قوله - رحمه الله -: «والحوض الذي أكرمه الله تعالى به -غياثا لأمته- حق» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون بأن الحوض ثابت لإغاثة هذه الأمة من ظمأ الموقف وهوله كرامة منه تعالى لهم. والحوض لغة: مكان تجمع الماء في الأرض، وقيل: هو مجتمع الماء ("لسان العرب" (7/ 141) ، والمراد به هنا الحوض المورود الذي امتن الله به على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في عرصات القيامة، في أرض المحشر، يرده هو - صلى الله عليه وسلم - وأمته ليشربوا منه. وقد دل على ثبوت الحوض الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، قال الله - سبحانه وتعالى -: {إنا أعطيناك الكوثر} (سورة الكوثر: 1.) ، والكوثر هو الخير الكثير الذي تفضل به الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد بين ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان الكوثر: «فإنه نهر وعدنيه ربي - عز وجل-،عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب، إنه من أمتي فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك» ("صحيح مسلم" (400) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.) ، وقد روى البخاري في "صحيحه"، عن ابن عباس أنه قال: "الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه"، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: "النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه" ("صحيح البخاري" (6578) .
وقد جاء في الحوض أحاديث بلغت حد التواتر، في ذكره ووصف طوله وعرضه، ولونه، وطعمه، وعدد كيزانه، وكثرة من يرد عليه، فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا» ("صحيح البخاري" (6579)، ومسلم (2292) .
وفيهما من حديث أنس مرفوعا: «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء» ("صحيح البخاري" (6580)، ومسلم (2303)) .
وفي «صحيح مسلم» من حديث ثوبان وأبي ذر - رضي الله عنهما - قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وأحلى من العسل» ("صحيح مسلم" (247) .
وقد قيل: إن هذا الحوض من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يشكل على هذا ما جاء في حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة» (أخرجه الترمذي (2443)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 44)، ح (82)، والطبراني (7/ 212)، ح (6881). وقال الترمذي:"غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك، هذا الحديث عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح".) .
والحوض الذي وعده الله - سبحانه وتعالى - أمة الإسلام يردونه قبل الصراط، فيما يظهر؛ لأن الناس يأتون يوم القيامة في هول عظيم وكرب شديد، وتدنو منهم الشمس فيصيبهم عطش عظيم، فترد هذه الأمة الحوض، يشربون منه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظما أبدا» (صحيح البخاري (6575)، صحيح مسلم (2290) رواه البخاري من حديث أبي سعيد، ومما يدل على أن ورود الحوض يكون قبل الصراط، ما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى أقواما من أمته يذادون عن الحوض ويمنعون، فيقول صلى الله عليه وسلم : «أصيحابي أصيحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (أخرجه البخاري (4625)، (6526)، ومسلم (2290)، (2304) واللفظ له.) ، وهؤلاء الذين يذادون عن الحوض، هم الذين ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الحوض بعد الصراط، فإنه لا يجوز الصراط إلا مؤمن، كما قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (سورة مريم.) !، وقيل: بل الحوض المورود يكون بعد الصراط، وقيل: بل للنبي صلى الله عليه وسلم حوضان: حوض قبل الصراط، وحوض بعده. وقيل: بل هو حوض واحد ممتد من أرض المحشر إلى ما بعد ا لصراط، وأقرب هذه الأقوال أن الحوض قبل الصراط، والله أعلم.
وقوله: «أكرمه الله تعالى به غياثا لأمته» أي: إن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض؛ لأجل إغاثة الأمة من شدة العطش في ذلك الموقف.
وقوله: «لأمته» الضمير عائد إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أن الحوض الذي أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاص بأمته، فلا يرده غير الأمة؛ إذ إن كل أمة ترد حوض نبيها.
قوله - رحمه الله -: «والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار» أي: إن أهل السنة والجماعة، يثبتون الشفاعة في الآخرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -،وأعظم الناس نصيبا منها أمته، فقد ادخرها لهم في الآخرة كما جاءت به النصوص، وهي أنواع وأقسام كما سيأتي، والشفاعة أصلها من الشفع، وهو لغة ضد الوتر، وهي جعل الفرد زوجا. وأما الشفاعة في الاصطلاح فهي التوسط في جلب الخير أو دفع الضر، وهي كذلك في الآخرة؛ فإن الشفاعة التي في الآخرة توسط ممن يمن الله عليه بالشفاعة في جلب خير أو دفع ضر. لكنها تختلف عن شفاعة الدنيا في أن شفاعة الآخرة لا تكون إلا بإذن من الرب - جل وعلا-، وأنها لا تكون إلا برضاه عن المشفوع له، فلا بد من هذين الشرطين، قال الله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (سورة البقرة: 255.) ، وقال - جل وعلا-: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن ياذن الله لمن يشاء ويرضى} (سورة النجم: 26.) . فلا بد من الإذن والرضا في كل شفاعة تكون يوم القيامة من كل أحد ولكل أحد، حتى الشفاعة العظمى التي تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكون إلا بعد الاستئذان، فقد جاء في الصحيحين، من حديث أنس مرفوعا، وفيه: « ...فياتوني، فأنطلق، فأستاذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع ... » الحديث (صحيح البخاري (7410)، ومسلم (193) .
وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على درجات: منها ما حصل الاتفاق بين الأمة على ثبوته. ومنها ما جرى فيه الخلاف بين أهل السنة والجماعة وغيرهم من أهل البدع. أما الشفاعة التي اتفقوا على ثبوتها، فهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه أن يأتي جل وعلا لفصل القضاء بين الناس، وإنما سميت الشفاعة العظمى؛ لأن المنتفع بها هم الخلق جميعا، ولأن آدم وأولي العزم من الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - يتخلون عنها، فلا يكون لها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة: «يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون» إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: «فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع راسك، سل تعطه واشفع تشفع، فأرفع راسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب! فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ... »
والظاهر أن هؤلاء الذين يأتون الأنبياء من أهل الإيمان؛ لأنهم يذكرون من أوصاف الأنبياء ما لا يقر به إلا مؤمن، أما أهل الكفر فإنهم لا شأن لهم، فإنهم يحشرون يوم القيامة صاغرين، كما قال تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (سورة غافر: 60.) ، ومن كان صاغرا، فليس أهلا للسعي في نفع الخلق. وكذلك وافق المعتزلة والخوارج أهل السنة والجماعة في إثبات الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة، وكذا الشفاعة في استفتاح الجنة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما رواه مسلم وغيره من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك» ("صحيح مسلم" (197) ، وفيه أيضا من حديث أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أول شفيع في الجنة» ("صحيح مسلم" (196) . وأما باقي أنواع الشفاعة كالشفاعة في أهل الكبائر، ممن استحقوا النار ألا يدخلوها، ومن دخل النار أن يخرج منها، فهذه كلها ينكرها المعتزلة والخوارج، ويحملون ما ورد من النصوص في الشفاعة على الشفاعة العظمى وعلى الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة.
وقوله: «والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار» هذه الشفاعة غير الشفاعة العظمى التي يشفع فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل الناس، فهي شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأمته خاصة، كما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة» ("صحيح البخاري" (6304)، ومسلم (198) ، وفي لفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبات دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا» ("صحيح مسلم" (199) ، فالشفاعة المدخرة تشمل شفاعته صلى الله عليه وسلم في قوم من أمته، استحقوا دخول النار ألا يدخلوها، وكذلك شفاعته في قوم دخلوا النار أن يخرجوا منها، وكذلك شفاعته في دخول الجنة، كما تقدم بها الحديث.
قوله - رحمه الله -: «والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق» أي: إن أهل السنة والجماعة، يقرون بأن الله تعالى، قد أخذ الميثاق من آدم وذريته، والميثاق: مصدر ميمي من وثق، وهي مادة تدور على معنى الثبات والقوة في الشيء. والميثاق في اللغة هو العهد الغليظ (ينظر: "الصحاح" (4/ 1563)، و"لسان العرب" (10/ 371) ، والمراد به هنا ما أخذه الله تعالى من آدم وذريته: أنه ربهم الذي لا يستحق العبادة سواه، وهو المذكور في قول الله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} (سورة الأعراف: 172 - 173.) فهاتان الآيتان فيهما ذكر الميثاق الذي أخذه الله - جل وعلا- على الناس.
وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في حقيقة الميثاق ما هو؟ على أقوال:
القول الأول: أنه عهد أخذه الله من آدم وذريته في عالم الذر عندما أخرج من ظهر آدم ذريته، وهي أرواحهم قبل أن تنفخ في أجسامهم، فكانوا كالذر، أي صغار النمل، وقد قال ذلك ابن عباس ومجاهد وجماعة من السلف والخلف.
وقد استدلوا لذلك بما جاء عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو من أن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان -أي عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) و تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} (أخرجه أحمد (1/ 272)، و النسائي في "الكبرى" (6/ 347) ح/ (11191)، والحاكم (1/ 80) ح/ (75)، قال النسائي: «كلثوم هذا ليس بالقوي، وحديثه ليس بالمحفوظ»، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وقال الهيثمي (7/ 25):"رجاله رجال الصحيح".) ، أي: أقروا له بالربوبية - سبحانه وتعالى - في عالم الذر قبل أن يخلقهم.
القول الثاني: أن الميثاق الذي أخذه الله - سبحانه وتعالى - على بني آدم هو الفطرة التي جبل الله الناس عليها، وقد اختار هذا جماعة من السلف والخلف، منهم ابن تيمية (ينظر: "مجموع الفتاوى" (4/ 245) وابن القيم (ينظر: "شفاء العليل" الباب الثلاثون.) وابن كثير (ينظر: "تفسير ابن كثير" (3/ 500) ، وهو المشار إليه في قوله تعالى: { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} (سورة الروم: 30.) .وكذلك ما في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» ("صحيح البخاري" (1358، 1359)، ومسلم (2658) ،وكذلك ما رواه الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «قال الله تعالى: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم-أي: على التوحيد-وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» ("صحيح مسلم" (2865) ، أي: صرفتهم، وبمقتضى هذا كان المشركون إذا سئلوا: من الخالق؟ من الرازق؟ من المالك؟ من المدبر؟ كانوا يقولون: الله، كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون} (سورة يونس:31 – 32.) ، وهاذا إقرار منهم بمقتضى الميثاق الذي واثقهم الله عليه وفطرهم عليه، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من العلماء، منهم شيخ الإسلام (ينظر: "مجموع الفتاوى" (4/ 245) ، وابن القيم (ينظر: "شفاء العليل" الباب الثلاثون.) - رحمهما الله -، وأجاب هؤلاء على أدلة القول الأول بما يلي:
أولا: أن الأحاديث الواردة فيه ضعيفة لم يثبت منها شيء.
ثانيا: أن هاذا الميثاق المذكور لا يذكره أحد، والله - عز وجل - قد ذكر في الآية ما يدل على أن هاذا الميثاق حاضر في أذهانهم لا يغيب عنهم، حيث قال - سبحانه وتعالى -: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} (سورة الأعراف: 172.) ، والمعنى أن هاذا الأخذ من ظهور بني آدم علته وسببه ألا يقول الناس يوم القيامة: «إنا كنا عن هاذا غافلين» فإذا كان الناس لا يذكرون هذا الميثاق في الدنيا، فهم أغفل عن ذكره في الآخرة من باب أولى.
ثالثا: أن الأخذ المذكور في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم}، من بني آدم وليس من آدم، وقال أيضا: {من ظهورهم}، ولم يقل: من ظهره، وقال أيضا:
{ذريتهم}، ولم يقل: ذريته، فكل هاذا يدل على أن الأخذ في الآية لا يفسر بما جاء في حديث ابن عباس وغيره.
رابعا: أن قوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم}، لا يلزم منه النطق، بل الشهادة تكون بالحال، فيكون المعنى في قوله: {وأشهدهم على أنفسهم} جعلهم مقرين بهذا الميثاق. كما في قوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر} (سورة التوبة: 17.) ، وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر حالا لا مقالا؛ لأنهم لم يقروا بأنهم كفار، ولا تكلموا بذلك، إنما شهادتهم شهادة حالية لا مقالية (وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله في"درء تعارض العقل والنقل" (4/ 318) تقرير هاذا المعنى، ونقله ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (3/ 62)