×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله-رحمه الله-: «نقول في توحيد الله» هذا شروع في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، وبدأ في بيانها ببيان أصل الاعتقاد وأساس الملة والدين، وهو توحيد رب العالمين. والمراد بالقول الإقرار والتصديق، وهذا أحد ركني الإيمان، فالإيمان قول وعمل. وأما توحيد الله فهو إفراد الله في الإلهية والربوبية والأسماء والصفات، هذا هو التوحيد بمفهومه العام، فهذه العقيدة فيها إشارة إلى كل هذه الأنواع، وجميعها مندرجة في الأصل الأول من أصول الإيمان، وهو الإيمان بالله. كما تضمنت هذه العقيدة تقرير بقية مسائل أصول الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله, والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. ولا يكمل توحيد أحد إلا بهذا الإيمان. لذلك دارت غالب متون عقائد أهل السنة والجماعة على هذه الأصول الستة تقريرا وإيضاحا وبيانا وتفصيلا. وقوله: «في توحيد الله» التوحيد: مصدر وحد يوحد توحيدا، فهو مأخوذ من +++ (وحد)--- ، وهذه المادة دائرة على معنى الإفراد. والمراد به إفراد الله تعالى في ربوبيته وفي أسمائه وصفاته وفي إلهيته. فالتوحيد ثلاثة أصناف بالنظر إلى ذات الله تعالى: الأول: توحيد الإلهية: وهو إفراد الله تعالى بالعبادة. والثاني توحيد الربوبية: وهو إفراد الله بالملك والخلق والرزق والتدبير. والثالث توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله بما له من الأسماء والصفات العلا، على الوجه الذي يليق به، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وقد جاءت الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ببيان التوحيد بكل أنواعه، إلا أنه لما كان أكثر انحراف بني آدم في توحيد الإلهية جاءت الرسل بالدعوة إليه، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} +++ سورة الأنبياء:25--- ، كما أن علاقة هذه الأنواع ببعضها وثيقة، فتوحيد الإلهية يتضمن النوعين الآخرين، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات يستلزمان توحيد الإلهية. ولذلك استدل الله في الكتاب على إلهيته بأسمائه وصفاته، وبمعاني ربوبيته، وهذه من طرق القرآن الكريم في تقرير توحيد الإلهية، فمن ذلك قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} +++ سورة البقرة: 163--- ، وكذلك قوله تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم 22 هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون 23- هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} +++ سورة الحشر---. وقسم بعض أهل العلم التوحيد إلى قسمين: الأول: توحيد في المعرفة والإثبات، وهذا يشمل نوعي التوحيد الربوبية والأسماء والصفات، والثاني: توحيد في الطلب والقصد، وهذا يشمل توحيد الإلهية والعبادة +++ ("مدارج السالكين" (3/ 449)--- . وجدير بالذكر أن هذه التقاسيم مقصودها تقريب العلم وتسهيله، ودليلها الاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة. قوله – رحمه الله -: «معتقدين بتوفيق الله» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بتوحيد الله ويدينون له بذلك حال كونهم معتقدين إلهيته وحده لا شريك له، فهم مقرون إقرارا مقترنا بالتصديق والالتزام، مستصحبين في ذلك توفيق الله، فبه يحصل كل خير وعنه يصدر، فالباء للمصاحبة، وقيل: للسببية. والتوفيق هو التسديد والهداية إلى الرشد والحق، فيكون ذلك؛ إما سؤالا وطلبا، وإما إخبارا وإقرارا بأن هذا الاعتقاد حاصل بهداية الله وتسديده، فله المنة والفضل، وبهذا يشهد الموفق منة الله التي تستوجب شكره وتمام الافتقار إليه في طلب الهدايات، ويضمحل عند ذلك كل عجب واغترار. قوله - رحمه الله -: «إن الله واحد لا شريك له» هذه أول جملة في هذه العقيدة المباركة، وهي مشتملة على تقرير توحيد الإلهية، وبدأ به؛ لأنه رأس المطالب وأول الواجبات وإليه دعت جميع الرسالات، وبه افتتحت الدعوة في جميع النبوات. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله المعبود المألوه بالمحبة والتعظيم واحد لا ثاني له لا في ذاته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، ولا في ربوبيته، ولا في إلهيته. وهذا هو غاية التوحيد وكماله. وقد وصف الله نفسه بأنه واحد، في مواضع من كتابه، قال تعالى: {أنما إلهكم إله واحد} +++ الكهف: 110--- ، وقال: {قل هو الله أحد} +++ سورة الإخلاص: 1--- ، بل سمى نفسه بذلك، فقال: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} +++ سورة الرعد: 16---. والواحد في اللغة ضد الزوج، فالله منفرد عما سواه بمعاني الربوبية والإلهية والأسماء الصفات، فليس له في ذلك مثيل ولا كفء ولا ند ولا نظير. وقد أكد وحدانية الله بنفي الشريك عنه، فليس لله مشارك في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته.   وقد جمع ذلك قوله تعالى: {رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا} +++ سورة مريم: 65--- ، فلا مماثل له ولا ند ولا نظير في ربوبيته ولا في إلهيته ولا في أسمائه وصفاته. فتضمنت هذه الجملة إثبات التوحيد لله بأنواعه الثلاثة، وأنه لا شريك له في أي من هذه الأنواع الثلاثة. قوله - رحمه الله-: «ولا شيء مثله» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له من الحقوق. يدل لذلك أن الله نفى عن نفسه المثل والسمي والند والكفء، فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} +++ سورة الشورى: 11--- ، وقال تعالى: {هل تعلم له سميا} +++ سورة مريم: 65--- ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} +++ سورة البقرة: 22--- ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} +++ سورة الإخلاص: 4---. ونفى أيضا أن يدرك بالأمثال، فقال - سبحانه وتعالى -: {فلا تضربوا لله الأمثال} +++ سورة النحل: 74---. وقد أجمع على ذلك علماء الأمة، كما دل عليه العقل. فنفي المثل ونحوه من المعاني عن الله غايته إثبات أنه - سبحانه وتعالى - كامل في صفاته، لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، وأنه منفرد بتلك الكمالات، لا يشركه فيها أحد. وذلك أن نفي الصفات عن الله في كتابه - عز وجل - وفي سنة رسوله  صلى الله عليه وسلم  ليس نفيا محضا؛ فالنفي المحض عدم، بل هو نفي يراد به إثبات الكمال لله - سبحانه وتعالى -. ويتبين هذا بمعرفة أن النفي في الخبر عن الله جاء في القرآن العظيم على نحوين: الأول: نفي مجمل، وهذا هو الأصل فيما جاء من النفي في صفات الله، وهو نفي عام لكل نقص وعيب، وهذا النوع يأتي لإثبات الكمال المطلق لله تعالى. ومن أمثلته نفي المثل والسمي عن الله. والثاني: نفي مفصل، وهو نفي وصف معين عن الله، وهذا النوع يأتي لنفي ما يعتقده الجاهلون في الله تعالى. ومن أمثلته قوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} +++ سورة الإخلاص: 3--- ، وقوله: { صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم  چ چ} +++ سورة ق: 38--- ، وقوله: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} +++ سورة الجن: 3---. ويأتي النفي مفصلا أيضا لإثبات كمال ضد الصفة المنفية؛ كقوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحدا} +++ سورة الكهف: 43--- لإثبات كمال عدله. وكقوله تعالى: {لا تاخذه سنة ولا نوم} +++ سورة البقرة: 255--- لإثبات كمال حياته وقيوميته. والنفي في صفات الله بنوعيه المجمل والمفصل؛ يجتمعان في كونهما نفيا للنقص والعيب عن الله وصفاته، ونفيا لمماثلة غيره له في صفات الكمال. فطريقة القرآن وما جاءت به الرسل في باب صفات الله، هي الإجمال في النفي، والتفصيل في الإثبات. ولذلك كان النفي بنوعيه في كلام الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  أقل من الإثبات، بخلاف طريقة المخالفين للكتاب والسنة؛ من المتفلسفة والجهمية والقرامطة ونحوهم؛ فإنهم يفصلون في النفي، ويجملون في الإثبات +++ ("مجموع الفتاوى" (6/ 515)--- . قوله - رحمه الله -: «ولا شيء يعجزه» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى قادر على كل شيء. فالنفي المفصل للعجز الذي هو عدم القدرة؛ لأجل إثبات كمال الضد، وهو تمام القدرة وكمالها. وقد نفى الله العجز عن نفسه لإثبات كمال قدرته في مواضع عديدة؛ منها قوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض} +++ سورة فاطر: 44--- ، و قوله تعالى: {إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} +++ الأنعام: 134---. قوله - رحمه الله-: «ولا إله غيره» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأنه لا معبود حق إلا الله. فالإله: هو المعبود، الذي تالهه القلوب، وتعبده محبة وتعظيما ورقا +++ (ينظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (8/ 378)،و «إغاثة اللهفان» لابن القيم (1/ 27)، و «كلمة الإخلاص» لابن رجب ص (23)--- . والإله في كلام العرب: اسم جنس لما قصد بشيء من العبادة، لكنه في حق الله حقيقة؛ لأنه المستحق للعبادة، فما سمي إلها دون الله - سبحانه وتعالى - فهي تسمية باطلة خالية من معناها، فإنه لا إله حق إلا الله. فهذه الكلمة بها يتحقق إفراد الله بالعبادة، وهو توحيد الله في الإلهية. وهي أصل الإسلام وأساسه، فلا يقر إيمان ولا يستقيم إسلام ولا يصلح حال أحد إلا بهذه الكلمة، فبها صلاح الدنيا والآخرة؛ وهي دعوة الرسل فما من نبي أرسله الله إلا دعا قومه إلى هذه الكلمة، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} +++ الأنبياء: (25)--- ، وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} +++ سورة النحل:2---. وبالإقرار بها تعصم الدماء والأموال كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» +++ (أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، وجاء عن عدد من الصحابه منهم ابن عمر وأبو هريرة وأنس.)--- . وهي أول واجب على المكلفين، فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تاتى قوما من أهل الكتاب. فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله» +++ (أخرجه مسلم (19) من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنه -.)--- . وهي آخر مطلوب؛ لقوله  صلى الله عليه وسلم : «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة» +++ (أخرجه أبو داود (3116)، وأحمد (5/ 233)، والحاكم (1/ 503)، وقال:"صحيح الإسناد".)--- . وبالإيمان بها تتحقق الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} +++ سورة الذاريات: 56---. وهي حجاب لصاحبها من النار، ففي الصحيحين: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» +++ (أخرجه البخاري (5401)، ومسلم (33)--- ، وفضائلها أكثر من أن نحيط بها. وقوله: «ولا إله غيره» أي: لا إله حق غير الله، فلا نافية تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر مبنية على السكون، لا محل لها من الإعراب. وإله اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، وأجود ما قيل في تقديره حق. وغيره بدل من الخبر، وهو مرفوع، ويصح فيه النصب على الاستثناء؛ لكونه مسبوقا بكلام تام غير موجب، وتقدير الخبر حق؛ لإخراج المعبودات الباطلة. والدليل على صحة هاذا التقدير قوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} +++ سورة الحج: 6 و62.--- ، وقوله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال} +++ سورة يونس: 32---. وقد قدر بعضهم الخبر موجود، فيكون معناها: لا معبود موجود إلا الله. وفي هذا التقدير إشكال؛ لأنه يفيد أن كل ما عبد من دون الله فهو إله حق. وهاذا المعنى هو ما يقوله أهل وحدة الوجود الذين جعلوا كل معبود في الوجود حقا، فعندهم الذي يعبد الصنم إنما يعبد الله، والذي يعبد الشمس إنما يعبد الله، والذي يعبد الملائكة إنما يعبد الله، والذي يعبد الكلاب والخنازير إنما يعبد الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ومنه قول شاعرهم: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة +++ (انظر "النفحات الأقدسية" ص (338)، و"هذه هي الصوفية"ص (64)، ونسب هذا الكلام لفريد الدين العطار.)---  ولهذا كان الأصوب في تقدير خبر لا هو: حق أو بحق أي لا معبود بحق إلا الله؛ وبهذا تخرج المعبودات دون الله، ولا يرد توهم ما يعتقده أهل وحدة الوجود من أن كل معبود في الأرض هو الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولا ريب أن الذين قدروا الخبر بموجود أو في الوجود من أهل العلم لا يقصدون هذا المعنى الباطل. قوله- رحمه الله-: «قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن وجود الله تعالى سابق وجود كل ما عداه دون اعتقاد أن لوجوده بداية، ويؤمنون أيضا بأن وجود الله مستمر باق دونما نهاية، فوجوده أزلي وأبدي. وهذا هو معنى اسميه الأول والآخر، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر} +++ سورة الحديد: 3---. وقد بين النبي  صلى الله عليه وسلم  معناهما بقوله: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» +++ (أخرجه مسلم (2713)--- . فالأول والآخر اسمان من أسماء الله تعالى يثبتان لله تعالى وصف الأولية والآخرية، وبهذا تتحقق إحاطة الله تعالى بكل شيء زمانا، أزلا وأبدا. وآخريته تعالى لا تنافي ما جاء في السنة من أنه يقال لأهل الجنة: «خلود فلا موت» +++ (أخرجه البخاري (4730)، ومسلم (2849)--- ، وذلك أن خلودهم يفتقر إلى الله تعالى الذي تفضل عليهم بالبقاء، فهو عطاؤه وهبته ومنته، فليس خلودهم ذاتيا. أما آخرية الله - عز وجل - وبقاؤه فإنه وصف له ذاتي، لا يفتقر فيه إلى أحد، فهو الغني الحميد. وقد انتقد بعض أهل العلم قول المصنف قديم بلا ابتداء +++ (قال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على الطحاوية: «قوله: (قديم بلا ابتداء) لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى؛ لعدم ثبوته من جهة النقل».)---  بأنه لم يثبت اسم القديم في أسماء الله تعالى. وهذا صحيح، فإنه ليس في أسماء الله تعالى اسم القديم، إلا أن المؤلف لم يذكر ذلك في سياق ذكر أسماء الله تعالى أو على أنه اسم من أسمائه تعالى، بل ذكره على وجه الخبر. ومعلوم أن باب الإخبار عن الله - عز وجل - أوسع من باب الأسماء، فيجوز الإخبار عن الله بالمعاني الصحيحة اللائقة به، ولو لم يأت لفظها في القرآن والسنة، مثل الإخبار بأن الله واجب الوجود، أو أنه صانع الكون أو أنه مريد، ونحو ذلك من المعاني الصحيحة. وقد استعمل أهل الكلام اسم القديم، وفسروا به اسم الله الأول، لكنهم يقولون: المراد بالقدم هنا القدم الأزلي الذي لا بداية له. والذي دل عليه الكتاب والسنة من اسمه الأول أفضل معنى ولفظا وأكمل وأحسن؛ فإن الأصل في أسماء الله تعالى أنها توقيفية فلا يتجاوز فيها القرآن والحديث. ومن وجه آخر فإن القدم ليس وصف كمال بإطلاق؛ فالقديم هو المتقدم على غيره، وقد يكون حادثا، وهذا مما ينزه الله عنه، بخلاف اسم الأول الذي ليس قبله شيء، فهو كمال مطلق. قوله - رحمه الله-: «لا يفنى ولا يبيد» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله لا يهلك ولا ينقطع ولا ينتهي. والفناء والبيد متقاربان في المعنى، وإن كان يمكن أن يقال: إن الفناء هلاك بفعل خارجي، أما البيد فهلاك بشيء ذاتي. وكلاهما مما تنزه الله عنه، فالله حي لايموت كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} +++ سورة الفرقان: 58--- ، فأثبت لنفسه - سبحانه وتعالى - الحياة، ثم قال: {الذي لا يموت} وهذه صفة حياته، فهي حياة كاملة لا تنقضي ولا تنقطع، لا تفنى ولا تبيد. فهو المتفرد بالبقاء، وأما ما عداه من الموجودات فإن حياته يلحقها فناء وهلاك وزوال، قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} +++ سورة القصص: 88--- ، وقال تعالى: {كل من عليها فان +++ 26--- ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} +++ سورة الرحمان: 26 - 27---. قوله- رحمه الله-: «ولا يكون إلا ما يريد» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأنه لا يوجد شيء في الكون إلا بإرادة الله ومشيئته. فتكون +++ (ما)---  موصولة بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون مصدرية، بمعنى ولا يكون إلا إرادته، والمعنى واحد على الوجهين. والأدلة على ثبوت وصف الإرادة لله تعالى كثيرة من الكتاب، والسنة، والإجماع والعقل. ولهذا يثبتها جميع مثبتة الصفات من الأشاعرة والماتريدية، والكلابية. والإرادة الثابتة لله - سبحانه وتعالى - نوعان +++ (منهاج السنة (3/ 94)--- ؛ الأول: إرادة دينية شرعية أمرية، وهي شاملة لكل ما أمر الله تعالى به من العبادات والطاعات الواجبة والمستحبة +++ (ينظر: مجموع الفتاوى (2/ 412))--- . ومن أمثلتها قول الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} +++ سورة البقرة: 185.--- ، وقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم} +++ النساء: 26--- ، وقوله - عز وجل -: {يريد الله أن يخفف عنكم} +++ سورة النساء: 28---. ومن السنة ما في الصحيحين من حديث معاوية مرفوعا: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» +++ ("صحيح البخاري" (3116)، ومسلم (1037))---.  الثاني: إرادة كونية خلقية قدرية، وهي شاملة لكل ما يجري في الكون من الحوادث والوقائع +++ (ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 366)--- ، ومن أمثلتها قول الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} +++ الأنعام: 125--- ، وقوله تعالى فيما قصه من قول نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} +++ هود:34---. ومن السنة ما رواه مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم» +++ ("صحيح مسلم" (2879)--- . فكل ما وقع في الكون من خير أو شر، ومن بر أو معصية، مما يحبه الله أو يكرهه، ومما يرضاه وما لا يرضاه من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والرشد والغي، كل هاذا تشمله الإرادة الكونية. و الفرق بين نوعي الإرادة الشرعية والقدرية شيئان. الأول: أن الإرادة الشرعية تتعلق بمحبة الله ورضاه، خلافا للإرادة القدرية فتكون لما يحبه ومالا يحبه. والثاني: أن الإرادة الشرعية غير لازمة الوقوع، فقد تقع وقد لا تقع. خلافا للإرادة القدرية، فما قضاه الله واقع كائن. فمثلا أراد الله من الخلق أن يعبدوه وحده، لا شريك له، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} +++ الذاريات: 56--- ، لكن هذه الإرادة لم تتحقق في حال أغلب الخلق؛ لأنها إرادة دينية شرعية أمرية، ولو كان ذلك مرادا كونا وقدرا لكان لازم الوقوع، فما أراده الله كونا لا بد أن يقع، ما شاء كان وما لم يشا لم يكن، فما شاءه الله وجد وما لم يشاه لم يوجد +++ («مجموع الفتاوى» (8/ 131)، (8/ 188)--- ، ولما خفي هاذا التفريق بين نوعي الإرادة الكونية والشرعية، على كثير من أهل الكلام، لم يميزوا بين نوعي الإرادة الشرعية والقدرية. بل جعلوهما شيئا واحدا وأن جميعها متعلقة بمحبته، فأوقعهم ذلك في أنواع من الضلالات؛ فيما يتعلق بالقدر والشرع. من ذلك أنهم اعتقدوا أن كل ما أراده الله - سبحانه وتعالى - فهو محبوب له، وعليه فإن كل ما وقع فهو محبوب له، فتكون المعاصي محبوبة له؛ لكونها وقعت بإرادته، وبهذا قالت الجبرية، والجهمية +++ (ينظر: «مجموع الفتاوى» (8/ 340 - 341)--- . وقابلهم في الضلالة القدرية، فقالوا: إن المعاصي لا تقع بإرادة الله تعالى، بل هي واقعة من غير إرادته. وكلا القولين ضلال عن الصراط القويم، وانطماس بصيرة نتج عن عدم فهم النصوص، فالنصوص فرقت بين نوعي الإرادة. فإنه لا يقع شيء في الكون إلا بإرادة الله، فما من حركة ولا سكون، ولا معصية ولا طاعة إلا بإرادة الله، فما شاء كان وما لم يشا لم يكن، كما قال الله: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} +++ التكوير:29--- ، ولذلك لما قال عبد الجبار المعتزلي في مناظرته لأبي إسحاق الإسفراييني: «سبحان من تنزه عن الفحشاء» يريد أن المعاصي ليست بإرادة الله، أجابه الإسفراييني: «سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء». وهذا بلا ريب أبلغ في تعظيم الله؛ لأنه متضمن إثبات تمام الملك والتصرف لرب العالمين، ولأنه لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، كما قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}، ولذلك لما قال له عبد الجبار في مناظرته: «أفيشاء ربنا أن يعصى؟» قال الإسفراييني: «أيعصى ربنا قهرا؟» +++ (ذكر هذه الواقعة تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (4/ 261 - 262)--- . فحجه وخصمه. قوله- رحمه الله-: «لا تبلغه الأوهام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا تطاله الأوهام، ولا تنتهي إليه ولا تصله. والأوهام: جمع وهم، وهو أدنى درجات الإدراك، والمراد به الخيالات الفاسدة والظنون الكاذبة التي لا تستند إلى علم +++ (ينظر: «الصحاح» (5/ 2054)،و «لسان العرب» (12/ 643)--- . فمهما كد الإنسان ذهنه وأعمل فكره وشغل عقله في التوصل لمعرفة حقيقة ما لله من الصفات، وما له من الكمال فإنه سيعود منكسرا حسيرا. ومهما وقع في بالك أو خطر في ذهنك أو دار في خيالك، فاعلم أن الله أجل من ذلك وأعظم. فالعباد لا يمكن أن يحيطوا بصفة من صفاته، كما قال الله - سبحانه وتعالى - في صفة العلم: {ولا يحيطون بشيء من علمه} +++ سورة البقرة: 255---. فكيف به سبحانه؟ فنفي الإحاطة به من باب أولى، كما قال تعالى: {ولا يحيطون به علما} +++ سورة طه: 110---. والله لكماله وعظيم ما يتصف به لا يدركه الخلق، حتى عند النظر إليه يوم القيامة، كما قال الله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} +++ سورة الأنعام: 103---. ولا عجب فهذه السماوات، وهي خلق من خلق الله لا يحيط بها الناظر، كما قال - سبحانه وتعالى -: الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور 3 ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} +++ الملك: 4--- ، فإذا كان الإنسان لا يمكنه أن يدرك هاذا الخلق العظيم، والبناء الكبير، وهو مخلوق من مخلوقات الله، فكيف بإدراك الله العلي العظيم الكبير المتعال - سبحانه وتعالى -؟ ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقطع الطريق على ما يوسوس له به الشيطان من أوهام وخيالات تتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته، فيعلم أن الله تعالى {ليس كمثله شيء} +++ سورة الشورى: 11--- ، يطمئن قلبه، ويهنأ فؤاده، ويسلم بذلك من الوساوس والأفكار التي يقذفها الشيطان في القلوب. قوله- رحمه الله-: «ولا تدركه الأفهام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا تحيط به مدارك العقول، كما قال تعالى: {ولا يحيطون به علما} +++ سورة طه: 110--- ، وكما قال - عز وجل -: {ولا يحيطون بشيء من علمه}، +++ سورة طه: 110--- ، وكما قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} +++ سورة الأنعام: 103--- ، ووجه الدلالة في الآية أن إدراك البصر أسهل من إدراك العقل، فإذا كان إدراك البصر مع سهولته ويسر حصول المطلوب من طريقه لا يبلغ الناظر به إحاطة بالله أوصفاته، فكيف بما هو أصعب وأبعد وهو إدراك العقول والأفهام؟ قوله - رحمه الله-: «ولا يشبه الأنام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا يماثل أحدا من الخلق من الإنس والجن وغيرهم، وذلك أنه لا مثيل له، ولا نظير، ولا سمي، ولا كفء، لا في ذاته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له - سبحانه وتعالى -، هذا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه علماء الأمة، ودل عليه العقل. وقد سبق تقرير هذا في قوله: «لا شيء مثله» فهذا نوع تكرار. إلا أن نفي المماثلة أبلغ في نفي المشابهة. وذلك أن الذي جاء في الكتاب والسنة هو نفي المماثلة كما في قوله: {ليس كمثله شيء}، ولأن هناك نوع اشتراك في أصل المعنى بين ما وصف الله به نفسه وبين ما يتصف به الخلق، وهذا القدر المشترك هو الذي به تعقل معاني الصفات، وهذا نوع مشابهة في معنى الصفة، لا في كنهها وحقيقتها، فمثلا وصف الله نفسه بالعلم، وهي صفة يوصف بها المخلوق، كما قال تعالى: {وما يعقلها إلا العالمون}، ولكن ليس علم الله - عز وجل - كعلم المخلوق، فعلم الله ليس كمثله فيه شيء، كسائر صفاته - سبحانه وتعالى -، فلله من الصفات ما يناسبه ويليق بعظمته، وللمخلوق ما يناسبه ويليق به، ولما كان نفي المشابهة قد يفهم منه نفي ثبوت أصل الاشتراك في معنى الصفة سمى نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة مثبتة الصفات في الجملة مشبهة. وهذا الإشكال منتف في نفي المماثلة عن الله تعالى، ولذلك كان نفي المماثلة أسلم وأحكم. وإنما استعمل المؤلف نفي المشابهة لتقرير معنى نفي المثلية المتقدم؛ جريا على اصطلاح كثير من المتأخرين الذين يجعلون نفي المشابهة بمعنى نفي المماثلة. قوله - رحمه الله-: «حي لا يموت» هذا شروع في بيان بعض ما وصف الله تعالى به نفسه على وجه التفصيل. وبدأ ذلك بذكر صفة الحياة التي هي لازمة لكل صفات الكمال، فاسمه الحي يستلزم جميع الصفات، لذلك قيل: لو اكتفى في إثبات الصفات بدليل اللزوم لاكتفى بأنه الحي، وهذه الصفة هي أول الصفات التي أثبتها الله لنفسه بعد ذكر ألوهيته في أعظم آية في كتاب الله في آية الكرسي. وقوله: «حي لا يموت» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى له الحياة الكاملة التي لا يتطرق إليها نقص ولا زوال بالموت. وقد دل على إثبات أنه حي لا يموت، الكتاب والسنة والإجماع والعقل، قال الله - عز وجل -: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} +++ سورة الفرقان: 58--- ، وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون» +++ ("صحيح مسلم" (2717)--- . ونفي الموت لإثبات كمال حياة الله؛ فإن حياته - سبحانه وتعالى - لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، بل هي الحياة التامة الكاملة الدائمة الباقية التي لا انتهاء لها ولا نقص فيها. وقوله: «حي لا يموت» تقرير لمعنى ما تقدم من قوله: «قديم بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء» فإن حياته حياة كاملة في كل وجه، ليس لها مبدأ ولا منتهى. قوله - رحمه الله -: «قيوم لا ينام» هذا ثاني ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل، وهو أن الله قيوم لا ينام، وقيوم صيغة مبالغة؛ لإثبات كمال قيوميته سبحانه، ولتأكيد ذلك نفى عنه النوم، كما قال تعالى في آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم} +++ البقرة: 255--- وكما قال النبي  صلى الله عليه وسلم  فيما رواه مسلم، من حديث أبي موسى: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار» +++ (صحيح مسلم (179)--- . وفيه إثبات صفة القيومية لله تعالى، فالقيوم من أسمائه وهو متضمن صفة القيومية. ومعنى القيوم: أنه قائم بنفسه +++ (ينظر:: «لسان العرب» (12/ 496)--- ، فلا حاجة به إلى خلقه، فهو الغني الحميد، قال الله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} +++ سورة فاطر:15---. ومن معاني القيوم أيضا أنه - سبحانه وتعالى - مقيم لخلقه، فكل أحد محتاج إليه، كما قال تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} +++ الرعد: 33---. بل السماوات والأرض إنما تقوم بإقامة الله - عز وجل -، قال: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} +++ سورة فاطر: 41--- ، أي: فلا يمسكها أحد من دونه. وهذان الاسمان الكريمان: الحي القيوم يرجع إليهما جميع معاني أسماء الله - عز وجل - وصفاته؛ فبدأ المصنف ذكر الصفات تفصيلا، بذكر هذين الاسمين في غاية المناسبة. فالحي يستلزم كل وصف كمال من أوصاف الذات. والقيوم يستلزم كل وصف كمال من أوصاف الفعل +++ (ينظر:: «مجموع الفتاوى» (3/ 11)--- . ولذلك قيل: إن اسم الله الأعظم هو الحي القيوم، وهاذا من أسباب كون آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله - عز وجل -؛ لكونها احتوت على هذين الاسمين اللذين إليهما ترجع أوصاف الكمال وأسماء الله الحسنى، قال ابن القيم في «النونية» +++ ("القصيدة النونية" ص (36)--- : وله الحياة كمالها فلأجل ذا ... ما للممات عليه من سلطان وكذلك القيوم من أوصافه ... ما للمنام لديه من غشيان وكذاك أوصاف الكمال جميعها ... ثبتت له ومدارها الوصفان قوله - رحمه الله-: «خالق بلا حاجة» هذا ثالث ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهي أن الله تعالى هو الصانع الذي أوجد الخلق من عدم وأبدعهم بعد أن لم يكونوا شيئا. وهذه صفة ذاتية فعلية تتعلق بكل شيء في الكون، فهي من أوسع الصفات تعلقا، فما من شيء في الوجود إلا الله خالقه، قال الله تعالى: {قل الله خالق كل شيء} +++ الرعد: 16--- ، وقال أيضا: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} +++ الزمر: 62--- ، وقال أيضا: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} +++ غافر: 62، 63---. وقوله: «بلا حاجة» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى خلق الخلق وأبدعهم من غير إضطرار إليهم ولا افتقار لهم، بل هو الغني الحميد, خلقهم إظهارا لقدرته وحكمته وعلمه ومشيئته. وذكر عدم حاجته - سبحانه وتعالى - إلى الخلق بيان لأحد أوجه الفرق بين خلق الله وصنعه وبين ما صنعه الخلق، فإن الخلق قد يكون لحاجة الخالق الصانع، والله منزه عن ذلك +++ (العرب تسمي كل صانع خالقا، ومنه قول زهير: ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري ينظر: "تفسير الطبري " (19/ 19)--- . ويدل لهذا أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر الخلق وبين الغاية منه، فقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ثم نفى أن يكون هاذا الخلق للحاجة فقال - سبحانه وتعالى -: {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون +++ 57--- إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} +++ (سورة الذاريات: 56 - 58.)--- ، فخلقه - سبحانه وتعالى - ناشئ عن كمال غناه وعظيم قوته ونافذ قدرته. والحاجة تطلق عند المتكلمين على الحكمة والغاية. وهذا المعنى لا يصح حمل كلام المؤلف عليه، فإن نفي التعليل عن أفعال الله تعالى وأحكامه بدعة حادثة، لم يكن عليها صدر الأمة، ولا قال بها الأئمة؛ لأن الله تعالى ذكر الغاية المرادة من الخلق في عدة مواضع كما في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} +++ (سورة الذاريات: 56.)---  , وكذلك في قوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} +++ (سورة الملك: 2.)--- . كما أن الله تعالى ذكر الغاية المرادة بالخلق، وهي الجزاء بالعدل والفضل، كما قال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} +++ (سورة النجم: 31.)--- ، وقال تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} +++ (سورة طه:15.)--- . قوله - رحمه الله -: «رازق بلا مؤنة» هذا رابع ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهي أن الله تعالى هو رازق جميع خلقه، فهو الرزاق الذي يعطي جميع خلقه كل شيء، فهو خالقهم، وهو رازقهم، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون +++ 56--- ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون +++ 57--- إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} +++ (سورة الذاريات: 56 - 58.)--- ، فالله تعالى كما تفضل على عباده بالخلق أمدهم بالرزق، بل تكفل برزق كل أحد، كما قال تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم} +++ (سورة الروم: 40.)--- ، فالله تعالى متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها كما قال: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} +++ (سورة هود: 6.)--- . ورزق الله لعباده نوعان: الأول: رزق القلوب بالعلم والإيمان. والثاني: ورزق الأبدان بالقوت والأموال وغيرها من مصالح العباد في المعاش. وقوله: «رازق» خبر عن صفة الله تعالى، وقد جاءت هذه الصفة في أسماء الله تعالى على نحوين: الأول: الرزاق، وهو الذي جاء في قوله تعالى: {إن الله هو الرزاق} +++ (سورة الذاريات: 58.)--- . والثاني: الرازق، وقد جاء في قراءة ابن مسعود للآية السابقة، قال - رضي الله عنه -: «أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أنا الرازق ذو القوة المتين». وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي، قال عنه: حديث حسن صحيح +++ (أخرجه أحمد (1/ 394) , وأبو داود (3993) , والترمذي (2940)--- . وقد جاء في حديث التسعير قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق» +++ (أخرجه أحمد (3/ 286)، وأبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وقال الترمذي: «حسن صحيح»، والحديث يروى عن جماعة منهم: أنس، و أبي جحيفة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم -.)--- . وقوله: «بلا مؤونة» أي: إن رزق الله تعالى لخلقه لا كلفة عليه فيه ولا مشقة، على كثرة خلقه، وتنوع حاجتهم، فهو الرزاق ذو القوة المتين، فلا يكرثه رزق عباده ولا القيام عليهم. وقد جاء ما يبين ذلك فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: قال الله تعالى: «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» +++ (أخرجه مسلم (2577)---. قوله - رحمه الله -: «مميت بلا مخافة» هذا خامس ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهو أن الله تعالى يسلب حياة خلقه بالموت، فالموت خلاف الحياة، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} +++ (سورة الملك: 2.)--- ، ولذلك ذكر الإماتة بعد الخلق، فهو المحيي المميت، ولم يرد فيما ثبت من أسماء الله تعالى اسم المميت لا في الكتاب، ولا في السنة الصحيحة. وقد جاء ذكره في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي ورد فيه عد الأسماء الحسنى، إلا أنه معلول لا يصح عند الأئمة من المحدثين +++ (أخرجه الترمذي (3507)، وقال: «غريب»، وقال البيهقي في «الأسماء» ص (19): «ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة, وكذلك في حديث الوليد بن مسلم, ولهذا الاحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج حديث الوليد في الصحيح». ونقل الحافظ في «التلخيص» (4/ 173) عن ابن العربي قوله: «لا نعلم هل تفسير هذه الأسامي في الحديث أو من قول الراوي». وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" «6/ 379»: «فالحديث الذي فيه ذكر ذلك –أي الأسماء الحسنى- هو حديث الترمذي، روى الأسماء الحسنى في جامعه من حديث الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة, ورواها ابن ماجه في سننه من طريق مخلد بن زياد القطواني عن هشام بن حسان بن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام لنبي  صلى الله عليه وسلم , وإنما كل منهما من كلام بعض السلف، فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسرا في بعض طرق حديثه». وينظر:: مجموع الفتاوى (8/ 96، 22/ 482). وقال ابن كثير في «التفسير» (2/ 269): «والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك» اه.)--- . وقوله: «مميت بلا مخافة» أي: إن الله تعالى قضى بالموت على كل حي، فإنه - سبحانه وتعالى - كتب الموت على كل خلقه، فلا أحد من الخلق فيه حياة إلا ولا بد أن يذوق الموت وتفارق روحه بدنه، قال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون 34 كل نفس ذائقة الموت} +++ (سورة الأنبياء: 35.)--- ، وهذا عام يشمل جميع نفوس الخلائق كما قال تعالى: {كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} +++ (سورة الرحمن: 26 - 27.)--- ، وكما قال تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} +++ (سورة الزمر: 30.)--- . وقوله: «بلا مخافة» أي: إن إماتة الله لخلقه لكمال قدرته عليهم، وتمام غناه عنهم، وليس مخافة الضرر منهم بأي وجه من الوجوه، كما يكون من ملوك الأرض، فإنهم قد يحكمون بالقتل على من يخالفهم من الناس خوفا منهم، وقد يحكمون على شخص بالقتل لسبب من الأسباب ثم يخافون عاقبة ذلك، وأن يعود عليهم بالضرر، والله تعالى منزه عن كل ذلك. فإنه يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون، كما قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} +++ (سورة العنكبوت: 57.)--- . قوله - رحمه الله -: «باعث بلا مشقة» هذا سادس ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهو أن الله تعالى يبعث الخلق بعد موتهم، والمراد بالبعث هنا الإحياء بعد الإماتة +++ (ينظر: «لسان العرب» (2/ 116)--- ، وهاذا عام لكل ما فيه روح، قال الله تعالى: {والموتى يبعثهم الله}--- سورة الأنعام:36 +++ ، وقال تعالى: {وأن الله يبعث من في القبور}--- سورة الحج: 7 +++ ، وقال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا}--- سورة المجادلة:6 +++ ، وقال تعالى: {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة}--- سورة الجاثية:26 +++ ، وقال تعالى: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور} +++ (سورة الحج: 66.)--- . وقوله: «بلا مشقة» أي: إن بعث الله تعالى للخلق بعد إماتتهم، لا تعب فيه ولا عناء، بل كل ذلك عليه يسير، كما قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير} +++ (سورة التغابن: 7.)--- ، وقال: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير} +++ (سورة العنكبوت:19.)--- ، وقال: {إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير (43) يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير}--- سورة ق:43 - 44 +++، وقال تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} +++ (سورة يس: 79.)--- ، وقال أيضا: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} +++ (سورة لقمان: 28.)--- ، وقال: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} +++ (سورة الروم: 27.)--- ، فلا مشقة في بعث الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، دوابهم وطيورهم، ما في البحر وما في البر، فكلهم يبعثهم الله - عز وجل - ثم يحشرهم إليه يوم القيامة، قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} +++ (سورة الأنعام: 38.)--- . وذكر هذه الجمل الأربع التي تضمنت إثبات أن الله تعالى هو الخالق الرازق المميت الباعث من بديع ترتيب المؤلف، وهو موافق لما ذكره الله تعالى في قوله تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم}. وجميع هذه الصفات التي ذكرها المؤلف دائرة على تقرير توحيد الربوبية، فإن توحيد الربوبية إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، وفيه الإحياء والإماتة، فيكون المؤلف قد أتى بهذا على أنواع التوحيد الثلاثة، تقريرا وتأصيلا، فبدأ بالألوهية وعطف بالأسماء والصفات وختم بالربوبية. قوله - رحمه الله -: «ما زال بصفاته قديما قبل خلقه» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى كان متصفا بصفاته المثلى في القدم، قبل أن يوجد الخلق، وهو دائم على ذلك بعد خلقه. وقوله: «ما زال» اجتمع فيه نفيان: ما النافية، وزال التي تقتضي النفي؛ فهو فعل نفي ومعناه عدم الدوام، ومن المعلوم أن نفي النفي إثبات، لذلك كان معنى ما زال دام واستمر، ولذلك أجريت (ما زال) مجرى (كان) في المعنى، فيكون المعنى أن الله كان بصفاته قديما في الأزل قبل خلقه. وقوله: «بصفاته» أي: إن صفات الله مصاحبة لذاته، فالباء للمصاحبة، والصفات جمع صفة، وهي في اللغة: النعت والحلية، وهي كل ما اتصف الله تعالى به من نعوت الجلال والجمال والعظمة والكمال، فيشمل ذلك الصفات الذاتية والفعلية، فإن ما وصف الله تعالى به نفسه نوعان في الجملة: النوع الأول: صفات ذاتية، وهي الصفات التي لم يزل الله - سبحانه وتعالى - متصفا بها ولا يزال، وهي ما لاينفك الله تعالى عن الاتصاف بها؛ كصفة الحياة والعلم، والقيومية، وغير ذلك من صفات الذات. فالله - سبحانه وتعالى - متصف بها أزلا وأبدا. والنوع الثاني: صفات فعلية، وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله واختياره، فالله يتصف بها متى شاء، وتسمى الصفات الاختيارية، كالإحياء والإماتة والاستواء والنزول، والمحبة ونحو ذلك. فكلا هذين النوعين لم يزل الله متصفا به قبل خلقه كالحياة والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة ونحوها من الصفات الذاتية، فهي صفات قديمة لا أول لها ولا منتهى. فلم يزل الله حيا عليما قديرا سميعا بصيرا متكلما أزلا. وأما صفات الفعل كالمحبة والرضا والغضب والنزول ونحو ذلك، فإنه من حيث جنس الفعل لم يزل الله تعالى فعالا لما يريد، كما قال: {فعال لما يريد} +++ (سورة هود: 107.)--- ، فجنس صفات الأفعال قديم، أما أفراد الأفعال وآحادها فهذه قد تكون حادثة بعد أن لم تكن. كاستواء الله - عز وجل - على العرش فإنه حدث بعد أن لم يكن، كما أخبر في كتابه؛ حيث قال: {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} +++ (سورة الفرقان: 59.)--- ، وكان ذلك بعد خلق السماوات والأرض، وفي هذا إبطال لمذهب معطلة الصفات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم تسلسل الحوادث في القدم. قوله - رحمه الله -: «لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن وجود الخلائق، لم يضف إلى الله تعالى وصفا لم يكن متصفا به قبل خلقهم، وهذا تأكيد للجملة قبله, فالله متصف بصفاته قبل أن يوجد الخلق، فهو سبحانه الغني الحميد. قوله - رحمه الله-: «وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا» أي: مثل ما كان الله تعالى متصفا بصفاته في الأزل، وأنه لا أول لصفاته، فإنه لا آخر لصفاته، بل هو متصف بصفات الكمال من غير نهاية، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر}---  سورة الحديد:3 +++، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأول بأنه: الذي ليس قبله شيء، والآخر بأنه: الذي ليس بعده شيء +++ (أخرج مسلم (2713) وغيره، عن أبي هريرة.)--- . قوله - رحمه الله -: «ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري» بعد تقرير ما تقدم من كونه لم يزل بصفاته أزليا قبل خلقه ذكر جملة من الصفات التي قد يتوهم أنه إنما اتصف بها بعد خلقه وبدأ بصفة الخلق. فقرر أن الله تعالى متصف بصفة الخلق, وأن اسمه الخالق, قبل إيجاد الخلق وإبداعهم، وكذلك هو متصف بصفة البرء واسمه الباري، قبل أن يبرأ البرية، وهذا توضيح بالمثال وتفسير وبيان. والخالق والبارئ اسمان من أسماء الله - عز وجل - قال تعالى: {هو الله الخالق البارئ}--- سورة الحشر: 24 +++ ، وقد قيل: إنه لا فرق بينهما في المعنى، فالخالق هو البارئ. وقيل: بل بينهما فرق، واختلف فيه، فقيل: إن الخالق هو الموجد و إن البارئ هو المبدع، وقيل: إن الخالق هو المقدر، والبارئ هو الموجد لهاذا التقدير والمظهر له، قال ابن كثير في قوله: { صل

المشاهدات:1459
قوله-رحمه الله-: «نقول في توحيد الله» هذا شروع في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، وبدأ في بيانها ببيان أصل الاعتقاد وأساس الملة والدين، وهو توحيد رب العالمين. والمراد بالقول الإقرار والتصديق، وهذا أحد ركني الإيمان، فالإيمان قول وعمل. وأما توحيد الله فهو إفراد الله في الإلهية والربوبية والأسماء والصفات، هذا هو التوحيد بمفهومه العام، فهذه العقيدة فيها إشارة إلى كل هذه الأنواع، وجميعها مندرجة في الأصل الأول من أصول الإيمان، وهو الإيمان بالله. كما تضمنت هذه العقيدة تقرير بقية مسائل أصول الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله, والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره. ولا يكمل توحيد أحد إلا بهذا الإيمان. لذلك دارت غالب متون عقائد أهل السنة والجماعة على هذه الأصول الستة تقريرا وإيضاحا وبيانا وتفصيلا.
