فصل :
ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (عليكم بسنتي (وهذا يشمل ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من واجب ومستحب، فالسنة هي الطريقة والشريعة والمنهج والسبيل. تحفة المولود (177) وسنة الخلفاء الراشدين (الرشد ضد الغي) المهديين (المهدي ضد الضال) من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة) (رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، (5/ 44)، من طريق خالد بن معدن عن عبد الرحمن بن عمرو عن العرباض بن سارية). ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة، وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أعمال، وأفعال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشر في الأمة.
وبيان هذا أن الأصول التي يستند إليها أهل السنة والجماعة في طريقتهم ثلاثة أصول؛ أول هذه الأصول وأصلها وراسها كتاب الله؛ فإنه «مبين للدين كله، موضح لسبيل الهدى، كاف من اتبعه، لا يحتاج معه إلى غيره، يجب اتباعه دون اتباع غيره من السبل» (درء تعارض العقل والنقل (10/ 304).
وثاني هذه الأصول السنة المطهرة؛ «فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس لفظ القرآن ومعناه» (منهاج السنة النبوية (4/ 176)، وقد تقدم الكلام على منزلتها.
ثالث هذه الأصول الإجماع، «وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء، والصوفية، وأهل الحديث، والكلام، وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة، لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة، وأما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبا» (مجموع الفتاوى (11/ 341). «ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص» (المصدر السابق (19/ 195)، «فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة» (المصدر السابق).
وبهذا يتبين أن «دين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله، وسنة رسوله، وما اتفقت عليه الأمة، فهذه الثلاثة هي أصول معصومة» (درء تعارض العقل والنقل (1/ 272)، مجموع الفتاوى (20/ 164) بنى عليها أهل السنة والجماعة عقدهم، وقولهم، وعملهم.