×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : من آداب المساجد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:31313

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعيِنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا, وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يِهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّليِنَ وَالآخِريِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيِهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقوُا اللهََ عِبادَ اللهِ؛ فَإِنَّ تَقْوَىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَىَ اللهِ خَلَفٌ، فَمَنْ فازَ بِالتَّقْوَىَ فازَ بِالسَّبْقِ وَالفَضْلِ، وَمَنْ خَسِرَ التَّقْوَىَ كانَ مِنَ الخاسِريِنَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ اللهَ اصْطَفَىَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَفْضَلَهُ، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونالقصص: 68 ، وَإِنَّ أَفْضَلَ البِقاعِ عِنْدَ اللهِ وَأَحَبِّها إِلَيْهِ المساجِدُ الَّتيِ يُذكَرُ فيها جَلَّ وَعَلا؛ فَفِي صَحِيِحِ الإِمامِ مُسْلمٍ مِنْ حديِثِ أِبيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالىَ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسوُلُ اللهِ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:«أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا»مسلم ح(671)، وَقَدْ شَرَّفَها اللهُ تَعالَىَ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَها، وَأَضافَها إِلَيْهِ تَشْريِفًا وَإِكْرامًا؛ فَقالَ تَعالَىَ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِالتوبة:18 ، وَقالَ تَعالَىَ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِالبقرة:114 ، وَإِضافَةُ الشَّيْءِ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ: إِمَّا أَنْ تكوُنَ إِضافَةَ خَلْقٍ، وَإِماَّ أَنْ تَكوُنَ إِضافَةَ تَشْريِفٍ وَإِكْرامٍ، وَهذا النَّوْعُ مِنِ الإِضافَةِ هُوَ إِضافَةُ تَشْرِيفٍ؛ لِبيانَ عَظيمِ مَنْزِلَةِ هَذِهِ البِقَاعِ، وَرَفيِعِ مَكانَتِها عَنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ المساِجِدَ أَفْضَلُ البِقاعِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَها مَوْضِعًا لِتَنَزُّلِ الرَّحماتِ، وَتَنَزُّلِ السَّكيِنَةِ، وَاجْتِماعِ الملائِكَةِ، ووَُصوُلِ الخَيْراتِ.

جاءَ في صَحيحِ الإِمامِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله» يَعْنِيِ في مَسْجِدٍ مِنْ مساجِدِ اللهِ، «يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»مسلم ح(2699).

عِبادَ اللهِ, إِنَّ المساجِدَ أَفْضَلُ البِقاعِ عِنْدَ اللهِ؛ وَلِذلِكَ رَتَّبَ اللهُ تَعالَىَ عَلَىَ تَعلُّقِ القُلوُبِ بِها أَجْرًا عَظيمًا وَسَبْقًا كَبيِرًا، فَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ جَلَّ في عُلاهُ: «رجل قلبه معلق بالمساجد»البخاري(660), ومسلم(1031)، يُحِبُّها، يَرْقُبُ المَجيِءَ إِلَيْها، يُطيِلُ المُكْثُ بِها، مُتَعَلِّقٌ بما يَجْريِ فيِها مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَعِبادَتِهِ.

إِنَّ النَّبيَِّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخْبَرَ عَنْ عَظيمِ فَضْلِ هَذِهِ البِقاعِ بما رتبه الله على المجيء إليها من الأجور؛ فنقل الخطى ومشي الأقدام إلى هذه البقاع المباركة رافعٌ للدرجات، وحاطٌّ للسيئات، وموجبٌ لمزيدِ الفَضْلِ مِنَ اللهِ وَالهِباتِ.

في الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حَديِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ، قالَ: قالَ النَّبِيُ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمـَ: «صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ» أي: في عبادة وطاعة، «مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»البخاري ح(477) مسلم(649).وَقَدْ قالَ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «من غدا إلى المسجد أو راح» يَعْنيِ: مَنْ ذَهَبَ إِلَىَ المسْجِدِ أَوْ جاءَ مِنْهُ صَباحًا أَوْ مَساءً «أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلًا فيِ الَجنَّةِ كُلَّما غَدا أَوْ رَاحَ»البُخاري ح(662) مُسْلم(669)أَعَدَّ اللهُ لهُ ضِيافَةً وَكَرامَةً كُلَّما غَدا أَوْ راحَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ المساجِدَ أَفْضَلُ البِقاعِ عِنْدَ اللهِ، وَلِذَلِكَ رَتَّبَ اللهُ تَعالَىَ عَلَىَ قَصْدِها لِتِلاوةِ كِتابِهِ، وَتَعَلُّمِ دِيِنِهِ أَجْرًا عَظيمًا وَفَضْلاً كَبيرًا. في حديث عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة - مكان يجتمع فيه فقراء الصحابة - فقال لهم وهم فقراء: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ؟» سوُقان في المديِنَةِ، أَيْ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَذْهَبَ باكِرًا إِلَىَ أَحَدِ هَذيْنِ السُّوُقَيْنِ «فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟» يَعْنِيِ يَرْجِعُ وَقَدْ كَسَبَ نَاقَةً أَوْ ناقَتَيْنِ مِنْ أَفْضَلِ النُّوُقِ، وَهذا أَشْرَفِ أَمْوالِ العَرَبَ في ذَلِكَ الزَّمانِ. فقالوا: يا رسول الله، نحب ذلك. أَيْ: لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيُحِبُّ ذَلِكَ، ثُمَّ قالَ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:«أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ» مُسْلِمٌ(803)فَكُلُّ آيَةٍ تَقْرَأُها في مَسْجِدٍ مِنْ مَساجِدِ اللهِ هِيَ خَيْرٌ مِنْ نَاقَةٍ، وَعَلَيْكَ الحِسابُ لِتَرَىَ عَظيِمَ الفَضْلِ الَّذيِ تُدْركُهُ بقَصْدِ المساجِدِ وَالمُكْثِ فيها.

أَتَدْروُنَ أَيُّها المؤْمنوُنَ, لماذا كانَتْ المساجِدُ عِنْدَ اللهَ بهذِهِ المنْزِلَةِ وَالمكانَةِ الرَّفيِعَةِ؟

إِنَّها المواضِعُ الَّتيِ يُذكَرُ فِيها جَلَّ فيِ عُلاهُ، المواضِعِ الَّتيِ يُعْبَدُ فيِها اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّها مَنازِلُ أَصْفيائِهِ وَأَوْليائِهِ، إِنَّها مجُتْمَعُ الشَّريِفِ مِنَ الِملائِكَةِ، قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ 36  رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُالنور:36-37  شُرِّفتْ هَذِهِ البِقاعُ بِشرِيِفِ ما فيِها مِنَ الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَبِشَريِفِ ما تُعَمَّرُ بِهِ مِنْ طاعةِ الرَّحْمَنِ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرَكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، خُذْ بِنواصيِنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، أَقوُلُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ ليَ وَلَكُمْ فاسْتَغْفِروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيِمُ.

* * * * *

الخطبة الثانية:                                                                    

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالميِنَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسوُلُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ حَقَّ تَقْواهُ، وَعَظِّموُا ما عَظَّمَهُ رَبَّكُمْ جَلَّ فيِ عُلاهُ، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِالحج: 32 .

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ اللهَ أَذِنَ وَأَمَرَ وَأَوْصَىَ بِأَنْ تُرْفَعَ هَذِهِ المساجِدُ، وَأَنْ تُبْنَىَ هَذِهِ البيُوتُ، قالَ تَعالَىَ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَالنور:36أَيْ: أَمَرَ وَأَوْصَىَ أَنْ تُشَيَّدَ، وَأَنْ تُرْفَعَ، أَلاَ وَإِنَّ مِنْ رَفْعِها عِمارَتَها وَبِناءَها؛ فَقَدْ شَهِدَ اللهُ لعُمَّارِها بِالإيمانِ والاهْتِداءِ، قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَالتوبة: 18 ، رَتَّبَ اللهُ عَلَىَ بِنائِها أَجْرًا عَظيمًا وَفَضْلًا كَبيِرًا، فَقالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ كَما في الصَّحِيِحَيْنِ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ»البخاري ح(450), مسلم(533).

عِبادَ اللهِ, إِنَّ عِمارَةَ المساجِدِ الَّتيِ أَثْنَىَ اللهُ تَعالَىَ عَلَىَ أَهْلِها وَرَتَّبَ عَلَيْها الأَجْرَ العَظيمَ تَشْمَلُ: عِمارَتَها الحِسِّيَّةَ بِبِناِئها، وَإِصْلاحِها، وَتَرْميِمِها، عَلَىَ نَحْوٍ لا إِسْرافَ فِيِهِ وَلا تَفاخُرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسيِلَةٌ وَسَبيِلٌ يُوَصِّلُ لِعمارَتِها المعْنَوِيَّةِ مِنَ الصَّلاةِ فيِها، وَذِكْرِ اللهِ تَعالَىَ وَتِلاوَتِهِ، وَنَشْرِ العِلْمِ الَّذيِ أَنْزَلَهُ عَلَىَ رَسوُلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَعِمارَةُ المساجِدِ الِحسَّيَّةِ طَريِقٌ لِعِمارَتِها المَعْنَوِيَّةِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ رَفْعِ المساجدِ وَبيُوتِ اللهِ الَّتيِ أَوْصَىَ اللهُ تَعالَىَ بِرَفْعِها في قَوْلِهِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَالنور:36  أَنْ تُنَظَّفَ المساجِدُ، وَأَنْ تُصانَ عَنِ النَّجاساتِ، وَعَنْ كُلِّ ما يُقَذِّرُها مِنَ الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ وَالأَحْوالِ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لإعرابي بال في المسجد: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»مسلم(285) وَلهذا غَلَّظَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في شَأْنِ تَقذيِرِ المساجِدِ فقالَ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلَّمَ ـ:«البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا»البخاري ح(415), ومسلم ح(552) ، وَقَدْ باشَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِنَفْسِهِ تَنْظيفُ المسْجِدِ؛ فَفِيِ الصَّحيِحِ مِنْ حديِثِ أَبِيِ سَعيِدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ أَمَامَهُ، وَلَكِنْ يَبْزُقُ، عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى»البخاري ح(414), ومسلم ح(548)يَوْمَ كانَتْ المساجِدُ مِنَ الحَصْباءِ لا فَرْشَ فيِها.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ عِنايَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالمساجدِ أَنَّهُ اعْتَنَىَ بِالقائِميِنَ عَلَيْها، ففِيِ صَحيِحِ الِإمامِ مُسْلِمٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد رجلًا أو امرأةً كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَوتنظفه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أين هو أو أين هي؟» فقالوا: مات، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أفلا كنتم آذنتموني» أي: أعلمتموني بموته، فكأنهم قللوا من شأنه، وصغَّروا الأمر الذي جرى، فقال صلى الله عليه وسلم: «دلوني على قبره أو على قبرها» فدلوه فذهب فصلى عليه أو عليها، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»البخاري ح(458), ومسلم ح(956)

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ تَطْهيِرِ المساجِدِ ما جَرَىَ في البَيْتِ الحرامِ الَّذِيِ أَذِنَ اللهُ تَعالَىَ فيِهِ لإِبراهيمَ أَنْ يَرْفَعَ قَواعِدَهُ، وَأَنْ يُشَيِّدَ بُنْيانَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِتْطْهيِرِهِ وَالعِنايَةِ بِهِ، قالَ تَعالَىَ: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾البقرة:125  فَجَعَلَ العَهْدَ بِتَطْهيِر البَيْتِ الحرامِ إِلَىَ نَبِيَّيْنِ كَريميْنِ: خَليلِ الرَّحْمنِ إِبْراهِيمَ وَابْنِهِ إِسْماعِيِلَ؛ ذَلِكَ كرامَةً لأَوْلِيائِهِ مِنَ الطائِفيِنَ وَالعاكِفيِنَ وَالركَّعِ السُّجوُدِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ إِكرامِ المَساجِدِ أَنْ تُصانَ عَنْ كُلِّ ما لا يَليِقُ بِها ممِّا يُؤْذِيِ النَّاسَ، وَممِّا يَحْصُلُ بِهِ خِلافَ المقْصوُدِ مِنْ بِنائِها. فَفِيِ الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حَديِثِ جابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قالَ: «مَنْ أَكَلَ ثَوْمًا أَوْ بَصَلًا فَلْيعْتَزِلْنا أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنا وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ»البخاري ح(855), ومسلم ح(564)،وَفيِ صَحيِحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قالَ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى، مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ»مسلم ح(563)، وَيَلْحَقُ بما ذَكَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الأَشْجارِ ذواتُ الرَّوائِحِ الكريِهَةِ كُلُّ ما لَهُ رائِحَةٌ مُسْتَقْذَرَةٌ سواءٌ أَكانَ مُباحًا أَمْ كانَ مُحَرَّمًا كالدُّخانِ، أَمْ كانَ غَيْرَ ذَلِكَ ممَّا يَنْبَعِثُ مِنْهُ مَكْروُهٌ مِنَ الرَّوائِحِ يَنْبَغِيِ أَنْ تُصانَ المساجِدُ عَنْهُ سواءٌ أَكانَ ذَلِكَ في البَدَنِ أَمْ في الملابِسِ أَمْ في المطاعِمِ أَمْ في غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا يَتعاطاهُ النَّاسُ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إنَّ المساجِدَ تُجنَّبُ كُلَّ ما لمْ تُبْنَ لَهُ مِنَ الأَعْمالِ وَالأَحْوالِ وَالأَقْوالِ؛ فَلا بَيْعَ وَلا شِراءَ في المساجِدِ، وَلا إِنْشادَ ضَالَّةٍ في المساجِدِ، هَكَذا نَهَىَ رَسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعُمَّارُها مِنَ العِبادِ يَتَأَدَّبوُنَ بِخَفْضِ الأَصْواتِ؛ فَلا يَجْهَرُ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ بِعبادَتِهِ وَطاعَتِهِ؛ كَما قالَ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رَأَىَ بَعْضَ أَصْحابِهِ قَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرآنِ: «إِنَّ المصَلِّيِ يُناجِيِ رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بماذا يُناجِيِ بِهِ، وَلا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ»مسند أحمد(5349)بإسناد صحيح. وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْتَمِعوُنَ في المسْجِدِ لِلحَديِثِ وَالسَّوالِفِ ثُمَّ يَكوُنُ بَيْنَهُمْ مِنْ رَفْعِ الأَصْواتِ ما يَخْرجُ بِهِ عَنِ المقْصوُدِ، أَوْ مِنْ نَوْعِ الحديِثِ ما لا يَليِقِ بِبُيوُتِ اللهِ الَّتِيِ إِنَّما رُفِعَتْ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أيها المؤمنون, إن مِن رَفْعِ المساجد التي أمر الله تعالى أن تُرفع؛ أن تصان عن كل قبيح، وأن يأتيها الإنسان بما يستطيع من الجَمال والزينة التي أمر الله تعالى بها في قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍالأعراف:31 ، وهذه الآية وإن كانت شاملة لكل موضع يصلي فيه الإنسان فيتزين للصلاة في بيته، أو في مسجده أو في سوقه أو في مكتبه لكنها في المساجد من باب أولى، فجنِّبوا المساجد كل ما لا يليق بها، واحتسبوا الأجر عند الله عز وجل في ذلك؛ فإنه من يعظم شعائر الله يجد من الله عطاءً وبرًّا ونوالًا وكرمًا.

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنا، وَخُذْ بِنواصِينا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، واصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأْصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا الملِكَ سَلْمانَ وَوَليَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصيِهِمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ سَدِّدْهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، وَافْتَحْ لهُمْ كُلَّ خَيْرٍ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِريِنَ.

الَّلهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذيِنَ سَبقوُنا بِالإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلوُبِنا غِلًّا لِلذِيِنَ آمنوُا رَبَّنا إِنَّكَ رءوُفٌ رَحيمٌ، حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوكيِلُ.

الَّلهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذاكْرينَ شاكرينَ راغِبينَ راهبينَ أَوَّاهينَ مُنيبينَ، الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَأَحْسِنْ في كُلِّ الأُموُرِ عاقِبَتَنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

صَلّوُا عَلَىَ نَبِيِّكُمْ مُحَمِّدٍ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْروُضَةٌ عَلَيْهِ.

الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ محُمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيَّتَ عَلَىَ إِبْراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيِمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف