يَا بَائِعا نَفسه بيع الهوان لَو استرجعت ذَا البيع قبل الْفَوْت لم تخب
وبائعا طيب عَيْش مَا لَهُ خطر ... بطيف عَيْش من الآلام منتهب
غبنت وَالله غبنا فَاحِشا ولدى ... يَوْم التغابن تلقى غَايَة الْحَرْب
وواردا صفو عَيْش كُله كدر ... أمامك الْورْد حَقًا لَيْسَ بِالْكَذِبِ
وحاطب اللَّيْل فِي الظلماء منتصبا ... لكل داهية تدني من العطب
ترجوا الشِّفَاء بأحداق بهَا مرض ... فَهَل سَمِعت ببرء جَاءَ من عطب
ومفنيا نَفسه فِي أثر أقبحهم ... وصفاللطخ جمال فِيهِ مستلب
وواهبا نَفسه من مثل ذَا سفها ... لَو كنت تعرف قدر النَّفس لم تهب
شَاب الصِّبَا والتصابي لم يشب ... وَضاع وقتك بَين اللَّهْو واللعب
وشمس عمرك قد حَان الْغُرُوب لَهَا ... والفيء فِي الْأُفق الشَّرْقِي لم يغب
وفاز بالوصل من قد جدوا انقشعت ... عَن أفقه ظلمات اللَّيْل والسحب
كم ذَا التَّخَلُّف وَالدُّنْيَا قد ارتحلت ... ورسل رَبك قد وافتك فِي الطّلب
مَا فِي الديار وَقد سَارَتْ ركائب من ... تهواه للصب من شكر وَلَا أرب
فافرش الخد ذياك التُّرَاب وَقل ... مَا قَالَه صَاحب الأشواق والحقب
مَا ربع مية محفوفا يطِيف بِهِ ... غيلَان أشهى لَهُ من ربعك الخرب
منازلا كَانَ يهواها ويألفها ... أَيَّام كَانَ منال الْوَصْل عَن كثب
وَلَا الخدود وَلَو أدمين من ضرج ... أشهى إِلَى ناظري من ربعك الخرب
وَكلما جليت تِلْكَ الربوع لَهُ ... يهوى إِلَيْهَا هوى المَاء فِي الصبب
أحيي لَهُ الشوق تذكار العهود بهَا ... فَلَو دعِي الْقلب للسلوان لم يجب
هَذَا وَكم منزل فِي الأَرْض يألفه ... وَمَاله فِي سواهَا الدَّهْر من رغب
مَا فِي الْخيام أَخُو وجدير يحك إِن ... بثثته بعض شَأْن الْحبّ فاغترب
وَأسر فِي غَمَرَات اللَّيْل متهديا ... بنفحة الطّيب لَا بِالْعودِ والحطب
وَعَاد كل أخي جبن ومعجزة ... وَحَارب النَّفس لَا تلقيك فِي الْحَرْب
وَخذ لنَفسك نورا تستضيء بِهِ ... يَوْم اقتسام الورى الْأَنْوَار بالرتب
إِن كَانَ يُوجب صبري رَحْمَتي فرضا ... بِسوء حَالي وَحل للضنا بدني
منحتك الرّوح لَا أبغي لَهَا ثمنا ... إِلَّا رضاك ووافقري الا الثّمن
أحن بأطراف النَّهَار صبَابَة ... وبالليل يدعوني الْهوى فَأُجِيب
وَإِذا لم يكن من الْعِشْق بُد ... فَمن عجز عشق غير الْجَمِيل
فَلَو أَن مَا أسعى لعيش معجل ... كفاني مِنْهُ بعض مَا أَنا فِيهِ
ولكنما أسمى لملك مخلد ... فوا أسفا إِن لم أكن بملاقيه
يَا من هُوَ من أَرْبَاب الْخِبْرَة هَل عرفت قيمَة نَفسك إِنَّمَا خلقت الأكوان كلهَا لَك يَا من غذى بلبان الْبر وقلب بأيدي الألطاف كل الْأَشْيَاء شَجَرَة وَأَنت الثَّمَرَة وَصُورَة وَأَنت الْمَعْنى وصدف وَأَنت الدّرّ ومخيض وَأَنت الزّبد منشور اختيارنا لَك وَاضح الْخط وَلَكِن استخراجك ضَعِيف مَتى رمت طلبي فاطلبني عنْدك اطلبني مِنْك تجدني قَرِيبا وَلَا تطلبني من غَيْرك فَأَنا أقرب إِلَيْك مِنْهُ لَو عرفت قدر نَفسك عندنَا مَا أهنتها بِالْمَعَاصِي إِنَّمَا أبعدنا إِبْلِيس إِذْ لم يسْجد لَك وَأَنت فِي صلب أَبِيك فوا عجبا كَيفَ صالحته وَتَرَكتنَا لَو كَانَ فِي قَلْبك محبَّة لبان أَثَرهَا على جسدك
وَلما ادعيت الْحبّ قَالَت كذبتي ... أَلَسْت أرى الْأَعْضَاء مِنْك كواسيا
لَو تغذى الْقلب بالمحبة لذهبت عَنهُ بطنة الشَّهَوَات
وَلَو كنت عُذْري الصبابة لم تكن ... بطينا وأنساك الْهوى كَثْرَة الْأكل
لَو صحّت محبتك لاستوحشت مِمَّن لَا يذكرك بالحبيب وَاعجَبا لمن يَدعِي الْمحبَّة وَيحْتَاج إِلَى من يذكرهُ بمحبوبه فَلَا يذكرهُ إِلَّا بمذكر أقل مَا فِي الْمحبَّة أَنَّهَا لَا تنسيك تذكر المحبوب
ذكرتك لَا أَنِّي نستك سَاعَة ... وأيسر مَا فِي الذّكر ذكر لساني
إِذا سَافر الْمُحب للقاء محبوبه ركبت جُنُوده مَعَه فَكَانَ الْحبّ فِي مُقَدّمَة الْعَسْكَر والرجاء يَحْدُو بالمطى والشوق يَسُوقهَا وَالْخَوْف يجمعها على الطَّرِيق فَإِذا شَارف قدوم بلد الْوَصْل خرجت تقادم الحبيب باللقاء
فداو سقما بجسم أَنْت متلفه ... وأبرد غراما بقلب أَنْت مضرمه
وَلَا تَكِلنِي على بعد الديار إِلَى ... صبري الضَّعِيف فصبري أَنْت تعلمه
تلقى قلبه فقد أَرْسلتهُ عجلا ... إِلَى لقائك والأشواق تقدمه
فَإِذا دخل على الحبيب أفيضت عَلَيْهِ الْخلْع من كل نَاحيَة ليمتحن أيسكن إِلَيْهَا فَتكون حَظه أم يكون التفاته إِلَى من ألبسهُ إِيَّاهَا ملأوا مراكب الْقُلُوب مَتَاعا لَا تنْفق إِلَّا على الْملك فَلَمَّا هبت ريَاح السحر أقلعت تِلْكَ المراكب فَمَا طلع الْفجْر الا وَهِي بالمينا قطعُوا بادية الْهوى بأقدام الْجد فَمَا كَانَ إِلَّا الْقَلِيل حَتَّى قدمُوا من السّفر فأعقبهم الرَّاحَة فِي طَرِيق التلقي فَدَخَلُوا بلد الْوَصْل وَقد حَاز ربح الْأَبَد فرّغ الْقَوْم قُلُوبهم من الشواغل فَضربت فِيهَا سرادقات الْمحبَّة فأقاموا الْعُيُون تحرس تَارَة وترش أُخْرَى سرادق الْمحبَّة لَا يضْرب إِلَّا فِي قاع نزه فارغ
نزّه فُؤَادك من سوانا والقنا ... فنجنابنا حل لكل منزّه
الصَّبْر طلسم لكنز وصالنا ... من حل ذَا الطلسم فَازَ بكنزه