×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : وصايا لقمان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:17481

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُِهُ،وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِيِنَ وَالآخِرِيِنَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيِمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، خِيرَتُهُ مَنْ خَلْقِهِ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إَِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بِعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاقْبَلوُا بِشارَةَ اللهِ لَكُمْ وَإِنْعامِهِ عَلَيْكُمْ بإنْزالِ هَذا القُرْآنِ العَظيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَيونس:57-58.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, هذا الكِتابُ العَظيِمُ، هذا القُرآنُ المجيِدُ، هَذا الكِتابُ المبيِنُ، هذا الوَحْيُ القَويِمُ، هَذا الصِّراطُ المسْتقيمُ، هَذا حَبْلُ اللهِ المتينُ الَّذيِ مِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ هُدَيَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ضَلَّ وَشَقِيٌ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ الَّذيِنَ هُمْ أَهْلِكَ وَخاصَّتِكَ يا ذا الِجلالِ وَالإِكْرامِ.

عِبادَ اللهِ, هَذا القُرآنُ تَضَمَّنَ هَداياتٍ عُظمَىَ؛ فَكُلُّ آيَةٍ فِيِهِ فِيِها مِنَ الهُدَىَ وَدِيِنِ الحَقِّ ما يَهْدِيِ إِلَىَ أَقْومِ سَبِيِلٍ، وَيَدُلُّ عَلَىَ أَقْوَمِ طَريِقٍ؛ قالَ اللهُ تَعَالَىَ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء:9 فاسْتَمْسِكوُا بِهِ، وَأَقْبِلوُا عَلَيْهِ، وَخُذوُا بِوصاياهُ، وَأَقْبِلوُا عَلَىَ ما فِيِهِ مِنْ هداياتٍ؛ فِإِنَّهُ يخُرِجُكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَىَ النُّوُرِ، يَهْديِكُمْ سُبُلَ السَّلامِ، يَدُلُّكْمْ عَلَىَ سَعادَةِ الدُّنْيا وَفَوْزِ الآخِرَةِ، فَأَقْبِلوُا عَلَىَ القُرآنِ، وَتَدَبَّروُا آياتِهِ، وَخُذوُا بوُصاياهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ طَريِقِ النَّجاةِ.

ذَكَرَ اللهُ تعَالىَ فيِ كِتابِهِ مِنَ الوَصايا ما تَسْتَقيِمُ بِهِ الأَحْوالُ، وَيَصْلُحُ بِهِ المعاشُ وَالمعادُ، وَيَسْتقيِمُ بِهِ ما بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ وَما بَيْنَ العَبْدِ وَالنَّاسِ، وَسَعادَتِكَ صَلاحِكَ نَجاحُكُ ابْتِهاجُكَ فَوْزُكَ إِنَّما هُوَ بِصلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ، وَبِصلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ. وَقَدْ جَمَعهُما القُرْآنُ لَكَ فيِ وَصاياهُ، وَفيِ أَوامِرِهِ وَنَواهِيِهِ، وَفي تَوْجِيِهاتِهِ، وَجَميِعِ ما فِيِهِ كُلُّهُ يَدْعوُ إِلَىَ إِصْلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَِبَّكَ، وَإِصْلاحِ ما بَينْكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ.

وَخُذْ لِذلِكَ مِثالًا فِيما ذَكَرُهُ اللهُ تَعالَىَ مِنْ وَصايا لُقْمانَ لِابْنِهِ، فَلَقُمانُ الحَكيمُ كانَ رَجُلًا مِنَ الصَّالحينَ آتاهُ اللهُ تَعالَىَ حِكْمَةً وَفَصاحَةً وَبَيانًا وَنُصْحًا، ذَكَرَ اللهُ تَعالَىَ وَصِيَّتُهُ لابْنِهِ في كِتابِهِ الحَكيمِ، قالَ تَعالَىَ فيِ ذِكْرِ وَصِيَّةِ لُقْمانَ لابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان:13، هَذا صَدْرُ الوَصايا وَأَوُّلُها؛ فَإِنَّهُ قَدْ ذكَرَ في سوُرةِ لُقْمانَ مِنْ وَصايا لُقْمانَ لِابْنِهِ ما فِيِهِ صَلاحُ المعاشِ وَالمعادِ، صَدْرُ ذَلِكَ وَأَصْلُهُ وَأَساسُهُ وَأَوَّلُهُ: إِصْلاحُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ تَعالَىَ.

وإَنِمَّا يَكوُنُ صَلاحُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَكوُنُ ذَلِكَ: بِتَوْحِيِدِهِ، وَعِبادَتِهِ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَالسَّلامةُ مِنْ كُلِّ شِرْكٍ ظاهِرٍ أَوْ باطِنٍ؛ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبادَتِهِ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، كَما قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56؛ فَقَدْ خَلَقَ اللهُ تعالَىَ الجِنَّ وَالإِنْسَ لهِذِهِ الغايةَ العُظْمَىَ؛ وَهِيَ عِبادَتُهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ؛ لِذَلِكَ كانَ الفَلاحُ وَالنَّجاحُ وَالنَّجاةُ إِنَّما هِيَ في تَحْقيِقِ هذِهِ الغايَةِ، لِذَلِكَ كانَتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ العَظيمَةُ الَّتِيِ أَوْصَىَ بِها لُقْمانُ ابْنَهُ: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان:13.

أَشادَ اللهُ بِلُقْمانَ بَيْنَ يَدَيِ الوَصايا؛ لَفْتًا لِلانْتِباهِ، وَلَفْتًا لأَهَمِيَّةِ ما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الوَصايا مِنْ صلاحِ الديِّنِ وَالدُّنْيا: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 12 وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّلقمان:13 أي: يجتهد في إصلاحه وإخراجه من كل سوء، وهدايته لكل خير ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان:13 نَهاهُ عَنِ الشِّرْكِ وَهُوَ تَسْوِيَةُ غَيْرِ اللهِ بِاللهِ، وَهُوَ نَقْضٌ لِلتَّوْحِيِدِ الَّذِيِ عَلَيْهِ تَقوُمُ الدُّنْيا وَالآخِرَةُ، وَبِهِ صَلاحُ المعاشِ وَالمعادِ، وَبَيَّنَ لَهُ خُطوُرَةَ الوُقوُعِ في الشِّرْكِ سَواءٌ كانَ في القَوْلِ أَوْ كانَ في القَلْبِ أَوْ كانَ في العَمَلِ؛ فَمِنَ الشِّرْكِ القَلْبِيِّ مَحَبَّةُ غَيْرَ اللهِ وَتَعْظيِمُهُ، وَمِنَ الشِّرْكِ القَوْليِّ الحَلْفُ بِغَيْرِ اللهِ، وَالاسْتِغاثَةُ بَغَيْرِهِ، وَمِنَ الشِّرْكِ العَمَلِيِّ النَّذْرُ وَالذَّبُْح لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَذْرُ الأَعْمالُ الصَّالحَةُ وَالذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كُلُّ ذَِلكَ مِنَ الشِّركِ الَّذي يَدْخُلُ في قَوْلِ لُقْمانَ لابْنِهِ: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان:13.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ الوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ: وَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ بَأَعْظَمِ الحُقوُقِ البَشَرِيَّةِ وَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ بِالوَالِدَيْنِ: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِلقمان:14 الأَبُ وَالأُمُّ عَلَىَ حَدٍّ سِواءُ، ثُمَّ بيََّن ما لِلأُمِّ مِنْ فَضيِلَةٍ وَسَبَقَ في هَذِهِ الوَصِيَّةِ ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُلقمان:14، فَذَكَرَ الأُمَّ عَلَىَ وَجْهَ الخُصوُصِ؛ لِعِظَمِ حَقِّها في الوَصِيَّةِ، «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟» سُؤالٌ وُجِّه إِلَىَ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ: «أُمَّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «أُمَّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «أُمُّكَ»، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «أَبوُكَ»البخاري ح(5971), ومسلم ح(2548) وإِنمَّا ذَكَرَ الوَصِيَّةَ بِالوالِديْنِ دوُنَ غَيْرِهِما مِنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ صَلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ أَنْ تُصْلِحَ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا عَلَيْكَ وَهُما وَالداكَ؛ فَإِذا أَحْسَنْتَ في صِلَتِكَ لِوالدَيِكَ وَقُمْتَ بِحَقِّهِما، كانَ صَلاحُكَ مَعَ زَوْجِكَ، مَعَ أَوْلادِكَ، مَعَ جِيرِانِكَ، مَعَ ذَوِيِ رَحِمِكَ، مَعَ سائِرِ الخَلْقِ عَلَىَ ذَلِكَ النَّحْوِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنَ إِلَىَ وَالِدَيْهِ وَبِرِّهِما كانَ مُطيِقًا أَنْ يَقوُمَ بِحقوُقِ الخَلْقِ؛ فَإِنَّ أَشَقَّ الحقوُقِ حَقُّ الوالِدَيْنِ؛ إِذْ حَقُّهُما في الحَياةِ وَالمماتِ؛ فَلَيْسَ مُؤُقَّتًا بِوَقْتِ، وَلا مَحْصوُرًا بِزَمَنٍ، بِخلافِ الصَّاحِبِ المرافِقِ لَكَ في سَفَرٍ فَحَقُّهُ زَمَنُ صُحْبَتِهِ، وَبخلافِ الزَّوْجَةِ فَحَقُّها وَقْتُ الارْتِباطِ بها، وَبِخلافِ غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِيِ الحُقوُقِ؛ فَإِنَّ أَدْوَمَ الحقوُقِ وَأَثْبَتهَا عَلَىَ الإِنْسانِ حَقُّ الوَالدَيْنِ.

وَلِذَلِكَ أَوْصَىَ اللهُ تَعالَىَ بِهما؛ لِأَنَّ صَلاحَ الصِّلَةِ بِهِما صَلاحٌ لِلإنْسانِ في سَائِرِ الصَّلاتِ ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَالقمان:15 بَيانُ حُدوُدِ البِرِّ وَحُدوُدُ هَذِهِ الوَصِيَّةِ أَنَّها فيِ المعْروُفِ، لَيْسَ في ذَلِكَ طاعَةٌ في مَعْصِيَةٍ وَلا في الاسْتِجابَةِ لما فِيِهِ مخُالَفَةٌ حَقَّ اللهِ تَعالَىَ؛ فَحَقُّ اللهِ أَعْظَمُ الحُقوُقِ، ﴿فَلا تُطِعْهُمَا﴾. هَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُما بِذَلِكَ؟ أَيْ: إِذا أَمرا الإِنْسانَ بما فيِهِ شَرٌّ وَفَسادٌ؟

قالَ اللهٌ تَعالَىَ: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًالقمان:15 فَلا تُطِعْهُما فيِما يَتَعَلَّقُ بِالسُّوُءِ وَالشَّرِّ، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَيْسَ مُسْقِطًا لحَقِّهِما، بَلْ حَقُّهُما ثَابِتٌ ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَلقمان:15، تَذْكيِرٌ بِالمَوْقِفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَكُلَّما تَلَكَّأْتَ في حَقِّ أَحَدٍ أَوْ تَأَخَّرَتْ في الوفاءِ بما أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ حُقوُقِ الخَلْقِ تَذَكَّرْتَ أَنَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكَ، وَأَنَّ إِلَيْهِ المصيِرُ، وَأَنَّهُ سَيَسْأَلُكَ عَنْ حقوُقِ الخَلْقِ ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَلقمان:15.

أَيُها الإِخْوَةُ, إِنَّ حَقَّ اللهِ عَظيِمٌ، وَحَقَّ الوالِدَيْنِ قَرْنُهُ اللهُ بِحَقَّهُ جَلَّ فيِ عُلاهُ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاالإسراء:23 فابْذُلْ كُلَّ جَهْدِ في وَفاءِ حَقٍّ اللهِ، وَفِي وَفاءِ حَقِّ الوالِدَيْنِ لا تَسْتَصْغِرْ فيِ ذَلِكَ صَغِيرًا، وَلا تَحْتَقِرْ شَيْئًا مِنَ الِإحْسانِ وَالمعْروُفِ، كَما لا يَهوُنُ في عَيْنِكَ شَيْءٌ مِنِ التَقَّصيِرِ في حَقِّ رَبِّكَ وَفي حَقِّ الخَلْقِ، «إِيَّاكُمْ وَمُحَقِّراتِ الذُّنوُبِ»مسند أحمد(3813), وهو: حسن لغيره هَكَذا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في التَّحْذيِرِ مِنْ صَغيِر الذَّنْبِ؛ لأَنَّ العُيُوُنَ قَدْ تَرَىَ الذَّنْبَ صَغيْرًا فَتَجْتَرِئُ النَّفْسُ علَيْهِ.

ذكَّركَ اللهُ - جَلَّ في عُلاهُ - بِأَنَّهُ ما مِنْ صَغيِرٍ وَلاَ كَبيِرٍ إِلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ في كِتابِ مُوَثَّقٌ سَيَشْهَدُ عَلَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَاالكهف:49 مِنْ خِيْرٍ أَوْ شِرٍّ، فَمَنْ يَعْمَلْ وَزْنَ مِثْقالِ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِنَ الخَيْرِ سَيراهُ خُيْرًا، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُالزلزلة: 8 لمَّا كانَ الخَيْرُ مِنْهُ الصَّغيِرُ وَالكَبيِرُ، وَالشَّرُّ مِنْهُ الصَّغيِرُ وَالكبيِرُ، وَقَدْ يَسْتَهيِنُ الإِنْسانُ بِصَغيِرِ الخيَرِ وَحَقيِرُ الشَّرِّ؛ نَبَّهَ اللهُ تَعالَىَ إِلَىَ خُطوُرَةِ ذَلِكَ فَقالَ فِي وَصَيَّةِ لُقْمانَ لابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍلقمان:16 يَعْنِيِ وَزْنَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، وَهِيَ ما لا يُوُزَنُ عادَةً؛ إِنْ كانَتْ عَلَىَ هَذا المقْدارِ مِنَ الثِّقَلِ وَالوَزْنِ ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُلقمان:16 سَيَأْتِيِ بِها اللهُ، لَنْ تَضيِعَ إِنْ كانَتْ مِنَ الخَيْرِ، وَلَنْ تَذْهَبَ إِنْ كانَتْ مِنَ الشَّرِّ إِذا لمْ تَتُبْ مِنْهُ، فاحْذَرِ الصَّغيِرَ مِنَ الشَّرِّ وَبادِرْ إِلَىَ الصَّغيِرِ مِنَ الخَيْرِ «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق»مسلم(2626)، ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍلقمان:16 أَمْنَعُ ما يَكوُنُ، وَسَطَ صَخْرَةٍ ﴿أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِلقمان:16 أَبْعَدُ ما يَكوُنُ سِعَةً، أَيْنَ الحَبَّةُ؟ حَبَّةُ الخَرْدَلِ في هذا الحَيِّزِ الَّذِيِ نَحْنُ فيِهِ في المَسْجِدِ؟! هَلْ نَسْتَطيِعُ لَوْ اجْتَمَعْنا جَميِعًا أَنْ نَزِنَها؟! أَوْ أَنْ نُمْسِكَها؟! لا، اللهُ يأْتِيِ بِها وَيُحاسِبُكَ عَلَيْها ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهالزلزلة:7-8، ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌلقمان:16 أَيْ: يَصِلُ إِلَىَ ما يَشاءُ مِنْ طَريِقٍ خَفِيٍّ هَذا مَعْنَىَ الُّلطْفِ، الوُصوُلُ إِلَىَ المقْصوُدِ وَالمطْلوُبِ مِنْ طَريِقٍ غَيْرِ ظاهِرٍ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌلقمان:16 يَعْلَمُ الخفايا وَالأَسْرارِ، لا تَخْفَىَ عَلَيْهِ خَافِيَةْ، وَلا تَغيِبُ عَنْهُ خَفَيَّةُ، بَلْ السِّرُّ عِنْدَهُ عَلانِيَةٌ.

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِلقمان:17، ثَلاثُ وَصايا جِماعُ خَيْرِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ، وَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ:﴿أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ ائْتِ بِها قائِمَةً، وَهذا في الفَرائِضِ أَوَّلًا مِنَ المكْتوُباتِ الَّتي فَرَضَها اللهُ عَلَيْكَ, ثُمَّ النَّوافلِ بابٌ وَاسِعٌ وَالنَّاسُ فيِهِ مُتفاوِتوُنَ، وَما يَسْجُدُ العَبْد لِرَبَّهِ مِنْ سَجْدَةٍ إلَاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِها دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِها خَطيِئَةً.

﴿أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ ائْتِ بِها قائِمَةً، فَتِّشْ نَفْسَكَ فيِ الفَرائِضِ والواجِباتِ، في صِلاةِ الجماعةِ في صَلاةِ الفَجْرِ، في صلاةِ العَصْرِ، في سائِرِ الصَّلَواتِ؛ أَيْنِ أَنْتَ مِنْ إِقامَةِ الصَّلاةِ، وَلا تَبْحَثْ لِنَفْسِكَ عَنِ الأَعْذارِ فَما أَكْثَرها وَسَيَأْتِيِكَ الشَّيْطانُ بِأَلْفِ عُذْرٍ يُبَرِّرُ لَكَ الخَطَأَ، لَكِنَّكَ يَوْمَ القِيامَةَ سَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ ا لَّلطيِفِ الخَبير الَّذيِ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىَ.

قَدْ تَعْتَذِرُ عِنْدَ الناَّسُ بِعُذْرٍ فَيَسْكُتوُنَ عَنْكَ، لَكِنَّ اللهُ عَلَيْكَ مُطَّلِعٌ وَهُوَ بِكَ خَبيِرُ، فاتَّقِ اللهَ وَلا تُضَيِّعْ حُقوُقَهُ.

﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عنِ الْمُنكَرِ﴾ دَعْوَةٌ لإِصْلاحِ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ عَلَىَ قَدْرِ المسْتَطاعِ، فَإِنَّ صَلاحَ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ أَنْ تَأْمُرَ بِالمعْروُفِ وَتَنْهَىَ عَنْ المنْكَرِ وَفَقْ ما جاءَتْ بِهِ الشَّريِعَةِ، «مَنْ رَأَىَ مِنْكُمْ مُنْكرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فَإِنْ لمْ يِسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمانِ»مسلم(49).

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾، فَلابُدَّ أَنْ تَلْقَىَ ما تَكْرَهُ إِمَّا بِسَبَبِ قِيامِكَ بما أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِمَّا بِسَبَبِ تَرْكِكَ ما نَهاكَ اللهُ عَنْهُ، وَإِمَّا بِما يُجْريِهِ اللهُ مِنَ الأَقْضِيَةِ وَالأَقْدارِ؛ فَاصْبِرْ عَلَىَ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُموُرِ؛ أَيْ: مِنَ الأُموُرِ الَّتِي يُعْزَمُ عَلَيْها وَلا يُوَفَّقُ إِليْها إِلَّا أوُلوُ العزائِمِ، أَصْحابُ الِهمَمِ العالِيَةِ، وَأَصْحابُ الرَّغَباتِ الصَّادِقَةِ، وَسَيُيَسِّرُ اللهُ لهُمُ اليُسْرَىَ: ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُآل عمران:8، أَقوُلُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لِيِ وَلَكُمْ فَاسْتَغْفروُهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيِمُ.

 * * * *

الخطبة الثانية:                                                              

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِريَنَ، لَهُ الحَمْدُ في الأوُلَىَ وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّليِنَ وَالآخِرينَ، وَأَشْهَدُ أَنّّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أما بعد:

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ وَخُذوُا بِوَصايا كِتابِهِ الحَكيِمِ؛ فَهَذا القُرآنُ يَهْديِ لِلَّتيِ هِيَ أَقْوَمُ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء:9، فَاسْأَلوُا اللهَ إِعانَتَهُ عَلَىَ القِيامِ بما فِيِهِ وَالأَخْذِ بِوَصاياهُ، فَذاكَ النَّجاحُ وَالفَوْزُ، وَالسَّبْقُ وَالسَّعادَةُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاطه:124.

عِبادَ اللهِ, إِنَّ صَلاحَ ما بَيْنِكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ أَنْ تَنْزِعَ مِنْ قَلْبِكَ كُلَّ عُلُوٍّ عَلَىَ الخَلْقِ، لا تِرِىِ لِنَفْسِكَ عَلَىَ غَيْرِكَ فَضْلًا، احْذَرْ أَنْ يَقوُمَ في نَفْسِكَ أَنْ تَرَىَ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِكَ؛ فَإِنَّكَ لا تَعْلَمُ مَنِ السَّابِقُ عِنْدَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الأَفْضَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسادُ مَا بَيْنَ الإِنْسانِ وَالخَلْقِ عُلوُّهُ وَارْتِفاعُهُ وَكِبْرُهُ إِمَّا بِمالِهِ، وَإِمَّا بِجاهِهِ، وَإِمَّا بِعَلْمِهِ، وَإِمَّا بِصلاحِهِ، وَإِمَّا بِمكانَتِهِ، وَإِمَّا بِنَسَبِهِ، وَإِمَّا بِوَلَدِهِ، وَإِمَّا بِوَظيِفَتِهِ كُلُّ هذا لَيْسَ سَبَبًا لِلفَضْلِ، وَلَيْسَ مُسَوِّغًا أَنْ تَرَىَ لِنَفْسِكَ عَلَىَ غَيْرِكَ فَضْلًا؛ فَإِنَّ الفَضائِلَ عِنْدَ اللهِ كَما قالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ :«رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ»مسلم ح(2622).أَيْ: لَنَفَّذَ ما طَلَبَ، «أشعث أغبر» وَهَذا لا يُكوُنُ إِلَّا فيِمَنْ حَالُهُ ضَعيِفَةٌ، وَحالُهُ مَرْذوُلَةٌ في الغَالِبِ، «مَدْفوُعٌ بِالأَبْوابِ» لَوْ طَرَقَ الأَبْوابَ: ارْجِعْ وَراءَكَ، اذْهَبْ، وَلا يُفْتَحُ لَهُ، وَلا يُسْتَقْبَلْ.

«رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفوُعٍ بِالأَبْوابِ» لَكِنَّهُ عِنْدَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمواتِ؛ الأَبْوابُ لَهُ مَفْتوُحَةٌ، «لو أقسم على الله لأبره» أَيْ: لَنَفَّذَ مَا يُطْلَبُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَرَىَ لِنَفْسِكَ عَلَىَ غَيْرِكَ فَضْلًا مَهْما سَمَوْتَ عِلْمًا، وَفَضْلًا، وَصَلاحًا، وَجاهًا، وَمالًا، وَوَلَدًا، وَوَظيِفَةً، وَنَسَبًا؛ فاَلسَّبْقُ عِنْدَ اللهِ باِلأَعْمالِ الصَّالحَةِ، «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»مسلم ح(2699)السَّبْقُ في صلاحِكَ، وَصلاحُكَ لَيْسَ مَعْلوُمًا لَكَ عِلمًا يَقيِنًا حَتَّى تَرَىَ لِنَفْسِكَ عَلَىَ غَيْرِكَ فَضْلًا، قَدْ يَقوُلُ: أَنا أُصَلِّيِ، وَأَنا أَفْعَلُ، وَأَفْعَلُ، وَأَفْعَلُ مِنَ الصَّالحاتِ، كُلُّ هَذا لاَ تَعْلَمُ هَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلسَّبْقِ عِنْدَ اللهِ وَهُوَ مَوْضِعُ قَبوُلٍ أَوْ لا؟

وَلِذَلِكَ قالَ اللهُ تَعالىَ بَعْدَ هَذِهِ الوَصايا فيِ وَصِيَّةِ لُقْمانَ لابْنِهِ: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِلقمان:18، يَعْنِيِ إِذا قُمْتَ بِكُلِّ هَذِهِ الوَصايا: تَوْحِيِدِ، وَبِرِّ والدِيْنِ، وُمُراقَبَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ في الدَّقيِقِ وَالجَليِلِ، وَإِقامَةِ الصَّلاةِ، وَأَمَرٍ بِالمعْروُفِ، وَنَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ، واصْبِرْ - فَلا تَغْتَرَّ، لا تُصَعِّرْ خَدَّك لِلنَّاسِ، لا تَرَىَ لِنَفْسِكَ عَلَىَ غَيْرِكَ فَضْلًا فَيُفْضِيِ بِكَ إِلَىَ الكِبْرِ عَلَيْهِمْ، وَالعُلُوُّ عَلَيْهِمْ، ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍلقمان:18.

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَلقمان:19 تَواضَعْ فيِ سَيْرِكَ، وكُنْ قاصِدًا فِيِهِ إِلَىَ ما تُريِدُ، ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَلقمان:19 فَلا تَرْفَعْهُ، وَلا تَكُنْ طالِبًا الغَلَبَةَ عَلَىَ غَيْرِكَ بِرَفْعِ صَوْتِكَ، ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِلقمان:19.

هَذِهِ وَصايا لُقْمانَ لابِنِهِ؛ جَمَعَتْ خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، صَلاحَ ما بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَصَلاحَ ما بَيْنَ العَبْدِ وَالخَلْقِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, أُوُلَىَ مَنْ وَجَّهْتَ إِلَيْهِمْ نُصْحَكَ هُمْ أَهْلُ بَيْتِكَ، هُمْ وَلَدُكَ، هُمْ مَنْ سَتُسْألُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ، أَوَّل مَنْ تُسْألَ عَنْهُمْ أَهُلُ بَيْتِكَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم:6، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىطه:132. تفقَّدْ نَفْسَكَ بِالصَّلاحِ في ذاتِكَ، وَاحْرِصْ عَلَىَ أَنْ تَنْقُلَ هذا الصَّلاحَ إِلَىَ وَلَدِكَ بِلُطْفٍ ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِلقمان:13 مَواعِظُ، تَذْكيِرٌ، تَرْغيِبٌ، تَرْهيِبٌ، بِلُطْفٍ وَحُنُوٌّ يَصِلُ بِهِ الِإنْسانُ إِلَىَ ما يُؤَمِّلُ مِنْ قُبوُلِ وَصِيَّتِهِ وَنَصيِحَتِهِ لأَوْلادِهِ، لَيْسَ العُنْفُ وَالقَسْوَةُ طَريقًا لِتَحْصيِلِ ذِلِكَ في كُلِّ الأَحْوالِ.

فاحْرِصْ عَلَىَ الطَّريِقِ الموُصِلِ لِلغايَةِ، «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه»مسلم(2594)، قَدْ تَحْتاجُ إِلَىَ نَوْعٍ مِنَ القَسْوَةِ.

قَسا لِيَزْدَجِرَ وَمَنْ يَكُ حازِمًا ** فَلْيَقْسُ أَحْيانًا عَلَىَ مَنْ يَرْحَمُ

لَكِنْ هذا اسْتِثْناءٌ خارجٌِ عَنِ الأَصْلِ، «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» فالقَسْوَةُ قَدْ تَكوُنُ عِلاجًا لَكِنَّهُ عِلاجٌ يَحْتاجُ في الصَّلاةِ إِلَىَ ثَلاثِ سَنواتٍ، «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ..»أحمد ح(6756)بإسناد حسن، هَذا لا يَكوُنُ هُوَ المبْدَأُ في المعالجَةِ، بَلْ يَكوُنُ عِنْدَما تَضيِقُ السُّبُلُ وَلا يكونُ طَريقًا لِلإِصْلاحِ إِلاَّ هُوَ، فاجْتَهِدوُا في إِصْلاحِ أَنْفُسِكُمْ، وَأَوْلادِكُمْ وَأَهْليِكُمْ.

حَتَّىَ الوَلدُ في صَلاحِ وَالدِهِ عَلَيْهِ مَسْؤوُلِيَّةٌ، حَتَّىَ المرْأَةُ فِي صَلاحِ زَوْجِها وَأَوْلادِها عَلَيْها مَسْؤوُلِيَّةٌ "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"البخاري(893), ومسلم(1829).

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾ صغارًا وكبارًا، آباءً وأبناءً ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ وعدهم الله ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهالتوبة: 71.

الَّلهُمَّ ارْحَمْنا بِرَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ، أَعِنَّا عَلَىَ القِيامِ بِما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْنا إِلَىَ كُلِّ خَيْرٍ ظاهِرٍ أَوْ باطِنٍ، وَاصْرفْ عَنَّا كُلِّ شَرٍّ ظاهرٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِريِنَ. الَّلُهَّم اغْفِرْ لَنا وَلإِخْوانِنا الَّذيِنَ سَبقوُنا بِالإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلوُبِنا غِلًّا لِلَّذيِنض آمنوُا رَبَّنا إِنَّكَ رءوُفٌ رحيمٌ.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانَنا، وَأَصْلحْ أَئِمَّتَنا ووُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خافَكَ واتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا الملِكَ سَلْمانَ وَوَليَّ عَهْدِهِ ِإلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصيِهِمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ.

الَّلهُمَّ احْفَظْ المسْلمينَ فيِ كُلِّ مَكانٍ، الَّلهُمَّ احْفَظْهُمْ في كُلِّ مِكانٍ، الَّلهُمَّ احْفظْهُمْ في كُلِّ مكانٍ، قِهِمْ شَرَّ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دَماءَهُمْ، الَّلهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قلُوُبِهِمْ، الَّلهُمَّ مَنْ أَرادَ بِهِمْ سوُءًا أَوْ شَرًّا فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَاكفِ المسْلميِنَ شَرَّهُ.

صَلوُّا وَسَلِّموُا عَلَىَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ، الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ محُمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إِبرْاهيمَ؛ إِنَّكَ حميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف