المبحث الرابع: يوم النحر
المطلب الأول: زمانه وفضائله
يوم النحر هو العاشر من ذي الحجة، وهو ثالث أيام المناسك، وسمي بذلك؛ لأنه يوم ينحر الحجاج فيه الهدايا في منى، وعموم المسلمين ينحرون الأضاحي في سائر الأمصار. وهو يوم الحج الأكبر كما دلت على ذلك الأدلة، وبه قال جماهير العلماء (ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 116)، المجموع شرح المهذب (8/ 223)، فتح الباري (8/ 321). قال في البيان والتحصيل (17/ 164): «هل الأكبر نعت لليوم أو للحج؟ واختلف الذين قالوا: إنه نعت للحج، فمنهم من قال: إنما قيل له الأكبر؛ لأن ثم حجا أصغر، وهو العمرة. ومنهم من قال: إنما قيل الأكبر؛ لأنه عني به حج أبي بكر، إذ وقع في ذي القعدة، على ما كان عليه أهل الجاهلية من النسيء .... ، واختلف الذين قالوا: إن الله نعت اليوم أيضا، فمنهم من قال: إنه يوم عرفة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحج عرفة". ولأن من فاته الوقوف بعرفة، فقد فاته الحج. ومنهم من قال: إنه يوم النحر، وإلى هذا ذهب مالك، وهو أظهر الأقوال، لأن المراد به المجتمع الأكبر». ونقل ابن حجر في فتح الباري (8/ 321) عن الثوري: أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر.) . فيوم النحر هو المذكور في قول الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} (التوبة: 3.) .
ويبين ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس «ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» (رواه البخاري (1622)، مسلم (3353).) ، وكذلك ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال: «أي يوم هذا؟» قالوا: يوم النحر، قال: «هذا يوم الحج الأكبر» (رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم (2/ 177). قال هشام بن الغاز: أخبرني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، ووصله أبو داود (1945)، وابن ماجه (3058)، وصححه الحاكم (3276)، ووافقه الذهبي، وصححه الإشبيلي في الأحكام الصغرى (1/ 432).) . وقيل في وجه تسمية يوم النحر بهذا الاسم: إن معظم أعمال الحج تقع في يومه وليلته؛ فليلته وقت للوقوف بعرفة، ووقت الوقوف بمزدلفة، وفي نهاره تشرع معظم مهمات مناسك الحج وأعماله سواء أكانت أركانا، أم واجبات أم مستحبات؛ ففي يومه رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم حلاق أو تقصير، ثم طواف وسعي.
وهو أعظم أيام السنة على الإطلاق كما جاء في حديث عبدالله بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر». رواه أبو داود (أخرجه أحمد (19075)، أبو داود (1765). وصححه ابن خزيمة (2866)، والحاكم في المستدرك (7522)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.) . وقد اختلف العلماء أيهما أفضل يوم عرفة، أو يوم النحر؟ (ينظر: طرح التثريب (3/ 217)، فيض القدير (2/ 3)، الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 69)، الفروع (5/ 129).) والذي يظهر أن كلا من اليومين له فضائل تخصه، وفي كليهما فضل وأجر، وخير وبر.