وقوله: «في توحيد الله» التوحيد: مصدر وحد يوحد توحيدا، فهو مأخوذ من (وحد) ، وهذه المادة دائرة على معنى الإفراد. والمراد به إفراد الله تعالى في ربوبيته وفي أسمائه وصفاته وفي إلهيته. فالتوحيد ثلاثة أصناف بالنظر إلى ذات الله تعالى: الأول: توحيد الإلهية: وهو إفراد الله تعالى بالعبادة. والثاني توحيد الربوبية: وهو إفراد الله بالملك والخلق والرزق والتدبير. والثالث توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله بما له من الأسماء والصفات العلا، على الوجه الذي يليق به، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وقد جاءت الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ببيان التوحيد بكل أنواعه، إلا أنه لما كان أكثر انحراف بني آدم في توحيد الإلهية جاءت الرسل بالدعوة إليه، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} سورة الأنبياء:25 ، كما أن علاقة هذه الأنواع ببعضها وثيقة، فتوحيد الإلهية يتضمن النوعين الآخرين، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات يستلزمان توحيد الإلهية. ولذلك استدل الله في الكتاب على إلهيته بأسمائه وصفاته، وبمعاني ربوبيته، وهذه من طرق القرآن الكريم في تقرير توحيد الإلهية، فمن ذلك قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} سورة البقرة: 163 ، وكذلك قوله تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم 22 هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون 23- هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} سورة الحشر. وقسم بعض أهل العلم التوحيد إلى قسمين: الأول: توحيد في المعرفة والإثبات، وهذا يشمل نوعي التوحيد الربوبية والأسماء والصفات، والثاني: توحيد في الطلب والقصد، وهذا يشمل توحيد الإلهية والعبادة ("مدارج السالكين" (3/ 449) .
وجدير بالذكر أن هذه التقاسيم مقصودها تقريب العلم وتسهيله، ودليلها الاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة.
قوله – رحمه الله -: «معتقدين بتوفيق الله» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بتوحيد الله ويدينون له بذلك حال كونهم معتقدين إلهيته وحده لا شريك له، فهم مقرون إقرارا مقترنا بالتصديق والالتزام، مستصحبين في ذلك توفيق الله، فبه يحصل كل خير وعنه يصدر، فالباء للمصاحبة، وقيل: للسببية. والتوفيق هو التسديد والهداية إلى الرشد والحق، فيكون ذلك؛ إما سؤالا وطلبا، وإما إخبارا وإقرارا بأن هذا الاعتقاد حاصل بهداية الله وتسديده، فله المنة والفضل، وبهذا يشهد الموفق منة الله التي تستوجب شكره وتمام الافتقار إليه في طلب الهدايات، ويضمحل عند ذلك كل عجب واغترار.
قوله - رحمه الله -: «إن الله واحد لا شريك له» هذه أول جملة في هذه العقيدة المباركة، وهي مشتملة على تقرير توحيد الإلهية، وبدأ به؛ لأنه رأس المطالب وأول الواجبات وإليه دعت جميع الرسالات، وبه افتتحت الدعوة في جميع النبوات. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله المعبود المألوه بالمحبة والتعظيم واحد لا ثاني له لا في ذاته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، ولا في ربوبيته، ولا في إلهيته. وهذا هو غاية التوحيد وكماله. وقد وصف الله نفسه بأنه واحد، في مواضع من كتابه، قال تعالى: {أنما إلهكم إله واحد} الكهف: 110 ، وقال: {قل هو الله أحد} سورة الإخلاص: 1 ، بل سمى نفسه بذلك، فقال: {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} سورة الرعد: 16. والواحد في اللغة ضد الزوج، فالله منفرد عما سواه بمعاني الربوبية والإلهية والأسماء الصفات، فليس له في ذلك مثيل ولا كفء ولا ند ولا نظير. وقد أكد وحدانية الله بنفي الشريك عنه، فليس لله مشارك في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته.
 
وقد جمع ذلك قوله تعالى: {رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا} سورة مريم: 65 ، فلا مماثل له ولا ند ولا نظير في ربوبيته ولا في إلهيته ولا في أسمائه وصفاته. فتضمنت هذه الجملة إثبات التوحيد لله بأنواعه الثلاثة، وأنه لا شريك له في أي من هذه الأنواع الثلاثة.
قوله - رحمه الله-: «ولا شيء مثله» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له من الحقوق. يدل لذلك أن الله نفى عن نفسه المثل والسمي والند والكفء، فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} سورة الشورى: 11 ، وقال تعالى: {هل تعلم له سميا} سورة مريم: 65 ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} سورة البقرة: 22 ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} سورة الإخلاص: 4. ونفى أيضا أن يدرك بالأمثال، فقال - سبحانه وتعالى -: {فلا تضربوا لله الأمثال} سورة النحل: 74. وقد أجمع على ذلك علماء الأمة، كما دل عليه العقل. فنفي المثل ونحوه من المعاني عن الله غايته إثبات أنه - سبحانه وتعالى - كامل في صفاته، لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، وأنه منفرد بتلك الكمالات، لا يشركه فيها أحد. وذلك أن نفي الصفات عن الله في كتابه - عز وجل - وفي سنة رسوله  صلى الله عليه وسلم  ليس نفيا محضا؛ فالنفي المحض عدم، بل هو نفي يراد به إثبات الكمال لله - سبحانه وتعالى -. ويتبين هذا بمعرفة أن النفي في الخبر عن الله جاء في القرآن العظيم على نحوين:
الأول: نفي مجمل، وهذا هو الأصل فيما جاء من النفي في صفات الله، وهو نفي عام لكل نقص وعيب، وهذا النوع يأتي لإثبات الكمال المطلق لله تعالى. ومن أمثلته نفي المثل والسمي عن الله. والثاني: نفي مفصل، وهو نفي وصف معين عن الله، وهذا النوع يأتي لنفي ما يعتقده الجاهلون في الله تعالى. ومن أمثلته قوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} سورة الإخلاص: 3 ، وقوله: { صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم  چ چ} سورة ق: 38 ، وقوله: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} سورة الجن: 3. ويأتي النفي مفصلا أيضا لإثبات كمال ضد الصفة المنفية؛ كقوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحدا} سورة الكهف: 43 لإثبات كمال عدله. وكقوله تعالى: {لا تاخذه سنة ولا نوم} سورة البقرة: 255 لإثبات كمال حياته وقيوميته. والنفي في صفات الله بنوعيه المجمل والمفصل؛ يجتمعان في كونهما نفيا للنقص والعيب عن الله وصفاته، ونفيا لمماثلة غيره له في صفات الكمال. فطريقة القرآن وما جاءت به الرسل في باب صفات الله، هي الإجمال في النفي، والتفصيل في الإثبات. ولذلك كان النفي بنوعيه في كلام الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  أقل من الإثبات، بخلاف طريقة المخالفين للكتاب والسنة؛ من المتفلسفة والجهمية والقرامطة ونحوهم؛ فإنهم يفصلون في النفي، ويجملون في الإثبات ("مجموع الفتاوى" (6/ 515) .
قوله - رحمه الله -: «ولا شيء يعجزه» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى قادر على كل شيء. فالنفي المفصل للعجز الذي هو عدم القدرة؛ لأجل إثبات كمال الضد، وهو تمام القدرة وكمالها. وقد نفى الله العجز عن نفسه لإثبات كمال قدرته في مواضع عديدة؛ منها قوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض} سورة فاطر: 44 ، و قوله تعالى: {إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} الأنعام: 134.
قوله - رحمه الله-: «ولا إله غيره» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأنه لا معبود حق إلا الله. فالإله: هو المعبود، الذي تالهه القلوب، وتعبده محبة وتعظيما ورقا (ينظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (8/ 378)،و «إغاثة اللهفان» لابن القيم (1/ 27)، و «كلمة الإخلاص» لابن رجب ص (23) . والإله في كلام العرب: اسم جنس لما قصد بشيء من العبادة، لكنه في حق الله حقيقة؛ لأنه المستحق للعبادة، فما سمي إلها دون الله - سبحانه وتعالى - فهي تسمية باطلة خالية من معناها، فإنه لا إله حق إلا الله. فهذه الكلمة بها يتحقق إفراد الله بالعبادة، وهو توحيد الله في الإلهية. وهي أصل الإسلام وأساسه، فلا يقر إيمان ولا يستقيم إسلام ولا يصلح حال أحد إلا بهذه الكلمة، فبها صلاح الدنيا والآخرة؛ وهي دعوة الرسل فما من نبي أرسله الله إلا دعا قومه إلى هذه الكلمة، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء: (25) ، وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} سورة النحل:2. وبالإقرار بها تعصم الدماء والأموال كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» (أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، وجاء عن عدد من الصحابه منهم ابن عمر وأبو هريرة وأنس.) .
وهي أول واجب على المكلفين، فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تاتى قوما من أهل الكتاب. فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله» (أخرجه مسلم (19) من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنه -.) . وهي آخر مطلوب؛ لقوله  صلى الله عليه وسلم : «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة» (أخرجه أبو داود (3116)، وأحمد (5/ 233)، والحاكم (1/ 503)، وقال:"صحيح الإسناد".) . وبالإيمان بها تتحقق الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} سورة الذاريات: 56. وهي حجاب لصاحبها من النار، ففي الصحيحين: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» (أخرجه البخاري (5401)، ومسلم (33) ، وفضائلها أكثر من أن نحيط بها.
وقوله: «ولا إله غيره» أي: لا إله حق غير الله، فلا نافية تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر مبنية على السكون، لا محل لها من الإعراب. وإله اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، وأجود ما قيل في تقديره حق. وغيره بدل من الخبر، وهو مرفوع، ويصح فيه النصب على الاستثناء؛ لكونه مسبوقا بكلام تام غير موجب، وتقدير الخبر حق؛ لإخراج المعبودات الباطلة. والدليل على صحة هاذا التقدير قوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} سورة الحج: 6 و62. ، وقوله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال} سورة يونس: 32. وقد قدر بعضهم الخبر موجود، فيكون معناها: لا معبود موجود إلا الله. وفي هذا التقدير إشكال؛ لأنه يفيد أن كل ما عبد من دون الله فهو إله حق. وهاذا المعنى هو ما يقوله أهل وحدة الوجود الذين جعلوا كل معبود في الوجود حقا، فعندهم الذي يعبد الصنم إنما يعبد الله، والذي يعبد الشمس إنما يعبد الله، والذي يعبد الملائكة إنما يعبد الله، والذي يعبد الكلاب والخنازير إنما يعبد الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ومنه قول شاعرهم:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة (انظر "النفحات الأقدسية" ص (338)، و"هذه هي الصوفية"ص (64)، ونسب هذا الكلام لفريد الدين العطار.) 
ولهذا كان الأصوب في تقدير خبر لا هو: حق أو بحق أي لا معبود بحق إلا الله؛ وبهذا تخرج المعبودات دون الله، ولا يرد توهم ما يعتقده أهل وحدة الوجود من أن كل معبود في الأرض هو الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولا ريب أن الذين قدروا الخبر بموجود أو في الوجود من أهل العلم لا يقصدون هذا المعنى الباطل.
قوله- رحمه الله-: «قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن وجود الله تعالى سابق وجود كل ما عداه دون اعتقاد أن لوجوده بداية، ويؤمنون أيضا بأن وجود الله مستمر باق دونما نهاية، فوجوده أزلي وأبدي. وهذا هو معنى اسميه الأول والآخر، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر} سورة الحديد: 3. وقد بين النبي  صلى الله عليه وسلم  معناهما بقوله: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» (أخرجه مسلم (2713) . فالأول والآخر اسمان من أسماء الله تعالى يثبتان لله تعالى وصف الأولية والآخرية، وبهذا تتحقق إحاطة الله تعالى بكل شيء زمانا، أزلا وأبدا. وآخريته تعالى لا تنافي ما جاء في السنة من أنه يقال لأهل الجنة: «خلود فلا موت» (أخرجه البخاري (4730)، ومسلم (2849) ، وذلك أن خلودهم يفتقر إلى الله تعالى الذي تفضل عليهم بالبقاء، فهو عطاؤه وهبته ومنته، فليس خلودهم ذاتيا. أما آخرية الله - عز وجل - وبقاؤه فإنه وصف له ذاتي، لا يفتقر فيه إلى أحد، فهو الغني الحميد. وقد انتقد بعض أهل العلم قول المصنف قديم بلا ابتداء (قال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على الطحاوية: «قوله: (قديم بلا ابتداء) لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى؛ لعدم ثبوته من جهة النقل».)  بأنه لم يثبت اسم القديم في أسماء الله تعالى. وهذا صحيح، فإنه ليس في أسماء الله تعالى اسم القديم، إلا أن المؤلف لم يذكر ذلك في سياق ذكر أسماء الله تعالى أو على أنه اسم من أسمائه تعالى، بل ذكره على وجه الخبر.
ومعلوم أن باب الإخبار عن الله - عز وجل - أوسع من باب الأسماء، فيجوز الإخبار عن الله بالمعاني الصحيحة اللائقة به، ولو لم يأت لفظها في القرآن والسنة، مثل الإخبار بأن الله واجب الوجود، أو أنه صانع الكون أو أنه مريد، ونحو ذلك من المعاني الصحيحة. وقد استعمل أهل الكلام اسم القديم، وفسروا به اسم الله الأول، لكنهم يقولون: المراد بالقدم هنا القدم الأزلي الذي لا بداية له. والذي دل عليه الكتاب والسنة من اسمه الأول أفضل معنى ولفظا وأكمل وأحسن؛ فإن الأصل في أسماء الله تعالى أنها توقيفية فلا يتجاوز فيها القرآن والحديث. ومن وجه آخر فإن القدم ليس وصف كمال بإطلاق؛ فالقديم هو المتقدم على غيره، وقد يكون حادثا، وهذا مما ينزه الله عنه، بخلاف اسم الأول الذي ليس قبله شيء، فهو كمال مطلق.
قوله - رحمه الله-: «لا يفنى ولا يبيد» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله لا يهلك ولا ينقطع ولا ينتهي. والفناء والبيد متقاربان في المعنى، وإن كان يمكن أن يقال: إن الفناء هلاك بفعل خارجي، أما البيد فهلاك بشيء ذاتي. وكلاهما مما تنزه الله عنه، فالله حي لايموت كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} سورة الفرقان: 58 ، فأثبت لنفسه - سبحانه وتعالى - الحياة، ثم قال: {الذي لا يموت} وهذه صفة حياته، فهي حياة كاملة لا تنقضي ولا تنقطع، لا تفنى ولا تبيد. فهو المتفرد بالبقاء، وأما ما عداه من الموجودات فإن حياته يلحقها فناء وهلاك وزوال، قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} سورة القصص: 88 ، وقال تعالى: {كل من عليها فان 26 ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} سورة الرحمان: 26 - 27.
قوله- رحمه الله-: «ولا يكون إلا ما يريد» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأنه لا يوجد شيء في الكون إلا بإرادة الله ومشيئته. فتكون (ما)  موصولة بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون مصدرية، بمعنى ولا يكون إلا إرادته، والمعنى واحد على الوجهين. والأدلة على ثبوت وصف الإرادة لله تعالى كثيرة من الكتاب، والسنة، والإجماع والعقل. ولهذا يثبتها جميع مثبتة الصفات من الأشاعرة والماتريدية، والكلابية. والإرادة الثابتة لله - سبحانه وتعالى - نوعان (منهاج السنة (3/ 94) ؛ الأول: إرادة دينية شرعية أمرية، وهي شاملة لكل ما أمر الله تعالى به من العبادات والطاعات الواجبة والمستحبة (ينظر: مجموع الفتاوى (2/ 412)) . ومن أمثلتها قول الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} سورة البقرة: 185. ، وقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم} النساء: 26 ، وقوله - عز وجل -: {يريد الله أن يخفف عنكم} سورة النساء: 28. ومن السنة ما في الصحيحين من حديث معاوية مرفوعا: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ("صحيح البخاري" (3116)، ومسلم (1037))
الثاني: إرادة كونية خلقية قدرية، وهي شاملة لكل ما يجري في الكون من الحوادث والوقائع (ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 366) ، ومن أمثلتها قول الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} الأنعام: 125 ، وقوله تعالى فيما قصه من قول نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} هود:34. ومن السنة ما رواه مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم» ("صحيح مسلم" (2879) . فكل ما وقع في الكون من خير أو شر، ومن بر أو معصية، مما يحبه الله أو يكرهه، ومما يرضاه وما لا يرضاه من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والرشد والغي، كل هاذا تشمله الإرادة الكونية. و الفرق بين نوعي الإرادة الشرعية والقدرية شيئان. الأول: أن الإرادة الشرعية تتعلق بمحبة الله ورضاه، خلافا للإرادة القدرية فتكون لما يحبه ومالا يحبه. والثاني: أن الإرادة الشرعية غير لازمة الوقوع، فقد تقع وقد لا تقع. خلافا للإرادة القدرية، فما قضاه الله واقع كائن.
فمثلا أراد الله من الخلق أن يعبدوه وحده، لا شريك له، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات: 56 ، لكن هذه الإرادة لم تتحقق في حال أغلب الخلق؛ لأنها إرادة دينية شرعية أمرية، ولو كان ذلك مرادا كونا وقدرا لكان لازم الوقوع، فما أراده الله كونا لا بد أن يقع، ما شاء كان وما لم يشا لم يكن، فما شاءه الله وجد وما لم يشاه لم يوجد («مجموع الفتاوى» (8/ 131)، (8/ 188) ، ولما خفي هاذا التفريق بين نوعي الإرادة الكونية والشرعية، على كثير من أهل الكلام، لم يميزوا بين نوعي الإرادة
الشرعية والقدرية. بل جعلوهما شيئا واحدا وأن جميعها متعلقة بمحبته، فأوقعهم ذلك في أنواع من الضلالات؛ فيما يتعلق بالقدر والشرع. من ذلك أنهم اعتقدوا أن كل ما أراده الله - سبحانه وتعالى - فهو محبوب له، وعليه فإن كل ما وقع فهو محبوب له، فتكون المعاصي محبوبة له؛ لكونها وقعت بإرادته، وبهذا قالت الجبرية، والجهمية (ينظر: «مجموع الفتاوى» (8/ 340 - 341) . وقابلهم في الضلالة القدرية، فقالوا: إن المعاصي لا تقع بإرادة الله تعالى، بل هي واقعة من غير إرادته. وكلا القولين ضلال عن الصراط القويم، وانطماس بصيرة نتج عن عدم فهم النصوص، فالنصوص فرقت بين نوعي الإرادة. فإنه لا يقع شيء في الكون إلا بإرادة الله، فما من حركة ولا سكون، ولا معصية ولا طاعة إلا بإرادة الله، فما شاء كان وما لم يشا لم يكن، كما قال الله: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} التكوير:29 ، ولذلك لما قال عبد الجبار المعتزلي في مناظرته لأبي إسحاق الإسفراييني: «سبحان من تنزه عن الفحشاء» يريد أن المعاصي ليست بإرادة الله، أجابه الإسفراييني: «سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء». وهذا بلا ريب أبلغ في تعظيم الله؛ لأنه متضمن إثبات تمام الملك والتصرف لرب العالمين، ولأنه لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، كما قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}، ولذلك لما قال له عبد الجبار في مناظرته: «أفيشاء ربنا أن يعصى؟» قال الإسفراييني: «أيعصى ربنا قهرا؟» (ذكر هذه الواقعة تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (4/ 261 - 262) . فحجه وخصمه.
قوله- رحمه الله-: «لا تبلغه الأوهام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا تطاله الأوهام، ولا تنتهي إليه ولا تصله. والأوهام: جمع وهم، وهو أدنى درجات الإدراك، والمراد به الخيالات الفاسدة والظنون الكاذبة التي لا تستند إلى علم (ينظر: «الصحاح» (5/ 2054)،و «لسان العرب» (12/ 643) . فمهما كد الإنسان ذهنه وأعمل فكره وشغل عقله في التوصل لمعرفة حقيقة ما لله من الصفات، وما له من الكمال فإنه سيعود منكسرا حسيرا. ومهما وقع في بالك أو خطر في ذهنك أو دار في خيالك، فاعلم أن الله أجل من ذلك وأعظم. فالعباد لا يمكن أن يحيطوا بصفة من صفاته، كما قال الله - سبحانه وتعالى - في صفة العلم: {ولا يحيطون بشيء من علمه} سورة البقرة: 255. فكيف به سبحانه؟ فنفي الإحاطة به من باب أولى، كما قال تعالى: {ولا يحيطون به علما} سورة طه: 110. والله لكماله وعظيم ما يتصف به لا يدركه الخلق، حتى عند النظر إليه يوم القيامة، كما قال الله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} سورة الأنعام: 103. ولا عجب فهذه السماوات، وهي خلق من خلق الله لا يحيط بها الناظر، كما قال - سبحانه وتعالى -: الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور 3 ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك: 4 ، فإذا كان الإنسان
لا يمكنه أن يدرك هاذا الخلق العظيم، والبناء الكبير، وهو مخلوق من مخلوقات الله، فكيف بإدراك الله العلي العظيم الكبير المتعال - سبحانه وتعالى -؟ ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقطع الطريق على ما يوسوس له به الشيطان من أوهام وخيالات تتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته، فيعلم أن الله تعالى {ليس كمثله شيء} سورة الشورى: 11 ، يطمئن قلبه، ويهنأ فؤاده، ويسلم بذلك من الوساوس والأفكار التي يقذفها الشيطان في القلوب.
قوله- رحمه الله-: «ولا تدركه الأفهام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا تحيط به مدارك العقول، كما قال تعالى: {ولا يحيطون به علما} سورة طه: 110 ، وكما قال - عز وجل -: {ولا يحيطون بشيء من علمه}، سورة طه: 110 ، وكما قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} سورة الأنعام: 103 ، ووجه الدلالة في الآية أن إدراك البصر أسهل من إدراك العقل، فإذا كان إدراك البصر مع سهولته ويسر حصول المطلوب من طريقه لا يبلغ الناظر به إحاطة بالله أوصفاته، فكيف بما هو أصعب وأبعد وهو إدراك العقول والأفهام؟
قوله - رحمه الله-: «ولا يشبه الأنام» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى لا يماثل أحدا من الخلق من الإنس والجن وغيرهم، وذلك أنه لا مثيل له، ولا نظير، ولا سمي، ولا كفء، لا في ذاته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له - سبحانه وتعالى -، هذا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله  صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه علماء الأمة، ودل عليه العقل. وقد سبق تقرير هذا في قوله: «لا شيء مثله» فهذا نوع تكرار. إلا أن نفي المماثلة أبلغ في نفي المشابهة. وذلك أن الذي جاء في الكتاب والسنة هو نفي المماثلة كما في قوله: {ليس كمثله شيء}، ولأن هناك نوع اشتراك في أصل المعنى بين ما وصف الله به نفسه وبين ما يتصف به الخلق، وهذا القدر المشترك هو الذي به تعقل معاني الصفات، وهذا نوع مشابهة في معنى الصفة، لا في كنهها وحقيقتها، فمثلا وصف الله نفسه بالعلم، وهي صفة يوصف بها المخلوق، كما قال تعالى: {وما يعقلها إلا العالمون}، ولكن ليس علم الله - عز وجل - كعلم المخلوق، فعلم الله ليس كمثله فيه شيء، كسائر صفاته - سبحانه وتعالى -، فلله من الصفات ما يناسبه ويليق بعظمته، وللمخلوق ما يناسبه ويليق به، ولما كان نفي المشابهة قد يفهم منه نفي ثبوت أصل الاشتراك في معنى الصفة
سمى نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة مثبتة الصفات في الجملة مشبهة. وهذا الإشكال منتف في نفي المماثلة عن الله تعالى، ولذلك كان نفي المماثلة أسلم وأحكم. وإنما استعمل المؤلف نفي المشابهة لتقرير معنى نفي المثلية المتقدم؛ جريا على اصطلاح كثير من المتأخرين الذين يجعلون نفي المشابهة بمعنى نفي المماثلة.
قوله - رحمه الله-: «حي لا يموت» هذا شروع في بيان بعض ما وصف الله تعالى به نفسه على وجه التفصيل. وبدأ ذلك بذكر صفة الحياة التي هي لازمة لكل صفات الكمال، فاسمه الحي يستلزم جميع الصفات، لذلك قيل: لو اكتفى في إثبات الصفات بدليل اللزوم لاكتفى بأنه الحي، وهذه الصفة هي أول الصفات التي أثبتها الله لنفسه بعد ذكر ألوهيته في أعظم آية في كتاب الله في آية الكرسي.
وقوله: «حي لا يموت» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى له الحياة الكاملة التي لا يتطرق إليها نقص ولا زوال بالموت. وقد دل على إثبات أنه حي لا يموت، الكتاب والسنة والإجماع والعقل، قال الله - عز وجل -: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} سورة الفرقان: 58 ، وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون» ("صحيح مسلم" (2717) . ونفي الموت لإثبات كمال حياة الله؛ فإن حياته - سبحانه وتعالى - لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، بل هي الحياة التامة الكاملة الدائمة الباقية التي لا انتهاء لها ولا نقص فيها.
وقوله: «حي لا يموت» تقرير لمعنى ما تقدم من قوله: «قديم بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء» فإن حياته حياة كاملة في كل وجه، ليس لها مبدأ ولا منتهى.
قوله - رحمه الله -: «قيوم لا ينام» هذا ثاني ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل، وهو أن الله قيوم لا ينام، وقيوم صيغة مبالغة؛ لإثبات كمال قيوميته سبحانه، ولتأكيد ذلك نفى عنه النوم، كما قال تعالى في آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم} البقرة: 255 وكما قال النبي  صلى الله عليه وسلم  فيما رواه مسلم، من حديث أبي موسى: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار» (صحيح مسلم (179) . وفيه إثبات صفة القيومية لله تعالى، فالقيوم من أسمائه وهو متضمن صفة القيومية. ومعنى القيوم: أنه قائم بنفسه (ينظر:: «لسان العرب» (12/ 496) ، فلا حاجة به إلى خلقه، فهو الغني الحميد، قال الله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} سورة فاطر:15. ومن معاني القيوم أيضا أنه - سبحانه وتعالى - مقيم لخلقه، فكل أحد محتاج إليه، كما قال تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} الرعد: 33. بل السماوات والأرض إنما تقوم بإقامة الله - عز وجل -، قال: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} سورة فاطر: 41 ، أي: فلا يمسكها أحد من دونه.
وهذان الاسمان الكريمان: الحي القيوم يرجع إليهما جميع معاني أسماء الله - عز وجل - وصفاته؛ فبدأ المصنف ذكر الصفات تفصيلا، بذكر هذين الاسمين في غاية المناسبة. فالحي يستلزم كل وصف كمال من أوصاف الذات. والقيوم يستلزم كل وصف كمال من أوصاف الفعل (ينظر:: «مجموع الفتاوى» (3/ 11) . ولذلك قيل: إن اسم الله الأعظم هو الحي القيوم، وهاذا من أسباب كون آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله - عز وجل -؛ لكونها احتوت على هذين الاسمين اللذين إليهما ترجع أوصاف الكمال وأسماء الله الحسنى، قال ابن القيم في «النونية» ("القصيدة النونية" ص (36) :
وله الحياة كمالها فلأجل ذا ... ما للممات عليه من سلطان
وكذلك القيوم من أوصافه ... ما للمنام لديه من غشيان
وكذاك أوصاف الكمال جميعها ... ثبتت له ومدارها الوصفان
قوله - رحمه الله-: «خالق بلا حاجة» هذا ثالث ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهي أن الله تعالى هو الصانع الذي أوجد الخلق من عدم وأبدعهم بعد أن لم يكونوا شيئا. وهذه صفة ذاتية فعلية تتعلق بكل شيء في الكون، فهي من أوسع الصفات تعلقا، فما من شيء في الوجود إلا الله خالقه، قال الله تعالى: {قل الله خالق كل شيء} الرعد: 16 ، وقال أيضا: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} الزمر: 62 ، وقال أيضا: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} غافر: 62، 63.
وقوله: «بلا حاجة» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى خلق الخلق وأبدعهم من غير إضطرار إليهم ولا افتقار لهم، بل هو الغني الحميد, خلقهم إظهارا لقدرته وحكمته وعلمه ومشيئته. وذكر عدم حاجته - سبحانه وتعالى - إلى الخلق بيان لأحد أوجه الفرق بين خلق الله وصنعه وبين ما صنعه الخلق، فإن الخلق قد يكون لحاجة الخالق الصانع، والله منزه عن ذلك (العرب تسمي كل صانع خالقا، ومنه قول زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
ينظر: "تفسير الطبري " (19/ 19) . ويدل لهذا أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر الخلق وبين الغاية منه، فقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ثم نفى أن يكون هاذا الخلق للحاجة فقال - سبحانه وتعالى -: {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (سورة الذاريات: 56 - 58.) ، فخلقه - سبحانه وتعالى - ناشئ عن كمال غناه وعظيم قوته ونافذ قدرته. والحاجة تطلق عند المتكلمين على الحكمة والغاية. وهذا المعنى لا يصح حمل كلام المؤلف عليه، فإن نفي التعليل عن أفعال الله تعالى وأحكامه بدعة حادثة، لم يكن عليها صدر الأمة، ولا قال بها الأئمة؛ لأن الله تعالى ذكر الغاية المرادة من الخلق في عدة مواضع كما في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (سورة الذاريات: 56.)  , وكذلك في قوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (سورة الملك: 2.) . كما أن الله تعالى ذكر الغاية المرادة بالخلق، وهي الجزاء بالعدل والفضل، كما قال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} (سورة النجم: 31.) ، وقال تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} (سورة طه:15.) .
قوله - رحمه الله -: «رازق بلا مؤنة» هذا رابع ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهي أن الله تعالى هو رازق جميع خلقه، فهو الرزاق الذي يعطي جميع خلقه كل شيء، فهو خالقهم، وهو رازقهم، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (سورة الذاريات: 56 - 58.) ، فالله تعالى كما تفضل على عباده بالخلق أمدهم بالرزق، بل تكفل برزق كل أحد، كما قال تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم} (سورة الروم: 40.) ، فالله تعالى متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها كما قال: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} (سورة هود: 6.) . ورزق الله لعباده نوعان: الأول: رزق القلوب بالعلم والإيمان. والثاني: ورزق الأبدان بالقوت والأموال وغيرها من مصالح العباد في المعاش.
وقوله: «رازق» خبر عن صفة الله تعالى، وقد جاءت هذه الصفة في أسماء الله تعالى على نحوين: الأول: الرزاق، وهو الذي جاء في قوله تعالى: {إن الله هو الرزاق} (سورة الذاريات: 58.) . والثاني: الرازق، وقد جاء في قراءة ابن مسعود للآية السابقة، قال - رضي الله عنه -: «أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أنا الرازق ذو القوة المتين». وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي، قال عنه: حديث حسن صحيح (أخرجه أحمد (1/ 394) , وأبو داود (3993) , والترمذي (2940) . وقد جاء في حديث التسعير قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق» (أخرجه أحمد (3/ 286)، وأبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وقال الترمذي: «حسن صحيح»، والحديث يروى عن جماعة منهم: أنس، و أبي جحيفة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم -.) .
وقوله: «بلا مؤونة» أي: إن رزق الله تعالى لخلقه لا كلفة عليه فيه ولا مشقة، على كثرة خلقه، وتنوع حاجتهم، فهو الرزاق ذو القوة المتين، فلا يكرثه رزق عباده ولا القيام عليهم. وقد جاء ما يبين ذلك فيما رواه مسلم من حديث أبي ذر أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: قال الله تعالى: «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» (أخرجه مسلم (2577).
قوله - رحمه الله -: «مميت بلا مخافة» هذا خامس ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهو أن الله تعالى يسلب حياة خلقه بالموت، فالموت خلاف الحياة، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (سورة الملك: 2.) ، ولذلك ذكر الإماتة بعد الخلق، فهو المحيي المميت، ولم يرد فيما ثبت من أسماء الله تعالى اسم المميت لا في الكتاب، ولا في السنة الصحيحة. وقد جاء ذكره في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي ورد فيه عد الأسماء الحسنى، إلا أنه معلول لا يصح عند الأئمة من المحدثين (أخرجه الترمذي (3507)، وقال: «غريب»، وقال البيهقي في «الأسماء» ص (19): «ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة, وكذلك في حديث الوليد بن مسلم, ولهذا الاحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج حديث الوليد في الصحيح». ونقل الحافظ في «التلخيص» (4/ 173) عن ابن العربي قوله: «لا نعلم هل تفسير هذه الأسامي في الحديث أو من قول الراوي». وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" «6/ 379»: «فالحديث الذي فيه ذكر ذلك –أي الأسماء الحسنى- هو حديث الترمذي، روى الأسماء الحسنى في جامعه من حديث الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة, ورواها ابن ماجه في سننه من طريق مخلد بن زياد القطواني عن هشام بن حسان بن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام لنبي  صلى الله عليه وسلم , وإنما كل منهما من كلام بعض السلف، فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسرا في بعض طرق حديثه». وينظر:: مجموع الفتاوى (8/ 96، 22/ 482).
وقال ابن كثير في «التفسير» (2/ 269): «والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك» اهـ.) .
وقوله: «مميت بلا مخافة» أي: إن الله تعالى قضى بالموت على كل حي، فإنه - سبحانه وتعالى - كتب الموت على كل خلقه، فلا أحد من الخلق فيه حياة إلا ولا بد أن يذوق الموت وتفارق روحه بدنه، قال تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون 34 كل نفس ذائقة الموت} (سورة الأنبياء: 35.) ، وهذا عام يشمل جميع نفوس الخلائق كما قال تعالى: {كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} (سورة الرحمن: 26 - 27.) ، وكما قال تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} (سورة الزمر: 30.) .
وقوله: «بلا مخافة» أي: إن إماتة الله لخلقه لكمال قدرته عليهم، وتمام غناه عنهم، وليس مخافة الضرر منهم بأي وجه من الوجوه، كما يكون من ملوك الأرض، فإنهم قد يحكمون بالقتل على من يخالفهم من الناس خوفا منهم، وقد يحكمون على شخص بالقتل لسبب من الأسباب ثم يخافون عاقبة ذلك، وأن يعود عليهم بالضرر، والله تعالى منزه عن كل ذلك. فإنه يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون، كما قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} (سورة العنكبوت: 57.) .
قوله - رحمه الله -: «باعث بلا مشقة» هذا سادس ما ذكره المؤلف من صفات الله - عز وجل - التي يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على وجه التفصيل. وهو أن الله تعالى يبعث الخلق بعد موتهم، والمراد بالبعث هنا الإحياء بعد الإماتة (ينظر: «لسان العرب» (2/ 116) ، وهاذا عام لكل ما فيه روح، قال الله تعالى: {والموتى يبعثهم الله} سورة الأنعام:36 ، وقال تعالى: {وأن الله يبعث من في القبور} سورة الحج: 7 ، وقال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا} سورة المجادلة:6 ، وقال تعالى: {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة} سورة الجاثية:26 ، وقال تعالى: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور} (سورة الحج: 66.) .
وقوله: «بلا مشقة» أي: إن بعث الله تعالى للخلق بعد إماتتهم، لا تعب فيه ولا عناء، بل كل ذلك عليه يسير، كما قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير} (سورة التغابن: 7.) ، وقال: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير} (سورة العنكبوت:19.) ، وقال: {إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير (43) يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير} سورة ق:43 - 44 ،
وقال تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} (سورة يس: 79.) ، وقال أيضا: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} (سورة لقمان: 28.) ، وقال: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} (سورة الروم: 27.) ، فلا مشقة في بعث الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، دوابهم وطيورهم، ما في البحر وما في البر، فكلهم يبعثهم الله - عز وجل - ثم يحشرهم إليه يوم القيامة، قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (سورة الأنعام: 38.) . وذكر هذه الجمل الأربع التي تضمنت إثبات أن الله تعالى هو الخالق الرازق المميت الباعث من بديع ترتيب المؤلف، وهو موافق لما ذكره الله تعالى في قوله تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم}. وجميع هذه الصفات التي ذكرها المؤلف دائرة على تقرير توحيد الربوبية، فإن توحيد الربوبية إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، وفيه الإحياء والإماتة، فيكون المؤلف قد أتى بهذا على أنواع التوحيد الثلاثة، تقريرا وتأصيلا، فبدأ بالألوهية وعطف بالأسماء والصفات وختم بالربوبية.
قوله - رحمه الله -: «ما زال بصفاته قديما قبل خلقه» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى كان متصفا بصفاته المثلى في القدم، قبل أن يوجد الخلق، وهو دائم على ذلك بعد خلقه.
وقوله: «ما زال» اجتمع فيه نفيان: ما النافية، وزال التي تقتضي النفي؛ فهو فعل نفي ومعناه عدم الدوام، ومن المعلوم أن نفي النفي إثبات، لذلك كان معنى ما زال دام واستمر، ولذلك أجريت (ما زال) مجرى (كان) في المعنى، فيكون المعنى أن الله كان بصفاته قديما في الأزل قبل خلقه.
وقوله: «بصفاته» أي: إن صفات الله مصاحبة لذاته، فالباء للمصاحبة، والصفات جمع صفة، وهي في اللغة: النعت والحلية، وهي كل ما اتصف الله تعالى به من نعوت الجلال والجمال والعظمة والكمال، فيشمل ذلك الصفات الذاتية والفعلية، فإن ما وصف الله تعالى به نفسه نوعان في الجملة: النوع الأول: صفات ذاتية، وهي الصفات التي لم يزل الله - سبحانه وتعالى - متصفا بها ولا يزال، وهي ما لاينفك الله تعالى عن الاتصاف بها؛ كصفة الحياة والعلم، والقيومية، وغير ذلك من صفات الذات. فالله - سبحانه وتعالى - متصف بها أزلا وأبدا. والنوع الثاني: صفات فعلية، وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله واختياره، فالله يتصف بها متى شاء، وتسمى الصفات الاختيارية، كالإحياء والإماتة والاستواء والنزول، والمحبة ونحو ذلك. فكلا هذين النوعين لم يزل الله متصفا به قبل خلقه كالحياة والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة ونحوها من الصفات الذاتية، فهي صفات قديمة لا أول لها ولا منتهى. فلم يزل الله حيا عليما قديرا سميعا بصيرا متكلما أزلا. وأما صفات
الفعل كالمحبة والرضا والغضب والنزول ونحو ذلك، فإنه من حيث جنس الفعل لم يزل الله تعالى فعالا لما يريد، كما قال: {فعال لما يريد} (سورة هود: 107.) ، فجنس صفات الأفعال قديم، أما أفراد الأفعال وآحادها فهذه قد تكون حادثة بعد أن لم تكن. كاستواء الله - عز وجل - على العرش فإنه حدث بعد أن لم يكن، كما أخبر في كتابه؛ حيث قال: {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} (سورة الفرقان: 59.) ، وكان ذلك بعد خلق السماوات والأرض، وفي هذا إبطال لمذهب معطلة الصفات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم تسلسل الحوادث في القدم.
قوله - رحمه الله -: «لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته» أي: إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن وجود الخلائق، لم يضف إلى الله تعالى وصفا لم يكن متصفا به قبل خلقهم، وهذا تأكيد للجملة قبله, فالله متصف بصفاته قبل أن يوجد الخلق، فهو سبحانه الغني الحميد.
قوله - رحمه الله-: «وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا» أي: مثل ما كان الله تعالى متصفا بصفاته في الأزل، وأنه لا أول لصفاته، فإنه لا آخر لصفاته، بل هو متصف بصفات الكمال من غير نهاية، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر}  سورة الحديد:3 ، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأول بأنه: الذي ليس قبله شيء، والآخر بأنه: الذي ليس بعده شيء (أخرج مسلم (2713) وغيره، عن أبي هريرة.) .
قوله - رحمه الله -: «ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري» بعد تقرير ما تقدم من كونه لم يزل بصفاته أزليا قبل خلقه ذكر جملة من الصفات التي قد يتوهم أنه إنما اتصف بها بعد خلقه وبدأ بصفة الخلق. فقرر أن الله تعالى متصف بصفة الخلق, وأن اسمه الخالق, قبل إيجاد الخلق وإبداعهم، وكذلك هو متصف بصفة البرء واسمه الباري، قبل أن يبرأ البرية، وهذا توضيح بالمثال وتفسير وبيان. والخالق والبارئ اسمان من أسماء الله - عز وجل - قال تعالى: {هو الله الخالق البارئ} سورة الحشر: 24 ، وقد قيل: إنه لا فرق بينهما في المعنى، فالخالق هو البارئ. وقيل: بل بينهما فرق، واختلف فيه، فقيل: إن الخالق هو الموجد و إن البارئ هو المبدع، وقيل: إن الخالق هو المقدر، والبارئ هو الموجد لهاذا التقدير والمظهر له، قال ابن كثير في قوله: { صل

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91422 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87223 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف