×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 (سورة البلد) قوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد}. هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله: {وهذا البلد الأمين}. والجواب عن هذا من أوجه: الأول: وعليه الجمهور: أن {لا} هنا صلة على عادة العرب فإنها ربما لفظت بلفظة (لا) من غير قصد معناها الأصل بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده لقوله: {ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، ألا تتبعن} يعني أن تتبعني وقوله: {ما منعك ألا تسجد} أي أن تسجد على أحد القولين. ويدل له قوله في سورة ص {ما منعك أن تسجد لما خلقت} الآية. وقوله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون} أي فوربك، وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي والسيئة، وقوله: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} على أحد القولين، وقوله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} على أحد القولين، وقوله: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا} على أحد الأقوال الماضية وكقول أبي النجم: فما ألوم البيض ألا تسخرا …لما رأين الشمط القفندرا يعني أن تسخر وكقول الشاعر: وتلحينني في اللهو أن لا أحبه …وللهو داع دائب غير غافل يعني أن أحبه و (لا) زائدة. وقول الآخر: أبى جوده لا البخل واستعجلت به …نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله يعني أبى جوده البخل و (لا) زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير ولاسيما على رواية البخل بالجر لأن (لا) عليها مضاف بمعنى لفظة لا فليست زائدة على رواية الجر وقول امرئ القيس: فلا وأبيك ابنة العامري…لا يدعي القوم أني أفر يعني وأبيك. وأنشد الفراء لزيادة (لا) في الكلام الذي فيه معنى الجحد. قول الشاعر: ما كان يرضى رسول الله دينهم *** وإلا طيبان أبو بكر ولا عمر يعني وعمر و (لا) صلة وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج: في بئر لاحور سرى وما شعر…بافكه حتى رأى الصبح جشر فالحور الهلكة يعني في بئر هلكة و (لا) صلة قاله أبو عبيدة وغيره. وأنشد الأصمعي لزيادتها قول ساعدة الهذلي: أفعنك لا برق كأن وميضه…غاب تسنمه ضرام مثقب ويروي أفمنك، وتشيمه بدل أفعنك وتسمنه. يعني أعنك برق و (لا) صلة. ومن شواهد زيادتها قول الشاعر: تذكرت ليلى فاعترتني صبابة…وكاد صميم القلب لا يتقطع يعني كاد يتقطع. وأما استدلال أبي عبيدة لزيادتها بقول الشماخ: أعائش ما لقومك لا أراهم…يضيعون الهجان مع المضيع فغلط منه لأن (لا) في بيت الشماخ هذا نافية لا زائدة ومقصودة أنها تنهاه عن حفظ ماله مع أن أهلها يحفظون ما لهم أي لا أرى قومك يضيعون مالهم وأنت تعاتبيني في حفظ مالي وما ذكره الفراء من أن لفظة (لا) لا تكون صلة إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد فهو أغلبه لا يصح على الإطلاق بدليل بعض الأمثلة المتقدمة التي لا جحد فيها كهذه الآية على القول بأن (لا) فيها صلة وكبيت ساعدة الهذلي وما ذكره الزمخشري من زيادة (لا) في أول الكلام دون غيره فلا دليل عليه. الوجه الثاني: أن {لا} نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم وقوله: {أقسم} إثبات مستأنف وهذا القول وإن قال به كثير من العلماء فليس بوجيه عندي لقوله تعالى في سورة القيامة {ولا أقسم بالنفس اللوامة} لأن قوله تعالى {ولا أقسم بالنفس اللوامة} يدل على أنه لم يرد الإثبات المؤتنف بعد النفي بقوله أقسم والله تعالى أعلم. الوجه الثالث : أنها حرف نفي أيضا ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية والمراد أنه لا يعظم بالقسم بل هو في نفسه عظيم أقسم به أولا وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني ولا يخلو عندي من بعد. الوجه الرابع: أن اللام لام الابتداء أشبعت فتحتها والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو فمثاله في الفتحة قول عبد يغوث ابن وقاص الحارثي: وتضحك مني شيخة عبشمية…كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا فالأصل كأن لم تر ولكن الفتحة أشبعت - وقول الراجز: إذا العجوز غضبت فطلق…ولا