قُوَّة الطمع فِي بُلُوغ الأمل توجب الِاجْتِهَاد فِي الطّلب وَشدَّة الحذر من فَوت المأمول الْبَخِيل فَقير لَا يُؤجر على فقره الصَّبْر على عَطش الضّر وَلَا الشّرْب من شرعة منّ تجوع الْحرَّة وَلَا تَأْكُل ثدييها لَا تسْأَل سوى مَوْلَاك فسؤال العَبْد غير سَيّده تشنيع عَلَيْهِ غرس الْخلْوَة يُثمر الْأنس استوحش مِمَّا لَا يَدُوم مَعَك واستأنس بِمن لَا يفارقك عزلة الْجَاهِل فَسَاد وَأما عزلة الْعَالم فمعها حذاؤها وسقاؤها إِذا اجْتمع الْعقل وَالْيَقِين فِي بَيت العرلة واستحضر الْفِكر وَجَرت بَينهم مُنَاجَاة
أَتَاك حَدِيث لَا يمل سَمَاعه *** شهى إِلَيْنَا نثره ونظامه
إِذا ذكرته النَّفس زَالَ عناؤها *** وَزَالَ عَن الْقلب الْمَعْنى ظلامه
إِذا خرجت من عَدوك لَفْظَة سفه فَلَا تلحقها بِمِثْلِهَا تلقّحها ونسل الْخِصَام نسل مَذْمُوم حميتك لنَفسك أثر الْجَهْل بهَا فَلَو عرفتها حق مَعْرفَتهَا أعنت الْخصم عَلَيْهَا إِذا اقتدحت نَار الانتقام من نَار الْغَضَب ابتدأت بإحراق القادح أوثق غضبك بسلسلة الْحلم فَإِنَّهُ كلب إِن أفلت أتلف من سبقت لَهُ سَابِقَة السَّعَادَة دلّ على الدَّلِيل قبل الطّلب إِذا أَرَادَ الْقدر شخصا بذر فِي أَرض قلبه بذر التَّوْفِيق ثمَّ سقَاهُ بِمَاء الرَّغْبَة والرهبة ثمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ بأطوار المراقبة واستخدم لَهُ حارس الْعلم فَإِذا الزَّرْع قَائِم على سوقه إِذا طلع نجم الهمة فِي ظلام ليل البطالة وَردفهُ قمر الْعَزِيمَة أشرقت أَرض الْقلب بِنور رَبهَا إِذا جن اللَّيْل تغالب النّوم والسهر فالخوف والشوق فِي مقدم عَسْكَر الْيَقَظَة والكسل والتواني فِي كَتِيبَة الْغَفْلَة فَإِذا حمل الْعَزْم حمل على الميمنة وانهزمت جنود التَّفْرِيط فَمَا يطلع الْفجْر إِلَّا وَقد قسمت السهْمَان وَبَردت الْغَنِيمَة لأَهْلهَا سفر اللَّيْل لَا يطيقه إِلَّا مُضْمر المجاعة النجائب فِي الأول وحاملات الزَّاد فِي الْأَخير لَا تسأم من الْوُقُوف على الْبَاب وَلَو طردت وَلَا تقطع الِاعْتِذَار وَلَو رددت فَإِن فتح الْبَاب للمقبولين دُونك فاهجم هجوم الْكَذَّابين وادخل دُخُول الطفيلية وابسط كف وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا يَا مستفتحا بَاب المعاش بِغَيْر إقليد التَّقْوَى كَيفَ توسع طَرِيق الْخَطَايَا وتشكو ضيق الرزق وَلَو وقفت عِنْد مُرَاد التَّقْوَى لم يفتك مُرَاد الْمعاصِي سد فِي بَاب الْكسْب وَإِن العَبْد ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ
تالله مَا جِئتُكُمْ زَائِرًا *** إِلَّا وجدت الأَرْض تطوي لي
وَلَا انثنى عزمي عَن بَابَكُمْ *** إِلَّا تعثرت بأذيالي
الْأَرْوَاح فِي الأشباح كالأطيار فِي الأبراج وَلَيْسَ مَا أعد للاستفراخ كمن هيء للسباق من أَرَادَ من الْعمَّال أَن يعرف قدره عِنْد السُّلْطَان فَلْينْظر مَاذَا يوليه من الْعَمَل وَبِأَيِّ شغل يشْغلهُ كن من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تكن من أَبنَاء الدُّنْيَا فَإِن الْوَلَد يتبع الْأُم الدُّنْيَا لَا تَسَاوِي نقل أقدامك إِلَيْهَا فَكيف تعدو خلفهَا الدُّنْيَا جيفة والأسد لَا يَقع على الْجِيَف الدُّنْيَا مجَاز وَالْآخِرَة وَطن والأوطار إِنَّمَا تطلب فِي الأوطان الِاجْتِمَاع بالإخوان قِسْمَانِ أَحدهمَا اجْتِمَاع على مؤانسة الطَّبْع وشغل الْوَقْت فَهَذَا مضرّته أرجح من منفعَته وَأَقل مَا فِيهِ أَنه يفْسد الْقلب ويضيع الْوَقْت الثَّانِي الِاجْتِمَاع بهم على التعاون على أَسبَاب النجَاة والتواصي بِالْحَقِّ وَالصَّبْر فَهَذَا من أعظم الْغَنِيمَة وأنفعها وَلَكِن فِيهِ ثَلَاث آفَات احداها تزين بَعضهم لبَعض الثَّانِيَة الْكَلَام والخلطة أَكثر من الْحَاجة الثَّالِثَة أَن يصير ذَلِك شَهْوَة وَعَادَة يَنْقَطِع بهَا عَن الْمَقْصُود وَبِالْجُمْلَةِ فالاجتماع والخلطة لقاح أما للنَّفس الأمارة وَأما للقلب وَالنَّفس المطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقَاح فَمن طلب لقاحه طابت ثَمَرَته وَهَكَذَا الْأَرْوَاح الطيّبة لقاحها من الْملك والخبيثة لقاحها من الشَّيْطَان وَقد جعل الله سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ الطَّيِّبَات للطيبين والطيبين للطيبات وَعكس ذَلِك.