المبحث الرابع: محظورات الإحرام
محظورات الإحرام هي أعمال يمنع منها المحرم مدة إحرامه. والأصل فيها قول الله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (البقرة:196.) ، وقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (البقرة:197.) . وكذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350) عن أبي هريرة رضي الله عنه.) . فهذه النصوص أصول جامعة في بيان ما يمنع منه المحرم، فمن أحرم بحج أو عمرة «فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن، ولا يجامعهن، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه بحجه؛ من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وغير ذلك مما حرم الله عليه فعله، وهو محرم» (تفسير الطبري (4/ 141). وينظر: تفسير ابن كثير (1/ 545).) .
وقد أدخل جماعة من أهل العلم في معنى الفسوق الذي نهى الله عنه في هذه الآية المحرمات التي لا يختص بها المحرم من ترك ما يجب كإضاعة الصلاة؛ أو فعل ما يحرم كالغيبة والكذب؛ لأنها داخلة في الفسوق بمعناه العام، فإنه اسم جامع لكل خروج عما أمر الله به ورسوله (ينظر: مقاييس اللغة (4/ 502).) ؛ سواء أكان مما يتعلق بالإحرام من محظوراته وترك واجباته، أم مما لا يتعلق بالإحرام. فيكون تاكيدا على تحريمها ووجوب اجتنابها في هذه الحال (ينظر: تفسير ابن كثير (1/ 545).) ، «فإن هذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج» (ينظر: تفسير السعدي ص (91).) . فليتق الله حجاج بيت الله الحرام وليصونوه عن كل سيئة من الغيبة، والنميمة، وأذية الخلق، والسباب والكلام الفاحش، والنظر والسماع المحرم، ومخالفة الأنظمة، وغير ذلك.
أما محظورات الإحرام التي يجب توقيها حال الإحرام فيمكن تصنيفها في ثلاثة أقسام: فمنها محظورات يشترك فيها الرجال والنساء، ومنها محظورات يختص بها الرجال دون النساء، ومنها محظورات تختص بها النساء دون الرجال. وبيانها في المطالب التالية.