قوله - رحمه الله -: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر» أي: إن من أضاف إلى الله تعالى صفة من صفات البشر، فقد مثل الله تعالى بخلقه، وهذا يشمل إضافة الصفات التي يختص بها البشر إلى الله تعالى، ويشمل أيضا تمثيل صفات الله - عز وجل - بصفات البشر، كما لو قال: يد الله كأيدينا، أو سمعه كأسماعنا، أو حياته كحياتنا، أو كلامه ككلامنا، وما أشبه ذلك، فقد أتى بما يوجب الكفر بالله العظيم، وذلك أن مدار الشرك بالله تعالى على تسوية الله تعالى بخلقه، قال الله تعالى عن أهل النار: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (سورة الأنعام: 1) ، وقال تعالى: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين (97) إذ نسويكم برب العالمين} (سورة الشعراء) . وهذه هي إحدى الضلالتين في باب أسماء الله وصفاته، وهي ضلالة التمثيل، وأهل التمثيل هم الذين غلوا في إثبات الصفات، فمثلوا الله بخلقه، وأبرز القائلين ببدعة التمثيل هم الكرامية المجسمة أتباع محمد بن كرام الذين مثلوا الله بخلقه، ولم يعد لهذه البدعة وجود؛ وذلك أن الفطر مجبولة على تنزيه الخالق، وأن الله ليس كمثله شيء، ولذلك لم تقم لهذه الفرقة سوق رائجة، وإنما الرواج لقول أهل التعطيل الذين دخلوا في صفات الله بعقولهم وآرائهم الفاسدة، فعطلوا ما دلت عليه النصوص، من خبر الله عن أسمائه وصفاته.
قوله - رحمه الله -: «فمن أبصر هاذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر» أي: إن من نظر بقلبه، وتأمل بفكره خطورة وصف الله بما يتصف به البشر، وأن ذلك كفر، أوصله ذلك وعبر به إلى الكف والامتناع عن قول أهل الكفر في صفات الله، فإنهم سووا الله تعالى بخلقه، ووصفوه بما تنزه عنه.
قوله - رحمه الله -: «وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر» أي: إن ذلك النظر والاعتبار يفيد العلم بأن الله تعالى ليس كالبشرلا في ذاته، ولافي أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فليس له مثيل ولا كفء ولا سمي ولا ند، قال الله -جل وعلا-: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (سورة الشورى: 11.) ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} الإخلاص:4 ، وقال تعالى: {هل تعلم له سميا} مريم:65 ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} البقرة:22.