ترضاها ولا تملقي فالأصل ترضها لأن الفعل مجزوم بلا الناهية - وقول عنترة في معلقته: ينباع من ذفري غضوب جسرة *** زيافة مثل الفنيق المكدم فالأصل ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته فأشبع الفتحة فصار ينباع على الصحيح وقول الراجز: قلت وقد خرت على الكلكال…يا ناقتي ما جلت من مجالي فقوله الكلكال يعني الكلكل، وليس إشباع الفتحة في هذه الشواهد من ضرورة الشعر لتصريح علماء العربية بأن إشباع الحركة بحرف يناسبها أسلوب من أساليب اللغة العربية ولأنه مسموع في النثر كقولهم كلكال وخاتام وداناق يعنون كلكلا وخاتما ودانقا. ومثله في إشباع الضمة بالواو، وقولهم: برقوع ومعلوق يعنون برقعا ومعلقا. ومثال إشباع الكسرة بالياء قول قيس بن زهير: ألم يأتك والأنباء تنمى***بما لاقت لبون بني زياد فالأصل يأتك لمكان الجازم - وأنشد له الفراء: لا عهد لي بنيضال ***أصبحت كالشن البال ومنه قول امرئ القيس: كأني بفتحاء الجناحين لقوة *** على عجل مني أطأطئ شيمالي ويروى: صيود من العقبان طأطأن شيمالي. ويروى دفوف من العقبان الخ. ويروى شملال بدل شيمال وعليه فلا شاهد في البيت إلا أن رواية الياء مشورة. ومثال إشباع الضمة بالواو قول الشاعر: هجوت زبان ثم جئت معتذرا***من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وقول الآخر: الله أعلم أنا في تلفتنا…يوم الفراق إلى إخواننا صور وإنني حيثما يثني الهوى بصري *** من حيثما ما سلكوا أدنوا فأنظور يعني فانظر، وقول الراجز : لو أن عمرا عم أن يرقودا ***فانهض فشد المئزر المعقودا يعني يرقد، ويدل لهذا الوجه قراءة قنبل: (لأقسم بهذا البلد) بلام الابتداء وهو مروي عن البزي والحسن والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: {أو مسكينا ذا متربة} يدل ظاهره على أن المسكين لاصق بالتراب ليس عنده شيء فهو أشد فقرا من مطلق الفقير كما ذهب إليه مالك وكثير من العلماء وقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون} الآية. يدل على خلاف ذلك لأنه سماهم مساكين مع أن لهم سفينة عاملة للإيجار. والجواب عن هذا محتاج إليه على كلا القولين - أما على قول من قال إن المسكين من عنده مالا يكفيه كالشافعي فالذي يظهر لي أن الجواب أنه يقول: المسكين عند الإطلاق ينصرف إلى من عنده شيء لا يكفيه فإذا قيد بما يقتضي أنه لا شيء عنده فذلك يعلم من القيد الزائد لا من مطلق لفظ المسكين وعليه فالله في هذه الآية قيد المسكين بكونه ذا متربة فلو لم يقيده لانصرف إلى من عنده ما لا يكفيه فمدلول اللفظ حالة الإطلاق لا يعارض بمدلوله حالة التقيد وأما على قول من قال بأن المسكين أحوج من مطلق الفقير وأنه لا شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة منها: أن المراد بقوله مسكين أنهم قوم ضعاف لا يقدرون على مدافعة الظلمة ويزعمون أنهم عشرة خمسة منهم زمني، ومنها أن السفينة لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو أنها عارية واللام للاختصاص، ومنها أن اسم المساكين أطلق عليهم ترحما لضعفهم. والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن هذه الأجوبة لا دليل على شيء منها فليس فيها حجة يجب الرجوع إليها. وما احتج به بعضهم من قراءة علي رضى الله عنه لمساكين بتشديد السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملاح أو دابغ المسوك التي هي الجلود فلا يخفى سقوطه لضعف هذه القراءة وشذوذها. والذي يتبادر إلى ذهن المصنف أن مجموع الآيتين دل على أن لفظ المسكين مشكك تتفاوت أفراده فيصدق بمن عنده مالا يكفيه بدليل آية الكهف، ومن هو لاصق بالتراب لا شيء عنده بدليل آية البلد كاشتراك الشمس والسراج في النور مع تفاوتهما، واشتراك الثلج والعاج في البياض مع تفاوتهما. والمشكك إذا أطلق ولم يقيد بوصف الأشدية انصرف إلى مطلقه هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى. والفقير أيضا قد تطلقه العرب على من عنده بعض المال كقول مالك ومن شواهده قوال راعي نمير : أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله. (سورة الشمس) قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} يدل على أن الله هو الذي يجعل الفجور والتقوى في القلب وقد جاءت آيات كثيرة تدل على أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته كقوله تعالى: {فاستحبوا العمى على الهدى} وقوله تعالى: {اشتروا الضلالة بالهدى} ونحو ذلك. وهذه المسألة هي التي ضل فيها القدرية والجبرية. وأما القدرية: فضلوا بالتفريط حيث زعموا أن العبد يخلق عمل نفسه استقلالا عن غير تأثير لقدرة الله فيه. وأما الجبرية فضلوا بالإفراط حيث زعموا أن العبد لا عمل له أصلا حتى يؤاخذ به. وأما أهل السنة والجماعة فلم يفرطوا ولم يفرطوا فأثبتوا للعبد أفعالا اختيارية ومن الضروري عند جميع العقلاء أن الحركة الارتعاشية ليست كالحركة الاختيارية وأثبتوا أن الله خالق كل شيء فهو خالق العبد وخالق قدرته وإرادته وتأثير قدرة العبد لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى. فالعبد وجميع أفعاله بمشيئة الله تعالى مع أن العبد يفعل اختيارا بالقدرة والإرادة اللتين خلقهما الله فيه فعلا اختياريا يثاب عليه ويعاقب. ولو فرضنا أن جبريا ناظر سنيا فقال الجبري: حجتي لربي أن أقول إني لست مستقلا بعمل وإني لا بد أن تنفذ في مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي فأنا مجبور فكيف يعاقبني على أمر لا قدرة لي أن أحيد عنه؟ فإن السني يقول له كل الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك جعل لك سمعا تسمع به وبصرا تبصر به وعقلا تعقل به وأرسل لك رسولا وجعل لك اختيارا وقدرة ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق وهو ملكه المحض إن أعطاه ففضل وإن منعه فعدل كما أشار له تعالى بقوله: {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}. بمعنى أن ملكه للتوفيق حجة بالغة على الخلق فمن أعطيه ففضل ومن منعه فعدل.

المشاهدات:2566
 (سورة البلد)
قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}. هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}.
والجواب عن هذا من أوجه:
الأول: وعليه الجمهور: أن {لاَ} هنا صلة على عادة العرب فإنها ربما لفظت بلفظة (لا) من غير قصد معناها الأصل بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده لقوله: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلا تَتَّبِعَنِ} يعني أن تتبعني وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} أي أن تسجد على أحد القولين. ويدل له قوله في سورة ص {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} الآية. وقوله: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} أي فوربك، وقوله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي والسيئة، وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} على أحد القولين، وقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} على أحد القولين، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا} على أحد الأقوال الماضية وكقول أبي النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا …لما رأين الشمط القفندرا
يعني أن تسخر وكقول الشاعر:
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه …وللهو داع دائب غير غافل
يعني أن أحبه و (لا) زائدة. وقول الآخر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به …نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
يعني أبى جوده البخل و (لا) زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير ولاسيما على رواية البخل بالجر لأن (لا) عليها مضاف بمعنى لفظة لا فليست زائدة على رواية الجر وقول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري…لا يدعي القوم أني أفر
يعني وأبيك. وأنشد الفراء لزيادة (لا) في الكلام الذي فيه معنى الجحد.
قول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله دينهم *** وإلا طيبان أبو بكر ولا عمر
يعني وعمر و (لا) صلة وأنشد الجوهري لزيادتها قول العجاج:
في بئر لاحور سرى وما شعر…بافكه حتى رأى الصبح جشر
فالحور الهلكة يعني في بئر هلكة و (لا) صلة قاله أبو عبيدة وغيره.
وأنشد الأصمعي لزيادتها قول ساعدة الهذلي:
أفعنك لا برق كأن وميضه…غاب تسنمه ضرام مثقب
ويروي أفمنك، وتشيمه بدل أفعنك وتسمنه.
يعني أعنك برق و (لا) صلة. ومن شواهد زيادتها قول الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة…وكاد صميم القلب لا يتقطع
يعني كاد يتقطع. وأما استدلال أبي عبيدة لزيادتها بقول الشماخ:
أعائش ما لقومك لا أراهم…يضيعون الهجان مع المضيع
فغلط منه لأن (لا) في بيت الشماخ هذا نافية لا زائدة ومقصودة أنها تنهاه عن حفظ ماله مع أن أهلها يحفظون ما لهم أي لا أرى قومك يضيعون مالهم وأنت تعاتبيني في حفظ مالي وما ذكره الفراء من أن لفظة (لا) لا تكون صلة إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد فهو أغلبه لا يصح على الإطلاق بدليل بعض الأمثلة المتقدمة التي لا جحد فيها كهذه الآية على القول بأن (لا) فيها صلة وكبيت ساعدة الهذلي وما ذكره الزمخشري من زيادة (لا) في أول الكلام دون غيره فلا دليل عليه.
الوجه الثاني: أن {لا} نفي لكلام المشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم وقوله: {أقسم} إثبات مستأنف وهذا القول وإن قال به كثير من العلماء فليس بوجيه عندي لقوله تعالى في سورة القيامة {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} لأن قوله تعالى {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} يدل على أنه لم يرد الإثبات المؤتنف بعد النفي بقوله أقسم والله تعالى أعلم.
الوجه الثالث : أنها حرف نفي أيضا ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية والمراد أنه لا يعظم بالقسم بل هو في نفسه عظيم أقسم به أولا وهذا القول ذكره صاحب الكشاف وصاحب روح المعاني ولا يخلو عندي من بعد.
الوجه الرابع: أن اللام لام الابتداء أشبعت فتحتها والعرب ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو فمثاله في الفتحة قول عبد يغوث ابن وقاص الحارثي:
وتضحك مني شيخة عبشمية…كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا
فالأصل كأن لم تر ولكن الفتحة أشبعت - وقول الراجز:
إذا العجوز غضبت فطلق…ولا ترضاها ولا تملقي
فالأصل ترضها لأن الفعل مجزوم بلا الناهية - وقول عنترة في معلقته:
ينباع من ذفري غضوب جسرة *** زيافة مثل الفنيق المكدم
فالأصل ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته فأشبع الفتحة فصار ينباع على الصحيح وقول الراجز:
قلت وقد خرت على الكلكال…يا ناقتي ما جلت من مجالي
فقوله الكلكال يعني الكلكل، وليس إشباع الفتحة في هذه الشواهد من ضرورة الشعر لتصريح علماء العربية بأن إشباع الحركة بحرف يناسبها أسلوب من أساليب اللغة العربية ولأنه مسموع في النثر كقولهم كلكال وخاتام وداناق يعنون كلكلا وخاتما ودانقا. ومثله في إشباع الضمة بالواو، وقولهم: برقوع ومعلوق يعنون برقعا ومعلقا. ومثال إشباع الكسرة بالياء قول قيس بن زهير:
ألم يأتك والأنباء تنمى***بما لاقت لبون بني زياد
فالأصل يأتك لمكان الجازم - وأنشد له الفراء:
لا عهد لي بنيضال ***أصبحت كالشن البال
ومنه قول امرئ القيس:
كأني بفتحاء الجناحين لقوة *** على عجل مني أطأطئ شيمالي
ويروى: صيود من العقبان طأطأن شيمالي. ويروى دفوف من العقبان الخ. ويروى شملال بدل شيمال وعليه فلا شاهد في البيت إلا أن رواية الياء مشورة. ومثال إشباع الضمة بالواو قول الشاعر:
هجوت زبان ثم جئت معتذرا***من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وقول الآخر:
الله أعلم أنا في تلفتنا…يوم الفراق إلى إخواننا صور
وإنني حيثما يثني الهوى بصري *** من حيثما ما سلكوا أدنوا فأنظور
يعني فانظر، وقول الراجز :
لو أن عمرا عم أن يرقودا ***فانهض فشد المئزر المعقودا
يعني يرقد، ويدل لهذا الوجه قراءة قنبل: (لأقسم بهذا البلد) بلام الابتداء وهو مروي عن البزي والحسن والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} يدل ظاهره على أن المسكين لاصق بالتراب ليس عنده شيء فهو أشد فقرا من مطلق الفقير كما ذهب إليه مالك وكثير من العلماء وقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ} الآية. يدل على خلاف ذلك لأنه سماهم مساكين مع أن لهم سفينة عاملة للإيجار.
والجواب عن هذا محتاج إليه على كلا القولين - أما على قول من قال إن المسكين من عنده مالا يكفيه كالشافعي فالذي يظهر لي أن الجواب أنه يقول: المسكين عند الإطلاق ينصرف إلى من عنده شيء لا يكفيه فإذا قيد بما يقتضي أنه لا شيء عنده فذلك يعلم من القيد الزائد لا من مطلق لفظ المسكين وعليه فالله في هذه الآية قيد المسكين بكونه ذا متربة فلو لم يقيده لانصرف إلى من عنده ما لا يكفيه فمدلول اللفظ حالة الإطلاق لا يعارض بمدلوله حالة التقيد وأما على قول من قال بأن المسكين أحوج من مطلق الفقير وأنه لا شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة منها: أن المراد بقوله مسكين أنهم قوم ضعاف لا يقدرون على مدافعة الظلمة ويزعمون أنهم عشرة خمسة منهم زمني، ومنها أن السفينة لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو أنها عارية واللام للاختصاص، ومنها أن اسم المساكين أطلق عليهم ترحما لضعفهم. والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن هذه الأجوبة لا دليل على شيء منها فليس فيها حجة يجب الرجوع إليها. وما احتج به بعضهم من قراءة علي رضى الله عنه لمساكين بتشديد السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملاح أو دابغ المسوك التي هي الجلود فلا يخفى سقوطه لضعف هذه القراءة وشذوذها. والذي يتبادر إلى ذهن المصنف أن مجموع الآيتين دل على أن لفظ المسكين مشكك تتفاوت أفراده فيصدق بمن عنده مالا يكفيه بدليل آية الكهف، ومن هو لاصق بالتراب لا شيء عنده بدليل آية البلد كاشتراك الشمس والسراج في النور مع تفاوتهما، واشتراك الثلج والعاج في البياض مع تفاوتهما. والمشكك إذا أطلق ولم يقيد بوصف الأشدية انصرف إلى مطلقه هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى. والفقير أيضا قد تطلقه العرب على من عنده بعض المال كقول مالك ومن شواهده قوال راعي نمير :
أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد
فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله.
(سورة الشمس)
قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} يدل على أن الله هو الذي يجعل الفجور والتقوى في القلب وقد جاءت آيات كثيرة تدل على أن فجور العبد وتقواه باختياره ومشيئته كقوله تعالى: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} وقوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} ونحو ذلك. وهذه المسألة هي التي ضل فيها القدرية والجبرية. وأما القدرية: فضلوا بالتفريط حيث زعموا أن العبد يخلق عمل نفسه استقلالا عن غير تأثير لقدرة الله فيه. وأما الجبرية فضلوا بالإفراط حيث زعموا أن العبد لا عمل له أصلا حتى يؤاخذ به. وأما أهل السنة والجماعة فلم يفرطوا ولم يفرطوا فأثبتوا للعبد أفعالا اختيارية ومن الضروري عند جميع العقلاء أن الحركة الارتعاشية ليست كالحركة الاختيارية وأثبتوا أن الله خالق كل شيء فهو خالق العبد وخالق قدرته وإرادته وتأثير قدرة العبد لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى. فالعبد وجميع أفعاله بمشيئة الله تعالى مع أن العبد يفعل اختيارا بالقدرة والإرادة اللتين خلقهما الله فيه فعلا اختياريا يثاب عليه ويعاقب. ولو فرضنا أن جبريا ناظر سنيا فقال الجبري: حجتي لربي أن أقول إني لست مستقلا بعمل وإني لا بد أن تنفذ في مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي فأنا مجبور فكيف يعاقبني على أمر لا قدرة لي أن أحيد عنه؟ فإن السني يقول له كل الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك جعل لك سمعا تسمع به وبصراً تبصر به وعقلا تعقل به وأرسل لك رسولا وجعل لك اختيارا وقدرة ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق وهو ملكه المحض إن أعطاه ففضل وإن منعه فعدل كما أشار له تعالى بقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}. بمعنى أن ملكه للتوفيق حجة بالغة على الخلق فمن أعطيه ففضل ومن منعه فعدل.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف