المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج/ الزميل ياسر زيدان.
المقدم: ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة".
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله ومرحبًا بك أخي وائل، وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياك الله، مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا يمكنكم أن تشاركونا عبر هواتف البرنامج على الرقمين: 0126477117، وعن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028. أيضًا بإمكانكم إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس آب على الرقم: 0500422121.
فضيلة الشيخ؛ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع "الحث على تيسير الزواج"، والحث أيضًا على تيسير أموره.
الكثير من الشباب عندما يريد أن يبدأ حياته الزوجية يصطدم بكثير من الأمور، ويصطدم بكثير من التكاليف، نريد أن نتحدث في هذه الحلقة حول بعض التوجيهات والإرشادات فيما يتعلق بالحث على تيسير أمور الزواج للشباب، لكن ابتداءً دكتور نريد أن نتحدث عن الزواج، وأهميته أيضًا، وحكمه في الإسلام، وأيضًا كيف بهذا الزواج يكمل المسلم دينه، ويكون فيه تحقيقًا للعفة والطهر؟ ومن ثم بعد ذلك سنتحدث عن أمور ونقاط أخرى في هذه الحلقة منها: المهر، وأيضًا تخفيف الأعباء التي ليس لها داعٍ على الشباب إذا ما أرادوا الزواج.
ابتداءً فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن الزواج، وأهميته، وحكمه أيضًا في ديننا الإسلامي.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً لك أخي وائل، ولجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
موضوع الزواج موضوع مهم ويمسُّالمجتمع بجميع شرائحه وفئاته، فالزواج هو المؤسسة الأولى، والنواة الأولى التي تتكون منها المجتمعات.
والبشرية كلها انبثقت من هذا الارتباط بين الذكر والأنثى في رابطة الزوجية التي جعلها الله تعالى طريقًا لالتقاء الجنسين منذ خلق آدم، ومنذ بداية البشرية.
الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾النساء:1 ، فالنكاح والزواج شرعه الله تعالى للبشر من أول خلقهم؛ وذاك لما فيه من المصالح الكبرى التي لا يمكن أن تدرك بغير هذه الرابطة، فالجنسان الذكر والأنثى جعل الله تعالى فيهما من الفطر والجبلة ما يميل كل واحد منهما إلى الآخر، ولا يمكن أن يتحقق المقصود من العلاقة بين هذين الجنسين إلا بهذه الرابطة التي هي الوسيلة الفطرية والشرعية التي من خلالها يحقِّق البشر ما يؤمِّلونه من المقاصد والمنافع.
ولهذا جاءت النصوص في بيان فضل الزواج، وأنه من سُنَّة النبيين، والحث عليه بأوجه متعددة، فالزواج سنة نبينا محمد وسنة المرسلين؛ كما جاء في الترمذي من حديث أبي أيوب وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعٌ من سنن المرسلين: التعطُّر، والنكاح، والسواك، والختان»[سنن الترمذي:ح1080، وقال:حسن غريب]، وما من نبي إلا وقد تزوَّج وكان له نصيب من هذه الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
والزواج هو الوسيلة التي من خلالها يتحقق حفظ النوع البشري؛ فإنَّ التكاثر الذي تقوم به البشرية، ويبقى به جنس الإنسان إنما ينتج عن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار ما شرعه الله تعالى من أوجه الارتباط السليم الذي يتحقق به ضمان البعد عن السِّفاح، وضمان البعد عن الأضرار والآفات التي تنتج عن خروج الإنسان عن هذه الرابطة التي هي الضمانة لتحقيق السعادة البشرية للجنسين الذكر والأنثى.
أمر الله تعالى بالنكاح فقال: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ النساء:3 ، وأمر بتزويج كل من ليس له زوجة فقال: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾النور:32 ، ثم رغَّب في ذلك وذلَّل العقبات فقال: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾النور:32 ، وفي حال عدم التمكن من وجود النكاح أوجد من الطرق ما يكون سببًا لوقاية شر الحاجة البشرية الطبيعية للزواج مع تعذر ذلك، فقال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾النساء:25 .
المقصود أن هذه الحاجة البشرية، وهذه الفطرة الإنسانية، والسنة النبوية في كون الناس يرتبطون بعقد الزوجية هو مما يتحقق به للناس وللأمة، وللمجتمعات، وللأفراد الخير الكثير؛ الله تعالى قال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾الرعد:38 ، وهذه إشارة إلى أن ذلك مما جرى عليه عمل أطايب الناس وخيار البشرية؛ أن يكون لهم أزواج وأن يُمنحوا ذرية، وهذا من فضل الله تعالى الذي يتفضل به على عباده.
إذًا الزواج هو حاجة فطرية، وداعيه جِبِليٌّ طبيعي، وله مِن المرغبات الشرعية ما جاء في الكتاب والسنة في الآيات والأحاديث، ما يدل على فضله، وعلى الندب إليه، وعلى الحث عليه، والنصوص والأحاديث في ذلك كثيرة.
فالزواج مما ندب إليه الشرع قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مباحًا، وقد تعتريه أحكام أخرى كأن يكون مكروهًا أو محرمًا؛ فمكروه في حال عدم قدرة الإنسان على الوفاء بالحقوق الزوجية، وقد يكون محرمًا فيما إذا كان ذلك نكاحًا زائدًا على ما شرع الله تعالى أو فيه ظلم وجور، أو ما إلى ذلك مما يمكن أن يندرج تحت حكم المكروه والمحرم.
لكن لاحظ أن ثلاثة أحكام هي الأغلب فيما يتعلق بأحكام النكاح: الوجوب، والاستحباب، والإباحة.
وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج، وحثهم عليه فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» ثم بيَّن الفوائد المحصلة بالزواج فقال: «فإنه أَغَضُّ للبَصَر، وأَحْصَنُ للفَرج» وفي حال العجز قال: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء».[صحيح البخاري:ح1905]
وبالتالي الزواج هو من سنن المرسلين، هو مما جاءت الشريعة في الكتاب والسنة بالحث عليه، والندب إليه، فينبغي الحرص على تيسيره، وتسهيله، وإشاعته، وإزالة كل العقبات التي تقف دون تحققه لمن احتاج إليه من الذكور والإناث، من الشباب الفتيان والفتيات، وأن لا يترك عائقًا من العوائق يحول دون ذلك إلا ويسعى الجميع بكل ما أوتوا من طاقة وقدرة ومكنة أن يذللوه وأن ييسروه.
فتيسير الزواج، وتسهيله، وإعانة الراغب في السعي إليه هو من العمل الصالح الذي يؤجر عليه الإنسان، ويتحقق به للمجتمع والأمة خير كثير.
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ بعد أن تحدثنا حول هذه النقطة ابتداءً حول مشروعية الزواج في ديننا الإسلامي، نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ حول بعض الأمور المتعلقة بتيسير الزواج في الإسلام، حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا الأمر وعلى تيسير أمور الزواج أيضًا؛ في الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أَعظم النساء بَركةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً».[مسند أحمد:25119، ومستدرك الحاكم:2732، وصححه على شرط مسلم. ووافقه الذهبي ].
نريد أن نتحدث عن هذا التيسير، ونريد أن نتحدث في قضية التيسير أيضًا عن المهور، وغلاء المهور، لكن في قضية تيسير الزواج أيضًا والتكاليف غير المبررة التي يكلف بها بعض الأزواج في بعض الأحيان قبل الزواج، وأيضًا أثناء الزواج.
نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن المهر ابتداءً، وعن المغالاة في المهور، عن مشروعية المهر ابتداءً، وحث النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضًا على تيسير أمور الزواج.
الشيخ: الموضوع الذي نتناوله فيما يتعلق بتيسير أمر الزواج وإزالة العوائق الحقيقة يعني عندما نتأمل واقع الناس في زماننا هذا نجد أن العوائق المتعلقة بالزواج لا تنحصر في جانب من الجوانب، ولا في جهة من الجهات، بل ثمة عوائق متعددة، وتتعلق بنواحٍ مختلفة تتصل بموضوع الزواج والارتباط بين الرجل والمرأة، بين الذكر والأنثى؛ ولهذا عندما نتكلم عن تيسير الزواج فنحن لا نحصر الحديث في جانب؛ لأنه أحيانًا قد تكون الجوانب التي نتكلم عنها مُيسَّرة لبعض الناس ولا تُعدُّ عائقًا، لكن ثمة عوائق أخرى.
عندما نتكلم عن التيسير فنحن نتكلم عن كل ما يتعلق بالعقبات بجميع صورها، وأنواعها، وصنوفها أنه من المهم لنا جميعًا أن نتلمس مواطن الإعاقة لتحقيق الارتباط بين الرجل والمرأة بعقد الزواج، وأن نذلل ذلك بما أمكن، وبما يسَّر الله عز وجل.
