال، بين النافع والضار، بما يلقيه الله في قلبه من نور التقوى.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾البقرة:103 أي: لأدركوا بذلك من المثوبة العاجلة والآجلة ما يحصل لهم به الخير فيما يدركونه في المعاش، وفيما يلقونه في المعاد.
التقوى سبب لأشياء كثيرة وخيرات كثيرة، ذكرها الله في كتابه، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.
هذه بعض الإلماحات، ولعلنا في آخر الكلام الذي تقدم نذكِّر بأن التقوى ليست أمرًا غائبًا، ولا أمرًا ضبابيًّا لا يُعرف حقيقته، التقوى ترتكز على أمرين:
الأمر الأول: أن تقوم بما أمرك الله تعالى به من توحيده وعبادته وحده لا شريك له، والقيام بفرائضه رغبةً فيما عنده، وخوفًا من عقابه.
الأمر الثاني: أن تترك ما نهاك عنه ابتداءً من الشرك، والفسق، والنفاق، والابتداع رغبةً فيما عنده، وخوفًا من عقابه.
إذا حققت هاتين الخصلتين؛ فعلتَ ما أمرك الله تعالى برغبة ورهبة، وتركت ما نهاك الله عنه رغبة فيما عنده وخوفًا من عقابه كنتَ من عباد الله المتقين.
نسأل الله لي ولكن التوفيق والسداد، وأن يجعلنا من حزبه وأوليائه الصالحين وعباده المتقين.
المقدم: آمين، شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم. شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: الشكر لكم أيضًا، وأسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق، وأن يحفظ بلادنا، وأن يوفق ولاتنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.