×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / العقيدة الطحاوية / حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله - رحمه الله -: «ونحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » أي: إن أهل السنة والجماعة يحبون كل من ثبتت صحبته للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار وغيرهم. والصحبة تثبت لكل من لقي النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ومات على ذلك، ولو ساعة من نهار، قال الإمام أحمد:"كل من صحبه سنة أو شهرا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه". ومحبة الصحابة - رضي الله عنهم - حق واجب على كل مسلم دل على ذلك الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، ولهذه المحبة موجبات عديدة. فمنها أن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أوثق المؤمنين إيمانا، وأعظمهم يقينا؛ فحقهم من الولاية أعلى من غيرهم وأسبق وأوثق، وقد قال الله – تعالى - في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} +++ التوبة:71 --- ، ومدار الولاية على المحبة والنصرة فحقهم في ذلك أعلى من غيرهم. ومنها أن الله – تعالى - اشترط في الأخذ من الفيء ممن جاء بعد المهاجرين والأنصار سلامة الصدر عليهم، ومحبتهم والدعاء لهم بخير، قال الإمام مالك:"من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} +++ (ينظر::"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 32)---  +++ الحشر:10 ---. ومن أدلة وجوب محبة الصحابة الكرام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حبهم مرتبا على حبه، فمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أصحابه، ومن أبغضهم كان بغضه لهم من بغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى الترمذي عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن ياخذه» +++ (سنن الترمذي" (4236)، وقال الترمذي:" غريب"، وفي بعض نسخ كتابه قال:" حسن غريب"، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (5/ 131)، وقال:"فيه نظر".)--- . ومن أدلة وجوب محبة الصحابة الكرام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حب الصحابة علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق، جاء في "الصحيحين"من حديث أنس أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» فجعل محبة الأنصار علامة على الإيمان، وبغضهم علامة على النفاق +++ (صحيح البخاري (17)، ومسلم (74)--- ، وجاء فيهما أيضا عن البراء - رضي الله عنه -، قال: قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» +++ (صحيح البخاري (3783)، ومسلم (75)--- . فإذا كانت هذه منزلة حب الأنصار من الإيمان وهم من الصحابة الكرام وهم دون المهاجرين في المنزلة والرتبة في المحبة، فحق المهاجرين في المحبة أعلى وأوفى وأعظم وأكبر، لأنهم أفضل من الأنصار منزلة وأعلى مقاما، فقد جمع الله لهم الهجرة والنصرة وقدمهم ذكرا في كتابه في مواضع عديدة، منها قوله – تعالى -: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} +++ سورة التوبة: 100 ---. ومما يدل لسبق وصف الهجرة على النصرة قول النبي  صلى الله عليه وسلم  فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما- في قصة قسمة غنائم حنين: «لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» +++ ("صحيح البخاري" معلقا قبل حديث (3897)--- . فتبين من هذا كله أن حب الصحابة من المهاجرين والأنصار من خصال الإيمان وبغضهم نفاق. ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله اصطفاهم فجعلهم أصحاب خاتم رسله وأنصاره، فذبوا عنه بأنفسهم وأموالهم، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:"إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه" +++ (أخرجه أحمد (1/ 379)، قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 217):"رجاله موثقون"،)--- . ومن موجبات محبة الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أنهم خير الناس، ففي "الصحيحين" من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» +++ ("صحيح البخاري" (2652)، ومسلم (2533)--- . ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله جعلهم حملة الشريعة، فهم الذين نقلوا القرآن والسنة، فعنهم تلقى الناس دين الإسلام. فلولا هم كانت ظلاما بأهلها *** ولكنهم فيها بدور وأنجم وصدق فيهم قول الناظم: فليس في الأمة كالصحابة *** في الفضل والمعروف والإصابة فإنهم قد شاهدوا المختارا *** وعاينوا الأسرار والأنوارا وجاهدوا في الله حتى بانا *** دين الهدى وقد سما الأديانا +++ (ينظر: "لوامع الأنوار البهية" (2/ 383)---  ومن موجبات محبة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - جل وعلا - أثنى عليهم في كتابه ثناء بالغا في مواضع عدة، فأخبر أنه رضي عنهم، فقال - جل وعلا -: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} +++ الفتح: 18 ---. وقال أيضا: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} +++ التوبة: 100 ---. ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله - جل وعلا - اطلع على أهل بدر، فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» +++ (أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494)--- ، وكذلك قال النبي  صلى الله عليه وسلم  في أهل بيعة الرضوان: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها» +++ (أخرجه مسلم (2496)--- . ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - ما وصفهم الله – تعالى - به من جميل الخصال وطيب الفعال،، قال الله – تعالى-: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} +++ الفتح: 29 ---. وقوله: «ونحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » بين سبب هذه المحبة، وهي ما اتصفوا به من الصحبة، فتكون المحبة ثابتة لكل من نال شرف الصحبة، لكنها متفاوتة بقدر ما لكل واحد منهم من الصحبة كما قال – تعالى-: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} +++ الحديد:10 --- ، ومما يدل على تفاوتهم ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» +++ ("صحيح البخاري" (3673)، ومسلم (2541)--- ، ففاضل النبي  صلى الله عليه وسلم  بين خالد وعبد الرحمن في الصحبة لتفاوتهما فيها، فكل من تحقق فيه وصف الصحبة أكثر ازداد نصيبه من المحبة؛ لأن الأحكام المعلقة على وصف تزداد وتستقر وتثبت بزيادة هاذا الوصف، فمحبتنا لأبي بكر - رضي الله عنه - أعظم من محبتنا لغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لتحقق الصحبة فيه أكثر من غيره، ويشهد لذلك ما في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن أمن الناس علي فى ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام» +++ ("صحيح البخاري" (3654)، ومسلم (2382)--- . وقوله: «نحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » يرد على جميع المنحرفين في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم  على اختلاف انحرافاتهم من إفراط وتفريط، وغلو أو جفاء. وسيأتي تفصيل ذلك. قوله- رحمه الله -: «ولا نفرط في حب أحد منهم» أي: إن أهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكنهم لا يغلون ولا يزيدون على الحد المشروع في محبة أحد منهم، فإن الغلو هلاك كما دلت عليه الأدلة، فمن ذلك قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» +++ (أخرجه أحمد (1/ 347)، والنسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وقال عنه الحاكم (1/ 637): «صحيح على شرط الشيخين».)--- . فالإفراط في محبة أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يفضي إلى فساد عريض من الغلو فيه والوقيعة في غيره، كما هو واقع في الطوائف الغالية في بعض أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  كالشيعة على اختلاف فرقهم، وهذا أحد وجهي الانحراف في أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم ، وهو الغلو في حب أحد منهم. قوله - رحمه الله -: «ولا نتبرأ من أحد منهم» أي: إن أهل السنة والجماعة لا يتباعدون عن أحد من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم ، ولا يجفونه، فإن ذلك ينافي ما للصحابة من حق الموالاة، فأهل السنة والجماعة يحبون الصحابة جميعا بلا استثناء، مع التفاوت في المحبة على ما فصلناه، خلافا للرافضة الذين تبرؤوا من الشيخين أبي بكر وعمر، وقالوا: لا ولاء إلا ببراء، لا ولاء لعلي وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-، فجعلوا القرابة ضدا للصحابة +++ (ينظر:: "منهاج السنة النبوية" (4/ 386)، و «مجموع الفتاوى» (4/ 469)--- . وخلافا للخوارج الذين سبوا عثمان وعليا والزبير وطلحة والحسن والحسين وأبا موسى ومعاوية وعمرو بن العاص وكفروهم، وكذلك خلافا للنواصب الذين ناصبوا عليا العداء، وسبوه وقدحوا فيه، بل وقاتلوه وقتلوه - رضي الله عنه - +++ (ينظر:: "مجموع الفتاوى" (25/ 301)--- . قوله- رحمه الله -: «ونبغض من يبغضهم» أي: إن من عقائد أهل السنة والجماعة بغض من يبغض أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وكراهية من يكرههم، فإن بغض أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نقص في الدين، وابتداع يوجب البغض لصاحبه، وعلى هذا جرى سلف الأمة وأئمتها، ويدل لذلك ما رواه عبد الله بن المغفل في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه حيث قال: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن ياخذه» +++ (أخرجه أحمد (5/ 54)، والترمذي (4236)، وقال:" حديث حسن غريب".)--- . والمبغض لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منافق لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار: «وآية النفاق بغض الأنصار» +++ (أخرجه البخاري (17) ومسلم (74)--- ، وبغض أهل النفاق واجب، قال مالك: من كان يبغض أحدا من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم} الآية. ومما يدل على وجوب بغض من يبغض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله وصف مبغضي أصحاب رسول الله بالكفر، فقال بعد ذكر صفاتهم: {ليغيظ بهم الكفار}، كما سيأتي. قوله - رحمه الله -: «ولا بغير الحق نذكرهم» أي: إن من حق أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  أن يذكروا بما كانوا عليه من الهدى ودين الحق واستقامة الحال، وما وصفهم به الله – تعالى - في كتابه، فلا يذكروا بكذب وبهتان ولا بتنقص وامتهان. قوله - رحمه الله -: «ولا نذكرهم إلا بخير» أي: إن من حق الصحابة - رضي الله عنهم - أن تذكر فضائلهم وتشهر محاسنهم، وما كانوا عليه من التقوى والإيمان، والاستقامة والجهاد ويمتنع المؤمن عما عدا ذلك. ومن حقهم حفظ الألسنة عن الكلام فيما شجر بينهم من خلاف، فإنهم - رضي الله عنهم - إما معذورون فيما ثبت، وإما مجتهدون متأولون، والكلام في ذلك يفضي إلى الوقيعة في بعضهم، أو إلى إيغار الصدور عليهم - رضي الله عنهم - أو إلى تنقص مقامهم ومكانتهم. وغالب ما ينقل مما يحكى من هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه +++ (ينظر: "مجموع الفتاوى" (3/ 155)--- . لذلك كان من أصول أهل السنة والجماعة سلامة ألسنتهم وقلوبهم على أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، ومن تمام السلامة أن لا نذكرهم إلا بخير، وقد ظهرت بدعة الوقيعة في الصحابة منذ العهد الأول؛ فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: قيل لعائشة: إن ناسا يتناولون أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حتى إنهم ليتناولون أبا بكر وعمر! فقالت: «أتعجبون من هذا، إنما قطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر» +++ («تاريخ دمشق» (44/ 387)، وهو حديث ضعيف، فيه «محمد بن سليمان بن معاذ»، قال العقيلي: «منكر الحديث»، وقال ابن عبد البر: «ضعيف».)--- . قوله - رحمه الله -: «ونرى حبهم دينا وإيمانا وإحسانا» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن محبة أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عبادة وقربة يتقربون بها إلى الله، وأنه مما يتحقق به الإيمان والإحسان محبة الصحابة. فهو من خصال الإيمان وأعماله، وهو من الإحسان الذي يجازى به أهل الإحسان، فإن إحسان الصحابة إلى الأمة من أعظم الإحسان؛ حيث إنهم نقلوا لنا الأخبار، وحفظوا لنا سنة المختار  صلى الله عليه وسلم ، ونصروا دين رب العالمين +++ ("صحيح البخاري" (17)، ومسلم (74)--- ، وقد تقدم تقرير ذلك بالأدلة. قوله - رحمه الله-: «وبغضهم كفرا وشقاقا ونفاقا وطغيانا» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن بغض الصحابة في الجملة كفر وشقاق ونفاق وطغيان، كما دلت على ذلك الأدلة، وقد تقدم جملة منها. أما وصف بغض الصحابة بأنه كفر فلأن من اعتقد أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد ارتدوا بعد رسول الله إلا نفرا قليلا أو أنهم فسقوا فلا ريب في كفره كفرا يخرج عن الملة، وذلك لتكذيبه ما جاء في القرآن العظيم من الثناء عليهم والرضا عنهم ووعدهم بالجنة. وأما من أبغض بعضهم لاتهامه بنقص في دينه، ففي كونه كافرا أقوال: فقيل: إنه يكفر؛ لما تقدم. وقيل: إن كان مستحلا كفر، وإلا فلا يكفر. وقيل: إن كان أبغض من تواترت النصوص بفضله، فهذا يكفر لما تضمنه من تكذيب ما تواتر به النص. وهذا الأخير أقواها، والله أعلم. أما وصف بغض الصحابة بالشقاق فلأنه خروج عن أمر الله ورسوله، واتباع لغير سبيل المؤمنين فالإجماع منعقد على وجوب محبتهم قال الله – تعالى -: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} +++ (سورة النساء:115)--- . وأما وصف بغض الصحابة بالنفاق، فتقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وآية النفاق بغض الأنصار». أما وصفه بالطغيان فلأنه تجاوز للحد فيهم - رضي الله عنهم -، فنعوذ بالله من ذلك كله.

المشاهدات:6786
قوله - رحمه الله -: «ونحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » أي: إن أهل السنة والجماعة يحبون كل من ثبتت صحبته للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار وغيرهم. والصحبة تثبت لكل من لقي النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ومات على ذلك، ولو ساعة من نهار، قال الإمام أحمد:"كل من صحبه سنة أو شهرا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه". ومحبة الصحابة - رضي الله عنهم - حق واجب على كل مسلم دل على ذلك الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، ولهذه المحبة موجبات عديدة. فمنها أن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أوثق المؤمنين إيمانا، وأعظمهم يقينا؛ فحقهم من الولاية أعلى من غيرهم وأسبق وأوثق، وقد قال الله – تعالى - في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} التوبة:71 ، ومدار الولاية على المحبة والنصرة فحقهم في ذلك أعلى من غيرهم.
ومنها أن الله – تعالى - اشترط في الأخذ من الفيء ممن جاء بعد المهاجرين والأنصار سلامة الصدر عليهم، ومحبتهم والدعاء لهم بخير، قال الإمام مالك:"من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (ينظر::"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 32)  الحشر:10 . ومن أدلة وجوب محبة الصحابة الكرام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حبهم مرتبا على حبه، فمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أصحابه، ومن أبغضهم كان بغضه لهم من بغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى الترمذي عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن ياخذه» (سنن الترمذي" (4236)، وقال الترمذي:" غريب"، وفي بعض نسخ كتابه قال:" حسن غريب"، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (5/ 131)، وقال:"فيه نظر".) .
ومن أدلة وجوب محبة الصحابة الكرام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حب الصحابة علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق، جاء في "الصحيحين"من حديث أنس أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» فجعل محبة الأنصار علامة على الإيمان، وبغضهم علامة على النفاق (صحيح البخاري (17)، ومسلم (74) ، وجاء فيهما أيضا عن البراء - رضي الله عنه -، قال: قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (صحيح البخاري (3783)، ومسلم (75) . فإذا كانت هذه منزلة حب الأنصار من الإيمان وهم من الصحابة الكرام وهم دون المهاجرين في المنزلة والرتبة في المحبة، فحق المهاجرين في المحبة أعلى وأوفى وأعظم وأكبر، لأنهم أفضل من الأنصار منزلة وأعلى مقاما، فقد جمع الله لهم الهجرة والنصرة وقدمهم ذكرا في كتابه في مواضع عديدة، منها قوله – تعالى -: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} سورة التوبة: 100 . ومما يدل لسبق وصف الهجرة على النصرة قول النبي  صلى الله عليه وسلم  فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما- في قصة قسمة غنائم حنين: «لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» ("صحيح البخاري" معلقا قبل حديث (3897) . فتبين من هذا كله أن حب الصحابة من المهاجرين والأنصار من خصال الإيمان وبغضهم نفاق. ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله اصطفاهم فجعلهم أصحاب خاتم رسله وأنصاره، فذبوا عنه بأنفسهم وأموالهم، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:"إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه" (أخرجه أحمد (1/ 379)، قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 217):"رجاله موثقون"،) . ومن موجبات محبة الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - أنهم خير الناس، ففي "الصحيحين" من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ("صحيح البخاري" (2652)، ومسلم (2533) . ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله جعلهم حملة الشريعة، فهم الذين نقلوا القرآن والسنة، فعنهم تلقى الناس دين الإسلام.
فلولا هم كانت ظلاما بأهلها *** ولكنهم فيها بدور وأنجم
وصدق فيهم قول الناظم:
فليس في الأمة كالصحابة *** في الفضل والمعروف والإصابة
فإنهم قد شاهدوا المختارا *** وعاينوا الأسرار والأنوارا
وجاهدوا في الله حتى بانا *** دين الهدى وقد سما الأديانا (ينظر: "لوامع الأنوار البهية" (2/ 383) 
ومن موجبات محبة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - جل وعلا - أثنى عليهم في كتابه ثناء بالغا في مواضع عدة، فأخبر أنه رضي عنهم، فقال - جل وعلا -: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} الفتح: 18 . وقال أيضا: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة: 100 . ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - أن الله - جل وعلا - اطلع على أهل بدر، فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494) ، وكذلك قال النبي  صلى الله عليه وسلم  في أهل بيعة الرضوان: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها» (أخرجه مسلم (2496) .
ومن موجبات محبة الصحابة - رضي الله عنهم - ما وصفهم الله – تعالى - به من جميل الخصال وطيب الفعال،، قال الله – تعالى-: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح: 29 .
وقوله: «ونحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » بين سبب هذه المحبة، وهي ما اتصفوا به من الصحبة، فتكون المحبة ثابتة لكل من نال شرف الصحبة، لكنها متفاوتة بقدر ما لكل واحد منهم من الصحبة كما قال – تعالى-: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} الحديد:10 ، ومما يدل على تفاوتهم ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» ("صحيح البخاري" (3673)، ومسلم (2541) ، ففاضل النبي  صلى الله عليه وسلم  بين خالد وعبد الرحمن في الصحبة لتفاوتهما فيها، فكل من تحقق فيه وصف الصحبة أكثر ازداد نصيبه من المحبة؛ لأن الأحكام المعلقة على وصف تزداد وتستقر وتثبت بزيادة هاذا الوصف، فمحبتنا لأبي بكر - رضي الله عنه - أعظم من محبتنا لغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لتحقق الصحبة فيه أكثر من غيره، ويشهد لذلك ما في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن أمن الناس علي فى ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام» ("صحيح البخاري" (3654)، ومسلم (2382) .
وقوله: «نحب أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم » يرد على جميع المنحرفين في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم  على اختلاف انحرافاتهم من إفراط وتفريط، وغلو أو جفاء. وسيأتي تفصيل ذلك.
قوله- رحمه الله -: «ولا نفرط في حب أحد منهم» أي: إن أهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكنهم لا يغلون ولا يزيدون على الحد المشروع في محبة أحد منهم، فإن الغلو هلاك كما دلت عليه الأدلة، فمن ذلك قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» (أخرجه أحمد (1/ 347)، والنسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وقال عنه الحاكم (1/ 637): «صحيح على شرط الشيخين».) . فالإفراط في محبة أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يفضي إلى فساد عريض من الغلو فيه والوقيعة في غيره، كما هو واقع في الطوائف الغالية في بعض أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  كالشيعة على اختلاف فرقهم، وهذا أحد وجهي الانحراف في أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم ، وهو الغلو في حب أحد منهم.
قوله - رحمه الله -: «ولا نتبرأ من أحد منهم» أي: إن أهل السنة والجماعة لا يتباعدون عن أحد من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم ، ولا يجفونه، فإن ذلك ينافي ما للصحابة من حق الموالاة، فأهل السنة والجماعة يحبون الصحابة جميعا بلا استثناء، مع التفاوت في المحبة على ما فصلناه، خلافا للرافضة الذين تبرؤوا من الشيخين أبي بكر وعمر، وقالوا: لا ولاء إلا ببراء، لا ولاء لعلي وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-، فجعلوا القرابة ضدا للصحابة (ينظر:: "منهاج السنة النبوية" (4/ 386)، و «مجموع الفتاوى» (4/ 469) . وخلافا للخوارج الذين سبوا عثمان وعليا والزبير وطلحة والحسن والحسين وأبا موسى ومعاوية وعمرو بن العاص وكفروهم، وكذلك خلافا للنواصب الذين ناصبوا عليا العداء، وسبوه وقدحوا فيه، بل وقاتلوه وقتلوه - رضي الله عنه - (ينظر:: "مجموع الفتاوى" (25/ 301) .
قوله- رحمه الله -: «ونبغض من يبغضهم» أي: إن من عقائد أهل السنة والجماعة بغض من يبغض أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وكراهية من يكرههم، فإن بغض أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نقص في الدين، وابتداع يوجب البغض لصاحبه، وعلى هذا جرى سلف الأمة وأئمتها، ويدل لذلك ما رواه عبد الله بن المغفل في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه حيث قال: «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن ياخذه» (أخرجه أحمد (5/ 54)، والترمذي (4236)، وقال:" حديث حسن غريب".) . والمبغض لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منافق لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار: «وآية النفاق بغض الأنصار» (أخرجه البخاري (17) ومسلم (74) ، وبغض أهل النفاق واجب، قال مالك: من كان يبغض أحدا من أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم} الآية. ومما يدل على وجوب بغض من يبغض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله وصف مبغضي أصحاب رسول الله بالكفر، فقال بعد ذكر صفاتهم: {ليغيظ بهم الكفار}، كما سيأتي.
قوله - رحمه الله -: «ولا بغير الحق نذكرهم» أي: إن من حق أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  أن يذكروا بما كانوا عليه من الهدى ودين الحق واستقامة الحال، وما وصفهم به الله – تعالى - في كتابه، فلا يذكروا بكذب وبهتان ولا بتنقص وامتهان.
قوله - رحمه الله -: «ولا نذكرهم إلا بخير» أي: إن من حق الصحابة - رضي الله عنهم - أن تذكر فضائلهم وتشهر محاسنهم، وما كانوا عليه من التقوى والإيمان، والاستقامة والجهاد ويمتنع المؤمن عما عدا ذلك. ومن حقهم حفظ الألسنة عن الكلام فيما شجر بينهم من خلاف، فإنهم - رضي الله عنهم - إما معذورون فيما ثبت، وإما مجتهدون متأولون، والكلام في ذلك يفضي إلى الوقيعة في بعضهم، أو إلى إيغار الصدور عليهم - رضي الله عنهم - أو إلى تنقص مقامهم ومكانتهم. وغالب ما ينقل مما يحكى من هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه (ينظر: "مجموع الفتاوى" (3/ 155) .
لذلك كان من أصول أهل السنة والجماعة سلامة ألسنتهم وقلوبهم على أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، ومن تمام السلامة أن لا نذكرهم إلا بخير، وقد ظهرت بدعة الوقيعة في الصحابة منذ العهد الأول؛ فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: قيل لعائشة: إن ناسا يتناولون أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حتى إنهم ليتناولون أبا بكر وعمر! فقالت: «أتعجبون من هذا، إنما قطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر» («تاريخ دمشق» (44/ 387)، وهو حديث ضعيف، فيه «محمد بن سليمان بن معاذ»، قال العقيلي: «منكر الحديث»، وقال ابن عبد البر: «ضعيف».) .
قوله - رحمه الله -: «ونرى حبهم دينا وإيمانا وإحسانا» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن محبة أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عبادة وقربة يتقربون بها إلى الله، وأنه مما يتحقق به الإيمان والإحسان محبة الصحابة. فهو من خصال الإيمان وأعماله، وهو من الإحسان الذي يجازى به أهل الإحسان، فإن إحسان الصحابة إلى الأمة من أعظم الإحسان؛ حيث إنهم نقلوا لنا الأخبار، وحفظوا لنا سنة المختار  صلى الله عليه وسلم ، ونصروا دين رب العالمين ("صحيح البخاري" (17)، ومسلم (74) ، وقد تقدم تقرير ذلك بالأدلة.
قوله - رحمه الله-: «وبغضهم كفرا وشقاقا ونفاقا وطغيانا» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن بغض الصحابة في الجملة كفر وشقاق ونفاق وطغيان، كما دلت على ذلك الأدلة، وقد تقدم جملة منها. أما وصف بغض الصحابة بأنه كفر فلأن من اعتقد أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد ارتدوا بعد رسول الله إلا نفرا قليلا أو أنهم فسقوا فلا ريب في كفره كفرا يخرج عن الملة، وذلك لتكذيبه ما جاء في القرآن العظيم من الثناء عليهم والرضا عنهم ووعدهم بالجنة. وأما من أبغض بعضهم لاتهامه بنقص في دينه، ففي كونه كافرا أقوال: فقيل: إنه يكفر؛ لما تقدم. وقيل: إن كان مستحلا كفر، وإلا فلا يكفر. وقيل: إن كان أبغض من تواترت النصوص بفضله، فهذا يكفر لما تضمنه من تكذيب ما تواتر به النص. وهذا الأخير أقواها، والله أعلم. أما وصف بغض الصحابة بالشقاق فلأنه خروج عن أمر الله ورسوله، واتباع لغير سبيل المؤمنين فالإجماع منعقد على وجوب محبتهم قال الله – تعالى -: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (سورة النساء:115) . وأما وصف بغض الصحابة بالنفاق، فتقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وآية النفاق بغض الأنصار». أما وصفه بالطغيان فلأنه تجاوز للحد فيهم - رضي الله عنهم -، فنعوذ بالله من ذلك كله.
المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93805 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89673 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف