×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة : هداية الأنبياء في تربية الأبناء

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:9956

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعيِنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرُ أَنْفُسنا, وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضُلِّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهُدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهَ الأَوَّليِنَ وَالآخريِنَ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيِمُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ؛ لمْ يَتْركْ خَيْرًا إِلَّا دَلَّنا عَلَيْهِ، وَلاَ شَرًّا إِلَّا حَذَّرَنا مِنْهُ، تَركَنا عَلَىَ مَحَجَّةٍ بَيْضاءَ لَيْلُها كَنَهارِها لا يَزيِغُ عَنْها إِلَّا هَالِكٌ؛ فَصَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، لازِموُا تَقْواهُ فيِ السِّرِّ وَالعَلَنِ وَالغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، وَفي كُلِّ حالٍ وَحيِنٍ؛ فَمَنْ يِتِّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران: 102

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ، إِنَّ اللهَ - جَلَّ في عُلاهُ - خلَقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ، فكانا زَوْجَيْنِ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً؛ فَكُلُّ هَؤُلاءِ البَشَرِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَىَ أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها؛ هُمْ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ؛ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وَذاكَ فَضْلُ اللهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَىَ البَشَرِيَّةِ، أَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَزْواجِهِمْ بَنيِنَ وَحَفَدَةً، ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يَمنُّ بِهِ عَلَىَ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.

إنَّ مِنْ أَجلِّ النِّعَمِ وَأَعْظَمِ المِنَنِ الَّتيِ يَخُصُّ اللهُ تَعالَىَ بِها مَنْ شَاءَ مِنْ عِبادِهِ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صَالحًا؛ وَلِذَلِكَ كانَ مِنْ خَيْرِ ما يَبْقَىَ لِلإِنْسانِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَدٌ صالحٌ يَدْعوُ لَهُ؛ جاءَ فيِ الصَّحيِحِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ تعالَىَ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »مسلم ح(1631)فَجَعَلَ الوَلَدَ الصَّالحَ في عِدْلِ الصَّدَقَةِ الجارِيَةِ وَالعِلْمِ النَّافِعِ؛ وَذاكَ لما يَتَرَتَّبُ عَلَىَ الوَلِدِ الصَّالحِ مِنْ مَنافِعَ يُدرْكُها الإِنْسانُ في مماتِهِ، فَضْلًا عَمَّا يُدْركُهُ في الحياةِ مْنْ صلاحٍ وَبِرٍّ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ صَلاحَ الأَوْلادِ نِتاجَ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ في غالِبِ الأَحْيانِ، وَفي مُعْظِمِ الأَحْوالِ؛ فَإِنَّ صَلاحَ الابْنِ ثَمَرةُ جَهْدِ أَبِيِهِ وَأُمِّهِ؛ قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» البخاري ح(1385), ومسلم ح(2658)أي: يجعلونه يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أَوْ, مَجوُسِيًّا؛ ذاكَ أَنَّ الوالِديْنِ هُما أَوَّلُ مَنْ يُباشِرُ الوَلَدَ تَعْليمًا وَتَرْبيَةً وَتَنْشِئَةً، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لا يَعْلَمُ شَيْئًا كَما قالَ تَعالَىَ: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًاالنحل: 78، ثُمَّ يَتَلَقَّىَ مِنْ أَبَوَيْهِ ما يَسيِرُ بِهِ في بَقِيَّةِ مِشْوارِهِ، في بَقِيَّةِ حياتِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعالَىَ فيِ فِطْرِ النَّاسِ ما يَحْمْلُهُمْ عَلَىَ الرَّغْبَةِ في عِبادَتِهِ وَصِدْقِ التََّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَهِيَ الفِطْرَةُ المذكوُرةُ في قَوْلِهِ: «كُلُّ مَوْلوُدٍ يوُلَدُ عَلَىَ الفِطْرَةِ» فَالفِطْرَةُ هِيَ ما ركَزَهُ اللهُ في نُفوُسِ البَشَرِيَّةِ مِنَ المَيْلِ إِلَىَ عِبادَتِه، وَالسَّعْيِ فيِ التَّعرُّفِ عَلَيْهِ وَالقِيامِ بحقِّهِ.

إلَّا أنَّ تِلْكَ الفِطْرَةَ لا تَكْفِيِ في الوُصوُلِ إِلَىَ الحَقِّ، وَلا تَكْفِيِ في إِصابَةِ الهُدَىَ، وَلا تَكْفيِ في تَحقيِقِ العُبودِيَّةِ وَالغَايَةِ مِنَ الوُجوُدِ؛ وَلذِلكَ أَرْسَلَ اللهُ تَعالَىَ الرُّسَلَ وأَنْزَلَ الكُتُبَ وَكَلَّفَ الأَبوَيْنِ بِرعايةِ أَوْلادِهِمْ لأِجلِ أَنْ يُقيموُهُمْ عَلَىَ الجادَّةِ، وَيُبْعدوُهُمْ عَنْ كُلِّ ما فِيِهِ ضَلالَةٌ، وَلِيَسْتَثْمِروُا تِلْكَ البَذْرَةَ الَّتيِ غَرَسَها اللهُ في نُفوُسِهِمْ وَرَكَزَها فيِ جِبِلَّتِهِمْ؛ وَهِيَ أَنَّهُمْ عَلَىَ الفِطْرَةِ الَّتِي ذَكَرها اللهُ تَعالَىَ في قَوْلِهِ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِالروم: 30.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ صَلاحَ الأَبْناءِ وَنَجابَتَهُمْ جَهْدٌ يَنْتُجُ بَعْدَ تَوْفَيَقَ اللهَ تَعالَىَ مِنْ عِنايَةِ الوالِدَيْنِ بِأَوْلادِهِمْ، فَلِذَلِكَ كانَتْ المسؤوُلِيَّةُ عَنِ الوالِدَيْنِ في تَرْبِيَةِ أَوْلادِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ مَسؤوُلِيَّةٌ عَظيِمَةٌ؛ قالَ اللهُ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم: 6 فَكَلَّفَ اللهُ تَعالَىَ النَّاسَ مِنْ أَهْلِ الإِيمانِ بَأَنْ يَرْعوُا الحَقَّ الَّذيِ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ في أَهْليِهِمْ مِنْ زَوْجاتِهمْ وَأَوْلادِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِوقايَتِهِمْ مِنْ كُلِّ سوُءٍ وَشَرٍّ، وَقالَ جَلَّ فيِ عُلاهُ: ﴿وَأْمرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىطه: 132 وَهاتانِ الآيتانِ الكريمتانِ قاعِدتانِ كَبيرتانِ فِي تَرْبِيَةِ الأَوْلادِ وفي المسؤوُلِيِّةِ المُلْقاةِ عَلَىَ عاتِقِ الآباءِ وَالأُمَّهاتِ وَأَوْلِياءِ الأُموُرِ في إِصْلاحِ مَنْ تَحْتَ أَيْديِهِمْ مِنَ النَّشْءِ مِنْ الأَوْلادِ ذُكوُرًا وَإِناثًا.

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ فَإِنَّكُمْ مَأْموُروُنَ بِحِفْظِ أَنْفُسِكُمْ وَحِفْظِ أَهْليِكُمْ مِنْ كُلَّ سوُءٍ وَشَرٍّ، مَأْمورُوُنَ بِوِقايَتِهِمْ مِنَ النَّارِ، بِإِبْعادِهِمْ عَنْ كُلِّ ما يُغْضِبُ العَزيِزَ الغَفَّارَ، وَمَأْموُروُنَ بِأَمْرِهِمْ وَحَثِّهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ في كُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ؛ ﴿وَأْمرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاطه: 132 وَلا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِمعاناةٍ وَمُصابَرَةٍ وَمُجاهَدَةٍ وَبَذْلٍ؛ وَلِذَلِكَ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَأْمرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاطه: 132 وَلمْ يَقُلْ فَقَطْ: اصْبِرْ عَلَيْها؛ ذَلِكَ أَنَّ مُعاناةِ تَرْبِيَةِ الأِوْلادِ وَتَنْشِئَتِهِمْ وَإِصْلاحِهِمْ عَمَلَيِّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَىَ جُهْدٍ وَبَذْلٍ وَدَوامٍ وَمُواصَلَةٍ لِلعَمَلِ في إِصْلاحِهِمْ وَإِبْعادِهِمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ، هَذا فِي كُلِّ مَوْلوُدٍ يُوُلَدُ؛ فَكَيْفَ إِذا كانَ الموْلوُدُ وُلِدَ في وَقْتٍ أَوْ في بِيِئَةٍ أَوْ فيِ ظَرْفٍ أَوْ فيِ وَضْعٍ يَحْتاجُ إِلَى مَزيِدِ عِنايَةٍ لِكَثْرَةِ المُضِلَّاتِ وَتَنُوِّعٍ وَتَفَنُّنٍ أَنْواعِ الشَّرِّ وَالفَسادِ؛ فَلاشَكَّ أَنَّ المسْؤوُلِيَّةَ عَلَىَ الوَالِدَيْنِ وَعَلَىَ مِنْ لَهُ الوِلايَةُ فيِ البُيوُتِ، المَسؤوُلِيَّةُ عَظيِمَةٌ، المسْؤوُلِيَّةُ كَبِيِرَةٌ، المسْؤوُلِيَّةُ تَحْتاجُ إَلَىَ دَوامِ نَظَرٍ وَمُواصَلَةِ جَهْدٍ في بَذْلِ المسْتَطاعِ مِنَ الِإصْلاحِ.

الَّلهُمَّ أَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِصَلاحِ أَنْفُسِنا وَذُرِّياتِنا وَأَهْليِنا وَالمسْلِميِنَ يا رَبَّ العالميِنَ، أَقوُلُ هذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لِي وَلَكُمْ؛ فاسْتَغْفروُهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثيِرًا طَيِّبًا مُباركًا فِيِهِ، حَمْدًا يُرْضِيِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ؛ فَتَقْوَىَ اللهِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ فَتْحِ البرَكاتِ وَحصوُلِ الخَيْراتِ وَإِدراكِ السَّعاداتِ، وَالنَّجاةِ مِنَ المُعْضِلاتِ وَالمهْلِكاتِ وَالمصائِبِ وَالنَّازلاتِ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المَّتقيِنَ وَحِزْبِكَ المفْلِحيِنَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالميِنَ.

َأيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ المُسْلمِ الحَقَّ يُهِمُّهُ وَيكْرِثهُ مَسْلَكُ بَنيِهِيُكْرثُهُ:بِكسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّها أَيْ: سَاءَهُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَبلغَ مِنْهُ الْمَشَقَّةَ  نَحْوَ رَبِّهِمْ وَإِخْوانِهِمْ، يَهُمُّهُ وَيُكْرِثُهُ صَلاحُ أَوْلادِهِ، فَلَيْسَتْ مُهُمَّتُهُ أَنْ يَأْتِي بِأوْلادٍ وَيَتْرُكُهُمْ عَلَىَ غارِبِ حَبْلِهِمْ؛ لا يُوجِّهُهُمْ وَلا يَحْمِلُهُمْ عَلَىَ الهُدَىَ وَالتُّقَىَ.

إنَّ النَّبِيِّينَ وَالمرْسَلِيِنَ ضَربوُا في عِنايَتِهِمْ بِأَوْلادِهِمْ مَثَلًا عَظيِمًا؛ ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَىَ في كِتابِهِ، يَنْبَغِيِ أَنْ نُحَقِّقَ فِيِهِ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَىَ في قَوْلِهِ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِالأنعام: 90 أَيْ: اتَّبَعَ سَبيِلَهُمْ وَسَلَكَ طَريِقَهُمْ فِيِما كانوُا عَلَيِهِ مِنَ الهُدَىَ وَدِيِنِ الحَقِّ.

هَذا خَليِلُ اللهِ إِبْراهيِمُ - عَلَيْهِ السلام - يقول سائلًا ربه: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِإبراهيم: 40، وهذا يعقوب - عليه السلام - يقول في وصيته لأولاده: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَالبقرة: 133، وَهذا نوُحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُصُّ اللهُ خَبَرَهُ في مُحْكَمِ التَّنْزيِلِ في ابنٍ لَهُ شَذَّ عَنِ الطَّريِقِ وَخَرَجَ عَنْ الصِّراطِ المسْتقيِمِ, فَناداهُ والموْجُ يَتَلاطَمُ وَالهَلاكُ قَدْ أَحْدَقَ بِمَنْ لمْ يَرْكَبِ السَّفيِنَةَ عِنْدما أَذِنَ اللهُ بإِهْلاكِ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَّا مَنْ نَجَّاهُ اللهُ مَعَ نَوُحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَهود: 42- 43؛ هَذا خَبَرٌ عَنْ حالِ نَبيٍّ مِنَ الأَنْبِياءِ، بَلْ أَوَّلُ رَسوُلٍ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعالَىَ إِلَىَ أَهْلِ الأَرْضِ نوُحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ حَالُهُ مَعَ ابْنِهِ عِنْدما أَبَىَ الاسْتِجابَةَ لِداعيِ الهُدَىَ، هَلْ أَيِسَ مِنْ دَعْوَتِهِ وَتَوْجيِهِهِ؟ لمْ يَتْركْهُ إِلَىَ الرَّمَقِ الأَخيِرِ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِهود: 42- 43. اسْتكبارٌ وعنادٌ، ﴿قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ لمْ يَيْأسِ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ النَّجاةَ لابْنِهِ، بَلْ قالَ: ﴿رَبِّْ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾، فَجاءَهُ الفَصْلُ مِنْ رَبِّ العالمينَ وَقَدْ اسْتَنْفَذَ كُلَّ ما يُمْكِنُهُ في صَلاحِ وَلَدِهِ وَإِنْجائِهِ: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَهود: 45- 46، فَما كانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ اسْتجابَ لِقوْلِ رَبِّ العالمينَ؛ ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌهود: 47، فَسَأَلَ اللهُ تَعالَىَ العَفْوَ وَالتَّجاوَزَ عَنْ سُؤالِ ما لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَهُوَ ما قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضاهُ مِنْ عَدَمِ اسْتِجابَةِ ذَلِكَ الوَلَدِ لِدَعْوَةِ أَبِيِهِ.

َأيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ صَلاحَ الأَبْناءِ مِنْحَةٌ عُظْمَىَ يَتَفَضَّلُ اللهُ تَعالَىَ بِها عَلَىَ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبٌ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ ذَلِكَ أَنْ يَرْعَىَ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا وَلَدَهُ بِأَخْذِ وَصِيَّةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - في الأَوْلادِ ذُكوُرًا وَإِناثًا، في البَناتِ وَالأَبْناءِ، وَأَنْ يَحْتَسِبَ الأَجْرَ في تَرْبِيَتِهِمْ وَإِصْلاحِهِمْ وَتَزكِيَتِهِمْ وَالسُّلوُكُ بِهِمْ إِلَىَ سبيلِ الهُدَىَ وَالرَّشادِ؛ فَإِنَّهُمْ صِلُة عَمَلِكَ بِعْدَ مَوْتِكَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ..», وذكر منها قوله: «ولد صالح يدعو له»مسلم ح(1631).

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا, وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، الَّلهُمَّ أَقِرَّ أَعْيُننَا بِصلاحِ ذُرِّيتِنا يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

الَّلهُمَّ أَرِنا في أَنْفُسِنا وَأَوْلادِنا وَمَنْ نُحِبُّ هُدًى وَصلاحًا وَاسْتِقامَةً يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.

رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا للِمُتَّقيِنَ إِمامًا.

الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَىَ وَالتُّقَىَ وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَىَ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوُبَنا بَعْدَ إِذْ هَديْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

اللَّهُمَّ أَعِذْنا مِنَ الفَتِنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، الَّلهُمَّ أَعِذْنا وَذُرِّيَّتَنا وَالمسْلميِنَ مِنْ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، الَّلهُمَّ أَعِذْنا مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمِيَن.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلَّي أَمْرِنا المَلِكَ سَلمان وَوَلَّي عَهْدِهِ إِلَىَ ما تحُبِ ُّوتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصيهِمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، اسْلُكْ بِهِمْ سبيلَ الرَّشادِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

الّلَهُمَّ ادْفَعْ عَنْ بِلادِنا وَعَنْ بِلادِ المسْلمينَ كُلَّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ وَفَسادٍ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَىَ كُلِّ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ والفَحْشاءَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ محُمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيمَ إِنَّكَ حميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91404 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87214 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف