×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : يوم الجمعة وما يتعلق به من سنن وآداب

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:19677

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعيِنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ،وَنعوُذُ بِاللهِ مِنْ شروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أما بعدُ:

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ تَقْوَىَ اللهِ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ كُلَّ سوُءٍ، بِها يَخْرُجُ الإِنْسانُ مِنْ كُلِّ ضيِقٍ، وَيَبْلُغُ كُلَّ أَمَلٍ وَأُمْنِيَةٍ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق: 2- 3.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, اللهُ - جَلَّ في عُلاهُ - يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ؛ كَما قالَ الحَقُّ سُبْحانَهُ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُالقصص: 68، وَاللهُ يَصْطَفِيِ مِنْ خَلْقِهِ ما يَشاءُ، وَهذا الاصْطِفاءُ وَفْقَ حِكْمَةٍ وَعِلْمٍ تامٍّ؛ فَهُوَ - جَلَّ وَعَلا - الحكيِمُ العليِمُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًاالإنسان: 30.

وَممَّا اصْطَفاهُ مِنَ الزَّمانِ في جَرْيِ الأَيَّامِ: ما اصْطَفاهُ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ الَّذيِ جَعَلَهُ اللهُ تَعالَىَ مَحلًّا لحوادِثَ كَوْنِيَّةً عُظْمَىَ، فاليَوْمُ يَوْمُ الجُمْعَةِ، وَهُوَ اليَوْمُ الَّذيِ قال فِيِهِ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ»أخرجه مسلم(854)؛ هَذِهِ خَصائِصُ ذَكرها رَسوُلُ اللهِ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا اليَوْمِ، وَهِيَ خَصائِصُ قَدَرِيَّةٌ.

قَدَّرَ اللهُ تَعالَىَ في هَذا اليَوْمِ هَذِهِ الوَقائِعُ؛ مِنْها مَا مَضَىَ؛ مِنْ خَلْقِ آدَمَ وَإِدْخالُهُ الجَنَّةَ وَإِخْراجُهُ مِنْها، وَمِنْها ما سَيَأْتِيِ وَهُوَ قِيامُ السَّاعَةِ في يَوْمِ الجُمْعَةِ؛ كَما قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلا تَقوُمُ السَّاعَةُ إِلَّا في يَوْمِ الجُمُعَةِ»، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنادٍ لا بأْس بِهِ قال - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالْخَلَائِقُ فِيهِ مُصِيخَةٌ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: الْجِنَّ وَالْإِنْسَ»»أخرجه أحمد(23791)بإسناد صحيح

عِبادَ اللهِ, فَرَضَ اللهُ تَعالَىَ تَعْظيِمُ هذا اليَوْمِ الَّذِيِ جَعَلَهُ مَحلًّا لخَلْقِ آخرِ خَلقِهِ؛ آدمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَجَعَلَهُ محلًّا لِلتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِأْنْواعِ القُرُباتِ، فَعَظَّمَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - في سائِرِ الأُمَمِ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ هَدَىَ هَذِهِ الأُمَّةَ وَأَضَلَّ غَيْرَها، فَفِيِ الصَّحيِحِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الآخِروُنَ السَّابِقُوُنَ» الآخِروُنَ زَمانًا السَّابِقوُنَ فَضْلًا وَمَنْزِلَةً وَدِيانَةً، «نَحْنُ الآخِروُنَ السَّابِقوُنَ يَوْمَ القِيامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوُتوُا الكِتابَ مِنْ قَبْلِنا، ثُمَّ هَذا يَوْمُهُمْ الذي فرض عليهم وهو يوم الجمعة فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد»أخرجه: البخاري(3486), ومسلم(855)، فَاليَهوُدُ يُعَظِّموُنَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالنَّصارَىَ يُعَظِّموُنَ يَوْمَ الأَحَدْ، وَاللهُ تَعالَىَ إِنَّما فَرَضَ عَلَىَ عِبادِهِ تَعْظيِمَ هذا اليَوْمِِ الَّذيِ خَصَّهُ اللهُ بِهذِهِ الحوادِثِ الكَوْنِيَّةِ، خَصَّهُ اللهُ بِهَذِهِ الوَقائِعِ العُظْمَىَ الَّتِيِ تَتَعَلَّقُ بِالبَشَرِيَّةِ ابْتِداءً وَانْتِهاءً وَمآلًا.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ خَصائِصَ يَوْمِ الجُمْعَةِ كَثيِرَةٌ؛ مِنْها ما يَتَّصِلُ بِقَدَرِ اللهِ وَما أَجْراهُ اللهُ فِيِهِ مِنَ الحوادِثِ، وَمِنْها ما يَتَّصِلُ بِالأُموُرِ الدِّيِنِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِيِ لِلمُؤْمِنِ أَنْ يِعْتِني بِالتَّعَرُّفِ عَلَىَ الخَصائِصِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي خَصَّ اللهُ تَعالَىَ بها هذا اليَوْمَ:

فَيَوْمُ الجُمْعَةِ مِنْ أَبْرَزِ خَصائِصِهِ الشَّرْعِيَّةِ صَلاةُ الجُمْعَةِ الَّتيِ هِيَ أَفْضَلُ الصَّلواتِ وَأَعْظَمُها، وَقَدْ فَرَضها اللهُ تَعالَىَ عَلَىَ كُلِّ مُسْلِمٍ بالِغٍ ذَكَرٍ حُرْ؛ قالَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَالجمعة: 9 وَقَدْ وَرَدَ التَّحْذيِرُ الشَّديِدُ في التَّفْريِطِ في الُجمُعَةِ وَإِضاعَتِها، فَفِي الصَّحيِحِ مِنْ حديِثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَحديِثِ أَبِي هُرَيِرةَ رَضِيِ اللهُ تعالَىَ عَنْهُمْ أَنَّهُما سَمعا النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقوُلُ عَلَىَ أَعْوادِ مِنْبَرِهِ «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ» أَيْ: عَنْ تَركْهُمْ حُضوُرِ الجُمَعِ «أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»أخرجه: مسلم(865)فَتَرْكُ الجُمُعَةِ سَبَبٌ لِلخَتْمِ عَلَىَ القَلْبِ، وَهَذا مِنْ أَعْظَمِ العُقوُباتِ وَأَشَدِّها؛ فَإِنَّهُ إِذا خَتَمَ عَلَىَ القَلْبِ ضَعُفَتْ البَصيِرَةُ واَنْسَدَّتْ طُرُقُ الهِدايَةِ وَعَمِيَ القَلْبُ، وَإِذا عَمِيَ القَلْبُ أَظْلَمَ وَانْتَكَسَ وَفاتَتْهُ خَيْراتُ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنِ فَضْلِ اللهِ عَلَىَ عِبادِهِ أَنْ جَعَلَ هَذِهِ الصَّلاةَ سَبَبًا لِتَكْفيِرِ الخطايا وَالسَّيِّئاتِ، فَقَدْ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَما في الصَّحيحِ مِنْ حَديِثِ أَبِي هُريْرَةَ «وَالجُمُعَةُ إِلَىَ الجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لما بَيْنَهُما إِذا اجْتُنِبَتْ الكبائِرُ»أخرجه مسلم(233) يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَىَ وَجْهِ الكَمالِ لمَنْ تَهَيَّأَ لَها وَاسْتَعَدَّ بما يَنْبَغِيِ أَنْ يَسْتَعِدَّ بِهِ لهَذِهِ الصَّلاةِ،«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ» وَفَضْلُ اللهِ وَاسِعٌ قالَ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:«وزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ »أخرجه مسلم(857) فَمِنْ خَصائِصِ الجُمْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ - أَيُّها المؤْمِنوُنَ - هَذِهِ الصَّلاةُ، حافِظوُا عَلَيْها واحْرِصوُا عَلَىَ إِقامَتِها عَلَىَ الوَجْهِ الَّذِي أَمَركُمُ اللهُ تَعالَىَ بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مما يَجْلِبُ لَكُمُ الخَيْرَ وَيَرْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ شَرٍّ، تَزْدادُ إِيمانًا وَتُصْلِحْ لكُمْ قلُوبَكُمْ وَإِذا صَلُحُ القَلْبُ صَلَحَ الَجَسدُ كُلُّهُ.

مِنْ خَصائِصِ هَذا اليَوْمِ - أَيُّها المؤْمِنوُنَ - مِنْ خَصائِصِ يَوْمِ الجُمُعَةِ أَنَّ فيِهِ ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَدْعوُ اللهَ تَعالَىَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ إِلَّا أَجابَهُ اللهُ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ - بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ وَواسِعِ كَرَمِهِ وَجَزيِلِ إِحْسانِهِ؛ فَفِيِ الصَّحيِحِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه الله إياه»أخرجه: البخاري(5294), ومسلم(852)وَقالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُها أَيْ: أَشارَ بِيَدِهِ: قَلِّلوُا هَذِهِ السَّاعَةَ زَمانًا، وَالسَّاعَةَ الَمقْصوُدَ بِها في الحَديِثِ هُوَ البُرْهَةُ مِنَ الوَقْتِ وَلَيْسَ السَّاعَةُ الاصْطِلاحيِّةُ الَّتيِ هِيَ سِتُّوُنَ دَقيِقَةً.

أَيُّها المؤْمنوُنَ, مِنَحٌ عَظيِمَةٌ جَليِلَةٌ يَتَفَضَّلُ اللهُ تَعَالَىَ بِها عَلَىَ عِبادِهِ، فَتَعَرَّضوُا لِنَفَحاتِهِ وَخذوُا بِأَسْبابِ التَّوْفيِقِ وَالِهدايَةِ وَإِجابَةِ الدَّعواتِ، وَأَرْجَىَ ما تَكوُنُ هَذِهِ السَّاعَةُ ما بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَىَ غروُبِ الشَّمْسِ؛ فَعَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» يريد - صلى الله عليه وسلم - ساعةً «لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ»أخرج النسائي(1389) بِإِسْنادٍ صحيحٍوَمِنَ الوَقْتِ الَّذِيِ يُرْجَىَ فيِهِ إِجابَةُ الدُّعاءِ: مِنْ دُخوُلِ الإِمامِ إلَىَ انْقِضاءِ الخُطْبَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جاءَ فِيِهِ حَديِثٌ عَنْهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَلحُّوُا عَلَىَ اللهِ في الدُّعاءِ بيْنَ الخُطْبَتَيْنِ وَقَبْلَ الصَّلاةِ وفِي سُجوُدِكُمْ وَفِي أَدْبارِ صَلواتِكُمْ؛ فَإِنَّها مِنَ الزَّمانِ الَّذِيِ يُرْجَىَ فِيِهِ إِجابَةُ الدُّعاءِ.

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، اغْفِرْ لَنا الخَطَأَ وَالزَّلَلَ، وَسَدِّدْنا في القَوْلِ وَالعَمَلِ. أَقوْلُ هذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيِمُ.

***

الخطبة الثانية:                                                           

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالميِنَ، لَهُ الأوُلَىَ وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْرِفوُا لهذا اليَوْمِ حَقَّهُ؛ فَإِنَّ يَوْمَ الجُمْعَةِ يَوْمٌ عَظَّمَهُ اللهُ تَعالَىَ، وَاخْتارهُ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، فَتَعْظيِمُهُ قُرْبَةٌ وَعِبادَةٌ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَتَعْظيمُهُ يَكوُنُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَالتَّقَرُّبُِ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ بما شَرَعَهُ فِيِهِ مِنَ الأَعْمالِ وَالشَّرائِعِ وَالسُّنَنِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعظُّمُ بِهِ هذا اليَوْمَ العظيِمَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, لما كانَتْ الصَّلاةُ - صَلاةُ الجُمُعَةِ - مَنْزلتَها عَلَىَ هذا النِّحْوِ الَّذيِ بَيَّنَهُ رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - وَبَيَّنُتْهُ الأَدِلَّةُ، فَإِنَّ للِصَّلاةِ آدابًا يَنْبَغِيِ أَنْ يَسْتَحْضِرَها المؤْمِنُ، وَأَنْ يَسْتَصْحِبَها لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَلِيَكوُنَ بِذَلِكَ مِنَ الفائِزينَ بِالعَطاءِ الجَزيِلِ وَالفَضْلِ الكبيِرِ مِنْ رَبٍّ يُعْطِيِ عَلَىَ القليِلِ الكَثيِرَ.

فمِن سُنَنِ وَآدابِ صَلاةِ الجُمْعَةِ: الاغْتِسالُ لَها وَالتَّنَظُّفُ وَالتَّطَيُّبُ قَبْلَ المَجِيِءِ إِلَيْها؛ فَفِيِ الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ سَعيِدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ - قَالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ واجِبٌ عَلَىَ كُلِّ محُتْلَمْ»البخاري(880)ومسلم(846)أَيْ: مُؤكَّدٌ ثابِتٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الإِمامُ أَحْمَُد مْنِ حديِثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسِ الثَّقَفِيِ في بَيانِ أَجْرِ مَنْ أَتَىَ الجُمُعَةَ مُسْتَصْحِبًا آدابَها، قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَن غسَّل يوم الجُمعةِ واغتسلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَىَ وَلمْ يَركَبْ، وَدَنا مِنَ الِإمامِ وَاسْتَمَعَ وأَنْصَتَ، وَلمْ يَلْغُ؛ كانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطوُها مِنْ بَيْتِهِ إِلَىَ المسْجِدِ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيامِها وَقِيامِها»أحمْد(16173)بإسنادصحيح

أَيُّها المؤمنوُنَ, إنَّ مِنَ الآدابِ الَّتي يَنْبَغِيِ أَنْ يَتَحَلَّىَ بِها الِإْنسانُ في مَجِيِئِهِ إِلَىَ صَلاةِ الجُمْعَةِ: أَنْ يَتَطَيَّبَ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَ سِواكًا أَوْ أَنْ يَسْتاكَ قَبْلَ مَجِيِئِهِ، فَقَدْ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَىَ كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسَّواكَ وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيِبِ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ»البخاري(880)ومسلم(846).

وَمِنَ الآدابِ في المَجِيِءِ إِلَىَ صَلاةِ الجُمُعَةِ: أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيابِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لِأَصْحابِهِ: «ما على أحدِكم إن وَجَدْتُم أن يَتَّخِذَ ثوبينِ ليومِ الجمعة سوى ثوبي مِهْنته» أخرجه: أبو داود ح(1078)صحيح لغيره وهَذا يَدُلُّ عَلَىَ أَنَّهُ يُشْرَعُ أَنْ يَخُصَّ الإِنْسانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَمزيِدِ عِنايَةٍ بِالتَّزَيُّنِ وَالتَّهَيُّؤِ في مَجِيِئِهِ إِلَىَ الصَّلاةِ.

وَمِن الآدابِ في المَجِيِءِ إِلَىَ صَلاةِ الجُمَعَةِ: أَنْ يُبكِّرَ في مَجيِئِهِ إِلَىَ صَلاةِ الجُمُعَةِ، فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ» يَعْنِي إِذا جَاءَ «وَقَفَتِ الملائِكَةُ عَلَىَ بابِ المسْجِدِ يَكْتبوُنَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ،  وَمَثَلُ المُهَجِّرِ» يَعْنِيِ المبَكِّرَ في المَجيِءِ «كَمَثَلِ الَّذيِ يُهْدِيِ بَدَنَةً، ثُمَّ الَّذِيِ يَلِيِهِ كالَّذِيِ يُهْدِيِ بَقَرةً، ثُمَّ كَبْشًا ثُمَّ دَجاجَةً ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذا خَرَجَ الإِمامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَجَلَسوُا يَسْتَمِعوُنَ الذِّكْرَ»أخرجه: البخاري (929), ومسلم(587)وَهذا يُبَيِّنُ عَظيمَ ما يُلْقَىَ في خُطَبِ الجُمُعَةِ؛ حَيْثُ إِنَّ الملائِكَةَ تَسْتَمِعُ لما يَقوُلُ الخُطباءُ.

أَيها المؤمنون, إن مِن الآداب التي ينبغي أن يراعيها من جاء إلى الجمعة، أن من دخل والإمام يخطب فينبغي ألا يجلس حتى يصلي ركعتين، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين خفيفتين ثم ليجلس»أخرجه: البخاري (1170), ومسلم(875).

ومِنَ الآدابِ الَّتي يَنْبَغِيِ أَنْ يَتَحَلَّىَ بِها مَنْ شَهِدَ هَذِهِ الصَّلاةَ المباركة: أَنْ يُنْصِتَ وَأَنْ يَسْتَمِعَ لِلخُطْبَةِ؛ قالَ الَّنِبُّي - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قلت لصاحبك: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ»أخرجه: البخاري (934), ومسلم(851).وَهذا يَعْنِيِ ذَهابَ أَجْرِ الخُطْبَةِ إِذا تَحَدَّثَ الإِنْسانُ إِلَىَ غَيْرِهِ، وَلَوْ كانَ ذَلِكَ في أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَوْ كانَ ذَلِكَ في تَوجيِهٍ وَنُصْحٍ.

ومِنَ الآدابِ الَّتِيِ يَنْبَغيِ أَنْ يَتَحَلَّىَ بِها مَنْ يَأْتِيِ إِلَىَ صَلاةِ الجُمُعَةِ: أَنَّ مَنْ جاءَ مُتَأَخِّرًا يَنْبَغِيِ أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ يَنْتَهِيِ بِهِ المجْلِسُ، وَلا يَجوُزُ لَهُ تَخَطِّيِ الرِّقابِ وَأَنْ يَبْلُغَ الصُّفوُف الأَوَّل، مادامَ أَنَّ الصُّفوفَ قَدْ اكْتَمَلَتْ؛ فَإِنَّهُ لا يجوُزُ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَتَخَطَّىَ الرِّقابَ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ جاءَ مُتَأَخِّرًا فَتَخَطَّىَ الرِّقابَ «اجْلِسْ فَقَدْ آذيْتَ»أخرجه: أحمد (17674)بإسناد صحيح.فمَن رَغِبَ في الصُّفوُفِ الأُوَلِ فَلْيبُادِرْ إِلَىَ الصَّلاةِ.

وَمِنَ الآدابِ الَّتيِ يَنْبَغِيِ أَنْ تُعْلَمَ فِيما يَتَعَلَّقُ بِصَلاةِ الجُمُعَةِ: أَنَّ صَلاةَ الجُمُعَةِ لا تَجِبُ عَلَىَ المسافِرِ السَّائِرِ الَّذيِ في طَريِقٍ وَلا النَّازِلِ في مَكانٍ لا تُقامُ فيِهِ الجُمُعَةُ، فَإِنْ كانَ في المكانِ جُمُعَةٌ تُقامُ وُهُوَ مُسافِرٌ فَيَنْبَغِيِ أَنْ يَحْضُرَها، وَإِذا حَضَرَها وَصَلَّىَ مَعَ الإِمامِ فَلا يَصِحُّ أَنْ يَجْمَعَ مَعها العَصْرَ في قَوْلِ أَكْثِرِ أَهْلِ العِلْمِ؛ لأَنَّ الجُمُعَةَ صَلاةٌ مُنْفَرِدَةٌ لا تُجْمَعُ مَعَ ما قَبْلَها وَلا مَعَ ما بَعْدَها، وَلا يَنْبَغِيِ لَهُ أَنْ يُفَرِّطَ في هَذا الحُكْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسادُ صلاةِ العَصْرِ إِذا جَمَعَها إِلَىَ الجُمُعَةِ في قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم.ينظر: مجموع فتاوي ابن عثيمين(16/179)؛ فقد بسط الكلام عن المسألة.

أمَّا إِنْ صَلَّىَ المسافِرُ الظَّهْرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ صَلَّاهُ فيِ غَيْرِ مَواضِعِ الخُطَبِ وَالجُمُعاتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيها كَسائِرِ الأَيَّامِ، يُقْصِرُها وَيَجْمَعُ مَعها العَصْرَ إِنْ شاءَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يخُرْجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَدْ شَهِدَ الجُمُعَةَ، فالحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِصلاةِ الجُمُعَةِ مَعَ الخَطيِبِ، وَلَيْسَ بِصلاةِ الظُّهْرِ الَّتِيِ تَكوُنُ يوَمَ الجُمُعَةِ.

الَّلهُمِّ عَلِّمْنا مَا يَنْفَعُنا وَانْفَعْنا بما عَلَّمْتَنا وَزِدْنا عِلْمًا يا عَليِمُ، خُذْ بِنواصيِنا لما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ وَاجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ وَأَوْلِيائِكَ يا رَبَّ العالمينَ.

الَّلهُمَّ اعْمُرْ قلوُبَنا بِتَقْواكَ وارْزُقْنا العَمَلَ بِصالحِ العَمَلِ ظاهرًا وَباطِنًا يا رَّب العالمينَ.

اَّللهُمَّ اغْفِرْ لَنا الخَطَأَ وَالزَّلَلَ، وَأَعِنَّا عَلَىَ ما فِيِهِ الرَّشَدُ وَالخَيْرُ يا رَبَّ العالمينَ.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ. الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا الملكَ سَلْمانَ وَوَليَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصيِهِمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، عُمَّ بِلادَنا وَبِلادَ المسْلمينَ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَادْفَعْ عَنَّا كُلَّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ.

أَكْثرِوُا عِبادَ اللهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَىَ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا اليَوْمِ؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْروُضَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ خَيْرِ أَيَّامِكُمْ كَما قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن مِنْ أفضل أيامِكُم يومَ الجُمعة..فأكثروا على مِن الصلاةِ فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ»أخرجه: أبو داود(1047), والنسائي(1374), وهو: صحيح.فاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف