من عرف نَفسه اشْتغل بإصلاحها عَن عُيُوب النَّاس من عرف ربه اشْتغل بِهِ عَن هوى نَفسه أَنْفَع الْعَمَل أَن تغيب فِيهِ عَن النَّاس بالإخلاص وَعَن نَفسك بِشُهُود المنّة فَلَا ترى فِيهِ نَفسك وَلَا ترى الْخلق .
دخل النَّاس النَّار من ثَلَاثَة أَبْوَاب بَاب شُبْهَة أورثت شكا فِي دين الله وَبَاب شَهْوَة أورثت تَقْدِيم الْهوى على طَاعَته ومرضاته وَبَاب غضب أورث الْعدوان على خلقه.
أصُول الْخَطَايَا كلهَا ثَلَاثَة الْكبر وَهُوَ الَّذِي أصار إِبْلِيس إِلَى مَا أصاره والحرص وَهُوَ الَّذِي أخرج آدم من الْجنَّة والحسد وَهُوَ الَّذِي جرأ أحدا بني آدم على أَخِيه فَمن وقِي شَرّ هَذِه الثَّلَاثَة فقد وقى الشَّرّ فالكفر من الْكبر والمعاصي من الْحِرْص وَالْبَغي وَالظُّلم من الْحَسَد .
جعل الله بِحِكْمَتِهِ كل جُزْء من أَجزَاء ابْن آدم ظَاهِرَة وباطنة آلَة لشَيْء إِذا اسْتعْمل فِيهِ فَهُوَ كَمَاله فالعين آلَة للنَّظَر وَالْأُذن آلَة للسماع وَالْأنف آلَة للشم وَاللِّسَان آلَة للنطق والفرج للنِّكَاح وَالْيَد للبطش وَالرجل للمشي وَالْقلب للتوحيد والمعرفة وَالروح للمحبة وَالْعقل آلَة للتفكر والتدبر لعواقب الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية وإيثار مَا يَنْبَغِي إيثاره وإهمال مَا يَنْبَغِي إهماله.
أخسر النَّاس صَفْقَة من اشْتغل عَن الله بِنَفسِهِ بل أخسر مِنْهُ من اشْتغل عَن نَفسه بِالنَّاسِ فِي السّنَن من حَدِيث أبي سعيد يرفعهُ إِذا أصبح ابْن آدم فَإِن الْأَعْضَاء كلهَا تكفر اللِّسَان تَقول اتَّقِ الله فَإِنَّمَا نَحن بك فان اسْتَقَمْت استقمنا وَإِن اعوججت اعوججنا قَوْله تكفر اللِّسَان قيل مَعْنَاهُ تخضع لَهُ وَفِي الحَدِيث أَن الصَّحَابَة لما دخلُوا على النَّجَاشِيّ لم يكفروا لَهُ أَي لم يسجدوا وَلم يخضعوا وَلذَلِك قَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ أَيهَا الْملك إِنَّهُم لَا يكفرون لَك وَإِنَّمَا خضعت للسان لِأَنَّهُ بريد الْقلب وترجمانه والواسطة بَينه وَبَين الْأَعْضَاء وَقَوْلها إِنَّمَا نَحن بك أَي نجاتنا بك وهلاكنا بك وَلِهَذَا قَالَت فَإِن اسْتَقَمْت استقمنا وَإِن اعوججت اعوججنا.
فصل جمع النَّبِي فِي قَوْله فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنَعِيمهَا ولذاتها إِنَّمَا ينَال بتقوى الله وراحة الْقلب وَالْبدن وَترك الاهتمام والحرص الشَّديد والتعب والعناد والكد والشقاء فِي طلب الدُّنْيَا إِنَّمَا ينَال بالإجمال فِي الطّلب فَمن اتَّقى الله فَازَ بلذة الْآخِرَة وَنَعِيمهَا وَمن أجمل فِي الطّلب استراح من نكد الدُّنْيَا وهمومها فَالله الْمُسْتَعَان
قد نادت الدُّنْيَا على نَفسهَا ... لَو كَانَ فِي ذَا الْخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته ... وجامع فرقت مَا يجمع
فَائِدَة جمع النَّبِي بَين المأثم والمغرم فَإِن المأثم يُوجب خسارة الْآخِرَة والمغرم يُوجب خسارة الدُّنْيَا