قوله - رحمه الله -: «والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله – تعالى - يوصف بالغضب والرضا على الوجه اللائق به من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل. والغضب والرضا من صفات الفعل المتعلقة بمشيئة الله – تعالى -، وتسمى الصفات الاختيارية مثل استواء الله ومجيئه ومحبته وإتيانه ونزوله ونحو ذلك، وهي صفات ثابتة لله – سبحانه - أجمع عليها سلف الأمة، وقد دلت عليها الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة. ومن أجمع الأدلة في إثبات صفات الفعل لله – تعالى – قوله – سبحانه -: {إن ربك فعال لما يريد} (سورة هود: 107، البروج: 16.) .
وقوله: «لا كأحد من الورى» أي: إن أهل السنة والجماعة يثبتون الرضا والغضب لله – تعالى - دون تمثيل كما هو الشأن في كل ما أثبته الله لنفسه من الصفات، فليس له فيها مثيل، قال الله - تعالى -: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (سورة الشورى:11.) ، وقال – تعالى-: {هل تعلم له سميا} (سورة مريم:65) ، وغير ذلك من النصوص التي تنفي أن يماثله شيء - سبحانه وتعالى-، وقد تقدم تقرير ذلك.
وقوله: «والله يغضب» أي: إن الله – تعالى - يغضب على من يشاء من عباده، فهو – سبحانه - يوصف بالغضب، والغضب صفة فعلية، وهو صفة كمال لله - سبحانه - لا نقص فيها، فإن الغضب على من يستحقه كمال. وقد دل عليها الكتاب والسنة، وأجمع عليها سلف الأمة، قال الله – تعالى - في جزاء من قتل مؤمنا متعمدا: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} (سورة النساء: 93.) ، وقال – تعالى -: {ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} (سورة طه:81.) ، وقال - تعالى -: {فلما آسفونا} (سورة الزخرف: 55.) ، أي"أغضبونا"، كما قال ابن عباس. وجاء في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة في الشفاعة العظمى قول الأنبياء - صلوات الله وسلامه - عليهم في اعتذارهم عن الشفاعة للناس: «إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله» ("صحيح البخاري" (3340)، ومسلم (194) .
وقوله:"ويرضى"، أي: إن الله – تعالى- يرضى عمن يشاء من عباده، وهو يوصف بالرضا، والرضا صفة فعلية اختيارية. وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة، قال الله – تعالى -: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} (سورة التوبة:100.) ، وقال - سبحانه وتعالى -: {ورضوان من الله أكبر} (سورة التوبة: 72.) ، وقوله - سبحانه وتعالى -: {لقد رضى الله عن المؤمنين} الفتح: 18 . وأما في السنة فما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليرضى عن العبد أن ياكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها» ("صحيح مسلم" (2734) .
وقوله: «والله يغضب ويرضى» أي: إن الله يغضب على من يستحق الغضب ويرضى عمن يستحق الرضا، وقد خالف في ذلك المعتزلة والأشاعرة فنفوا عن الله تلك الصفات؛ واختلفوا في تأويل ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك؛ فمثبتة الصفات من الأشاعرة ونحوهم، قالوا: الغضب والرضا هو إرادة الإثابة وإرادة العقوبة. وأما المعتزلة فأولوا الغضب والرضا بالثواب والعقاب نفسه؛ لأنهم لا يثبتون صفة الإرادة للرب - جل وعلا-، وكل هذا فرار من إثبات ما أثبته الله لنفسه ظنا منهم أنه يفضي إلى التشبيه ولإبطال ذلك كله قرر المصنف - رحمه الله – أنه ثابت لله - تعالى - "لا كأحد من الورى".