عن أبي هريرةَ ـ رضي الله عنه ـ عن النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: «إنَّ الله تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيرَةُ الله ـ تَعَالَى ـ أَنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ» متفق عَلَيهِ.
و«الغَيْرةُ»: بفتحِ الغين، وَأَصْلُهَا الأَنَفَةُ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
هذا الحديث النبوي فيه الخبر عن الله ـ عز وجل ـ والله ـ جل وعلا ـ أخبر في كتابه عن نفسه بما تعرف به على عباده وكذلك رسله صلوات الله وسلامه عليهم أخبروا عن الله ـ عز وجل ـ بما يعرف العباد بالله الذي يعبدون وكل ما أخبرت به الرسل عن الله ـ عز وجل ـ حقًا يجب اعتقاده ولا يجوز أن يدخل فيه الإنسان بفكر أو تمثيل أو تحريف أو تعطيل، بل الواجب فيما أخبر الله تعالى به عن نفسه الإيمان بما أخبر به عن نفسه وأخبرت به رسله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «إنَّ الله تَعَالَى يَغَارُ» والغيرة هي خصلة وصفة تجمع معاني عدة، فالغيرة تشتمل على البغض للشيء وكذلك الكره والمقت، ولكن ينضاف إلى هذه المعاني أيضًا المعاجلة بالعقوبة، فإن الغيرة تقتضي الهم بمعاقبة من جرى منهم ما يوجب الغيرة ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغه قول سعد بن عبادة أنه لو وجد مع امرأته رجلًا لضربه بالسيف غير مصفح أي بادره بالقتل.
فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ، واللَّهِ لَأَنَا أغْيَرُ منه، واللَّهُ أغْيَرُ مِنِّي»صحيح البخاري(173)وصحيح مسلم (1499) فأثبت الغيرة في هذا السياق في ذنب خاص وهو ما يتعلق بالحرمات وما يتعلق بالعرض، ولم يكن ذلك على وجه البغض فقط بل الغيرة هنا اقترنت بالبغض الذي يصاحبه عقوبة فقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله تعالى يغار، إن الله ـ تعالى ـ يمقت ويغضب وقد يعاجل بالعقوبة من يصدر منه ما يوجب الغيرة ثم بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما تقع غيرة الله ـ عز وجل ـ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إنَّ الله تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيرَةُ الله تَعَالَى، أَنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ»صحيح البخاري(5223),وصحيح مسلم (2761) وغيرة الله بينها ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه، وهذا أوسع معاني الغيرة المضافة إلى الله ـ عز وجل ـ فإن الغيرة المضافة إلى الله ـ عز وجل ـ جاءت في الأحاديث على نوعين:
الأول: عام وهو ما في هذا الحديث يشمل كل ذنب ومعصية وجاء خاص بالفواحش والذنوب العظيمة لاسيما ما يتعلق منها بالأعراض كما جاء ذلك في الصحيح من حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال وذلك في خطبة الاستسقاء «يا أمَّة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عَبْدُهُ أوْ تَزْنِيَ أمَتُهُ».صحيح البخاري (1044), وصحيح مسلم (901)
فذكر الفاحشة على وجه الخصوص، لأنها موجبة للغيرة، فالغيرة منها ما هو عام يشمل كل الذنوب والمعاصي، ومنها ما هو خاص وهو أخص وأحق بغيرة الله ـ عز وجل ـ وهو ما يتعلق بالفواحش ولهذا يجب على المؤمن أن يتجنب كل ما حرمه الله تعالى عليه صغيرًا كان أو كبيرًا قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾[الأنعام: 120] أي ما ظهر منه وما بطن وما كبر وما صغر، وذلك لا يكون إلا بالمراقبة فإن العبد إذا راقب الله ـ عز وجل ـ واستحضر شهوده جل في علاه لما يكون من شأنه كان ذلك موجبًا له أن ينزجر وأن يكف نفسه عن المعصية، فإذا خلوت بذنب أو همت نفسك بمعصية تذكر أن الله يغار وقد تكون من عواقب هذه الغيرة أن يؤاخذك بما فعلت عاجلًا غير آجل، وهذا يقتضي دوام المراقبة لله ـ عز وجل ـ والملاحظة لأمره ونهيه.
ففي الأوامر فعلًا لا تتأخر عما أمرك الله ـ تعالى ـ به واجتهد في فعله وفي النواهي اجتنابا وحذرًا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وارزقنا القيام بحقك سرًا وإعلانًا وغيبًا وشهادة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.