المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام؛ سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ منه وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلًا وسهلًا بكم إلى هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل/ ياسر زيدان.
المقدم: مستمعينا الكرام، ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ؛ السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أخي وائل، ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، نسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.
المقدم: اللهم آمين، مستمعينا الكرام يمكنكم أنتم أن تشاركونا عبر هواتف البرنامج على الرقمين: 0126477117، وعن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028، أيضًا بإمكانكم إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس آب على الرقم: 0500422121.
فضيلة الشيخ؛ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع "الاحتساب في الشرائع والأقدار"، المؤمن يستطيع أن يجعل حياته كلها وأن يجعل كل خطوة من خطواته، وكل حياته ثوابًا وأجرًا من الله تبارك وتعالى، فالفرق بين العادة الحسنة والعبادة التي يؤجر عليها المسلم هي النية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات...»[صحيح البخاري:ح1]إلى آخر الحديث؛ لذلك يأتي حديثنا في هذه الحلقة حول "الاحتساب في الشرائع والأقدار" أيضًا.
فضيلة الشيخ ابتداءً نريد أن نتحدث حول مفهوم ومعنى الاحتساب إجمالًا، ومِنْ ثَمَّ نريد أن ندلف إلى هذه الجزئية خصوصًا الاحتساب في الشرائع والأقدار.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله، تحيةً طيبةً لك أخي وائل، وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يعلمنا ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وأن يصرف عنا كل سوء وشر.
فيما يتعلق بموضوعنا موضوع الاحتساب، احتساب الأجر عند الله -عز وجل- هو من الموضوعات المهمة التي جاء التنبيه إليها ولفت النظر إليها في نصوص كثيرة في الكتاب والسنة؛ وذلك أن العامل يعمل في كل أمر يتلبس به أو يدخل فيه أو يجري عليه، له غاية ومقصود، وله هدف يصبو إلى تحقيقه والوصول إليه؛ هذه الغاية وذلك الهدف الذي يأمل أن يصل إليه هو ما نتحدث عنه فيما يتعلق بمصطلح "الاحتساب".
الاحتساب جاء التنبيه إليه في كتاب الله -عز وجل- وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في عدة مواضع، وفي مناسبات مختلفة؛ ولذلك من المهم أن نعرف أننا عندما ندخل في أمر أو يجري علينا أمر من الأمور نحن بحاجة إلى استحضار هذا المعنى حتى تكون الغاية والهدف الذي نصبو إليه من الأعمال التي نقوم بها أو الحوادث التي تجري لنا تكون واضحة وبيِّنة؛ فيكون الإنسان على وضوح وجلاء فيما يطلب وفيما يرجو.
فالاحتساب هو طلب الأجر من الله تعالى وابتغاء مرضاته، هذا هو الاحتساب الذي نتحدث عنه، وإذا كان الأمر على هذا النحو فيما يتعلق بمصطلح الاحتساب أننا نطلب الأجر من الله فيما نعمل، ونبتغي مرضاته فيما نتلبس به من الأعمال وما نباشره، وفيما أيضًا يجري علينا من الأقضية والأقدار؛ فإننا سنعرف من خلال هذا أنَّ الاحتساب يدخل في امتثال أمر الله عز وجل، وفي ترك ما نهى عنه وزجر، وفي الصبر على الأقدار التي يتألم منها الإنسان وهو الصبر على المصائب والمكروهات التي تكون في حياة الناس، ولا يخلو منها بشر مهما كان هذا الإنسان في سعة وفي راحة وفي طمأنينة، إلا أنه لابد وأن يناله شيء مما جاءت به النصوص مما يتعلق بالحوادث والوقائع التي يكرهها؛ قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾البلد:4 .
إذًا الاحتساب يكون في الأعمال الصالحة طلبًا للأجر من الله تعالى وابتغاء مرضاته، يكون في اجتناب ما حرم الله تعالى؛ فيتركه محتسبًا الأجر عند الله تعالى في ذلك، يبتغي أجره -سبحانه وبحمده- ويطلب ثوابه، ويسعى إلى نيل مرضاته، يكون فيما يجري من الأقدار المكروهة للإنسان من المصائب والنوازل التي تنزل به ويتألم لها، فيقابلها محتسبًا الأجر عند الله تعالى فيها.
