قوله - رحمه الله -: «فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا» أي: إن كل ما تقدم ذكره من العقائد والأصول في هذه العقيدة المباركة، هو ما نتعبد الله تعالى به وما نطوي عليه قلوبنا وأفئدتنا، يستوي في ذلك ما أكنته قلوبنا وما أظهرته أقوالنا وأعمالنا، خلافا للباطنية وأهل التقية الذين يظهرون خلاف ما يبطنون.
قوله - رحمه الله -: «ونحن برءاء إلى الله تعالى من كل ما خالف الذي ذكرناه وبيناه» أي: إن أهل السنة والجماعة برءاء من كل ما خالف ما سبق ذكره وبيانه مما دلت عليه الأدلة، وجرى عليه عقد أهل السنة والجماعة، فإنه لا يتم لأحد إيمان صحيح إلا باعتقاد الحق والهدى والبراءة مما يخالفه، قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} (سورة الحجر: 56.) . فاشترط للاستمساك بالعروة الوثقى الإيمان به، والكفر بما يضاده، وقد جاء في «الصحيح» من حديث طارق بن أشيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ("صحيح مسلم" (23) .
قوله - رحمه الله -: «ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به» ختم المؤلف ما تقدم بيانه من العقائد والأصول بدعاء الله تعالى الثبات على الإيمان والدوام والاستمرار عليه. فبعد أن ذكر الالتزام بهذا الدين ظاهرا وباطنا لجأ إلى الله - جل وعلا- بالدعاء في التثبيت على الحق، وهاذا هو حال المؤمن التقي الذي يرجو ما عند الله - عز وجل -، لا يعتمد على نفسه في الثبات، بل يقرر الحق ويسأل الله - عز وجل - الثبات عليه.
وقوله: «ويختم لنا به» أي: ونسأله تعالى أن يديم ذلك الاعتقاد الصحيح إلى الممات، فالنجاة في دوام الطاعة واستمرار الإيمان إلى الممات، قال الله تعالى: {واعبد ربك حتى ياتيك اليقين} (سورة الحجر: 99)
قوله - رحمه الله -: «ويعصمنا من الأهواء المختلفة» أي: ونسأل الله تعالى أن يمنع عنا الأهواء. والأهواء: جمع هوى، وهو ما تميل إليه الأنفس وتشتهيه. ووصفها بالمختلفة بيان لحالها، فإن ما تميل إليه النفوس متنوع مختلف مضطرب يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال، ومن شخص إلى شخص.
قوله - رحمه الله -: «والآراء المتفرقة» الآراء جمع رأي، والمقصود به هنا ما خالف ما دل عليه كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو ما أجمع عليه علماء الأمة. فالآراء في هذه الحال، تفرق الأمة ولا تجمعها، لذلك وصفها المصنف بالمتفرقة، فإن الناس لا يجمعهم إلا كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (سورة آل عمران: 103.) ، وقال: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} (سورة آل عمران: 103.) أما الآراء، فكل قوم معجبون برايهم، قال تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (سورة المؤمنون: 53. سورة المؤمنون: 53.) .
قوله - رحمه الله -: «والمذاهب الردية» أي: ونسأل الله تعالى أن يعصمنا من المسالك الخبيثة، وهذا وصف يصدق على كل سبيل بعيدة عن الحق، وتخرج الناس من النور إلى الظلمات.
قوله - رحمه الله -: «مثل المشبهة» أي: ومن أمثلة تلك المذاهب الردية التي نسأل الله العصمة منها مذاهب المشبهة، وهم الممثلة، وهم من يمثل ما أخبر الله تعالى به عن نفسه أو أخبر عنه به رسوله بما يماثل ما للمخلوقين، سواء في ذاته أو في أسمائه أو في صفاته. وبدأ بالمشبهة قبل غيرهم من المذاهب الردية؛ لأن النفوس مفطورة على أن الخالق ليس كالمخلوق، وأنه لا مماثلة بين الخالق والمخلوق، بل الله - جل وعلا- ليس كمثله شيء.
قوله - رحمه الله -: «والجهمية والجبرية والقدرية» وهذه أمثلة أخرى للمذاهب الرديئة، وقد تقدم بيان ضلالها وانحرافها، في ثنايا ما سبق من شرح وبيان.
قوله - رحمه الله -: «وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة، ووافقوا البدعة» أي: إن المذاهب الرديئة، لا تنحصر فيمن سماهم المصنف، بل يلحق بهم كل ضلالة تفضي إلى مخالفة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه أهل القرون المفضلة.
قوله - رحمه الله -: «ونحن منهم برءاء» أي: إن أهل السنة والجماعة يبغضون ويتبرؤون من كل من خالف الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
قوله - رحمه الله -: «وهم عندنا ضلال وأردياء» أي: إننا نعتقد أن المخالفين لأهل السنة والجماعة، على اختلاف بدعهم وتنوع ضلالاتهم قد ضلوا عن الحق وأضاعوه، وأن ذلك أوقعهم في الردى والشر والقبح لذلك كانوا أردياء.
قوله - رحمه الله -: «وبالله العصمة والتوفيق» أي: إن الحفظ للعبد وصيانته عن الوقوع في شيء من الضلال، ومنعه منها لا يكون ولا يحصل إلا بالله تعالى وإعانته، وكذلك الهداية إلى الرشاد والإعانة على القيام به والأخذ لا يكون إلا بالله، فهو الموفق إلى ذلك كله. وفي هاذا الختم لفت بديع، إلى ضرورة الافتقار إلى الله في الهداية إلى الحق والعمل به، فإنه لا يحصل للإنسان سعادة الدارين، إلا بأن يعصمه الله من الشر وأهله، وأن يوفقه إلى الخير والعمل به. ونحمد الله على التمام، ونسأله القبول وحسن الختام، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين. وتم بحمد الله وتوفيقه المقصود.