فحديثنا عن جانب من جوانب العقبات لا يعني أننا أتينا على كل العقبات، فالعقبات متنوعة ومختلفة، لكننا نتحدث في أهم العقبات التي يشترك فيها جماعات كثيرة من الناس.
عندما نتحدث عن العقبات فنحن لا نخصه بصورة معينة، إنما نتحدث عن المهمات والواجب علينا جميعًا أن نسعى إلى تيسير أمر الزواج. عندما نقول: الواجب علينا، من نحن الذين يجب علينا أن نيسِّر الزواج؟
هذا الأمر لا يتعلق بفرد، يعني أهل الشاب نفسه والفتاة الراغبة في الزواج كلاهما يتحمل مسئولية في التيسير، أهل الطرفين عليهم مسئولية في التيسير، البيئة المحيطة من الأقارب، وذوو الأرحام، وأصحاب الصلة بهذين الراغبين في الزواج عليهم مسئولية. وهكذا تتسع الدائرة في تحمل مسئولية التسهيل والتذليل لعقبات الزواج حتى تشمل جميع المجتمع وكافة الناس، فجميعهم يشتركون في تحمل المسئولية في تحقيق المقصود من هذا الارتباط.
ولهذا أقول: عندما نتحدث نحن لا نتحدث هنا للآباء، أو للأمهات، أو للشباب، أو للفتيات، حديثنا للجميع؛ نحن جميعًا مسئولون: «كلكم راعٍ وكلُّكم مَسئولٌ عن رعيته»[صحيح البخاري:893]، وكلنا يتحمل نصيبًا من المسئولية في تسهيل هذا الأمر وتيسيره للشباب، سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا. فلهذا ينبغي أن نعي أولًا خطورة هذه العوائق، هذه العوائق إذا وجِدت واستسلم لها الناس كان ثمرة ذلك فسادًا عريضًا، وشرًّا كبيرًا يعود على المجتمع.
ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر وجود الراغب في الزواج والامتناع من تزويجه لأي سبب من الأسباب التي تمنع بعض الناس من أن يزوج رغم وجود المقوِّمات الأساسية في الزوج الناجح، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من تَرضَون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه» إذًا ذلِّلوا العقبات، يسِّروا إلى كل ما يمكن أن يكون موصلًا للغاية، أزيلوا العوائق، «فزوِّجوه»، ثم قال: «إلا تفعلوا» يعني إن لم تفعلوا ذلك بتزويجه وتذليل العقبات «تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض»[سنن الترمذي:ح1084، وحسنه بشواهده الألباني في الصحيحه:ح1022]
هذا الحديث الشريف هو تنبيهٌ لنا جميعًا أنه من المهم أن نسعى بكل ما أوتينا من طاقة وقدرة أن نذلل العقبات لكل من رغب في الزواج ممن هو أهل لأن يزوج، «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه» وإلا فإنَّ العاقبة وخيمة ليست على أحد بعينه أو على فردٍ دون آخر، بل على المجموع؛ ولذلك قال: «إلا تفعلوا» أين؟ في البيت الذي مَنَع من الزواج؟ لا، في الأرض، وهذا يدل على عموم البلاء الحاصل للجميع، لجميع البشرية، «تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض».
ولهذا مسئولية تذليل عقبات الزواج هي مسئولية مشتركة، مسئولية تتوجه لكل من له أثر في تذليل عقبات الزواج، سواء في ذلك الجهات الأسرية الآباء والأمهات وأولياء الأمور ممن لهم كلمة في أسرهم وبين أهليهم، العوائل، القبائل، المؤسسات الخيرية، الخطباء وأهل التوجيه، الجهات الإعلامية، الجهات الاجتماعية، الجهات الخيرية، كل من له يد وأثر في تيسير أمر الزواج، وتذليل العقبات التي تحول دون حصوله يتحمل مسئولية في تحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فزوِّجوه»، ويتحمل مسئولية في دفع ما هدَّد به النبي -صلى الله عليه وسلم- إن لم يحصل ذلك، «إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
إذًا من المهم أن نعي مسئولياتنا، أولياء الأمور والأُسَر عليهم مسئولية قد تكون أكبر من غيرها بحكم أنهم يباشرون قرار التزويج من عدمه، ومسئوليتهم في أن يتحققوا من وجود المواصفات المناسبة في المتقدم، وأيضًا وجود المواصفات المرغوبة في المخطوبة التي يُرغب نكاحها بالنسبة لأهل الرجل، وأن يسعوا إلى إتمام الأمر إذا تحققت الأوصاف المطلوبة من سلامة الخلق، والدين، واستقامة الحال، وكذلك فيما يتعلق بحال المرأة «فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك»[صحيح البخاري:ح5090]، هؤلاء عليهم مسئولية، ومسئوليتهم أن يزيلوا كل العوائق.
مما يتعلق بالعوائق والعقبات ما أشرنا إليه قبل قليل أخي وائل وهو ما يتعلق بتكاليف الزواج، اليوم تكاليف الزواج وللأسف هي من العوائق الكبرى التي تمنع كثيرًا من الناس من الزواج، وتحول بينهم وبين الزواج.
وقبل أن نتكلم عن تكاليف الزواج؛ هناك مفهوم مغلوط أن صعوبة الزواج بالنسبة للراغبين بكون التكاليف باهظة عالية، يتصور بعض الناس أن ذلك من الضمانات التي تكفل استمرار الزواج وعدم حصول الطلاق، ويقولون: إنه إذا كان أخذ المرأة بيُسر وعدم كُلفة كان هذا من أسباب سهولة إنهاء عقد الزواج بالطلاق عند أدنى مشكلة.
والواقع خلاف هذا اليوم؛ التكاليف حقيقة هي من أسباب الطلاق في كثير من الأحيان، ومن أسباب تعسُّر الحال وسوء الصلة بين الزوجين في كثير من الأحيان؛ لذلك من الغلط أن يظن أولياء الأمور الآباء والأمهات، وكذلك أصحاب الشأن كالفتيات، من الغلط أن يظنوا أن ارتفاع كلفة الزواج هي من أسباب ديمومته، من أسباب استمراره، من أسباب حصول السعادة أو الطمأنينة أو الاستمرار في النكاح، بل على العكس من ذلك.
وقد أشار إلى هذا المعنى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى- في موعظته بأن لا يغالي الأزواج بالصداق، والمهور فقال عمر فيما رواه ابن ماجة: «لا تُغالُوا صداق النساء»، يعني لا تبالغوا في مهورهن «فإنها لو كانت مَكرمةً في الدنيا أو تقوى عند الله -عز وجل- كان أولاكم وأحقَّكم بها محمد صلى الله عليه وسلم»[سنن الترمذي:ح1114، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، إلى آخر ما ذكر.
ثم قال -رضي الله تعالى عنه- في التحذير من علوِّ تكاليف الزواج في المهر أو غيره: «وإن الرجل ليثقل صداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه.
يعني يتحمل من مهر المرأة أو صداق المرأة ما يكون سببًا لأنْ يجد في نفسه عليها شيئًا أو على أهلها أو على من كان سببًا في هذا الثقل الذي تحمَّله بسبب رغبته في نكاح هذه المرأة، «إن الرجل ليثقل صداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه، ويقول: قد كُلِّفتُ لكِ عَلَقَ القِرْبَة».[ سنن ابن ماجه:ح1887]، يعني كلفت لكِ شيئًا كثيرًا، يعني القليل والكثير أخذتي، يعني فصفَّرتيني، أخذتي كل ما عندي، ولا شك أن وجود هذه العداوة في بداية الارتباط هو من أسباب عدم استقامة الحال بين الزوجين؛ ولذلك يخطئ من يظن أن علو تكاليف الزواج، وارتفاع ومغالاة الناس في صدق النساء ومهورهن، وما إلى ذلك ما يتعلق بتكاليف الزواج هو من أسباب استمرار الزواج وصلاح الحال بين الرجل والمرأة.
وقد مرت علينا أشياء كثيرة نعرفها من حياة الناس يكون علو المهر وبالًا على المرأة، وهذا واقع، تجد أن المرأة تتزوج الرجل تظن أنه سيكون ذلك بابًا من أبواب السعادة، لا تستقيم حالها معه، تريد أن تفارقه فتتقدم لطلب الخلع، فيأتي الزوج يقول: ما عندي مانع، خالعي، رُدِّي كل الذي أعطيتك، فتبقى هي وإياه في أروقة القضاء والمحكمة في أخذٍ وردٍّ حتى يُقضى له بكل ما دفعه من المهر، فتعود هي صفر اليدين، خسرت ما كانت تأمل أن يكون كسبًا وربحًا.
وأحيانًا لا تكون الجناية على البنت فقط، إنما تكون الجناية من والد أخذ جزءًا من المهر، أو أمٍّ شرطت في المهر كذا وكذا أن يكون لها، فتقع المرأة والبنت ضحيةً بهذه المغالاة، وينقلب المقصود من ارتفاع المهور وأسعار وتكاليف مقدمات الزواج وما إلى ذلك وبالًا عليها وعلى أسرتها.
وبالتالي من المهم أن نعي أن صلاح حال الزوجين ليس سببه ارتفاع التكاليف، على العكس من ذلك قد تكون ارتفاع التكاليف في النكاح من أسباب حصول الشقاق والعداوة بين الزوجين.
من المهم أيضًا أن ندرك أن التكاليف التي يُتحدث عنها اليوم فيما يتصل بتكاليف الزواج لا تنحصر فقط فيما يتصل بارتفاع المهور وغلاء المهور والمغالاة فيها.
المقدم: صحيح الأمر ممتد فضيلة الشيخ.
الشيخ: نعم اليوم أنت لو تعدِّد المناسبات التي تكون فيما يتعلق بعقد الزواج وجدتها خطوبة لها متطلبات، شبكة لها متطلبات.
المقدم: ولها حفل خاص.
الشيخ: العقد له متطلبات، الزفاف له متطلبات، كم مناسبةً؟ هذه أربع مناسبات، حتى يصل إلى الزواج، ثم بعد ذلك زيارات أو ما يتعلق باختلاف الأعراف، يعني تحتف بارتباط الرجل بالمرأة من المناسبات العدد الكثير، هذه المناسبات ليست مناسبات ميسرة يتكلف فيها الأزواج، ويتكلف فيها أهل الزوجة ما يكون عبئًا ومانعًا وعائقًا في كثير من الأحيان أن يتقدم الرجل للمرأة أو يتم الزواج.
ولهذا عندما نتكلم عن يسر النكاح وخفة مئونته لا نحصر ذلك في المهر، يعني المهر هو أحد الأمور...
المقدم: أحد العقبات وأحد التكاليف.
الشيخ: الأمور والعوائق كل ما ذكرته الآن لم نذكر فيه مهرًا، يعني هذه المناسبات كلها خارج حسبة المهر، وليس للمهر علاقة بها. فبالتالي من المهم أن نعرف أن هذه المغالاة التي فشت في كثير من المجتمعات وأصبحت البنت تطالب بها، وقد يطالب بها أهل البنت هي من العوائق.
ولهذا نجد أن عاقبة هذه العوائق الكثيرة التي تتعلق بالتكاليف أصبحت كثيرة؛ نِسَب العنوسة مرتفعة، ونسب العزوف عن الزواج في الجنسين الذكور والإناث مرتفعة جدًّا بسبب أن الشاب من أين يأتي بكل هذه التكاليف؟ شاب إما متخرج من ثانوي، أو من جامعة، أو في أوائل سنين عمله ووظيفته لم يكوِّن نفسه بعدُ تكوينًا مكتملًا ويرغب في أن يعف نفسه، من أين له هذه المتطلبات؟
دعنا من الشباب الذين عندهم من الأسر والآباء من يمكن أن يدعموهم ويعينوهم، أتكلم عن السواد الأعظم من الشباب الذي لا يجد من يعينه في موضوع الزواج، حتى الجهات الخيرية التي تقدم إعانات للشباب هي تعين بالقدر الذي يحقق الحد الكافي للارتباط...
المقدم: وليس التكاليف الزائدة.
الشيخ: وليست التكاليف الزائدة التي تثقل الأطراف بشيء ليس لهم فيه مصلحة.
وأنت إذا نظرت إلى الواقع الذي يعيشه الناس المباهاة والمفاخرة الآن في حفلة الزواج لو نظرنا إلى التكاليف: تكاليف كوشة، تكاليف مصوِّر أو مصورة، تكاليف أصحاب الدفوف، تكاليف الصالة، تكاليف... وعَدِّد يا أخي والله تكون الليلة على كثير من الناس بألوف بلا عاقبة.
المقدم: عشرات الألوف فضيلة الشيخ.
الشيخ: عشرات أو مئات على حسب أحوال الناس، لكن الضعيف هذه ثقله، والغني تنقصه، أعني ليست شيئًا ما له تأثير، هو مؤثر في كل الأحوال سواء كان على غني أو على فقير، لكن في النهاية هذا يعد من العوائق التي تحول دون إبرام الزواج، وأحيانًا يعقد الرجل على المرأة ويبقون فترة سنتين أو ثلاث سنوات، وتحصل مشاكل بينهم ما الله به عليم، والسبب أنهم ما تمكنوا من جمع أنفسهم حتى يقيموا الزفاف على النحو الذي يشتهون أو يريدون أو يأملون.
وبالتالي تتعسَّر كثير من الارتباطات بسبب هذه الأمور التي هي ليست ضمانة لسعادة، وليست بابًا لراحة، ولا هي من المعينات على التوفيق في هذا العقد وهذا الارتباط؛ ولذلك من المهم أن نعي أهمية النكاح، وضرورة تيسير السبل التي تكون عونًا للشباب للفتيان والفتيات في تحقيق الارتباط الأمثل الذي يحقق لهم السعادة.
بعض الناس يقول: ماذا نقول للناس؟! زوَّجنا ابنتنا في قصر أو في بيت أو في حفلة مختصرة أو ما أخذنا كذا! فتعميهم المظاهر عن أن يبحثوا عن سعادة بناتهم.
أنا أعرف عددًا من الناس يقول أحدهم لابنته: يا بنتي أنتِ تريدين حفل زواج سيكلفنا هذا القدر من المال، أنا على استعداد أن أضع هذا المال في حسابك أو بعضه في حسابك ويكون عونًا لك على حياتك، أفضل من ليلة نصرف فيها مائة ألف، ستين ألفًا، عشرين ألفًا، وتذهب في ليلة دون أن يكون هناك لها عاقبة، أو مردود إلا والله آل فلان أقاموا العرس في المكان الفلاني. طيب والعاقبة؟ يعني ما ثمرة هذا؟ ما نتيجة هذا في نجاح الحياة الزوجية، في تيسير الارتباط؟ ما له عاقبة.
ولهذا نقول: ينبغي أن يبادر أصحاب النفوذ في المجتمع من القدوات، والوجهاء، وأصحاب التأثير إلى المبادرة في تخفيف هذه الأعباء بكل وسيلة من الوسائل... وأن يظهر هذا ويشهر لا للمفاخرة ولا للذكر إنما للقدوة والأسوة.
النبي -صلى الله عليه وسلم- زوَّج فاطمة -رضي الله تعالى عنها- وهي سيدة نساء أهل الجنة، زوَّجها عليًّا -رضي الله تعالى عنها-، ولك أن تسمع ما قال ابن عباس في زواج علي من فاطمة، وكيف كان هذا الزواج؟
ابن عباس يقول كما في السنن: إن عليًّا قال: تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله - علي يقصُّ خِطبته لفاطمة من النبي صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إني أريد نكاح فلانة التي هي فاطمة، فقال: «أعَطِها شيئًا»، يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَبِلَ عليًّا، وقال له: «أعطها شيئًا» يعني مهرًا، قال علي بكل وضوح: ما عندي من شيء، ما عندي شيء، وهو ما يتعلق بالمهر.
قال له النبي -صلى الله عليه وسلم - انظر كيف التسهيل والتيسير فيما يتعلق بتحقيق الرغبة في الزواج - علي مِمن يُرضى دينه وأمانته، وتقدم لفاطمة، رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في إتمام هذا النكاح، قال له: «فأين دِرعُكَ الحُطَمِيَّةُ؟» درع كان يستعمله علي -رضي الله تعالى عنه- في وقاية نفسه في الحروب، قال علي -رضي الله تعالى عنه-: هي عندي يعني هي موجودة عندي، لكن ما جاء في بال علي أنه يعطي مهرًا لابنة سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم درعًا؛ فقال: ما عندي شيء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فأعطها إياه»[سنن أبي داود:ح2125، وصححه الألباني] يعني كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة كان مهرها درعًا، الدرع ماذا ستصنع فيه؟! هي ليست من أهل القتال، ولا من أهل الحروب، هو عطاء رمزي، عطاء معنوي لاستباحة ما يكون من ارتباط بهذه المرأة.
النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلًا في التيسير، وفي طلب تحقيق المقصود، جاءه من يُرضى في دينه وأمانته فزوجه، قال: ما عندي شيء، ما قال له: طيب اذهب وابحث، لا، ذكَّره: «أين درعك الحطمية؟»، قال: هي عندي، قال: فأعطها إياه يعني أعطها إياه مهرًا.
وفي قصة رجل آخر؛ امرأة عرضت نفسها على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتزوجها ولم يكن له فيها حاجة، فقال رجل: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجني إياها، فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: «هل عندك من شيء؟» قال: ما عندي إلا إزاري يعني ما عنده إلا ما يستر به نفسه، ثوبه الذي يستر به أسفل بدنه، قال: «ما تصنع به! إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، التمس ولو خاتمًا من حديد»، تيسير، «ولو خاتمًا من حديد»، فلما ذهب الرجل وطلب، ما وجد خاتمًا من حديد، رجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما وجدت، قال: «زَوَّجْتُكَها بما معك من القرآن» يحفظ سورة كذا وكذا، «زوجتكها بما معك من القرآن»[صحيح البخاري:ح5029] يعني مهر هذه المرأة أن تقرئها ما معك من القرآن من السورة التي عيَّنها له أو كان يحفظها ذلك الرجل.
هذا من التيسير البيِّن الواضح الذي باشره رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بنفسه، وإذا نظرنا إلى مهور زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وجدنا اليُسر على أبهى صوره، وأظهر معانيه، فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما أصدق امرأةً من زوجاته بأكثر من اثنتي عشرة أوقية ونشًّا كما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-.[صحيح مسلم:ح1426/78] تعني شيئًا يسيرًا زائدًا على ذلك وهو النصف، نصف الأوقية، وهذا قُدِّر في الحساب المعاصر - وهو خمسمائة درهم - بألفين ومائة وثلاثين ريالًا بحساب اليوم بالنسبة لجرام الفضة، ما أصدق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولا بناته شيئًا أكثر من ذلك، وهذا يدل على أن علوَّ المهر وارتفاع التكاليف المتعلقة بالنكاح ليست مغنمًا، ولا مربحًا، ولا مكسبًا، والتيسير النبوي للنكاح لم يكن فقط مقصورًا على ذلك، بل حتى في الولائم والأمور التي تتعلق بالزواج؛ فعبد الرحمن بن عوف من تجار الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما تزوج قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَولِم ولو بِشاة»[صحيح البخاري:ح20/48] وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم في ولائمه على ما كان من زوجاته؛ ولما تزوَّج صفية يقول أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبنى عليه بصفية، يقول - واستمع إلى أنس في وصفه لوليمة عرس النبي صلى الله عليه وسلم - يقول: «فدَعوتُ المسلمين إلى وَليمته، وما كان فيها من خُبزٍ ولا لحم» يعني ما كان فيها خبز يؤدم ولا لحم يؤكل، ماذا كان في هذه الوليمة؛ وليمة سيد الورى صلى الله عليه وسلم على إحدى أمهات المؤمنين؟ «ما كان فيها إلا أن أَمَرَ بلالًا بالأَنْطاع» يعني جلودًا تبسط، وبُسطًا تفرش، يعني أشبه ما يكون بالسُّفَر، «أمر بلالاً بالأنطاع فَبسطت، فألقى عليها التمر والأَقِط والسَّمْن»[صحيح البخاري:ح4215] تمر، وأقط، الذي هو اللبن المجفف، وسمن، هكذا كانت وليمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يكن فيها مغالاة، ولم يكن فيها إسراف، ولم يكن فيها خروج عن الاعتدال بما يسَّر الله تعالى من الطعام الذي أصابه أصحابه رضي الله تعالى عنهم.
كل هذه الأوجه تبيِّن اليسر الذي ينبغي أن نتداعى إليه، وأن نتواصى به، وأن يكون مسلكًا نشيد به في زواجاتنا، وفي أنكحة أبنائنا وبناتنا ومجتمعنا.
المقدم: في بداية الحديث ذكرت أن هناك مفهومًا مغلوطًا عند بعض الناس وهو أن كثرة التكاليف وصعوبة الزواج قد تكون سببًا في استمرارية وديمومة هذا الزواج.
أريد أن أتحدث عن المعنى الآخر، المعنى المغاير وهو أن تيسير أمور الزواج وتقليل هذه التكاليف على الشاب الذي يريد الزواج قد يكون سببًا في بركة هذا الزواج، ويكون أيضًا بركةً عليه بعد زواجه.
الشيخ: نعم هذا ما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن أعظم النكاح بركةً أيسره مئونةً»[مسند أبي داود الطيالسي:ح1530، وسنده ضعيف] أعظم النكاح بركةً، البركة المقصود بها كثرة الخير، فأعظم ما يكون من النكاح خيرًا وبركةً وسعادةً للزوجين وما ينتج عن هذين الزوجين من ذرية، ولأسرهم، وللمجتمع، هو ما كان أيسرها مئونة، أي: ما كانت تكاليفه يسيرة، تكاليفه المتعلقة بالمهر، التكاليف المتعلقة بوليمة العرس وحفل الزواج، التكاليف المتعلقة بالمتطلبات التي تكون قبل الزواج وبعده من مناسبات مرافقة، كل هذا التيسير هو من أسباب حصول البركة؛ والبركة هي سعادة الزوجين، اجتماع قلوبهما، الألفة بينهما، حصول الخير لهما بالذرية الصالحة، البعد عن أسباب الشقاق، راحة البال فيما يتعلق بالأسر، فأسرة الشاب تطمئن على أن ابنها قد سعد وحقق ما يريد بهذا الارتباط، وأسرة الفتاة أيضًا تنعم وتستقر بصلاح حال ابنتهم، وسعادتها مع زوجها.
ولذلك أقول: من المهم أن نؤكد هذا المعنى وهو معنى أن تيسير الزواج من أسباب نجاحه، تيسير الزواج من أسباب سعادة الزوجين؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يُمن المرأة» يعني من بركتها، «تيسير خطبتها وتيسير صداقها»[مسند أحمد:ح24478، ومستدرك الحاكم:ح2739، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]، فالآن عسر الخطبة، كثرة المطلوبات والتكاليف المادية التي عليها، على الزوج أو على أهل الزوجة هو مما يخرج بالمرأة عن البركة، تيسير صداق المرأة هو من أسباب بركتها، ومباركة الله تعالى فيها، وحصول مأمولها لزوجها.
الجمعيات الخيرية والجهات المتبرعة المساعدة للشباب هي في الحقيقة تبذل بذلاً سخيًّا، وتساعد بأنواع من المساعدات التي تحقق للشباب التيسير المأمول في الارتباط، وجهود هذه الجهات مباركة، ومِن آخرها مبادرة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - وفقه الله - في مبادرته بـ"سند" التي تعنى بتسهيل أمر زواج الشباب وتيسير التكاليف التي يتحملونها.
كل هذه الجهود المباركة مندرجة في تيسير النكاح، ولكن لابد من مبادرة من الأسر أنفسها؛ أن يوفروا هذه التكاليف، وأن يخففوا من الأعباء المترتبة على الزواج؛ فيما يتعلق بالخطبة، وفيما يتعلق بالصداق، وفيما يتعلق بالولائم، وحتى فيما يتعلق بالمطلوبات؛ أحيانًا تكون هناك تكاليف متعلقة بالمطلوبات، نوع الأثاث، علو أجرة المكان الذي يسكن فيه، قد يطلب بعضهم أشياء لا تتناسب مع الزوجية في أوائل أمورها من شغالة، وسائق، وأمور كثيرة هي في الحقيقة تندرج جميعها في كونها من العوائق التي تجعل الزواج عسيرًا على كثير من الشباب.
أنا أدعو المجتمع كافة، وأولياء الأمور من الآباء والأمهات ومن لهم شأن، وكل من له اتصال بهذا الأمر أن يسعى جاهدًا في التيسير ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وأن يترك ما يتعلق بالمظاهر وما يقوله الناس، وما سيتكلمون به، العبرة بما تأمله من حصول الارتباط، ويسره، وبركته، ويمنه، وخيره على الذرية.
دع الناس يتكلمون بما يتكلمون به وسرعان ما يزول كلامهم، ولا يصح إلا الصحيح. أسأل الله التيسير والإعانة.
المقدم: آمين. شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح/ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم. شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدتم وأفضتم في هذه الحلقة.
الشيخ: لكم الشكر، وأسأل الله أن يجعلها كلمات مباركة نافعة، وأن يوفقنا والمسلمين إلى ما يحب ويرضى، وأن ييسر أمور الشباب، وأن يسهل لهم العفاف، وأن يوفقهم إلى ما فيه الرشد، وأن يوفق أولياء أمورهم إلى ما يحب ويرضى، وأن يحفظ بلادنا، وأن يسدِّد ولاة أمرنا الملك سلمان وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يحفظنا والمسلمين من كل سوء وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.