عن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ» رواه أبو داود وغيره.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال فيه قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ» وهذا الحديث آخر حديث ذكره المؤلف –رحمه الله- في باب المراقبة أي مراقبة الله –عز وجل-.
والمقصود بالمراقبة أي خشية الله –عز وجل- في تعدي حدوده أو في التفريط فيما أمر وأوجب ولاشك أن معاملة الرجل لامرأته الله تعالى عليه فيها رقيب، ولذلك جاءت النصوص مذكرة بتقوى الله تعالى في حق النساء لأن الرجل جعلت له القوامة كما قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[النساء: 34] هذا الحكم الشرعي وهو جعل القوامة للرجلفي بيته وعلى أهل بيته قد يستعمله بعض الناس في الخروج عن حدود الله –عز وجل- ولا يمكن أن يردع مثل أولئك إلا بتقوى الله –عز وجل- وإشعارهم بمراقبته –سبحانه وبحمده- وتذكيرهم بأن الله عليهم رقيب وهو عليهم حسيب.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾[النساء: 34] ختم الآية بهذين الوصفين العظيمين علو الله –جل وعلا- وأنه كبير مما يردع النفوس عن التعدي، وذلك أن الأصل في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم التحريم كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ».
فلا يجوز لأحد أن يتجاوز الحدود في الدماء والأبدان والأعراض والأموال إلا بحق وبينة وبرهان يجيز ذلك ويبيحه وإلا فإنه ظلم يوجب العقوبة في الدنيا وفي الآخرة، العقوبة في الدنيا بالقصاص، والعقوبة في الآخرة بما أوجبته هذه الاعتداءات من حقوق للخلق.
ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في البزار والطبراني «مَن ضرَب سوطًا ظُلْمًا اقتُصَّ منه يومَ القيامةِ» سوط واحد إذا ضربه الإنسان لغيره ظلمًا سواء ضرب رجلًا أو امرأة صغيرًا أو كبيرًا، بل حتى لو ضرب دابة ظالمًا اقتص منه يوم القيامة أي أخذ حق المظلوم منه يوم القيامة بأن يقتص له منه.
ولهذا يجب على المؤمن أن يتحرز فيما يتعلق بدماء الناس وأموالهم وأبشارهم وأعراضهم وأبدانهم، فينبغي للمؤمن أن يحذر التجاوز الحدود.
الضرب وسيلة من وسائل التقويم جاءت الشريعة به في الحدود وفي التعزيرات، في الحدود قال الله تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾[النساء: 16] وبين الأذى في قوله تعالى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾[النور: 4] في القذف عقوبة جاءت بالضرب في الحدود كما جاءت في التعازير لكن التعزير جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه حدًا ألا يتجاوز عشرة أسواط وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مُروا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وهُم أَبناءُ سبعِ سِنينَ، واضْرِبوهنَّ عَليها وهُم أَبناءُ عَشرٍ» لكن هذا الضرب لم يترك على عواهن دون قيد، بل اشترطت فيه شروط فاشترط ألا يكون مبرحًا أي مؤلمًا ألمًا يجرح أو يدمي أو يبقي عاهة، وألا يكون في مقتل وألا يكون في الوجه، كل هذه ضوابط جعلها الشارع في العقوبة والتأديب بالضرب.
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في ضرب الزوج في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾[النساء: 34] لكن هذا الضرب ليس مطلقًا بغير حق، بل لو كان هذا الضرب ظلمًا أو بغير حق كان جاريًا فيما تقدم من الوعيد والعقوبة في الدنيا والآخرة.
وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ» ليس معناه إعطاء الرجل مطلق الحرية في ضرب المرأة لا، بل هذا فيه تفكير الرجل بأن يتقي الله تعالى وألا يجعل سؤال الناس له هو المانع من الاعتداء بل يجعل رقابة الله عليه هي المانعة من الاعتداء، وكذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ» منع لتدخل الأطراف الخارجية من الأسرة فيما يجري من خلاف بين الزوجين فيما يمكن حله، ولو كان الأمر وصل إلى الضرب مادام أن الزوجين أمورهما ساكنة وسائرة ومشوا على حال سوية، فليس لأحد أن يتدخل لكن لو أن المرأة شكت ضرب زوجها فإنه يسأل الرجل فيما ضرب امرأته لأن ذلك جاء عن نتيجة شكوى ونتيجة مظلمة طلب الإنصاف فيها.
أما السؤال الابتدائي الذي لا مسوغ له إنما هو من باب التدخل في شئون الآخرين وطلب عثراتهم وكشف أستارهم فهذا مما ينهى عنه ويدخل في قوله: «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ» وفي كل حال هذا الحديث هذا معناه الذي يدل عليه وقد تكلم جماعات من أهل العلم في ثبوته فأكثر أهل العلم على عدم صحته، لكن لو صح كان معناه ما تقدم من التوجيه للرجل بمراقبة الله –عز وجل- في حق أهله وألا يكون الحاجز له في منع الظلم عنهم أن يكون محل سؤال غيره، وكذلك أن يكون السؤال ناشئا عن تدخل وتطفل على شئون الأسر، فهذا كله مما يدخل في جاء فيه الحديث «لا يُسأَلُ الرَّجُلُ فيما ضرَب امرأتَهُ».
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا جميعًا، وأن يعيذنا وإياكم من نزغات الشياطين، وليعلم أن الضرب ليس علامة خير، فالنبي –صلى الله عليه وسلم لم يضرب قط لا امرأة ولا خادمًا كما قالت عائشة ولما قيل له إن النساء يشكون ضرب أزواجهم قال: «ليس أولئك بخيارِكم» وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي» وصلى الله وسلم على نبينا محمد.