فصل لما سلم لآدَم أصل الْعُبُودِيَّة لم يقْدَح فِيهِ الذَّنب ابْن آدم لَو لقيتني بقراب الأَرْض خَطَايَا ثمَّ لقيتني لَا تشرك بِي شَيْئا لقيتك بقرابها مغْفرَة لما علم السَّيِّد أَن ذَنْب عَبده لم يكن قصدا لمُخَالفَته وَلَا قدحا فِي حكمته علمه كَيفَ يعْتَذر إِلَيْهِ فَتَلَقَّى آدَمُ م رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ العَبْد لَا يُرِيد بمعصيته مُخَالفَة سَيّده وَلَا الجرأة على مَحَارمه وَلَكِن غلبات الطَّبْع وتزيين النَّفس والشيطان وقهر الْهوى والثقة بِالْعَفو ورجاء الْمَغْفِرَة هَذَا من جَانب العَبْد وَأما من جَانب الربوبية فجريان الحكم وَإِظْهَار عز الربوبية وذل الْعُبُودِيَّة وَكَمَال الِاحْتِيَاج وَظُهُور آثَار الْأَسْمَاء الْحسنى كالعفو والغفور والتوّاب والحليم لمن جَاءَ تَائِبًا نَادِما والمنتقم وَالْعدْل وَذي الْبَطْش الشَّديد لمن أصر وَلزِمَ المجرة فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيد أَن يرى عَبده تفرده بالكمال وَنقص العَبْد وَحَاجته إِلَيْهِ ويشهده كَمَال قدرته وعزته وَكَمَال مغفرته وعفوه وَرَحمته وَكَمَال بره وستره وحلمه وتجاوزه وصفحه وَأَن رَحمته بِهِ إِحْسَان إِلَيْهِ لَا مُعَارضَة وَأَنه إِن لم يتغمّده برحمته وفضله فَهُوَ هَالك لَا محَالة فَللَّه كم من تَقْدِير الذَّنب من حِكْمَة وَكم فِيهِ مَعَ تَحْقِيق التَّوْبَة للْعَبد من مصلحَة وَرَحْمَة التَّوْبَة من الذَّنب كشرب الدَّوَاء للعليل وَرب عِلّة كَانَت سَبَب الصِّحَّة .
لَعَلَّ عتبك مَحْمُود عواقبه ... وَرُبمَا صحت الأجساد بالعلل .
لَوْلَا تَقْدِير الذَّنب هلك ابْن آدم من الْعجب ذَنْب يذل بِهِ أحب إِلَيْهِ من طَاعَة يدل بهَا عَلَيْهِ شمعة النَّصْر إِنَّمَا تنزل فِي شمعدان الانكسار لَا يكرم العَبْد نَفسه بِمثل إهانتها وَلَا يعزها بِمثل ذلها وَلَا يريحها بِمثل تعبها كَمَا قيل.
سأتعب نَفسِي أَو أصادف رَاحَة ... فان هوان النَّفس فِي كرم النَّفس
وَلَا يشبعها بِمثل جوعها وَلَا يؤمنها بِمثل خوفها وَلَا يؤنسها بِمثل وحشتها من كل مَا سوى فاطرها وبارئها وَلَا يُحْيِيهَا بِمثل امانتها كَمَا قيل
موت النُّفُوس جياتها ... من شَاءَ أَن يحيا يَمُوت.
شراب الْهوى حُلْو وَلكنه يُورث الشرق من تذكر خنق الفخ هان عَلَيْهِ هجران الْحبَّة يَا معرقلا فِي شرك الْهوى جمزة عزم وَقد خرقت الشبكة لَا بُد من نُفُوذ الْقدر فاجنح للسلم لله ملك السَّمَوَات والارض واستقرض مِنْك حَبَّة فبخلت بهَا وَخلق سَبْعَة أبحر وَأحب مِنْك دمعة فقحطت عَيْنك بهَا إِطْلَاق الْبَصَر ينقش قي الْقلب صُورَة المنظور وَالْقلب كعبة والمعبود لَا يرضى بمزاحمة .
الْأَصْنَام لذات الدُّنْيَا كسوداء وَقد غلبت عَلَيْك والحور الْعين يعجبن من سوء اختيارك عَلَيْهِنَّ غير أَن زَوْبَعَة الْهوى إِذا ثارت سفت فِي عين البصيرة فخفيت الجادة سُبْحَانَ الله تزينت الْجنَّة للخُطَّاب فجَدُّوا فِي تَحْصِيل الْمهْر وتعرّف رب الْعِزَّة إِلَى المحبين بأسمائه وَصِفَاته فعملوا على اللِّقَاء وَأَنت مَشْغُول بالجيف
لَا كَانَ من لسواك مِنْهُ قلبه ... وَلَك اللِّسَان مَعَ الوداد الْكَاذِب
الْمعرفَة بِسَاط لَا يطَأ عَلَيْهِ إِلَّا مقرب والمحبة نشيد لَا يطرب عَلَيْهِ إِلَّا محب مغرم الْحبّ غَدِير فِي صحراء لَيست عَلَيْهِ جادة فَلهَذَا قل وارده الْمُحب يهرب إِلَى الْعُزْلَة وَالْخلْوَة بمحبوبه والأنس بِذكرِهِ كهرب الْحُوت إِلَى المَاء والطفل إِلَى أمه.
وَأخرج من بَين الْبيُوت لعلني ... أحدث عَنْك الْقلب بالسر خَالِيا
لَيْسَ للعابد مستراح إِلَّا تَحت شَجَرَة طُوبَى وَلَا للمحب قَرَار إِلَّا يَوْم الْمَزِيد اشْتغل بِهِ فِي الْحَيَاة يكفك مَا بعد الْمَوْت يَا منفقا بضَاعَة الْعُمر فِي مُخَالفَة حَبِيبه والبعد مِنْهُ لَيْسَ فِي أعدائك أضرّ عَلَيْك مِنْك
مَا تبلغ الْأَعْدَاء من جَاهِل ... من يبلغ الْجَاهِل من نَفسه.
الهمة العليّة من استعد صَاحبهَا للقاء الحبيب وَقدم التقادم بَين يَدي الْمُلْتَقى فَاسْتَبْشَرَ عِنْد الْقدوم {وَقدمُوا لأنفسكم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} تالله مَا عدا عَلَيْك الْعَدو إِلَّا بعد أَن تولى عَنْك الْوَلِيّ فَلَا تظن أَن الشَّيْطَان غلب وَلَكِن الْحَافِظ أعرض احذر نَفسك فَمَا أَصَابَك بلَاء قطّ إِلَّا مِنْهَا وَلَا تهادنها فوَاللَّه مَا أكرمها من لم يهنها وَلَا أعزها من لم يذلها وَلَا جبرها من لم يكسرها وَلَا أراحها من لم يتبعهَا وَلَا أمنها من لم يخوفها وَلَا فرحها من لم يحزنها سُبْحَانَ الله ظاهرك متجمل بلباس التَّقْوَى وباطنك باطية لخمر الْهوى فَكلما طيبت الثَّوْب فاحت رَائِحَة الْمُسكر من تَحْتَهُ فتباعد مِنْك الصادقون وانحاز إِلَيْك الْفَاسِقُونَ يدْخل عَلَيْك لص الْهوى وَأَنت فِي زَاوِيَة التَّعَبُّد فلايرى مِنْك طردا لَهُ فَلَا يزَال بك حَتَّى يخْرجك من الْمَسْجِد أصدق فِي الطّلب وَقد جاءتك المعونة فَقَالَ رجل لمعروف عَلمنِي الْمحبَّة فَقَالَ الْمحبَّة لَا تَجِيء بالتعليم .
هُوَ الشوق مدلولا على مقتل الفنا ... إِذا لم يعد صبا بلقيا حَبِيبه