الاحتساب يأتي قرين الإيمان في بعض النصوص الشرعية، وبه يُعلم أنَّ الاحتساب يأتي بمعنى الإيمان، ويكون مقابلًا له؛ بمعنى أنه يكون مشمولًا بمعنى الإيمان، دالًّا على الإيمان، ويكون أيضًا مستقلًّا بمعنى أن يكون الاحتساب مما ينفصل عن الإيمان.
فعلى سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا»[صحيح البخاري:ح32]، هذا الحديث الشريف ذكر الإيمان والاحتساب، ذكر أولًا الإيمان ثم ذكر بعده الاحتساب.
والسبب في ذكر الإيمان والاحتساب؛ أن الإيمان هو الباعث على العمل، والاحتساب هو الغاية من العمل، هو المقصود من العمل؛ فإنَّ كل عمل لابد له من باعث ومبدأ وحامل، ولابد له من غاية وهدف ومقصود، فلا يكون العمل طاعةً وقربةً حتى يكون مصدره الإيمان؛ أي: الحامل عليه هو الإيمان، لا العادة، ولا الهوى، ولا طلب الجاه والمحمدة وثناء الناس، ولابد أن يكون له من غاية وهدف وهو طلب الثواب من الله وابتغاء مرضاته؛ ولهذا قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا»[سبق] فذكر الباعث على العمل وذكر الغاية من العمل، الباعث على العمل هو الذي جعل الإنسان يقدم على هذا العمل، هو الذي حمله على هذا الفعل، وأما غايته ومقصوده فهي التي يستفيدها من الاحتساب؛ وهو أن يؤمِّل الأجر عند الله -عز وجل- في عمله، وفيما يكون مما تلبس به من الأعمال.
هذا بيان لمعنى الإيمان والاحتساب؛ ولذلك يكون الاحتساب في مقابل الإيمان إذا اقترنا، لكن أحيانًا يأتي الاحتساب مذكورًا على وجه الانفراد وهو شامل لمعنى الإيمان؛ من ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما لعبد المؤمن عندي جزاء إذا قَبَضتُ صفيَّه من أهل الدنيا» يعني إذا توفَّيتُ من يحبه، ومن له خصوصية في نفسه ومنزلة، «ثم احتَسَبَه» يعني صبر على ما نزل به، واحتسب الأجر في هذا الصبر عند الله عز وجل «إلا الجنة»؛ فالاحتساب هنا ذكر مفردًا ولم يذكر معه الإيمان فكان ذلك مشيرًا إلى الإيمان بدلالة أن هذا العمل وهو الصبر على مُرِّ القضاء إنما يكون بالاحتساب.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في فضل المقاتل في سبيل الله؛ حيث قال رجلٌ: يا رسول الله أرأيت إن قتلتُ في سبيل الله تكفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعم، إن قتلتَ في سبيل الله، وأنت صابر، محتسب، مُقبلٌ غير مدبر» يعني فلك ما سألت عنه من تكفير الخطايا، «صابر محتسب مقبل غير مدبر»، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- للرجل: «كيف قلتَ؟» يعني أعد عليَّ سؤالك، فقال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن» فاستثنى الدَّيْن صلى الله عليه وسلم: «فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك آنفًا».[صحيح مسلم:ح1885/117]
المقصود أن الاحتساب الذي نتحدث عنه هو طلب الأجر والمثوبة عند الله، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من مؤمن؛ فإن المؤمن هو الذي يطلب المثوبة والأجر على العمل من ربه جل في علاه.
وبه يعلم أن الاحتساب قرين الإيمان، والإيمان الصادق قرين الاحتساب؛ ولهذا يذكر الإيمان أحيانًا منفردًا كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾النحل:97، ولم يقل: وهو مؤمن محتسب، فالإيمان هنا يشمل الاحتساب.
إذًا خلاصة الذي نريد أن نفهمه في موضوع الاحتساب أن الاحتساب هو طلب الثواب والأجر من عند الله -عز وجل- على الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان، وأن تكون تلك الأعمال غرضها وغايتها طلب مرضاة الله -عز وجل-، كما قال الله -جل وعلا- في وصف الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾الإنسان:8-9.
هذا هو الاحتساب الذي نتحدث عنه؛ حيث يكون في فعل الطاعة، يكون في ترك المعصية، يكون في الصبر على الأقضية والأقدار المكروهة، فعل الطاعة سواءً كانت واجبةً أو مستحبةً، ترك المعصية سواءً كانت خفيةً أو معلنةً، الأقدار سواءً كانت في نفس الصبر على الأقدار، سواءً كانت تتعلق بك في نفسك أو في مالك أو في أهلك أو في ولدك.
المقدم: فضيلة الشيخ؛ بالحديث عن موضوع الاحتساب في الشرائع والأقدار، قد ينصرف هذا المفهوم إلى الاحتساب فقط عندما يعتري الإنسان الأقدار المؤلمة، لكن مثل ما ذكرت أن هذا المعنى أشمل وأوسع، وينسحب أيضًا إلى الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى؛ لما يجده الإنسان من المشقة والتعب فيها.
الشيخ: طبعًا؛ ولذلك غالبًا ما يُذكر الاحتساب فيما إذا كان العمل شاقًّا: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»[سبق]، «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»[صحيح البخاري:ح37] وسنستعرض - إن شاء الله تعالى - بعد قليل جملةً من الأعمال التي ذُكر فيها الاحتساب، وسيتبين لنا من خلال هذا الاستعراض أنها في الغالب تذكر في الأعمال التي فيها كلفة، وقد تحتاج إلى شيء من المعالجة والخروج عن المألوف، في تحقيق مرضاة الله -عز وجل- سواء في الشرائع والأوامر والنواهي، أو في الأقضية والأقدار المكروهة.
المقدم: فضيلة الشيخ؛ قبل أن ننتقل بالحديث عن مجموعة من الأعمال التي ذكر فيها هذا المعنى إجمالًا أو تفصيلًا، نريد أن نتحدث حول قضية أهمية الحديث عن مثل هذا الموضوع؛ ألا وهو الاحتساب في الشرائع وفي الأقدار كلها، أهمية الحديث عن مثل هذا الموضوع، وتذكير الناس بهذا الموضوع المهم.
الشيخ: يا أخي الكريم؛ عندما نفهم وندرك أن الثواب والأجر مقرون بالاحتساب وأنه بقدر ما يكون الإنسان محققًا لهذا المعنى بقدر ما يحقق عدة أمور: يحقق أولًا الغاية التي من أجلها خُلِقَ؛ فالاحتساب هو طريقة تحقيق لهذه الغاية؛ وهي إخلاص العمل لله عز وجل، فيكون العمل مقصودًا به وجه الله تعالى لا يُبتغى به سواه؛ جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر، ما له؟ يعني قصده من هذا الجهاد وهذا العمل العظيم أمران: الأجر من الله والذكر، يعني والثناء من الناس والحمد له منهم، وأن يُذكر أنه شجاع، فقال الرجل يسأل: أي شيء له؟ إذا كان هذا غرضه، وهذا قصده من العمل؟ قال: «لا شيء له» أعاد الرجل السؤال مرة ثانية، فأعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- الجواب؛ قال: «لا شيء له»، أعاد الرجل السؤال مرة ثالثة: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ قال: «لا شيء له، إنما يتقبل الله من العمل ما كان خالصًا وابتغي به وجهه»[سنن النسائي:ح3140. وجود إسناده الحافظ في الفتح:6/28]؛ فشرط قبول العمل الإخلاص لله -عز وجل- الذي هو الاحتساب؛ أن يحتسب في عمله، أن يكون الباعث على عمله الإيمان الصادق، وأن يكون غرضه وطلبه من هذا العمل هو مرضاة الله -عز وجل- والمثوبة منه، لا من سواه -سبحانه وبحمده-؛ لذلك جميع أعمالنا بلا استثناء إنما تنال الأجور فيها وتحصل الغاية منها بتحقيق الاحتساب؛ إذ إن الاحتساب يحمل الإنسان على أن يبتغي بعمله وجه الله، ويحمل الإنسان على أن يكون عمله خالصًا له -سبحانه وبحمده- لا يبتغي به سواه.
إذا حقق هذا، إذا حقق الاحتساب فاز بهذه الغاية وهذا المقصود؛ وهو أن يكون عمله لله خالصًا.
أيضًا من الفوائد المرتَّبة على الاحتساب والتي من أجلها نتحدث عن الاحتساب ونُلفت الأنظار إليه أن الأجور منوطة بالاحتساب؛ يعني الأجور تتفاوت وتختلف وتفترق بين العالمين على قدر ما يكون معهم من الاحتساب، فتجد اثنين يعملان عملًا واحدًا بينهما من المثوبة والأجر بَونٌ شاسع يصل إلى ما بين السماء والأرض من بُعد، وذاك بالنظر إلى ما قام في قلب كل واحد منهما من صدق النية وإخلاص العمل لله وابتغاء مرضاته جل في علاه.
ولهذا مِن الضروري أن نؤكد على أهمية الاحتساب في حديثنا عن أعمالنا سواءً كانت الأعمال الشرعية الأوامر والنواهي، في فعلنا لما أمر الله وفي تركنا لما نهانا الله تعالى عنه، كذلك فيما يتصل بما يجري من أقضية وأقدار؛ فإن الأجور في ذلك كلها، في تلك الأمور كلها إنما تكون بقدر ما يقوم في قلب الإنسان من الإخلاص لله عز وجل.
ولهذا من المهم أن نتحدث عن هذا الأمر.
هنا أمر ثالث يجعلنا نتحدث عن الاحتساب: أنه بالاحتساب ننال الأجر حتى على العادات والأمور الطبيعية التي نباشرها ولا ننفك عنها.
أضرب لذلك مثلًا كم تحسب في اليوم من ساعة ننام تقريبًا، النوم المعتدل السوي قريب من سبع ساعات إلى ثمان ساعات، في حال الإنسان العادية، وهذا ما يقدر به النوم الصحي المعتاد في حياة أكثر الناس، طبعًا من الناس من يزيد ومن الناس من ينقص، نحن نتحدث عن النوم الذي بقدر الحاجة.
الإنسان إذا مضى ثلث عمره؛ يعني ثمان ساعات من أربع وعشرين ساعة تمثل في نسبة حياة الإنسان الثلث من يومه، يمضي في نوم، غير أن فيه أشياء أخرى عادية من أكل وشرب وما أشبه ذلك هي من الأمور العادية، هذه الأمور العادية يمكن أن نحولها إلى مكاسب نجري منها أجورًا وثوابًا، وذلك من خلال الاحتساب، من خلال أن ينوي الإنسان بهذه الأعمال شيئًا يفيده في دينه، يقربه من ربه فإنه يؤجر بذلك؛ ولهذا قال معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- كما في صحيح البخاري لما قص عليه أبو موسى كيف كان يقوم الليل؟ قال: «أما أنا فأحتسب نَومتي كما أحتسب قَومتي»[صحيح البخاري:ح4344] يعني أنه ينوي بنومه التقوِّي على طاعة الله عز وجل، فيحتسب ثواب نومه كما يحتسب ثواب قيامه.
وهذا المعنى الدقيق مهمٌّ أن نتنبَّهَ إليه؛ لأنه سيحول ساعاتنا وأعمالنا الطبيعية من أكل وشرب ونوم وسائر الأشياء التي لا ينفك منها بشر إلى أن تكون طريقًا نُدرك به أجرًا، سبيلًا نحصِّل به ثوابًا.
قال سفيان رضي الله عنه: «يسرُّني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم»[صفة الصفوة:ص2/57]، يسرني أي: أُسَرُّ وأبتهج أن يكون لي في كل أمر من أموري، وفي كل شأن من شئوني نية حتى في الأكل والنوم.
وهذا يجعل الإنسان يفتح بابًا عظيمًا من أبواب المتاجرة مع الله، أن ينوي حتى بالأمور العادية؛ الأمور التي تمارَس بمقتضى الجبلة والطبيعة؛ يجعلها سببًا لتحصيل الأجور والثواب، فيكون كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾الأنعام: 162 - 163 .
إذًا كل هذه المعاني الثلاثة أو الأربعة التي ذكرناها هي مما يظهر أهمية الحديث عن الاحتساب، أهمية التنبه إليه في أعمالنا.
الآن يا إخوة ويا أخوات نحن نأكل ونشرب ونجلس مع أولادنا ونعاشر أصحابنا، إذا كان لنا نية صالحة في هذه الأعمال كانت هذه الأعمال الطبيعية مما يجري فيها على الإنسان أجر وثواب من الله -عز وجل-.
نعم نتحدث عن الاحتساب لأن به نحقق الغاية من الخلق، نحقق به الإخلاص الذي من أجله خُلقنا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾الذاريات: 56 .
نتحدث عن الاحتساب؛ لأنه طريقة زيادة الأجور والمباركة فيها، فبقدر ما يكون الإنسان محتسبًا يكون أجره عند الله عز وجل، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾الإنسان:9 ، فلا يتقبل الله من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغي به وجهه.
نتحدث عن الاحتساب لأننا بالاحتساب سننال الأجر من العادات، من الأعمال الجبلية التي نقوم بها كما قال معاذ: «إني أحتسب نومتي كما أحتسب قَومتي».[سبق]
المقدم: فضيلة الشيخ أيضًا؛ هناك نقطة ذكرها أحد المستمعين الكرام في "الواتس آب" يقول: الصبر على المصيبة التي قد تحدث للإنسان هل يلزم أن يكون معه احتساب، بحيث لا يتحصل المسلم أو الإنسان على الأجر والفضل من الله تبارك وتعالى إلا إذا احتسب صبره هذا في مصيبته؟
الشيخ: أخي الكريم؛ الواجب يحصل بفعله مع صدق النية والإخلاص لله عز وجل، لكن عندما يحتسب الإنسان الأجر عند الله ويستحضر هذا المعنى يعظم أجره، ويزيد عطاء الله تعالى له؛ ولذلك عندما ننتقل إلى الحديث عن البلايا وعن أوجه الاحتساب في النصوص الشرعية سنجد أن الاحتساب يُذكر في مواضع يعظم بها الأجر، بل أحيانًا يرتب الأجر على الاحتساب.
فمثلًا في فقد الأبناء وهي من المصائب التي تجري على الإنسان، ويصاب بها كثير من الناس؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أَرسلتْ إليه ابنتُه تخبره أن ابنًا لها يحتضر، فأرسل إليها يقرئها السلام -صلى الله عليه وسلم- ويقول لها: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»، ثم قال: «فلتصبر ولتحتسب»[صحيح البخاري:ح1284] «تحتسب» أي: أجر هذه المصيبة عند الله، أجر الألم الذي نزل بها، هذا معنى الاحتساب في الأقدار المكروهة، في المصائب، أنك تملأ قلبك بأن ما جرى من ألم لن يذهب سدى بل ستدرك أجره وفضله وثوابه عند الله -عز وجل-، هذا معنى «فلتصبر ولتحتسب».
وهذا معنى أيضًا في المصيبة الأخرى فيما إذا فقد الإنسان شيئًا من نفسه كأن يُبتلى بفقد عينه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي بإحدى حَبِيبَتَيه» يعني بإحدى عينيه ففقد البصر بإحداهما «فصبر واحتسب فله الجنة»[صحيح البخاري:ح5653]، فالاحتساب مما يعظم به الأجر، ويزيد به الفضل من الله عز وجل، ويكثر به الخير للعبد في عمله، وأحيانًا الأعمال قد يفعلها الإنسان بمقتضى المعالجة؛ على سبيل المثال: زيارة الإخوان، الأقارب، الأصحاب هي مما جبل عليه الإنسان، فالإنسان بطبيعته مدني، حيوان مدني كما يقال؛ ذو طبع مدني، يحب الاختلاط والأُلفة مع الناس، هذا بطبيعة البشرية، فإذا كان هذا منطلقًا من معنى طلب الأجر عند الله- عز وجل- كان ذلك من أسباب نيل فضل عظيم وأجر كبير.
جاء في صحيح الإمام مسلم أن رجلًا زار أخًا له في الله في قرية أخرى، يعني في مدينة أخرى غير مدينته، خرج من مدينته إلى المدينة الأخرى ليزور ذلك الرجل، فأرسل الله على مدرجته يعني في طريقه ملكًا، فلما أتى عليه قال: «أين تريد؟» يعني إلى أين أنت ذاهب؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية أي في هذه المدينة، قال له يسأله: «هل لك عليه من نعمة ترُبُّها؟» يعني أنت لِـم ذهبت تزوره لأجل أن ترد له معروفًا أو تشكره على صنيعة صالحة قدمها لك؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: «فإني رسول الله إليك»، انظر إلى شرف المنزلة وعظيم المكانة، ملك يرسله الله لرجل لسلامة قصده، وحسن نيته! واحتسابه في عمل طبيعي وهو زيارة أخيه، لكنه لم يزره إلا لله عز وجل، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: «فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه».[صحيح مسلم:ح2567/38]
هذا الفضل العظيم، وهذا الأجر الكبير، وهذا العطاء الجزيل، وهذه المنزلة العظمى التي نالها هذا الرجل أن الله خصه بإرسال الملك، الملائكة إنما يرسلون للأنبياء والرسل، أرسله لرجل خرج ليزور رجلًا آخر لأجل أنه وقع في قلبه محبته في الله؛ أي: لِمَا يشهده وما يعرفه وما يعلمه عنه من صلاح، ومن استقامة، ومن طيب حال.
فأرسل الله له هذا الملك وكان ما كان حتى قال له: «إني رسول الله إليك، أن الله قد أحبَّك كما أحبَبْتَه فيه».
إذًا هذه شواهد فيما إذا اتصل الاحتساب بالعمل الطبيعي، أو فيما يتصل بالمصائب والنوازل، كلها مما تفتح للعبد أبواب عطاء وجزاء وثواب عظيم، إذا استحضر ذلك ولم يغب عنه هذه المعاني.
حتى في الأعمال العبادية تجد أن النصوص تؤكد على معنى الاحتساب؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم في صيام رمضان وهو فرض من فرائض الإسلام، وركن من أركانه قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»[سبق]، وفي القيام وهو عمل تطوعي من النوافل قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».[سبق]
ولهذا ينبغي للعبد أن يحرص على أن يحقق الاحتساب في كل هذه المعاني، وفي كل هذه المواضع يحتسب الأجر عند الله في الطعام، في الفرائض، وفي النوافل، يحتسب الأجر عند الله تعالى في فعل المأمور، وفي ترك المحظور والمنهي عنه؛ ولذلك رتَّب الله تعالى الأجر العظيم على الاحتساب في ترك المعصية كما رتَّب الأجر على الاحتساب في فعل الطاعة؛ فذاك الرجل في قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار كان أحدهم قد راود امرأةً عن نفسها وهي قريبة منه، أراد منها سوءًا وشرًّا فامتنعت حتى أصابها ما أصابها من الحاجة وقلة ذات اليد، فأتت تطلبه أن يعطيها شيئًا من المال، فامتنع حتى قال لها: أعطيكِ ما طلبتي على أن تخلي بيني وبين نفسك، ففعلت تحت وطأة الاضطرار لكن في قلبها من الإيمان ما جعلتها تذكِّر هذا الرجل في موقف من المواقف التي يغيب فيها العقل وتطغى فيها الشهوة، فقالت له لما تمكن منها: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فوقع في نفسه أنه لا يقاربها، ولا يأتي إليها لأجل الله عز وجل، فتركها. ولذلك لما أطبق عليهم الغار قال: «اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك» انظر لمعنى الاحتساب «ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة».
الآخر أيضًا في حفظ حقوق الخلق؛ ذاك الرجل الذي استعمل أُجَراءَ، وأخذ كل واحد منهم أَجْرَه إلا واحدًا ترك الذي له وذهب، إما استعجالًا للذهاب أو لأي سبب من الأسباب، المهم أنه ذهب ولم يأخذ أجرته.
هذا الرجل الذي بقيت الأجرة في يده ثَمَّرَ هذه الأجرة، أي: استثمرها حتى كثرت منها الأموال، فجاء العامل بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري؛ يعني أعطني الأجر الذي لي في ذمتك، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق؛ يعني استثمره فأثمر إبلًا وبقرًا وغنمًا ومماليكَ؛ فقال: يا عبد الله، هذا العامل وقع في نفسه أنه يستهزئ به، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، يعني أنا ما جئت إلا لحاجة فلا تجعلني محلًّا للاستهزاء.
هذا الرجل الصادق قال: إني لا أستهزئ بك فخذه كله، هذا الرجل لما آنس من المتحدث، شعر من المتحدث الصدق، ساق كل هذه الأموال: الإبل، والبقر، والغنم، والمماليك، والرقيق، فلم يترك منه شيئًا؛ يعني ما قال: أترك بعض الشيء مكافأةً له، لا، أخذ كل شيء نتج عن ذلك المال.
هذا الرجل ما حمله على هذا إلا صدق الرغبة فيما عند الله، الاحتساب، فماذا قال؟ قال: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك» يعني محتسبًا الأجر عندك «فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون».
ومثله أيضًا الرجل الذي برَّ والديه فكان لا يقدِّم عليهما أحدًا في الإطعام، وفي الإكرام، جاء يومًا من الأيام بعد أن تأخَّر، وقد نام والداه قبل أن يأتي بما جرت العادة أن يطعمهما، فلما رآهما وقد ناما، جاء وقد كره أن يوقظهما ويقطع عليهما نومتهما، فما كان منه إلا أن بقي على انتظار في يده الحليب الذي جاء به حتى برق الفجر، الله أكبر! فاستيقظا فشربا غبوقهما، الحليب الذي جرت العادة بأن يشرباه، ثم قال: «اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه من هذا الصخرة، فانفرجت شيئًا».[صحيح البخاري:ح2272]
ومجموع هذا الدعاء من هذا البار، ومن ذلك الذي ترك الشهوة رجاء ما عند الله، ومن ذلك الذي راقب الله في حقوق الناس، فأعطى الأموال لأصحابها، من مجموع هذا حصل ما يؤملون من الانفراج، وفضل الله واسع.
لذلك الحديث عن الاحتساب حديث ذو شجون، يفتح للإنسان آفاقًا من العمل، وآفاقًا من الكسب والأجر والثواب لا يَرِدُ له على بال ولا على خاطر، فبالاحتساب يتحقق الإخلاص، بالاحتساب تعظم الأجور، بالاحتساب تنقلب العادات عبادات، بالاحتساب يفرِّج الله الكربات، ويكشف البلايا والنوازل والمصائب، ويدفع عن الإنسان المكروهات.
كل هذه من ثمار هذا العمل المبارك الذي لا يحتاج من الإنسان إلا أن يحرِّك قلبه بصدق الرغبة فيما عند الله، بصدق الطلب لما عنده سبحانه وبحمده.
المقدم: سبحانه! فضيلة الشيخ اسمح لي أن نستقبل بعض المشاركات من الإخوة الكرام، معنا على الهاتف وتأخرنا عليه كثيرًا عبد العزيز الشريف، حياك الله يا عبد العزيز، أهلًا وسهلًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ وائل وبارك الله فيكم، والله مستمتعون بحديث الشيخ بارك الله فيكم جميعًا.
بالنسبة للاحتساب في مجال الأسرة، الأب مع أولاده يعني يحتسب عليهم في أمر الصلاة ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾طه:132 ، ما هي الطريقة المثلى في احتساب الوالدين على أولادهم في أمر الصلاة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهلًا وسهلًا يا عبد العزيز، شكرًا جزيلًا.
معنا على الهاتف أيضًا الأخ إبراهيم، حياك الله يا إبراهيم أهلًا وسهلًا.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله يا أخي وائل.
المقدم: أهلًا وسهلًا، حياك الله.
المتصل: حياك الله فضيلة الشيخ خالد.
الشيخ: مرحبًا حياك الله.
المتصل: شيخنا لو تطرقتم لقضية احتساب الأجر في التعليم وتعلم العلوم الشرعية خصوصًا حتى في مجال الدراسة؛ وذلك لأن كثيرًا من الناس حتى من يتلقون دراستهم بالدراسة الشرعية ما يحتسب الأجر عند الله؛ لذلك يفوت على نفسه الخير الكثير بذلك، فلو تكلمتم عن فضيلة ذلك، وجزاكم الله خيرًا.
المقدم: وإياك يا إبراهيم شكرًا جزيلًا، طيب فضيلة الشيخ نعلق على النقاط التي ذكرها الإخوة الكرام، الأخ عبد العزيز ذكر قضية الاحتساب في مجال الأسرة مع الأبناء في أمر الصلاة تحديدًا كيف يكون الاحتساب في أمر الأبناء بالصلاة؟
الشيخ: يا أخي الكريم؛ مثل ما ذكرنا قبل قليل في مواضع الاحتساب أنه يكون في العمل الواجب، ويكون في العمل المستحب، يكون في ترك المحرم، يكون فيما ينزل بالإنسان من أقضية وأقدار مكروهة، يكون في العادات، هذه مواضع الاحتساب. ومشاركة الأخوين هي إما في واجب وإما في مستحب، الاحتساب في الواجب في تربية الأبناء أن يطلب الأجر من الله -عز وجل- فيما يقوم به من صيانتهم، من رعايتهم، من أمرهم بالصلاة، من الصبر على ما يلقاه من مشاقٍّ ومعاناة بأن التربية تحتاج إلى مثابرة، ولك أن تشهد هذا في قصص الأنبياء -عليهم السلام- فيما ذكره الله تعالى مثلًا في خبره عن نوح -عليه السلام- في دعوته لابنه أن يركب معهم، وكيف جرت تلك المحاورة التي فيها من الألم، ألم الوالد في فقد ولده، ألم الوالد في عدم طاعة ولده، ألم الوالد في شهود نزول البلاء بولده: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾هود: 43 ؛ كل هذا يحتاج إلى احتساب، يحتاج إلى أن يفعل الإنسان هذه الأمور ويستحضر بين عينيه الأجر والثواب عند الله، عطف الوالد على ولده شيء فطري، طبيعي، جِبِلِّي؛ لأنه يحب أن يكون الولد أحسن ما يكون، هذا كل البشرية تسعى إليه، لكن الذي يفرِّق المؤمن عن غيره أنه يرجو من الله ما لا يرجو غيره؛ ولذلك قال: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾النساء:104 هذا في كل الأمور إن كنت تتألم من قيامك على أسرتك، من رعايتك لأولادك، من أدائك لما يجب عليك من المهام الوظيفية، مما ينزل بك من الأقدار المؤلمة، من ترك ما تكره مما تحب من الممنوعات والمحرمات؛ هذا في البشرية مشترك، لكن قد تختلف مواضعه فغير المؤمن مثلًا يترك أشياء يشتهيها، وقد يتألم لتركها، لكنه يتركها لأجل النظام أو لأجل القانون ولا يحتسب الأجر عند الله -عز وجل- في ذلك؛ ولذلك قال: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾النساء:104 ، والفرق: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾النساء:104 ، وهذا هو الفارق، والرجاء هو الاحتساب، أن تحتسب الأجر عند الله.
فأنت في رعايتك لأولادك، في قيامك عليهم، في طلبك للعلم سواءً كان علمًا شرعيًّا، وهذا مما يتأكد فيه حسن القصد وسلامة النية، أو حتى العلوم الأخرى؛ علم الطب، علم الفيزياء، علم الرياضيات، الموظف الذي يعمل في مكتبه، المدرس الذي يعمل في حقل التعليم، العامل الذي ينظف الشوارع، يا أخي كل هؤلاء عندما يحتسبون الأجر عند الله سيتغير عطاؤهم، وسيكون الواحد منهم باذلًا كل قصارى جهده في إتقان عمله.
ولهذا من فوائد الاحتساب أنه يحمل الإنسان على الإتقان، وعلى البذل فيما يستطيع في تحصيل رضا الله -عز وجل- وإدراك ثوابه سبحانه وبحمده؛ ولهذا أنا أؤكد على التذكير بالاحتساب، التذكير بالأجر، أن لا تكون فقط نظرتنا إلى أداء الواجب أو ترك المحرم دون النظر في العاقبة، وفي الفضل المرتَّب؛ ولهذا تذكر الأجور في الأعمال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾النحل:97 لماذا يذكر الله تعالى العاقبة والأجر والجزاء والثواب؟ لأجل أن يحتسبه الإنسان عند الله؛ أن يبلغ هذا المذكور من الأجر والثواب، «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر لها ما تقدم من ذنبه».[سبق].
فهذه الجوائز، وهذه العطايا، وهذه الأجور تحفِّز الإنسان على الاحتساب لينال تلك الفضائل، وليبلغ تلك العطايا والهبات.
نسأل الله أن يرزقني وإياكم صدق الاحتساب في كل ما نأتي ونذر.
المقدم: شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من المباركين، وأن يفتح لنا باب فضله، وواسع عطائه، وأن يرزقنا الإيمان والاحتساب، وأن يحفظ بلادنا، وأن يوفِّق ولاتنا الملك سلمان وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن ينصر جنودنا المقاتلين، وأن يحفظ رجال أمننا، وأن يشيع الأمن والطمأنينة والرخاء والاستقرار في بلادنا، وأن يعم ذلك سائر بلاد المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.