قوله - رحمه الله-: «ونؤمن بخروج الدجال» أي: إن أهل السنة والجماعة، يقرون بما جاء في الكتاب والسنة من أشراط الساعة وعلاماتها، فإن للساعة علامات ودلائل، تؤذن بقربها ودنو حصولها، قال – تعالى -: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تاتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} محمد:18 ، أي: علاماتها. وقد ذكر المصنف- رحمه الله - جملة منها. وأشراط الساعة نوعان: كبرى، وصغرى؛ أما الصغرى فهي كثيرة، ومن أبرزها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال- تعالى-: {اقتربت الساعة وانشق القمر} القمر: 1. ؛ فانشقاق القمر حصل للنبي صلى الله عليه وسلم آية له وبرهانا على صدقه، وقد جاء في «الصحيحين» من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بعثت أنا والساعة كهذه من هذه، أو كهاتين» وقرن بين السبابة والوسطى ("صحيح البخاري" (5301)، ومسلم (2950) . ومنها ما تضمنه حديث جبريل عن الساعة، فقال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» فقال: ما أماراتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان» ("صحيح مسلم" (8) ، وغير ذلك كثير. أما أشراط الساعة الكبرى، فهي آيات عظيمة تؤذن بقيام الساعة، فإذا ظهرت فإن الساعة قريبة جدا، وهي على مراتب، وقد ذكر المؤلف - رحمه الله - بعضها.
وقوله: «ونؤمن بخروج الدجال» هذا أول ما ذكره المؤلف - رحمه الله - من أشراط الساعة الكبرى، وهي خروج الدجال. والدجال فعال من الدجل، وهو كثير الكذب عظيمه. والدجل في اللغة معناه التغطية والستر والتمويه. وخروج الدجال هو ظهور فتنته وشره على الناس، فهو شر غائب ينتظر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أشد الفتن على بني آدم، ولذلك ما من نبي إلا أنذره قومه، كما روى البخاري من حديث ابن عمر قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: «إني أنذركموه وما من نبي إلا قد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور» ("صحيح البخاري" (3057) ، فقد أقام الله – تعالى - فيه ما يدل على كذب دعواه من العور والنقص الذي يتنزه عنه رب العالمين، فلو كان الدجال رب العالمين كما ادعى لدفع عن نفسه النقص، لكنه لا يملك ذلك، فهو مربوب مخلوق، إلا أن الله –تعالى- يعطيه من القدرة ما يحصل به للناس فتنة عظيمة، إلا أن تلك القدرة وذلك التمكين زائل مضمحل، فإن الله يظهر للعالمين كذبه. وقد جاء في خبر فتنته وتفاصيلها شيء واسع في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع على خروجه وحصول فتنته علماء الأمة.
قوله - رحمه الله-: «ونزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - من السماء» هذا ثاني ما ذكره المؤلف من أشراط الساعة الكبرى، وهو نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام -، وقد دل على ذلك قول الله –تعالى-: {وإنه لعلم للساعة} الزخرف: 61، أي إن نزوله - عليه السلام - يعلم به قرب الساعة، فالضمير في قوله: {وإنه}، يرجع إلى عيسى على الصحيح، وقرئ {وإنه لعلم للساعة}، بفتح العين واللام، قرأ بها الأعمش، وهي قراءة شاذة (ينظر:: "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر" ص (496) ، والمعنى أن نزوله علامة ودليل على قرب قيام الساعة. وقد قال الله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (سورة النساء: 159.) ، أي: قبل موت عيسى ابن مريم، قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: «يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة» ("تفسير الطبري" (9/ 379) ، وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، وقد نقل ذلك عن ابن عباس، وهو ظاهر تفسير أبي هريرة - رضي الله عنه - كما في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية» ثم قال أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} ("صحيح البخاري" (3448)، ومسلم (155) ، وقد جاءت الأحاديث ببيان تفاصيل نزوله، وعمله، ومدة مكثه في الأرض، فنؤمن بذلك كله على نحو ما جاء به الخبر عمن لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: «من السماء» أي: من العلو؛ وذلك أن الله رفع عيسى إليه كما قال تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} (سورة آل عمران: 55.) ، وكما قال: {بل رفعه الله إليه} (سورة النساء: 158.) ، فإن الله تعالى قد نجى عيسى - عليه السلام - ممن أرادوا قتله فرفعه ببدنه وروحه إليه.
قوله - رحمه الله-: «ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها» هذا ثالث ما ذكره المؤلف - رحمه الله - من أشراط الساعة الكبرى، وهو: طلوع الشمس من مغربها، وقد دل على ذلك القرآن والسنة، وهذه من أكبر علامات الساعة الكبرى التي تكون قرب قيامها، قال الله: {هل ينظرون إلا أن تاتيهم الملائكة أو ياتي ربك أو ياتي بعض آيات ربك يوم ياتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (سورة الأنعام: 158.) ، وقد ذهب عامة أهل التفسير إلى أن المراد بالآية طلوع الشمس من مغربها، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، فمن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة» ("صحيح مسلم" (2947) . ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: «ما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات». فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ، وياجوج وماجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ("صحيح مسلم" (2901) .
ومن ذلك ما رواه البخاري في تفسير الآية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رأىها الناس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» ("صحيح البخاري" (4635) . ومن ذلك ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا» (صحيح مسلم" (2941) . والمراد بالأولية أولية العلامات التي تؤذن بقيام الساعة واختلال النظام الكوني.
قوله - رحمه الله-: «وخروج دابة الأرض» هذا رابع ما ذكره المؤلف - رحمه الله-، من أشراط الساعة الكبرى، وهو خروج الدابة على الناس ضحى، وقد جاء ذلك في القرآن العظيم، قال تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل: 82، 83 ، وقد تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بعضها.