المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، والزميل/ ياسر زيدان.
المقدم: ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
شيخ خالد السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكم، حياكم الله، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.
المذيع: اللهم آمين، مستمعينا الكرام أنتم أيضًا يمكنكم أن تشاركونا في هذه الحلقة حول موضوعنا الذي سنتحدث عنه بمشيئة الله تعالى على هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر 0126493028 أيضًا بإمكانكم إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس آب على الرقم: 0500422121.
بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا فضيلة الشيخ في هذه الحلقة حول موضوع "الكذب وخطورة الكذب" وتحذير الدين الإسلامي من هذه الآفة ومن هذه الخصلة الذميمة، أيضًا الآثار السيئة المترتبة على الكذب للشخص الذي يمارس هذه الخصلة الذميمة وعلى المجتمع من حوله.
وقد ذمَّ الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم في مواضع عدة هذه الخصلة، وأيضًا الذين يمارسون هذه الخصلة الذميمة والعادة السيئة.
فضيلة الشيخ ابتداءً نريد أن نتحدث حول تحذير ديننا الإسلامي من هذه الخصلة، ألا وهي خصلة الكذب التي هي من خصال المنافقين.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حيَّا الله الجميع، وأسأل الله أن يجعل هذا اللقاء لقاءً مباركًا.
حديثنا اليوم عن خطورة الكذب وعن آثاره السيئة على الإنسان في دينه ودنياه.
الكذب خصلة من الخصال التي يتصف بها ويتورط بها بعض الناس، وهي من أصول مساوئ الأخلاق؛ بمعنى أن الأخلاق السيئة لها مظاهر عديدة تتعلق بالقول وتتعلق بالعمل، وتتعلق بمعاملة الله، وتتعلق بمعاملة الخلق.
الكذب هو من الركائز التي يرجع إليها الكثير من الأخلاق السيئة؛ ولهذا جاءت الشرائع في كل الرسالات للتحذير من الكذب والنهي عنه، وبيان سوء عاقبته، وقد جاء في شريعة الإسلام من التحذير والتنكير وبيان خطورة هذه الخصلة ما لم يأتِ في شريعةٍ من الشرائع قبل شريعة الإسلام وقبل هذا الوحي المبارك الذي نزل على خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الكذب يدخل في معاملة الإنسان لربه، يدخل في معاملة الإنسان للخلق، يدخل في معاملة الإنسان لنفسه، ولهذا كان اجتناب الكذب والحذر منه والوعي بخطورته من المهمات التي ينبغي أن يأتي بها الإنسان؛ ليسلم من آثاره ونتائجه القبيحة التي تفسد عليه دينه ودنياه.
الكذب ليس فقط يعود أثره على فساد الدين، بل على فساد الدين والدنيا، على فساد المعاش والمعاد، على فساد صلة الإنسان بربه وصلة الإنسان بالخلق؛ ولذلك الكذب لا يصلح منه جِدٌّ ولا هَزْل كما ذكره أهل العلم، وهو من الخصال التي أُمر المؤمن بتجنبها حتى في حال الترويح عن النفس والمزاح؛ جاء في سنن أبي داود من حديث أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا»، ثم قال: «وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُه»[سنن أبي داود:ح4800، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح1464]، وهذا الترقي في الخصال؛ لأن الخصلة الأعلى وهي حسن الخلق لا تتأتى إلا بتحقيق ما هو أقل من ذلك، فمِن حُسْن الخلق أن يترك الإنسان المراء وإن كان حقًّا، ومِن حُسْن الخلق أن يترك الإنسان الكذب وإن كان مازحًا، الكذب يفسد نظام العالم، ولا يمكن قيام معاش الناس وصلاح أمورهم إلا بالتخلص من هذه الخصلة؛ ولهذا كل البشرية على اختلاف أديانهم وعلى اختلاف أزمانهم وعلى اختلاف بلدانهم وعلى اختلاف ثقافتهم يعدُّون الكذب من خصال القبح ومن مساوئ الأخلاق ومن مباحث الشر في العلاقات والصفات الإنسانية، فالكذب هذه منزلته في الشريعة وفي الأثر على حياة الناس.
ولذلك قال الشاعر:
الكذب عار وخير القول أصدقه **والحق ما مسَّه من باطل زهقا
والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أجمل في اختصار خطورة الكذب وشؤم عاقبته وأثره على الإنسان في دينه ودنياه؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» ثم قال: «وما يزال العبد يكذب ويتحري الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».[صحيح البخاري:ح6094]
إذًا الكذب خطورته أنه سببٌ لفساد دنيا الناس، وخطورته أنه سبب لفساد معاش الناس؛ فإنه يفسد على الناس معاشهم ومعادهم، يفسد على الناس دنياهم وآخرتهم، يفسد صلة الإنسان بربه وصلة الإنسان بالخلق؛ فالكذب قبيح الأثر؛ ولهذا كان له من الآثار ما أتطرق إلى جملة منها في حديثنا في هذا اللقاء وفي هذه الكلمة.
المقدم: تفضل فضيلة الشيخ.
الشيخ: إن رأيت أن نبدأ بجملة من النصوص القرآنية في بيان عاقبة الكذب وسوء مآل أهله.
المقدم: ومن ثم بعد فضيلة الشيخ سنتحدث عن بعض الآثار السيئة المترتبة على الكذب.
الشيخ: نعم. الله - عز وجل - قال في محكم كتابه: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾الأنعام: 21 هذه الآية الكريمة بيَّنت منزلة الكذب في مساوئ الأخلاق، وبيَّنت خطورة الكذب وأنه درجات، وأعلاه خطورةً وأعظمه قبحًا هو الكذب على الله - عز وجل - والتكذيب لآياته، وثمة اقتران بين الكذب والتكذيب؛ فالكذب هو أن يفتري ما ليس بمطابق للواقع وما ليس بحقيقة، ينعكس على تكذيب الحقيقة وصمتها؛ لذلك قال الله - عز وجل - في هذه الآية بين الأمرين؛ بين الكذب عليه والتكذيب بآياته، لأنه مَن كذب على الله فقد قال عليه ما ليس بحق، والآيات تخبر بالحق وتخبر بالواقع، ومِن لازم كذبه على الله أن يكذِّب الآيات؛ ولذلك قال تعالى في القرن بين الأمرين: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾الأنعام: 21 وقد وصفهم الله تعالى بالإجرام ووصفهم بأنهم مجرمون لعظيم ما حصل منهم في تكذيبهم وفي كذبهم على الله - عز وجل - وتكذيبهم لآيات الكتاب الحكيم الدالة على الهدى والرشد والفلاح والنجاح.
الآيات الواردة في الحديث عن الكذب وذمه جاءت على صور متعددة، لم تأتِ في صورة واحدة، بل جاءت بصور مختلفة كلها تجتمع في تحقيق معنى أن الكذب خصلة قبيحة تفسد على الناس دينهم، كما تفسد على الناس دنياهم؛ ولهذا لا ينتظر الإنسان النص الصريح في الكذب؛ أعني بهذه المفردة حتى يفهم خطورة الكذب أو يعي ما جاء في الشريعة في التحذير من الكذب والنهي عنه، فلذلك ينبغي أن نفهم أن الكذب له صور عديدة ويظهر بمظاهر عديدة، منها ومن أكثرها النفاق الذي جاء في الشريعة الإسلامية التحذير منه، فإن النفاق هو صورة وثمرة من ثمرات الكذب.
فكلما ازداد الإنسان كذبًا ازداد من الله بعدًا وازداد نفاقًا ووقع في هذه الخصلة التي جاءت نصوص في القرآن عديدة تحذِّر منها وتبين خطورتها؛ ولهذا جاء النهي والتحذير من الكذب في صور متعددة، الكذب على الله، الكذب على الخلق، الكذب في المعاملات، الكذب بكل صوره.
المقدم: الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: الكذب على الرسالة وعلى الأنبياء؛ قال الله تعالى في ذكر ثالث أصناف الناس في سورة البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾البقرة: 8؛ إذًا هم كاذبون بشهادة الله تعالى، ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ هذا في معاملة الخلق ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ﴾البقرة: 9وما يخدعون إلا أنفسهم، وهذا في الكذب على النفس، والآية تضمنت الكذب على الله، والكذب على الخلق، والكذب على النفس؛ ثم قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾البقرة: 10، فتوعَّدهم الله تعالى بهذه العقوبة، وأخبر أن هذه العقوبة موجبها وسببها هو ما كانوا عليه من كذب؛ ولذلك الكذاب بعيد عن رحمة الله مطرود من فضله وعطائه؛ قال الله تعالى في آية المباهلة: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾آل عمران: 61، وذلك أنهم مستحقون للطرد؛ إذ إنهم غير صادقين ولا أمناء ولا أصحاب هداية، بل جمعوا الشر بصوره وأنواعه، وقد جاءت السنة الشريفة بالتحذير من الكذب وبيان عواقبه وشؤمه في نصوص عديدة لعلنا نتطرق إليها من خلال ما نتناول من النصوص المتعلقة بآثار وشؤم الكذب في معاش الناس ومعادهم.
المذيع: فضيلة الشيخ؛ قبل أن نبدأ في الحديث حول بعض الآثار السيئة وشؤم هذه الخصلة الذميمة؛ ألا وهي خصلة وصِفَة الكذب؛ نريد أن نتحدث قليلًا حول حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن الرجل ليكذب بالكذبة فتبلغ الآفاق، نريد أن نتحدث حول هذا الحديث، وحول التحذير أيضًا من هذه الخصلة الذميمة، ربما في وقتنا الحالي كثير من الناس لا يحسب للكلمة حسابًا ولا يلقي لها بالًا فيكذب الكذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر المواقع المختلفة وعبر الوسائل المختلفة فتبلغ هذه الكذبة مبلغًا عظيمًا، وهو لا يدري ولا يشعر ولا يلقي لها بالًا، ولا يعرف خطورة هذا الأمر، نريد أن نتحدث حول حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- وحول هذا الأمر تحديدًا.
الشيخ: الكذب في كل صوره منهيٌّ عنه، والشريعة أكدت وجوب البعد عنه والحذر من التورط في شيء منه، ولكن الكذب يعظم بالنظر إلى المكذوب عليه؛ فالكذب على الله ليس كالكذب على الخلق، الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس كالكذب على سائر الخلق، الكذب على العلماء ليس كالكذب على سائر الخلق، الكذب على ولاة الأمر والحكام ليس كالكذب على غيرهم، الكذب الذي يكون في منطقة محصورة محدودة على شخص مثلًا ليس كالكذب على مجموعة، والكذب على مجموعة محدودة ليس كالكذب الذي يطير في الآفاق وتنتشر فيه الأخبار المزيفة والكاذبة في نطاق واسع، ولهذا جاء في الحديث الشريف حديث سمرة في صحيح البخاري في قصة الرجل الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام قد وقف على رأسه رجلان يشُقَّان شِدقَه حتى يبلغا قفاه، فأخبراه عن حاله بعد ذلك فقالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في سبب هذه العقوبة التي هي شقِّ أطراف الفم إلى منتهى الفَكِّ من جهة اليمين ومن جهة اليسار؛ قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان ما ذكر له أولئك في بيان سبب العقوبة: «قالوا: فكذاب» أي: الذي عوقب بهذه العقوبة وهي شق شدقيه «كذَّاب يكذب بالكذبة تُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق»[صحيح البخاري:ح1386]، فيصنع به إلى يوم القيامة، هذا عذاب معجل قبل يوم القيامة لمن كان يكذب الكذبة العظيمة الكبيرة التي تنتشر في الآفاق، ومنه تسويق الشائعات، سواء كانت الشائعات المتعلقة بالأفراد أو المتعلقة بالجماعات، وسواء كانت متعلقةً بعامة الناس أو بأئمتهم وولاة أَمْرِهم من علماء وأمراء أو حكام، ومن أصحاب أثر في المجتمع.
لهذا ينبغي الحذر غاية الحذر من التورط في شيء من الكذب الذي ينتشر ويطير في الآفاق؛ ولهذا ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي التحقق من صدقه ومن صحته، ولا يكفي أن يقال: منقول، ولا يكفى أن يقال: قالوا كذا أو نحو ذلك من الإشارات التي يشير بها بعض الناس ليخرج من عهدة النقل، «بئس مَطِيَّة الرجل زَعَمَوا»[سنن أبي داود:ح4972، وصححه الألباني في الصحيحة:ح866 ]كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، و«كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»[صحيح مسلم(المقدمة):ص10]
فكل هذه المعاني ينبغي أن نستحضرها عندما ننقل هذه الأخبار، عندما (نرتوت) لها أو نعيد تدويرها والتغريد بها في وسائل التواصل أو في الواتس آب أو غير ذلك من شبكات التواصل.
ينبغي أن يقف الإنسان فيما ينقل إليه موقف الفاحص المتأمل في أمرين:
أولًا: في صدق المنقول.
ثانيًا: في فائدة نشر هذا؛ هل يصلح أن ينشر أو لا؟ فقد يكون صدقًا لكن لا يصلح نشره، فتجتمع السوءة والخطر والخطأ والإثم إذا اجتمع الوصفان؛ بأن كان ذلك مما لا يصلح نشره، وكان كذبًا؛ فإنه يكون في ذلك داخلًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فكذاب يكذِب بالكِذْبَة»[سبق] هذا الذي أنشأها، ويدخل فيها أيضًا الذي روَّجها فإنه أحد الكاذبين، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حَدَّث عني بحديث يَرى أنه كذب أو يُرَى أنه كذب فهو أحد الكاذبين».[ صحيح مسلم(المقدمة):ص8]
إذًا لابد من التروِّي فيما يخبر به الإنسان، فيما ينقله الإنسان، فيما ينشره ويبثُّه عبر وسائل التواصل حتى يسلم من أن يكون من الكاذبين أو من المروِّجين للكذب.
هذه قضية ينبغي أن تكون حاضرةً في أذهاننا لاسيما في هذا الزمان الذي سهل فيه التواصل، وأصبحت الشائعات تنتشر كانتشار النار في الهشيم بصورة يصدق عليها ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث حيث قال في بيان سبب عقوبة ذلك الذي شُقَّ شِدقاه قال: «كذاب يكذب الكذبة حتى تبلغ الآفاق»[سبق] أي: من انتشارها وأثرها، فهذا يتعلق بشؤم الكذب وسوء عاقبته.
ثمة نصوص عظيمة تحذر من الكذب وتبين خطورته وتوضح عاقبته فمن ذلك على سبيل المثال: أن الله تعالى جعل الكذب من أسباب حرمان الهداية، من أسباب نزع الخير والبر والفضل والعطاء من رب العالمين أن يكون الإنسان كاذبًا، ولهذا قال -جل في علاه- في بيان خطورة الكذب وعظيم أثره وقبيح عاقبته قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾الزمر: 3 هذه الآية الكريمة تبين خطورة الكذب، وأن الكذب من أسباب منع الهداية، والهداية هي التي بها يدرك الإنسان كل بر ويصلح بها كل أمره، ويدرك بها خير الدنيا والآخرة، وفي آية أخرى قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾غافر: 28 فالكذب من أسباب منع الهداية؛ ولذلك من شؤمه أنه يحال بين الإنسان وبين الهداية.
يفسر ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أثر الصدق وأثر الكذب على معاش الإنسان ومعاده، فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء في الصحيح: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البِرِّ» هذا في خصال الخير وخصال الفضل وخلال الأخلاق الفاضلة يدركها الإنسان بالصدق: «إن الصدق يهدي إلى البر» وأما في الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم: «وإن البر يهدي إلى الجنة» أي: يبلغ به الإنسان فضل الله وعطاءه ورحمته بدخول الجنة: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾آل عمران: 92 البر هو الجنة فقوله: «وإن البر يهدي إلى الجنة» أي: العمل الصالح الذي يوفق إليه بسبب صدقه فيقوده إلى الجنة بأخذ أعمالها والبعد عن أسباب حرمانها «ولا يزال الرجل يَصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقًا» وفي المقابل: «الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كَذَّابًا».[سبق]
ولهذا من الضروري ومن المهم أن يبتعد الإنسان عن الكذب بكل صوره؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ومازال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» وهذا تحذيرٌ نبويٌّ من أن يتورط الإنسان في شيء من الكذب؛ لأنه يفضي إلى فساد الدين وفساد الدنيا؛ ولهذا الكذب يوجب النفرة منه وابتعاد الناس عنه، بل حتى الملائكة تنفر من الكذاب كما جاء ذلك فيما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: «إذا كذب العبد تَبَاعد المَلَك عنه ميلًا من نَتَنِ ما جاء به» انتبه إلى هذا الحديث في التحذير من الكذب كل ما كذبت كذبة بعدت عنك الملائكة، وبُعد الملائكة وتسلط الشيطان موجب لتعثُّر الأمور وعدم صلاحها؛ «إذا كذب العبد تباعد الملك عنه ميلًا» ما السبب؟ «من نَتَنِ ما جاء به»[سنن الترمذي:ح1972، وحسنه] يعني مِن قُبح وخبث رائحة ما جاء به وهو كذبه؛ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يجتنب الكذب؛ حتى إن ظن أن الكذب سينجيه فإنه لا نجاة له إلا بالصدق، «والصدق منجاة» كما قيل، وبه يدرك الإنسان الهدى والبر والعون من الله - عز وجل -.
مِن شؤم الكذب أنه سبب لعقوبة عاجلة وآجلة؛ عاجلة بما يجريه الله تعالى من العقوبات على الكذابين، فالكاذبون في ضيق وشؤم؛ حيث إن هذه المعاصي توجب الهم والحزن والخوف وضيق الصدر، وكلما تمكن الإنسان من الكذب تمكنت منه هذه المعاني؛ الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وتعثر الأمر، فكلما زادَ زاد، فالكذب جُماع كل شَرٍّ وأصل كلِّ ذنب؛ لسوء عواقبه وقبح نتائجه في الدنيا والآخرة؛ لأنه يُنتج الرذائل والقبائح بشتى أنواعها، فعن الكذب تُنتج النميمة، وتُنتج الغيبة، وتنتج البغضاء والعداوة بين الخلق، وليس مع العداوة أمن ولا راحة ولا طمأنينة ولا سكن؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك»، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة».[سنن الترمذي:ح2518، وصححه]
فالكاذب لا يقرُّولا يجد راحة ولا يجد أمنًا، هو يقصد بالكذب الفوائد لكنه يعاقب بنقيض قصده، فتحيط به المخاوف، يتورط في أنواع من الشرور والمفاسد، هذا في عاجل عقوبته، وأما عاقبته عند الله -عز وجل - بسوء الخاتمة وسوء العاقبة، ولذلك المنافقون لما كانوا من الكاذبين، المنافقون لما كانوا أصحاب كذب وافتراء كانوا في الدرك الأسفل من النار؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾النساء: 145، والسبب أنهم قد رسخ الكذب في خصالهم حتى إن الله تعالى قال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾المنافقون: 1، وقال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾البقرة: 10، ولهذا كلما زاد كذب الإنسان توافرت فيه خصال النفاق فإن النفاق قوامه وأصله وجامع خصاله الكذب؛ لهذا ينبغي تجنُّب الكذب في معاملة الله - عز وجل -، تجنُّب الكذب في معاملة الخلق، تجنُّب الكذب في الجِدِّ والهزل؛ جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي بإسناد لا بأس به «ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب يضحك به القوم، ويلٌ له، ثم ويلٌ له»[سنن الترمذي:ح2315، وحسنه] وهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس يقول: لا أنا ما قصدت بالكذب إلا إدخال السرور والمزاح، وأنا أمزح، يعني أصبح المزح قرين الكذب ليبرِّر ما صدر منه من كذب، قال: هذه مزحة، يعني كذبة، لم يقل: جعلها مزحة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ويل للذي يحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له»، ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان الكذب في كل أحواله وفي كل أقواله.
يزداد عظم الكذب عندما يكون كذبًا على الله كما تقدم، عندما يكون كذبًا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، عندما يكون كذبًا يأخذ به ما ليس له به حق من أموال الناس، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدِّ الكبائر «اليمين الغَمُوس»[صحيح البخاري:ح6675]، واليمين الغموس حقيقةً هي صورة من صور الكذب، ولذلك لما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما اليمين الغموس؟ قال: «التي يَقْتَطِع به مالَ امرئٍ مسلم هو فيها كاذب»[صحيح البخاري:ح6920]، يعني لما يأتي سواء في المحكمة عند القاضي أو في المعاملة ويقول: والله العظيم كذا وكذا وهو كاذب في قوله؛ ليقتطع بذلك حقًّا أو يسقط حقًّا، يقتطع حقًّا يأخذ شيئًا ابتداءً أو أنه عليه حق ويسقطه باليمين وهو فيها كاذب، فهذا اقتطاع الحق سواء كان أخذًا مبتدءًا أو كان إسقاطًا لحق في ذمة الإنسان؛ فإنه يدخل فيما جاء به التحذير من اليمين الغموس، واليمين الغموس هي التي تغمس صاحبها في النار؛ قال - صلى الله عليه وسلم - في بيانها: «التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من اقْتَطَع حقَّ امرئ مسلم بيمينه» يعني كاذبةً «فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا، قال: «وإن كان عُودًا من أراك».[صحيح مسلم:ح137/218]
أحيانًا نقع في بعض صور الكذب في معاملة أولادنا؛ وذلك كثير مما ينبغي الحذر منه، لعظيم شؤمه وسوء عاقبته؛ فإن تدريب الأولاد على الكذب هو مما يدخل في غشِّهم وتربيتهم على معانٍ رديئة؛ فعن عبد الله بن عامر أن أمه دعته فقالت: تعالَ أعطك. عبد الله بن عامر يخبر بأن أمه دعته قالت: تعالَ أعطك شيئًا من الأشياء التي تحفِّز الأولاد على الاستجابة، وهذا يحصل في حياتنا كثيرًا؛ يقول الأب أو تقول الأم: تعال أعطك حلاوةً، تعالَ أشتر لك لعبة، تعالَ نروح كذا، ويكون الأمر على خلاف ذلك، لا يُعطى حلاوةً ولا يُذهب به إلى لعب ولا إلى غير ذلك مما وعد فيكون ذلك كذبًا.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أردتِ أن تعطيه» قال لأم عبد الله بن عامر «ماذا أردتِ أن تعطيه» قالت: تمرًا، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنكِ لو لم تُعْطِه شيئًا لكتبت عليكِ كذبة»[سنن أبي داود:ح4991، وحسنه الألباني في الصحيحة:ح748]، وأنا أقول: ليستمع كل من يتعامل مع الصغار إلى هذا التوجيه النبوي الكريم سواء كان أبًا أو أمًّا أو أخًا أو أختًا أو قريبًا أو جارًا أو بعيدًا أو معلمًا في فصله أو من له تواصل وتعامل مع الصغار، لا تعدهم بشيء وأنت قد أضمرت ألا تعطيَهم، إنما لتنال منهم ما تريد، إما من هدوء، أو من مجيء أو غير ذلك.
هذا حديث شريف رواه أبو داود وغيره بإسناد جيد بإسناد لا بأس به، يقول عبد الله بن عامر: فقالت تعالَ أعطك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أردتِ أن تعطيه؟» قالت: تمرًا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنك إن لم تُعطِه» أي: ما وعدته بالعطاء «أما إنك لو لم تعطه شيئًا لكتبت عليكِ كذبة»[سبق]، فإذا كان الإنسان محاسبًا على مثل هذه الأمور التي يعدُّها كثير من الناس شيئًا عاديًّا ولا يأبهون به ولا يرون أنهم وقعوا في خطأ، أو فيما يوجب الاستغفار والتوبة؛ فكيف بما هو أعظم من ذلك؛ بالكذب على الله، والكذب على رسوله، الكذب على دينه، الكذب على الأمراء والحكام، الكذب على العلماء، كل هذه من الأمور الخطيرة.
كذلك من المخاطر في الكذب أن يكذب ليأخذ أموال الناس بغير حق، فإنه يكون بذلك موعودًا بالعقوبة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يُزكِّيهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم»، ومنهم: «المُنفِق سِلْعَتَه بالحَلِف الكاذب»[صحيح مسلم:106/171] الذي يروِّج سلعته ويمشي بضاعته ويسوِّق ما عنده سواء كان سلعًا أو كان بضائع أو كان منافع أو كان عقودًا، يمشيها بالكذب، «المُنْفِق سلعته بالحلف الكاذب» فموضوع الكذب موضوع خطير ينبغي الحذر منه وتجنبه ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
وتجنُّب الكذب يحتاج إلى تدريب وإلى ملاحظة، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق» أي: يطلب الصدق، يبذل جهده في أن يكون صادقًا حتى يكتب عند الله صِدِّيقًا، ولا يزال في المقال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا.
المقدم: مستمعينا الكرام، سنستقبل المشاركات والمداخلات الهاتفية، ونستقبل أولى هذه المكالمات، معنا الأخ حسين الثقفي من الطائف، حياك الله يا حسين أهلًا وسهلًا.
المتصل: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمسيتم بالخيرات والمسرات.
المقدم: أهلًا وسهلًا.
المتصل: ونحيي ضيفكم الدكتور خالد حفظه الله وجميع من يستمع إلينا في البرامج المباركة في هذه الإذاعة التي علا صيتها، فنسأل الله أن يكتب لنا ولكم الأجر.
ولعلي أتكلم في دقائق معدودة حتى لا آخذ من مجال الشيخ حفظه الله.
المقدم: بشكل سريع لو تكرمت أخي حسين.
المتصل: أتكلم عن الكذب الذي ربما انتشر بين الناس الآن وأصبح عادةً لهم، وهو الكذب في المزح فبعض الناس إذا أراد أن يضحك القوم فإنه يريد أن يضحكهم عن طريق الكذب ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يصلح الكذب في جِدٍّ ولا هزل، كما ورد في بعض الأحاديث: «ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم ويل له، وويل له»[سبق] كما ورد في الحديث.
فمما ينبغي أن يحذر منه أو يحذر منه ما يسميه بعض الناس شهر كذا، أو شهر كذا، فهذا حرام ويحصل في كثير من الأحيان.
ومن هذا الكذب ترويع المسلم؛ فيقول له الكاذب مثلًا: إن ابنك مات أو حصل مع زوجته كذا أو كذا فيخيفه ويروِّعه والعياذ بالله تعالى، وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل بعضٍ، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فَزِع، فضحك القوم، فقال: ما يضحككم؟ ثم ذكروا له أنهم أخذوا نبل هذا، ففزع، فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا»[سنن أبي داود:ح5004، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2805]، فالكذب أيها الأحبة لا يصلح في جِدٍّ ولا في هزل ولا في مزحٍ ولو كان المقصد منه إضحاك الحاضرين.
كذلك بعضهم يقول: ليس فيه إيذاء!! فكله حرام؛ لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا»[الطبراني في الأوسط:ح995، وحسنه الهيثمي في المجمع:ح13106]، فأخبر -عليه الصلاة والسلام- في حديثه هذا أنه يمزح ولكن لا يقول إلا حقًّا؛ أي: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكذب.
ونحذر من قول بعض الناس: الكذب ملح الرجال كما يقولون، فإنها والعياذ بالله سيرة قبيحة للإنسان، بل بعض الكفار الذين كانوا في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما ذهبوا إلى الروم قال: أخبره بالصدق، أخبر ذاك بالصدق حتى لا يُؤْثَر عليك كذب، فنسأل الله أن يجنبنا وإياكم هذه الخصلة القبيحة وأن يرعانا وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم: شكرًا جزيلًا الأخ حسين على هذه المشاركة، معنا الأخ سعيد سليمان من جدة، حياك الله يا سعيد، أهلًا وسهلًا.
المتصل: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا.
المتصل: حياكم الله، نريد من الشيخ جزاه الله خيرًا توجيهًا للمجتمع، الآن أصبح مفهوم الكذب متغيرًا؛ باسم كذبة بيضاء، أو أن هذا خير ويريد به خيرًا، يختلط عليهم ما أجازه الشارع الحكيم في الكذب مثل حديث الرجل لزوجته، وفي الحرب، وإصلاح ذات البين، فأصبحوا يمررون على الناس أن الكذب حلال وهذه كذبة بيضاء وهذه كذبة أبريل، جزاكم الله خيرًا.
المقدم: طيب شكرًا يا سعيد، معنا الأخ عبد العزيز الشريف، حياك الله يا عبد العزيز، أهلًا وسهلًا.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بشكل سريع لو تكرمت أخي عبد العزيز.
المتصل: أبشر حبيبي، أبشر بارك الله فيك، بالنسبة الآن نسمع يقال: إن هذه كذبة بيضاء أو كذبة سوداء أو كذبة بريئة، أيضًا تعمد وقت من الأوقات مثلًا كشهر من الشهور بأن يأتي شخص بكذبة؛ ما حكم هذه الأمور؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ يبدو أن أسئلة المستمعين الكرام تمحورت حول الكذبة البيضاء، وتفصيل هذا الموضوع، وأيضًا اختيار وقت معين للكذب فيه، نريد توجيهًا أخيرًا لو تكرمت فضيلة الشيخ في دقيقتين.
الشيخ: فيما يتعلق بالكذب في الأصل أنه حرام، ولا يحل الكذب ولا ينبغي للمؤمن أن يتورط في شيء منه، لكن جاءت الشريعة بالإذن في أن يقول الإنسان ما يحصل به خير ينغمر فيه طيات الكذب، هذه استثناءات وانفرادات وليست هي الأصل، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل الكذب إلا في ثلاث؛ يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس»[سنن الترمذي:ح1939، وحسنه] إذا تأملت في هذه المعاني الثلاثة في الحديث: الرجل لامرأته، لحصول الصلح والتراضي، الكذب في الحرب؛ أي الكذب ليصلح بين الناس وجدت أنها دائرة في تحقيق الخير والودِّ والأُلفة والنصرة للحق فتنغمر فيها سيئة الكذب، لكن فيما يتعلق بالكذب؛ كذب الرجل على امرأته أو المرأة على زوجها لا يصلح أن يكون ذلك موجبًا لإسقاط الحقوق، إنما المقصود أن يقول لها ما يحصل به الرضا أو أن تقول له ما يحصل به الرضا والمودة والألفة ويندفع به الفساد الذي يمكن أن يكون بين الزوجين مع حفظ الحقوق وبقاء صيانة كل أحد للآخر، فلا يجوز للرجل مثلًا أن يقول والمرأة تطالبه بنفقتها يقول لها كلامًا يرضيها وهو على خلاف الواقع، وإنما قال: أنا كذبت عليها حتى أرضيها، والكذب هنا لا يدخل فيما حرم الشريعة، لا، كذبت أو لم تكذب، إذا كان هناك بخس للحقوق فأنت واقع في الإثم، فإذا أضفت إلى بخس الحقوق الكذب كان ذلك إثمًا على إثم وظلمةً على ظلمة؛ لهذا ينبغي أن يفهم فيما يتعلق بالمواضع التي أحلَّت الشريعة فيها الكذب، ليس المقصود به الكذب الذي يحصل به فساد، إنما الكذب الذي يحصل به إصلاح، «ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس ويقول خيرًا وينمي خيرًا»[صحيح البخاري:ح2692]، إنما الكذب الذي يحصل به الفساد والشر، وهو الأصل في الكذب، ثم إن بعض أهل العلم قال: إن الكذب في حديث الرجل لامرأته والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس، ليس المقصود به الكذب الصريح، إنما في المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، أما تلوين الكذب أصفر وأحمر وأزرق وأبيض وأسود هذا كله من تزيين الباطل، الكذب واحد لا يحل منه شيء إلا ما استثنته النصوص الشرعية مما يتحقق به الإصلاح، لا يحل الكذب هزلًا ولا جدًّا، لا يحل للكذب في حقوق الخلق ولا في معاملاتهم، لا يحل الكذب في وقت من الأوقات ولا في زمن من الأزمان، بل الواجب على المؤمن أن يصدق وأن يتحرى الصدق في كل أقواله وأعماله.
مقولة «لا يحل الكذب لا جادًّا ولا هازلًا» الأخ المداخل قال: إنه حديث، وهو ليس بحديث، إنما هو مقولة للإمام أحمد - رحمه الله -.
المقدم: شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصادقين، وأن يجنبنا الكذب في القول والعمل وفي السر والعلن، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يزيننا بأحسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشرٍّ، وأن يوفق وليَّ أمرنا الملك سلمان وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدد جنودنا في الحدود وأن يحفظهم وأن يردهم سالمين، وأن يكفي هذه البلاد شرَّ كلِّ ذي شر وسائر بلاد المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.