المسألة الثانية: رمي جمرة العقبة
لا خلاف أن رمي جمرة العقبة يكون يوم النحر (ينظر: شرح النووي على مسلم (9/ 42) ، وأن من رمى الجمرة قبل غروب شمس يوم النحر فرميه صحيح مجزئ (ينظر: بداية المجتهد (1/ 351)، التمهيد (7/ 268) .
واختلفوا فيمن غربت عليه شمس يوم النحر، ولم يكن قد رمى جمرة العقبة، على قولين:
القول الأول: أنه يرمي جمرة العقبة ليلا قضاء عند الحنفية (ينظر: بدائع الصنائع (2/ 137)، البحر الرائق (2/ 371).) لأن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر يمتد عندهم إلى طلوع فجر يوم الحادي عشر، وأداء عند الشافعية (ينظر: أسنى المطالب (1/ 493)، مغني المحتاج (2/ 271 - 272).) ؛ لأن وقته يمتد إلى آخر أيام التشريق.
القول الثاني: أنه يفوته وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر، ويرميها قضاء مع رمي يوم الحادي عشر، وبهذا قالت المالكية (ينظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 52)، شرح الخرشي على خليل (2/ 337)، وله الرمي بعد غروب الشمس إلى آخر أيام التشريق، ويكون قضاء، وعليه دم للتأخير في المشهور من المذهب.) ، والحنابلة (ينظر: كشاف القناع (2/ 500)، الإنصاف (4/ 46). فإن غربت الشمس قبل رمي الجمرة فإنه يرميها بعد الزوال من الغد، ولا تخرج بذلك عندهم عن كونها أداء، ولا يجب به دم.) .
وقد استدل كل فريق بأدلة تؤيد ما ذهب إليه، إلا أن أرجحها القول بأنه يجوز أن يرمي جمرة العقبة بعد غروب شمس يوم النحر. يدل لذلك ما رواه البخاري (صحيح البخاري (1735).) من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى، فيقول: «لا حرج» فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: «اذبح ولا حرج» وقال: رميت بعد ما أمسيت، فقال: «لا حرج». والمساء يصدق على جزء من الليل في قول طائفة من أهل اللسان، قال في لسان العرب: «والمساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب: وقال بعضهم: إلى نصف الليل» (لسان العرب (15/ 281) وينظر: العين (7/ 323).) . فدل هذا على أن رمي يوم النحر، لا ينقضي بغروب الشمس، بل يمتد إلى الليل (البقرة:196.) ، والله أعلم.